الدين والتدين ليس أمراً طارئاً على حياة البشرية على هذه الأرض، بل كان مرافقاً للإنسان من اليوم الأول الذي وطأت فيه قدماه الأرض، حيث كان الإنسان الأول وأبو البشرية آدم عليه السلام نبياً من أنبياء اللَّه تعالى، وهكذا توالت الأنبياء والرسل، ليكملوا الشرائع للناس ويقوّموا الإعوجاج الذي يصيب البشرية في مسيرتها .
ورغم توالي الرسل وتأكيد الرسالات الإلهية رسالة بعد رسالة لم يمنع ذلك من حصول الانحرافات والاختلافات في كثير من الأمور الأساسية، فتعددت الأديان وتشعبت وكثرت .
بنية المجتمع اليهودي
إن أفراد الإنسان كلهم من طينة واحدة، فكلهم من آدم، وآدم من تراب، وكذلك اليهود، فانحرافهم ليس ناشزاً ولا مختلفاً عن انحراف الإنسان بنحو عام، وعناية القرآن الكريم به وتسليط الضوء عليه ليس إلا بوصفه تجربة عميقة وكبيرة، دون أن يعني ذلك تمييزاً في أصل التكوين والجبلّة اليهودية .
والسبب في استمرار الشخصية اليهودية على انحرافها التاريخي، هو أن أصول هذا الانحراف قد تكرّست في الديانة اليهودية المحرّفة التي تربت عليها أجيالهم . ومن هنا نفهم اهتمام القرآن بهم كنموذج عميق ومثل للناس في هذا الجانب، فقد وضّح الصورة القلقة التي يتّسمون بها في سلوكياتهم داخل المجتمع .
إن المستعرض لتاريخ بني إسرائيل ليأخذه العجب من فيض الآلاء التي أفاضها اللَّه عليهم، ومن الجحود المتكرر الذي قابلوها به . فلم يشهد تاريخ أمة ما شهده تاريخ بني إسرائيل من قسوة وجحود واعتداء وتنكر للهداة، حتى قتلوا وذبحوا ونشروا بالمناشير عدداً من أنبيائهم!
ومع هذا كله فقد كانت لهم دعاوى عجيبة غريبة . كانوا دائماً يدّعون أنهم هم وحدهم المهتدون، وهم وحدهم شعب اللَّه المختار، وهم وحدهم الذين ينالهم ثواب اللَّه، وأن فضل اللَّه لهم وحدهم دون شريك .
طباع اليهود وعنصريتهم :
لم يحدث القرآن الكريم عن أمة من الناس كما حدّث عن بني إسرائيل، فهم الذين ظلموا وتمردوا وحرّفوا وبدلوا شرع اللَّه، وكان الاعلان الإلهي ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾(1) ولذلك تجدهم أينما حلوا لا يستطيعون التعايش مع أي مجتمع من مجتمعات الأرض بسبب التعبئة العنصرية الاستعلائية والحقد على بني البشر، وإذا كان هناك من اضطهاد تعرضوا له عبر التاريخ فمرجعه إلى تلك الخصائص اللاإنسانية التي تربوا عليها .
لقد قسم اليهود الناس إلى قسمين : اليهود والغوييم، واليهود هم شعب اللَّه المختار وأبناؤه وأحباؤه، ولا يسمح بعبادته إلا لليهود . ويقول إلههم لهم : اتخذكم لي شعباً وأكون لكم إلهاً، أنا يهوه إلهكم الذي ميزكم عن الشعوب، إياك قد اختار الرب أن يجعلك مستعلياً على جميع القبائل . . . بالوجوه إلى الأرض يسجدون لك ويلحسون غبار قدميك، اليهود من جوهر اللَّه، كما أن الولد من جوهر أبيه، وكما أن الإنسان يعلو البهيمة، كذلك اليهود هم أرفع من شعوب الأرض، لأن نطفة الغرباء كنطفة الحصان (2).
