حكم الوقف عند السنة

الوقف جائز شرعاً، وهذا قول جماهير أهل العلم من الحنفية (1)، والمالكية(2)، و الشافعية (3)، و الحنابلة (4)، وهو قول الظاهرية(5).
قال في المغني: وأكثر أهل العلم من السلف ومن بعدهم على القول بصحة الوقف(6 ).
أدلة مشروعية الوقف: دل على مشروعية الوقف الكتاب، والسنة، والإجماع، وعمل الصحابة.

1- الكتاب.
قوله تعال ( لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) (7)
يقول أنس : لما نزلت هذه الآية
قام أبو طلحة إلى رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) فقال يا رســول الله: يقول الله في كتابه ( لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) وإن أحب أموالي إليَّ بيرحى، وإنها صدقة أرجو برها وذخرها عندالله، فضعها يارسول الله حيث شئت، فقال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم): (بخ ذلك مال رابح، ذلك مال الرابح، قد سمعت ما قلت فيها، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه)(8)
وفي لفظ قال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم): ((أجعلها في قرابتك)) فجعلها في حسان بن ثابت، وأبي بن كعب.

2- السنة:
استدلوا بأحاديث كثيرة منها:
أ- عن أبي هريرة أن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالـح يدعو له)(9)
قال النووي في شرح هذا الحديث: فيه دليل لصحة أصل الوقف وعظيم ثوابه (10)
ب - عن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب أصاب أرضاً بخيبر، فأتى النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) يستأمره فيها، فقال: يارسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ قال: (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)، قال: فتصدق بها عمر، أنه لا يباع ولا يبتاع، ولا يورث أو لا يوهب)(11)
يقول النووي: في هذا الحديث دليل على صحة أصل الوقف، وأنه مخالف لشوائب الجاهلية (12)

3- الإجماع:
يقول الترمذي معلقاً على حديث ابن عمر < السابق في وقف عمر > للأرض التي أصابها بخيبر.. (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) وغيرهم، لا نعلم بين المتقدمين منهم في ذلك اختلافاً في إجازة وقف الأرضين وغير ذلك(13)
وقد حكى الكاساني في البدائع: الإجماع على جواز وقف المساجد (14).
وقال القرطبي : لا خلاف بين الأئمة في تحبيس القناطر والمساجد واختلفوا في غير ذلك (15)

4- عمل الصحابة:
قال جابر: ما أعلم أحدً كان له مال من المهاجرين والأنصار، إلا حبس مالاً من ماله صدقه مؤبدة لا تشترى أبداً، ولا توهب، ولا تورث(16)
وقال الحميدي شيخ البخاري: (تصدق أبو بكر بداره على ولده، وعمر بربعة عند المروة، وعثمان برومة، بئر بالمدينة، وتصدق علي عليه السلام بأرضه بينبع، وتصدق الزبير بداره بمكه، و داره بمصر، وأمواله بالمدينة على ولده،وتصدق سعد بداره بالمدينة، و داره بمصر على ولده، وعمرو بن العاص بالوهط، وداره بمكه على ولده، وحكيم بن حزام بداره بمكة والمدينة على ولده.
قال: فذلك كله إلى اليوم، فإن الذي قدر منهم على الوقف، وقف، واشتهر ذلك فلم ينكره أحد، فكان إجماعاً (17)
المصادر :
1- الحنفية في: المبسوط 12/27، والإسعاف في أحكام الأوقاف ص7
2- المالكية في: الإشراف 2/79، وعقد الجواهر الثمينة، والذخيرة 6/322
3- الشافعية في: حلية العلماء 6/7، وروضة الطالبين 5/342
4- الحنابلة في: المغني 8/185، والشرح الكبير 3/391
5- الظاهرية في: المحلى 9/175
6- المغني 8/185
7- آل عمران:92
8- البخاري في الوصايا، ومسلم في الزكاة برقم (998)، 2/443..
9- مسلم في كتاب الوصية، 11/84، وأحمد في المسند2/372، والترمذي في كتاب الأحكام، برقم (1376) والنسائي في الوصايا، 6/251، والبغوي في شرح السنة 1/100، وابن ماجه (241)، والطحاوي في مشكل الآثار برقم (246)، وأبو داود في كتاب الوصية، برقم (2880) والبيهقي في كتاب الوصية 6/278، وابن حبان وفي صحيحه برقم 3016
10- شرح النووي على صحيح مسلم 11/85.
11- البخاري في باب الشروط في الوقف برقم (2737)، ومسلم في كتاب الوصية، في باب الوقف برقم 1632
12- شرح صحيح مسلم 11/86
13- سنن الترمذي 3/660
14- بدائع الصنائع للكاساني 6/219
15- الجامع لأحكام القرآن 6/339
16- المغني 8/185، وصاحب البحر الزخار 4/148
17- البيهقي في السنن الكبرى في كتاب الوقف 6/161