عربي
Friday 8th of November 2024
0
نفر 0

نشأة وتأسيس الزيديـّة

نشأة وتأسيس الزيديـّة

الزيديّة مذهب منتسب إلى زيد الشهيد ابن الإمام زين العابدين عليّ ابن سيّد الشهداء الإمام الحسين ابن الإمام عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، ولد سنة 75هـ واستُشهد سنة 120هـ، وفي عام ولادته وشهادته أقوال أُخرى.
أخذ عن أبيه ثُمّ عن أخيه الإمام محمّد الباقر عليه السلام ، وكان الإمام الباقر عليه السلام ينظر إليه نظر أخ عطوف ويُثني عليه ويُطريه ويقول في حقّه: "هذا سيّد أهل بيته والطالب بأوتارهم"(1).
كما كانت أواصر الحبّ والود تجمعه بالإمام الصادق عليه السلام ، فلمّا بلغ نعيه إلى المدينة أخذ الناس يفدون إلى الإمام ويعزّونه(2).
هل دعا زيد إلى نفسه؟
هذا هو بيت القصيد في حياة زيد، فالزيديّة عامّة على أنّ زيداً دعا إلى إمامة نفسه، وأمّا الإماميّة فيعتقدون أنّه دعا إلى الرضى من العترة، فقد كان هو بصدد تمهيد السبيل للإمام المفترض الطاعة من بيت النبيِّ صلى الله عليه واله وسلم.
نعم، تضافرت الروايات على بيعة جماعة كثيرة له، لكنْ بايعوه على الجهاد في سبيل الله تحت إمرته، لا على الإمامة بعد الظفر.
نعم، زعمت الزيديّة انّه ادّعى الإمامة لنفسه، وكان الجهاد وسيلة لنيل ذلك الهدف، لكنّ كلمات زيد تخلو من أيّة إشارة إلى ذلك، بل كلّها تُعرب عن دعم الموقف الأوّل وأنّه قام للرضى من آل محمّد صلى الله عليه واله وسلم.
ولأجل ذلك تضافرت الروايات من طرقنا على أنّ زيداً ما دعا إلى نفسه وإنّما دعا إلى الرضى من آل محمّد صلى الله عليه واله وسلم وأنّه لو ظفر لوفى‌، ومعنى هذه الروايات أنّه كان يُمهِّد الطريق لولاية الإمام المنصوص عليه في كلام النبيّ والأئمّة الصادقين عليهم السلام.
1- قال الصادق عليه السلام : "إنّ زيداً كان مؤمناً وكان عارفاً وكان صدوقاً، أما لو ظفر لوفى‌، أما إنّه لو ملك عرف كيف يضعها"(3).
2- وقال عليه السلام : "إنّ زيداً كان عالماً وكان صدوقاً، ولم يدعكم إلى نفسه، وإنّما دعاكم إلى الرضى من آل محمّد، ولو ظفر لوفى‌ بما دعاكم إليه، وإنّما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه"(4).
اعترافه بإمامة الإمام الصادق عليه السلام
1- إنّ زيداً كان معترفاً بإمامة ابن أخيه الإمام جعفر الصادق عليه السلام بلا كلام، وكان يقول: "من أراد الجهاد فإليّ، ومن أراد العلم فإلى ابن أخي جعفر"(5).
2- روى الصدوق في "الأمالي" عن عمرو بن خالد: قال زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام : "في كلّ زمان رجل منّا أهل البيت يحتجّ الله به على خلقه، حجّة زماننا ابن أخي جعفربن محمّد، لا يضلّ من تبعه، ولا يهتدي من خالفه"(6).
3- روى محمّد بن مسلم: دخلت على زيد بن عليّ وقلت: إنّ قوماً يزعمون أنّك صاحب هذا الأمر قال: "لا، ولكنّي من العترة، قلت: فلمن يكون هذا الأمر بعدكم؟ قال:"سبعة من الخلفاء، والمهديّ منهم".
قال محمّد بن مسلم: دخلت على الباقر محمّد بن عليّ عليه السلام فأخبرته بذلك، فقال: "صدق أخي زيد، سبيل هذا الأمر بعدي سبعة من الأوصياء والمهدي منهم"(7)، ثمّ بكى عليه السلام وقال: "وكأنّي به وقد صُلب في الكناسة. يا بن مسلم حدّثني أبي عن أبيه الحسين : قال: وضع رسول الله يده على كتفي، قال: يا حسين يخرج من صلبك رجل يُقال له زيد، يُقتل مظلوماً إذا كان يوم القيامة حُشر وأصحابه إلى الجنّة"(8).
