هل حقّق الامام الحسين عليه السلام هدفه المطلوب بتلك التضحية الفريدة؟
المراد من هدف الإمام الحسين عليه السلام هي الغاية التي كان يبتغي بلوغها أو تحقيقها ، والتي بادر بثورته تلك من أجلها واستشهد في سبيلها. وتتلخص في ما يلي :
١ ـ إحياء الإسلام.
٢ ـ توعية المسلمين وكشف ماهيّة الأمويين.
٣ ـ إحياء السنّة النبوية والسيرة العلويّة.
٤ ـ اصلاح المجتمع واستنهاض الأمة. وفي هذا الصدد قال : « إنّما خرجت لطلب الاصلاح في اُمّة جدّي ، اُريد أن آمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب » (١).
٥ ـ انهاء استبداد بني اُميّة على المسلمين.
٦ ـ تحرير إرادة الاُمة من حكم القهر والتسلّط. وفي هذا الصدد يقول السيد الشهرستاني : « ولم تزل ولن تزال في الامم نهضات أئمة هدى تجاه أئمة جور. ونهضة الحسين من بين النهضات قد استحقّت من النفوس إعجابا أكثر ، لا لمجرد ما فيها من مظاهر الفضائل وإقدام معارضيه على الرذائل ، بل لأن الحسين عليهالسلام في إنكاره على يزيد كان يمثل شعور شعب حي ويجهر بما تضمره أُمة مكتوفة اليد ، مكمومة الفم ، مرهقة بتأثير اُمراء ظالمين ، فقام الحسين عليهالسلام مقامهم في اثبات مراميهم ، وفدى بكل غال ورخيص لديه باذلاً في سبيل تحقيق أُمنيته وأُمته من الجهود ما لا يطيقه غيره ، فكانت نهضته المظهر الأتمّ للحق » (2).
٧ ـ اقامة الحقّ وتقوية أهله ، فقد خطب بأنصاره في كربلاء قائلاً : « ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به ، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء ربّه محقّا ، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً » (3).
٨ ـ توفير القسط والعدالة الاجتماعية وتطبيق حكم الشريعة.
٩ ـ إزالة البدع والانحرافات. فقد كتب إلى وجوه أهل البصرة ، قائلاً : « أنا أدعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآله ، فإنَّ السنّة قد أُميتت ، وإنّ البدعة قد أُحييت ، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد » (4).
وقد حقق الحسين عليهالسلام أهدافه على الرغم من استشهاده ، فقد بقي الإسلام محفوظا ومصانا من العبث والزوال ، وبقيت الأمة الإسلامية محتفظة وملتزمة بالإسلام عقيدة وعملاً ، وان كان ذلك على الصعيد الفردي والشخصي. « لقد انتصر الحسين عليهالسلام باستشهاده انتصاراً لم يسجل التاريخ انتصارا أوسع منه ، ولا فتحا كان أرضى للّه منه ، كان واثقا من هذا الانتصار ومن هذا الفتح ، كما كان واثقا من هزيمته عسكريا ، كما يبدو ذلك من كتابه الذي كتبه إلى الهاشميين وهو في طريقه إلى العراق ، فقد قال فيه : « أما بعد فانه من لحق بي منكم استشهد معي ، ومن تخلف لم يبلغ الفتح » (5).
فالفتح الذي يعنيه من كتابه إلى الهاشميين ، هو ما أحدثته ثورته من النقمة العامة على الأمويين ، وما رافقها من الانتفاضات التي أطاحت بدولتهم » (6).