لهذا يعتقد اليهود أن الأمم الأخرى هم كفرة، بهائم، أنجاس، مخلوقون من طينة حيوانية نجسة ." اليهود هم وحدهم بشر، أما الشعوب الأخرى، فليست غير أنواع مختلفة من الحيوانات" (3) ويقول ثيودور هرتزل الأب الروحي للصهيونية :
"إن جنسنا أكثر فاعلية في كل شيء من باقي شعوب الأرض . ويقول بن غوريون : إنني أؤمن بتفوقنا الخلقي والفكري بحيث يستخدم كنموذج لإصلاح الجنس البشري" (4).
"يجب ضرب الغرباء ضربة قاصمة ولا خلاص لإسرائيل ما لم تستأصل شأفتهم عن وجه الأرض . ومن قتل نفساً من إسرائيل فإن اللَّه يحاكمه كما لو أنه قتل العالم بأسره" (5).
ومن جملة تعاليمهم العنصرية أنه لا يعقد اليهودي على المرأة الغريبة زواج بشري بل هي مباحة، لأن المرأة غير المتحدرة من أبناء إسرائيل هي بهيمة !
الأخلاق اليهودية :
إن دراسة تحليلية لبعض النصوص والمفاهيم عند اليهود، تفيد كثيراً في فهم نفسيتهم، وفي معرفة كيفية تعاطيهم مع شؤون الحياة . والغرض من ذلك، هو العمل على مواجهتهم ودرء خطرهم .
1 ـ العدوانية والعنف :
إن عقدة الاستعلاء مقرونة بنظرة الاحتقار والشك إلى كل من سوى اليهود، ولّدت عند اليهود روحاً عدوانية تجاه سواهم، ولذلك لم يكونوا ليتوانوا عن استخدام العنف كلما سنحت لهم الفرصة .
إن تواريخ الشعوب تتحدث عن حضارات، وعمران، وثقافات، وعلماء، أما تاريخ اليهود، فلا يروي لك إلا أخبار المعارك، وعدد القتلى، والدسائس والفتن، وعمليات الغدر والنفي والتشريد والقهر .
يقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس لليهود عندما حاصر تيطس أورشليم :" يجب أن تعلموا أن اللَّه هو الذي سلط هذه الأمة عليكم لسوء أعمالكم ورداءة أفعالكم، وكثرة ذنوبكم، لأنكم ارتكبتم المحارم واستجزتم المآثم والجرائم واستسهلتم الكبائر العظائم، وسفكتم الدماء وأغضبتم إله الأرض والسماء وغششتم الناس وأهلكتم النفوس، ونجستم هيكل اللَّه القدوس وقتلتم كهنته وصلحاء أمته ظلماً وعدواناً" .
لم تترك التوراة الموجودة صفة سيئة إلا وألصقتها باليهود، مع أنها من عمل أيديهم . . . كتبوا في توراتهم لعنتهم ومذلاتهم وخزيهم . . . الكذب والسرقة والقتل والكفر والزنا والرجسات مجتمعة، تلذذ بذكرها مزورو التوراة، وغدت عرفاً صهيونياً مارسه الأنبياء كما يزعمون والملوك والقادة والشعب والمدن والقرى . جاء في سفر العدد عن أدب الحرب عند اليهود :" هوذا شعب كلبؤة يقوم وكشبل ينهض لا يربض حتى يأكل الفريسة ويشرب دم الصرعى "(6).
إن المفاهيم الدينية المزعومة عند اليهود تظهر وكأن غاية تشريعهم تنظيم الشعب اليهودي تنظيماً قتالياً، والشريعة تركز تركيزاً خاصاً على الحقد الأبدي الذي يجب على اليهود تربيته في نفوسهم ضد أعدائهم التقليديين (7).