موقف أئمّة أهل البيت عليهم السلام من خروج زيد
إنّ موقف أئمّة أهل البيت عليهم السلام من خروج زيد كان إيجابيّاً، وكانوا يرون أنّ خروجه وجهاده جاء وفقاً للكتاب والسنّة، بمعنى أنّ الخروج حينذاك لم يكن تكليفاً إلزاميّاً على الإمام ولا على غيره، ولكنّه لو خرج مسلم لإزالة الطغاة عن منصّة الحكم، وتقويض الظلم والفساد من دون أنْ يدعو إلى نفسه كان على المسلمين عونه ونصرته، وإجابة دعوته.
وكان خروج زيد على هذا الخط الّذي رسمناه، وهذا ما يُستفاد من الروايات المستفيضة، وإليك بعضها
1- لمّا بلغ قتل زيد إلى الإمام الصادق عليه السلام قال: "إنّا لله ‌وإنّا إليه راجعون،عند الله أحتسب عمّي، إنّه كان نعم العمّ. إنّ عمّي كان رجلًا لدنيانا وآخرتنا، مضى والله شهيداً كشهداء استشهدوا مع رسول الله وعليّ والحسين صلوات الله عليهم"(9).
2- روى الصدوق عن عبد الله بن سيابة أنّه أتى رسول بسّام الصيرفيّ بكتاب فيه: أمّا بعد، فإنّ زيد بن عليّ قد خرج يوم الأربعاء غرّة صفر، ومكث الأربعاء والخميس وقتل يوم الجمعة، وقتل معه فلان وفلان، فدخلنا على الصادق عليه السلام فدفعنا إليه الكتاب، فقرأه وبكى، ثمّ قال: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون. عند الله أحتسب عمّي، إنّه نعم العمّ، إنّ عمّي كان رجلًا لدنيانا وآخرتنا...." إلى آخر ما مرّ في الحديث الأوّل(10).
ثورة زيد بن عليّ كانت امتداداً لثورة الحسين عليه السلام ‌
إنّ نهضة الحسين بن عليّ عليه السلام منذ قيامها صارت أُسوة وقدوة للمستضعفين، وقد لمس الثائرون مبدئيّة هذه النهضة وأنّها قامت منذ البداية على مبادئ إلهيّة.
وقد أثارت وعي الأُمّة حتّى تتابعت ثورات عديدة ضدّ النظام الأُمويّ، نُشير إلى أهمّها
1- ثورة أهل المدينة وإخراج عامل يزيد منها.
2- ثورة عبد الله بن الزبير.
3- ثورة التوّابين في الكوفة بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي، وكانت له صحبة مع النبيِّ صلى الله عليه واله وسلم.
4- ثورة المختار بن أبي عبيدة الثقفي الّتي أثلجت قلوب بني هاشم.
5- ثورة عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث.
هذه الثورات الخمس كانت مستلهمة من ثورة الحسين بوجه إلى أنْ وصلت النوبة إلى زيد.
6- ثورة زيد الشهيد الّتي أنارت الطريق للثائرين الّذين أنهضهم زيد بثورته للقضاء على النظام الأُمويّ في مدّة لا تتجاوز عشر سنين.
الثائرون بعد زيد
إنّ ثورة زيد بن عليّ كانت ثورة عارمة بوجه الظالمين هزّت وضعضعت أركان الدولة الأُمويّة، ولإيقاف القارئ على الأحداث الّتي أعقبت ثورته، نذكر أسماء الّذين نهجوا منهجه وساروا على دربه، وأخذوا بزمام الثورة وقادوها، وهم
1- يحيى بن زيد، الّذي شارك مع أبيه في الثورة وبقي بعد مقتل أبيه.
2- محمّد بن عبد الله بن الحسن المعروف بالنفس الزكيّة الّذي استشهد عام 145هـ.
3- إبراهيم بن عبد الله الّذي استشهد في البصرة في العام الّذي استشهد فيه أخوه محمّد.
4- إدريس بن عبد الله حيث ذهب إلى المغرب بعد قتل محمّد بن عبد الله، فأجابه خلق من الناس.
5- إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن مؤسّس دولة الأدارسة في المغرب.