والذي يثير العجب ويبعث على الاستغراب أن الخصم المتمثل بيزيد وأزلامه يطلقون مصطلح (الفتح) على جريمتهم الكبرى التي اقترفوها بقتل الحسين عليهالسلام وأهل بيته وأصحابه! فعندما تمّت مذبحة كربلاء أقبل زحر بن قيس حتى دخل على يزيد بن معاوية ، فقال له يزيد الذي كان يترقّب أنباء مذبحة كربلاء بلهفة : ويلك ما وراءك وما عندك؟ قال : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح اللّه ونصره ، ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته ، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا أو ينزلوا على حكم الأمير عُبيداللّه بن زياد أو القتال ، فاختاروا القتال على الاستسلام ، فغدونا عليهم مع شروق الشمس ، فأحطنا بهم من كل ناحية ... حتى أتينا على آخرهم .. (7).
فزحر هذا يُسمّي قتل آل محمد وأهل بيت النبوة وذوي قربى النبي نصر اللّه والفتح!!
فمن ردود الفعل الّتي أحدثتها الثورة ، ما روي أنّ زيد بن أرقم صاحب رسول اللّه صلىاللهعليهوآله لمّا رأى ابن زياد في قصر الإمارة أخذ يضرب بالقضيب ثنايا أبي عبداللّه الحسين عليهالسلام قال له : « ارفع قضيبك عن هاتين الشّفتين ، فواللّه الّذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول اللّه صلىاللهعليهوآله عليهما ما لا أحصيه كثرة تُقبِّلُهما ، ثمّ انتحب باكيا. فقال له ابن زياد : أبكى اللّه عينيك ، أتبكي لفتح اللّه؟ واللّه لولا أنّك شيخٌ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك » (8).
وهكذا يرتدي أزلام بني أمية رداء الإسلام ويتبجّحون بمصطلحاته.
ومن الفتوحات السياسية الأخرى التي أفرزتها واقعة الطف ، هي عزل الحكام عن المجتمع؛ إذ صار الناس ينظرون إليهم كحكام استبداديين وسلاطين جور ، يحكمون بالقهر والقوة ، ولا يمت سلوكهم إلى الإسلام بصلة مطلقا ، ولا يمثلون من الإسلام قليلاً ولا كثيرا. هذا بالاضافة إلى أن الحسين عليهالسلام قد بذر بتضحيته المباركة بذور الثورة ضد أولئك الحكام وأمثالهم في نفوس الأمة الإسلامية ، ونمت تلك البذرة بسرعة وأثمرت ثورات تحررية وانتفاضات شعبية عديدة في العالم الإسلامي عبر التاريخ وحتى اليوم.
يقول أحمد محمود صبحي : « وإن كان الحسين بن علي عليهالسلام قد هزم على الصعيد السياسي والعسكري ، إلاّ أنّ التاريخ لم يشهد قط هزيمة انتهت لصالح المهزومين مثل دم الحسين. فدم الحسين تبعته ثورة ابن الزبير ، وخروج المختار ، وغير ذلك من الثورات الاُخرى إلى أن سقطت الدولة الاُموية ، وتحوّل صوت المطالبة بدم الحسين إلى نداء هزّ تلك العروش والحكومات » (9).
وصار الحسين عليهالسلام شعار كل ثورة إصلاحية ورمز كل حركة ترفض الخضوع للظلم والاستعباد والاضطهاد. يقول المستشرق الألماني ( ماربين ) : « قدّم الحسين للعالم درسا في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال اثبات مظلوميته وأحقيّته ، وأدخل الاسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهما. لقد أثبت هذا الجندي الباسل في العالم الإسلامي لجميع البشر أن الظلم والجور لا دوام له. وانّ صرح الظلم مهما بدا راسخا وهائلاً في الظاهر إلاّ انّه لا يعدو أن يكون أمام الحقّ والحقيقة إلاّ كريشة في مهب الريح » (10).
وأثبت الحسين عليهالسلام بثورته المباركة أن لا حرمة ولا قدسية للحكام والأمراء إلاّ مع التزامهم الدقيق بالإسلام كعقيدة ونظام.