إن القراءة للمحطات التاريخية، التي أرخ لها العهد القديم تظهر مدى عدوانية بني إسرائيل وبعد ذلك اليهود، وتتحدث نصوص من العهد القديم بشكل مستقبح، عن عمليات إبادة مارسها يهود ضد أعدائهم . وتبقى هذه النصوص هي الشاهد الحي على عدوانيتهم . ومن هذه النصوص النص الآتي الذي يبرز عدوانيتهم بشكل يخلو من الحد الأدنى من القيم الإنسانية :
"فاضرب أهل تلك المدينة بحد السيف وأسلبها بجميع ما فيها حتى بهائمها بحد السيف، وجميع سلبها أجمعه إلى وسط ساحتها وأحرق بالنار تلك المدينة وجميع سلبها جملة للرب إلهك فتكون ركاماً إلى الدهر لا تبنى من بعد" (8).
2 ـ جبن اليهود :
خصلة أخرى في اليهود يصورها القرآن الكريم ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾ (9) أية حياة، لا يهم أن تكون حياة كريمة ولا حياة مميزة على الإطلاق ! حياة فقط ! إنهم اليهود في ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم سواء . وما تُرفع رؤوسهم إلا حين تغيب المطرقة، فإذا وجدت المطرقة نكست الرؤوس، وعنت الجباه جبناً وحرصاً على الحياة .
إن بني إسرائيل واليهود، رغم ادعائهم أنهم شعب اللَّه المختار فإنهم كانوا يخافون الموت، وكانوا شديدي الحرص على الحياة، ولذلك كثيراً ما ندموا على موقف قد يحصل لهم فيه أذى أو تهلكة، وكثيراً ما جبنوا وخارت قواهم في ساعات الشدة .
تبرز من صور جبنهم وتفضيلهم للذل والعبودية صورة موقفهم يوم الخروج من مصر مع موسى? فقد جاء في سفر الخروج : ولما قرب فرعون رفع بنو إسرائيل عيونهم فإذا المصريون في أثرهم، فخافوا جداً وصرخ بنو إسرائيل إلى الرب وقالوا لموسى : أمن عدم القبور بمصر أخرجتنا لنموت في البرية؟ ماذا صنعت بنا فأخرجتنا من مصر؟ أليس هذا ما كلمناك به في مصر قائلين دعنا نخدم المصريين فإن خدمتنا لهم خير من أن نموت في البرية (10).
وعندما وصلوا إلى أرض فلسطين وعرفوا الكنعانيين والحثيين واليبوسيين وسائر الشعوب المقيمة في فلسطين وما حولها، أصابهم الوهن أكثر، ووجدوا أن هؤلاء الأقوام عمالقة وأنهم معرضون للهلاك على أيديهم فعبّروا عن خوفهم وجبنهم بطريقة أكثر خزياً من تعبيرهم عندما كانوا في البرية بعد الخروج من مصر : "فرفع كل الجماعة أصواتهم وصرخوا، وبكى الشعب في تلك الليلة وتذمر على موسى وهارون جميع بني إسرائيل وقال لهما كل الجماعة : يا ليتنا متنا في أرض مصر، يا ليتنا متنا في هذه البرية، لماذا أتى الرب بنا إلى هذه الأرض حتى نسقط تحت السيف وتصير نساؤنا وأطفالنا غنيمة، أليس خيراً لنا أن نرجع إلى مصر" (11).
3 ـ الغدر خلق يهودي :
إن صفة الجبن تدفع للغدر لأن الجبان يهرب دوماً من ساحة المواجهة، ويعتمد المكر ليغدر في الوقت الذي يمكنه أن يفعل ذلك .
من صور هذا الغدر ما جاء في الاصحاح 24الفقرات :21-25-26-27-29: إن هؤلاء القوم مسالمون لنا فيقيمون بالبلد ويتجرون فيه والأرض واسعة الأطراف أمامهم فتتخذ بناتهم أزواجاً ونعطيهم بناتنا . . . وكان في اليوم الثالث وهم متألمون أن ابني يعقوب شمعون ولاوي أخوي دينة أخذا كل واحد سيفه ودخلا المدينة آمنين فقتلا كل ذكر . وحمور وشكيم ابنه قتلاهما بحد السيف، وأخذا دينة من بيت شكيم وخرجا . ثم دخل بنو يعقوب على القتلى وغنموا ما في المدينة من أجل تدنيس أختهم . . . وسبوا وغنموا ثروتهم وكل أطفالهم ونسائهم وسائر ما في البيوت .
