لاخلاص: ضد الریاء، وهو صفاء الأعمال من شوائب الریاء، وجعلها خالصة للّه تعالى.وهو قوام الفضائل، وملاک الطاعة، وجوهر العبادة، ومناط صحة الأعمال، وقبولها لدى المولى عز وجل.وقد مجّدته الشریعة الاسلامیة، ونوّهت عن فضله، وشوقت الیه، وبارکت جهود المتحلین به فی طائفة من الآیات والأخبار:
قال تعالى: «فمن کان یرجو لقاء ربه فلیعمل عملاً صالحاً ولا یشرک بعبادة ربّه أحداً»(1).
وقال سبحانه: «فاعبد اللّه مخلصاً له الدین، ألا للّه الدین الخالص»(2).
وقال عز وجل: «وما أمروا الا لیعبدوا اللّه مخلصین له الدین» (3).
وقال النبی صلى اللّه علیه وآله: «من أخلص للّه أربعین یوماً،فجر اللّه ینابیع الحکمة من قلبه على لسانه»(4)
وقال الامام الجواد علیه السلام: «أفضل العبادة الإخلاص»وعن الرضا عن آبائه علیهم السلام قال: قال امیر المؤمنین علیه السلام: «الدنیا کلها جهل الا مواضع العلم، والعلم کله جهل الا ما عمل به، والعمل کله ریاء الا ما کان مخلصاً، والاخلاص على خطر، حتى ینظر العبد بما یُختم له»(5)
وقال النبی صلى اللّه علیه وآله: «یا أبا ذر لایفقه الرجل کل الفقه، حتى یرى الناس فی جنب اللّه أمثال الأباعر، ثم یرجع الى نفسه فیکون هو أحقر حاقرٍ لها»(6)
فضیلة الاخلاص:
تتفاوت قیم الأعمال، بتفاوت غایاتها والبواعث المحفزة علیها، وکلما سمت الغایة، وطهرت البواعث من شوائب الغش والتدلیس والنفاق، کان ذلک أزکى لها، وأدعى الى قبولها لدى المولى عز وجل.
ولیس الباعث فی عرف الشریعة الاسلامیة الا (النیّة) المحفّزة على الأعمال، فمتى استهدفت الاخلاص للّه تعالى، وصفت من کدرالریاء نبلت وسعدت بشرف رضوان اللّه وقبوله، ومتى شابها الخداع والریاء، باءت بسخطه ورفضه.
لذلک کان الاخلاص حجراً اساسیاً فی کیان العقائد والشرائع، وشرطاً واقعیاً لصحة الأعمال، إذ هو نظام عقدها، ورائدها نحو طاعة اللّه تعالى ورضاه.
وناهیک فی فضل الاخلاص أنه یحرر المرء من اغواء الشیطان وأضالیله (فبعزتک لأغوینهم أجمعین، إلا عبادک منهم المخلصین).
عوائق الاخلاص:
وحیث کان الاخلاص هو المنار الساطع، الذی ینیر للناس مناهج الطاعة الحقة، والعبودیة الصادقة، کان الشیطان ولوعاً دؤوباً على إغوائهم وتضلیلهم بصنوف الأمانی والآمال الخادعة: کحب السمعة والجاه، وکسب المحامد والأمجاد، وتحری الأطماع المادیة التی تمسخ الضمائر وتمحق الأعمال، وتذرها قفراً یباباً من مفاهیم الجمال والکمال وحلاوة العطاء.
وقد یکون إیحاء الشیطان بالریاء هامساً خفیفاً ماکراً، فیمارس الانسان الطاعة والعبادة بدافع الاخلاص، ولو محصها وأمعن فیها وجدها مشوبةً بالریاء. وهذا من أخطر المزالق، وأشدها خفاءاً وخداعاً. ولا یتجنبها الا الأولیاء الأفذاذ.
کما حُکی عن بعضهم أنه قال: «قضیت صلاة ثلاثین سنة کنت صلیتها فی المسجد جماعة فی الصف الأول، لأنی تأخرت یوماً لعذر، وصلیت فی الصف الثانی، فاعترتنی خجلة من الناس، حیث رأونی فی الصف الثانی، فعرفت أنّ نظر الناس الیّ فی الصف الأول کان یسرنی، وکان سبب استراحة قلبی.
نعوذ باللّه من سبات الغفلة، وُخدع الریاء والغرور. من أجل ذلک یحرص العارفون على کتمان طاعاتهم وعباداتهم، خشیة من تلک الشوائب الخفیة.
فقد نُقل: ان بعض العباد صام أربعین سنة لم یعلم به أحد من الأباعد والأقارب، کان یأخذ غذاءه فیتصدق به فی الطریق، فیظن أهله أنه أکل فی السوق، ویظن أهل السوق، أنه أکل فی البیت.
کیف نکسب الاخلاص:بواعث الاخلاص ومحفزاته عدیدة تلخصها النقاط التالیة:
1- استجلاء فضائل الاخلاص السالفة، وعظیم آثاره فی دنیا العقیدة والایمان.
2- ان أهم بواعث الریاء وأهدافه استثارة إعجاب الناس، وکسب رضاهم، وبدیهی أن رضا الناس غایة لا تدرک، وأنهم عاجزون عن إسعاد أنفسهم، فضلاً عن غیرهم، وأن المسعد الحق هو اللّه تعالى الذی بیده أزمة الأمور، وهو على کل شیء قدیر، فحری بالعاقل أن یتجه الیه ویخلص الطاعة والعبادة له.
3- إن الریاء والخداع سرعان ما ینکشفان للناس، ویسفران عن واقع الانسان، مما یفضح المرائی ویعرضه للمقت والازدراء.
ثوب الریاء یشف عما تحته*** فإذا التحفتَ به فإنک عاری
فعلى المرء أن یتسم بصدق الاخلاص، وجمال الطویة، لیکون مثلاً رفیعاً للاستقامة والصلاح.
فقد جاء فی الآثار السالفة: «إن رجلاً من بنی اسرائیل قال: لأعبدن اللّه عبارة أذکر بها، فمکث مدةً مبالغاً فی الطاعات، وجعل لا یمر بملأ من الناس الا قالوا: متصنع مراء، فأقبل على نفسه وقال: قد أتعبت نفسک، وضیعت عمرک فی لا شیء، فینبغی أن تعمل للّه سبحانه، وأخلص عمله للّه، فجعل لا یمر بملأ من الناس الا قالوا ورع تقی».
المصادر :
1- الکهف: 110
2- الزمر2 - 3
3- البینة: 5
4- البحار م 15 ص 87 عن عدة الداعی لابن فهد
5- البحار م 15 ص 85 عن الأمالی والتوحید للصدوق
6- الوافی ج 14 ص 54 فی وصیة النبی (صلی الله علیه وآله وسلم) لأبی ذر