وعليه لم يكن هذا البذل والعطاء من قبل الحسين عليهالسلام خالياً من الهدف ، بل تحقق الهدف ، وإن لم يتمكّن الحسين عليهالسلام من الوصول إلى السلطة ، فضلاً عن أنه لم يبقَ على قيد الحياة ، فهي ثورة ناجحة ومنتصرة ، بل هي فتح إلهي ، كما عبّر عنها زعيمها حينما قال : « ومن تخلّف عنّي لم يبلغ الفتح » (11).
وهنا نريد أن نؤكد على « أن الهدف هو إحداث هزّة عنيفة في نفوس الناس ، وقد تحقق هذا الهدف ؛ لأن الأمة في زمنه كانت قد تخلصت وشفيت من مرض الشك والارتياب بعد انكشاف واقع الامويين وافتضاح حكومة معاوية ، وشعور الأُمة بأن تجربة معاوية في الحكم ما هي إلاّ امتداد للجاهلية ، رغم ما يرفعه من شعارات الإسلام ، وغدت تجربة الإمام علي عليهالسلام في الحكم أملاً وحلما في نظر الجماهير ، وأخذت تدرك وتعي بأن الإمام علي عليهالسلام كان يحارب في زمن معاوية بن أبي سفيان جاهلية الأصنام والأوثان ، ولم يحاربه لأجل صراع قبلي أو لغرض شخصي. فالأمة قد شفيت من مرض الشك ، ولكنها منيت بمرض آخر وهو مرض فقدان الارادة ، فأصبحت لا تملك إرادتها في الرفض والاحتجاج ، بل أصبحت يدها ولسانها ملكا لشهواتها ، وقد فقدت إرادة التغيير لأوضاعها الفاسدة ، كانت قلوبهم مع الإمام ولكن سيوفهم عليه كما قال ، الشاعر الفرزدق » (12).
وجد الحسين عليهالسلام أن الأمة تحتاج إلى صهر قوي لتتخلص من الشوائب ، كما أراد لها أن تستيقظ من سباتها ، لكي تدرك عظم التحديات التي تنوء تحت ثقلها ، وبعد شهادته عليهالسلام أسقط القناعات الفارغة التي تنظرللحاكم ـ وإن بغى وظلم ـ نظرة التقديس.
وعموما أحدثت ثورة الحسين عليهالسلام هزّةً عميقة في نفوس وقناعات قطاعات واسعة من الناس ، فمن جهة موقف شيعة أهل البيت ، فقد استقبلوا النهاية الفاجعة بالحزن ، والندم ، والغضب. قال ابن سعد : أخبرنا علي بن محمد ، عن حباب بن موسى ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي بن حسين ، قال : « حُملنا من الكوفة إلى يزيد بن معاوية فغصّت طرق الكوفة بالناس يبكون ، فذهب عامة الليل ما يقدرون أن يجوزوا بنا لكثرة الناس ، فقلت : هؤلاء الذين قتلونا وهم الآن يبكون » (13).
حزنوا بسبب فظاعة ما حدث بكربلاء ، وندموا لأنهم قصَّروا في النصرة والمساندة ، وغضبوا على النظام الأموي لأنه ارتكب الجريمة البشعة. وقد تفاعل الندم مع الحزن فولَّد عندهم مزيدا من الغضب ، وولَّد عندهم رغبةً حارةً في التكفير عبَّروا عنها بمواقفهم من النظام ورجاله شعرا ، وخُطبا ، وثورات استمرت أجيالاً ، وجعلت من شعار (يالثارات الحسين) شعارا لكل الثائرين على الأمويين.