هذه صورة من صور أخلاق الغدر عند اليهود تضمنتها نصوصهم التي يقدسونها، ومارسها أسلافهم، وهي بلا شك تشكل، بالنسبة لهم في كل عصر، منهجاً تربوياً يرون من خلاله مسوغات للغدر والجريمة والخيانة .
4ـ الجاسوسية في السلوك اليهودي :
تعتبر الجاسوسية إحدى مرتكزات ومكونات الشخصية اليهودية، وطابعاً عاماً وملازماً لها . والسبب في ذلك اعتبارات تاريخية نشأت من خلال نظرتهم العدوانية للناس والأمم كافة، وولدت عندهم حالة شك وريبة تجاه الجميع،يضاف إلى ذلك حالة الطمع بما في أيدي الناس، وحتى يكون لهم ذلك يعملون، من خلال التجسس، على الوقوف على حقيقة مواطن القوة عند كل شعب يريدون النيل منه كي يضربوها، ويحاولون التعرف على مواقع الضعف لينفذوا منها .
ورد في سفر العدد :" هذه أسماء الرجال الذين بعثهم موسى ليجسوا الأرض وسمى موسى هوشع بن نون يوشع . وأرسلهم موسى ليجسوا أرض كنعان وقال لهم اطلعوا من هناك من الجنوب واصعدوا الجبل . . . فصعدوا واجتسوا الأرض من برية حين إلى رحوب عند مدخل حماة . . . ورجعوا من تجسس الأرض بعد أربعين يوماً . . . وشنعوا، عند بني إسرائيل، على الأرض التي تجسسوها وقالوا : الأرض التي مررنا فيها لنتجسسها هي أرض تأكل أهلها وجميع الشعب الذين رأيناهم فيها أناس طوال القامات" (12).
خمس آيات في إصحاح واحد وردت فيها كلمة تجسس ست مرات، وهذا قدر كافٍ من الكلام لإعداد قراء العهد القديم، والذين ينظرون لنصوصه على أنها مقدسة، إعداداً يقوم على روح الجاسوسية، وعلى اعتبار الجاسوسية أحد أبرز وسائل تحقيق الأهداف التي يعملون لتحقيقها .
5 ـ الجشع عند اليهود :
جشع اليهود وحبهم للمال وسعيهم لجمعه بشتى الوسائل والطرق أمر لا يحتاج إلى شواهد كثيرة، قد أباحوا الربا إذا كان إقراض المال لغير يهودي :" لا تقرض أخاك بربا في فضة أو طعام أو شيء آخر مما يقرض بالربا . بل الأجنبي إياه تقرض بالربا، وأخاك لا تقرضه بالربا لكي يبارك الرب إلهك جميع أعمال يديك في الأرض التي أنت داخل لتمتلكها "(13).
المصادر :
1- الأعراف الآية:167.
2- خطر اليهودية على النصرانية والإسلام . الأب طانيوس منعم ص37 –57.
3- م .ن، ص58.
4- نفس المصدر، ص75.
5- نفس المصدر، ص59.
6- الإصحاح 23، فقرة 24.
7- التوراة تاريخها وغاياتها ترجمة سهيل ديب، ص33.
8- سفر التثنية، الاصحاح 13، فقرة 15-16.
9- البقرة : من الآية:69.
10- الاصحاح14، فقرة 10-12.البقرة : من الآية:69.
11- سفر العدد، الاصحاح 14، 1-3.الاصحاح14، فقرة 10-12.
12- سفر العدد الاصحاح 13 الفقرات :17-18-22-26-33.سفر العدد، الاصحاح 14، 1-3.
13- سفر التثنية الإصحاح 23، الفقرة :19-20.