ومن الشواهد على تلك الهزة التي أحدثتها هذه النهضة في كيان الأمة ، أنه لما لقي عبيد اللّه بن الحر الجعفي الحسين عليهالسلام فدعاه إلى نصرته والقتال معه فأبى .. قال الحسين عليهالسلام : « فإذا أبيت أن تفعل فلا تسمع الصيحة علينا ، فواللّه لا يسمعها أحد ثم لا ينصرنا فيرى بعدها خيرا أبدا ». قال عبيد اللّه : فواللّه لهبت كلمته تلك ، فخرجت هاربا من عبيد اللّه بن زياد مخافة أن يوجّهني إليه ، فلم أزل في الخوف حتى انقضى الأمر. فندم عبيد اللّه على تركه نصرة الحسين عليهالسلام ، فقال (14) :
فيا لك حسرة ما دمت حيا / تردد بين حلقي والتراقي
حسينا حين يطلب بذل نصري / على أهل العداوة والشقاق
ولو أنّي اُواسيه بنفسي / لنلت كرامة يوم التلاقِ
مع ابن المصطفى نفسي فداه / فولى ثم ودع بالفراق
غداة يقول لي بالقصر قولاً / أتتركنا وتزمع بانطلاق
فلو فلق التلهّف قلب حي / لهم اليوم قلبي بانفلاق
وخاب الآخرون اُولو النفاق
ولم يكتفِ عبيد اللّه بن الحرّ بالندم وحده ، بل سعى هو وغيره ممّن تخلفّ عن الحسين عليهالسلام إلى بلورة حالة الندم إلى الانتقام ، فلما قتل الحسين عليهالسلام ندم عبيداللّه بن الحرّ والمسيّب بن نجبة الفزاري وجميع من خذل الحسين عليهالسلام ولم يقاتل معه ، فقالوا : ما المخرج والتوبة ممّا صنعنا؟ فخرجوا فأتوا عين الوردة وهي بناحية قرقيسيا ، فلقيهم جمع أهل الشام وهم عشرون ألفا عليهم الحصين بن نمير ، فقاتلوهم ، فترجّل سليمان بن صرد وقاتل حتى قُتِل وقُتِل عامة أصحابه ورجع من بقي منهم إلى الكوفة (15).
وأما موقف عامة المسلمين غير الملتزمين بالخط السياسي للشيعة وأئمة أهل البيت عليهمالسلام ، فقد واجه هؤلاء الكارثة بالدهشة والاستنكار ، وقد هالهم ما كشفت عنه عملية قمع الثورة من أسلوب معاملة الأمويين لخصومهم السياسيين ، هذا الأسلوب الذي لايحترم شريعةً ولا أخلاقا ، ولا يقيم وزنا حتى للأعراف الاجتماعية ، حتى ان البعض من الناس أخذ يقابل قاتل الحسين بالازدراء والاحتقار ، ولم يرد عليهالسلام ، قال ابن سعد : « أخبرنا مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي ، قال : حدّثني عبد الرحمن بن حميد الرواسي ، قال : مرّ عمر بن سعد ـ يعني ابن أبي وقاص ـ بمجلس بني نهد حين قتل الحسين ، فسلّم عليهم فلم يردّوا عليهالسلام » (16).
وقد وجدوا اللّوم والتقريع والتوبيخ على فعلتهم الشنيعة هذه حتى من أقرب المقربين منهم ، قال ابن سعد : « أخبرنا أحمد بن عبد اللّه بن يونس ، قال : حدّثنا شريك ، عن مغيرة ، قال : قالت مرجانة لابنها عبيد اللّه بن زياد : ياخبيث ، قتلت ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم؟! لا ترى الجنة أبدا » (17).
ولا شك في أن هذا الاكتشاف لهول الجريمة اليزيدية ، قد دفع بكثيرمن الناس العاديين إلى إعادة النظر في مواقفهم من النظام الأموي وولائهم له.
وحتى أولئك الذين استقبلوا العزم على الثورة بفتور ، وقدّموا نصائحهم بالكفِّ عنها ، لم يستطيعوا أن يثبتوا على موقفهم الأول السلبي بالنسبة إلى الثورة ، فاضطروا إلى مجاراة الرأي العام في الدهشة والاستنكار ، فقد كان زيد بن أرقم أحد الحاضرين في مجلس عبيد اللّه بن زياد في الكوفة لما أدخلت عليه السبايا ورؤوس الشهداء ، فبكى لما رأى ابن زياد يضرب بقضيب في يده ثنايا الإمام الحسين عليهالسلام ، ولما زجره ابن زياد لبكائه وهدَّده ، قال : « أنتم ـ يا معشر العرب ـ العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة ، وأمَّرتم ابن مرجانة ، فهو يقتل خياركم ، ويستعبد أشراركم ، فرضيتم بالذلّ ، فبعدا لمن رضي بالذُّل » (18).
تجدر الإشارة الى أن قتل الحسين عليهالسلام وأهله وأصحابه بهذه الطريقة الوحشية قد أثار استنكار بعض رجالات أهل الأديان الأخرى ، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن ، قال : « لقيني رأس الجالوت فقال : واللّه إنّ بيني وبين داود لسبعين أبا ، وإن اليهود لتلقاني فتعظّمني ، وأنتم ليس بينكم وبين نبيكم إلاّ أب واحد فقتلتم ولده!! » (19).
ثمّ « إنّ الثورة ولَّدت أخطارا كبرى على النظام الأموي ما كانت في الحسبان ، وذلك بعد ان تفجَّر الموقف كلّه ، واندفع شيعة أهل البيت إلى التصلُّب في مواقفهم بعد أن كانوا طيلة عهد معاوية أميل إلى المهادنة والتسامح ، كما أحدثت تصفية الثورة ـ بالطريقة الدموية الفضيعة التي حدثت وتسامع بها المسلمون ـ تغييرا كبيرا في مواقف جماعات كبيرة من المسلمين بالنسبة إلى الأمويين ودولتهم ، ونقدِّر أن هذا التغيّر جعل هذه الجماعات مؤهَّلة لاتخاذ مواقف سلبية عملية ضدّ النظام الأموي بعد أن تغير موقفها منه » (20).
صفوة القول حققت ملحمة عاشوراء جملة من النتائج القيمة ، يمكن حصرها بالنقاط التالية :
١ ـ إنهاء الهيمنة الفكرية لبني اُميّة على أذهان الناس.
٢ ـ شعور المجتمع بالذنب والتقصير لعدم مناصرة الحقّ وأداء التكليف.
٣ ـ هدم مشاعر الخوف والهلع من النهوض ومقارعة الظلم.
٤ ـ إيقاظ روح المقاومة لدى الناس ، فقد أوجدت نهجا تحرريا ظل على مدى التاريخ يؤرق عيون الجبابرة والمتكبرين ويقضّ مضاجعهم ، وقدم الحسين عليهالسلام درسا في الحريّة والمروءة حتّى لغير المسلمين.
يقول نيكلسون ، المستشرق المعروف : « كان بنو اُميّة طغاة مستبدين ، تجاهلوا أحكام الاسلام واستهانوا بالمسلمين ، ولو درسنا التاريخ لوجدنا أن الدين قام ضد الطغيان والتسلّط ، وأن الدولة الدينية قد واجهت النظم الامبراطورية. وعلى هذا فالتاريخ يقضي بالانصاف في أن دم الحسين عليهالسلام في رقبة بني اُميّة » (21).
٥ ـ ظهور مفاهيم جديدة مستمدة من عاشوراء.
٦ ـ قيام ثورات عديدة وانتفاضات مستلهمة من ملحمة كربلاء.
٧ ـ ازدهار الطاقات الأدبية وظهور أدب عاشوراء.
٨ ـ انتشار منابر الوعظ والإرشاد كأداة لتوعية الناس.
٩ ـ بعثت ثورة الحسين من جديد جميع القيم والمفاهيم الدينية التي طمست وطواها النسيان بفعل المؤامرات والخطط المدروسة التي وضعها بنو اُميّة. واعيد إلى الواجهة رأي الدين في الحكومة والحاكم وبيت المال وحقوق الاُمّة. وسرت في بناء الايمان والعقيدة روح جديدة ، وكشف النقاب عن التحريف ، وغدت النفوس الذليلة عزيزة وقادرة على الوقوف بوجه الطاغوت.
١٠ ـ إحياء رسالة الإسلام وإعادة الروح الإسلامية إلى الجسد الإسلامي ، وفي هذا الصدد يقول الكاتب المصري عبد الرحمن الشرقاوي : « فلست أعلم حقا أصرح ولا عدلاً أوضح من قومة الإمام الحسين عليهالسلام ومن ثورته ونهضته. لقد كانت قومته لإحياء رسالة الإسلام ، بعد أن كادت تقضي على يد أعدائها ومناوئيها ، ولبعث الروح الإسلامية وهي تكاد تقترب من الاحتضار.
وكانت ثورته لإعادة الحقّ الضائع إلى أهله المضَيَّعين ، وإنصاف المظلوم من الظالم ، ورعاية حقوق الضعفاء من جور المستكبرين. وكانت نهضته لإعلاء كلمة الحق ورفع راية الحقيقة ، كانت هذه المعاني كلّها في قيام الإمام الحسين بن علي ، بل كان الإسلام كلّه في ثورته ، وكان الحقُّ كلّه في نهضته » (22).
وذهب لياقة علي خان ، أول رئيس وزراء باكستاني ، أبعد من ذلك ، فقد اعتبر شهادة الامام الحسين عليهالسلام مع ما فيها من الحزن مؤشر ظفر نهائي للروح الاسلامية الحقيقية ، لأنها كانت بمثابة التسليم الكامل للارادة الالهية. وأضاف قائلاً : « علينا أن نتعلم منها وجوب عدم الخوف والانحراف عن طريق الحقّ والعدالة مهما كان حجم المشاكل والأخطار » (23).
المصادر :
1- مناقب آل أبي طالب ٤ : ٨٩.
2- نهضة الحسين / هبة الدّين الشهرستاني : ١٠ ، منشورات الرضي ـ ١٣٦٣ ه. ش.
3- اللهوف : ٤٨.
4- تاريخ الطبري ٦ : ١٨٦ ، حوادث سنة إحدى وستين.
5- اللهوف : ٤١.
6- من وحي الثورة الحسينية / هاشم معروف الحسني : ٤٥ ، دار القلم ، بيروت.
7- الارشاد ٢ : ١١٨.
8- الإرشاد ٢ : ١١٤ ـ ١١٥.
9- موسوعة عاشوراء / جواد محدثي : ٢٩٣.
10- موسوعة عاشوراء / جواد محدثي : ٢٩٢.
11- اللهوف : ٤١.
12- دور أئمة أهل البيت في الحياة السياسية / عادل الأديب : ٢٠٠ ، دار التعارف ، بيروت ، ١٤٠٨هـ.
13- سلسلة ذخائر (تراثنا) /1 ، تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي : ٨٩ ، مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لاحياء التراث.
14- سلسلة ذخائر «تراثنا»/1 ، مصدر سابق : ص ٩٣ ، وتاريخ الطبري ٦ : ٢١٧ ، حوادث سنة إحدى وستّين.
15- سلسلة (تراثنا) 1: ٩٢.
16- سلسلة (تراثنا) 1: ٨٨.
17- سلسلة (تراثنا) 1 : ٨٨.
18- تاريخ الطبري ٦ : ٢٤٨ ، حوادث سنة إحدى وستين.
19- سلسلة (تراثنا) 1 ، المصدر السابق : ٨٧ ـ ٨٨.
20- ثورة الحسين في الوجدان الشعبي : ٢٤.
21- موسوعة عاشوراء : ٢٩٤.
22- الحسين ، ثائرا. شهيدا / عبد الرحمن الشرقاوي : ١١ ، الدار العالمية ، بيروت ، ط ٣ ـ ١٤١٥ه.
23- موسوعة عاشوراء : ٢٩٢.
source : راسخون