6- عيسى بن زيد بن عليّ أخو يحيى بن زيد، وقد توارى بعد ثورة أخيه، فمات متوارياً عام 166هـ.
7- محمّد بن إبراهيم الطباطبا، فقد خرج في خلافة المأمون ودعا إلى الرضا من آل محمّد، توفّي عام 199هـ.
8- محمّد بن محمّد بن زيد بن عليّ، وكان أبو السرايا قائداً عامّاً لجيشه، وكان قبل ذلك داعية لابن طباطبا.
9- محمّد بن القاسم بن عليّ بن عمر الأشرف بن عليّ‌بن الحسين، فقد ظهر في طالقان عام 219هـ ودعا إلى الرضا من آل محمّد.
10- يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد، خرج بالكوفة عام 250هـ.
11- يحيى بن الحسين بن القاسم المعروف طباطبا وقد دعا إلى نفسه بصعدة وبويع للإمامة، ثُمّ إنّ الإمام يحيى بن الحسين أسّس دولة زيديّة باليمن وقام بأعباء الإمامة، ومن بعده أولاده إلى أنْ أُقصيت الزيديّة عن الحكم في اليمن بحلول الجمهوريّة، وذلك في شهر ربيع الأوّل من سنة 1382هـ.
وكما قامت للزيديّة دولة في المغرب واليمن، كذلك قامت دولة زيديّة في طبرستان بين الأعوام (250- 360هـ).
حيث ظهر الحسن بن زيد بن محمّد بن إسماعيل بن زيد بن الحسين عليه السلام في طبرستان أيّام المستعين بالله وتمكّن من بسط نفوذه على طبرستان وجرجان، وقام بعده أخوه محمّد بن زيد ودخل بلاد الديلم عام 277هـ، ثُمّ ملك طبرستان بعد ذلك الناصر للحقّ الحسن بن عليّ المعروف بالأطروش، وجاء بعده الحسن بن القاسم، وبعده محمّد بن الحسن بن القاسم المتوفّى‌ 360هـ.
هذه إلمامة موجزة عن ثوّارهم ودولهم.
عقائد الزيديّة
لم يكن زيد الشهيد صاحب نهج كلاميّ ولا فقهيّ، وأمّا قوله بالعدل والتوحيد ومكافحة الجبر والتشبيه، فلأجل أنّه ورثهما عن آبائه عليهم السلام ، وإنْ كان يُفتي في مورد أو موارد فكان يصدر عن الحديث الّذي يرويه عن آبائه.
نعم، جاء بعد زيد مفكّرون، وهم بين دعاة للمذهب، أو بناة للدولة في اليمن وطبرستان، فساهموا في إرساء مذهب باسم المذهب الزيديّ، متوافقين غالباً في الأُصول والعقائد مع المعتزلة، وفي الفقه وكيفيّة الاستنباط مع الحنفية، ولكنّ الصلة بين ما كان عليه زيد الشهيد في الأُصول والفروع وما أرساه‌ هؤلاء في مجالي العقيدة والشريعة منقطعة إلّافي القليل منهما.
إنّ المذهب الزيدي مذهب ممزوج ومنتزع من مذاهب مختلفة في مجالي العقيدة والشريعة ساقتهم إلى ذلك الظروف السائدة عليهم وصار مطبوعاً بطابع مذهب زيد، وإنْ لم يكن له صلة بزيد إلّا في القسم القليل.
ومن ثُمّ التقت الزيديّة في العدل والتوحيد مع شيعة أهل البيت جميعاً، إذ شعارهم في جميع الظروف والأدوار رفض الجبر والتشبيه والجميع في التديّن بذينك الأصلين عيال على الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام كما أنّهم التقوا في الأُصول الثلاثة
1- الوعد والوعيد.
2- المنزلة بين المنزلتين.
3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. - مع المعتزلة حيث أدخلوا هذه الأُصول في مذهبهم ورتّبوا عليه:
أ- خلود مرتكب الكبيرة في النار إذا مات بلا توبة، وحرمانه من الشفاعة، لأنّها للعدول دون الفسّاق.
ب- الشفاعة بمعنى ترفيع الدرجة لا الحطّ من الذنوب.
ج- الفاسق في منزلة بين المنزلتين، فهو عندهم لا مؤمن ولا كافر بل فاسق.
فاستنتجوا الأمرين الأوّلين من الأصل الأوّل، والثالث من الأصل الثاني.
وأمّا الأصل الثالث فهو ليس من خصائص الاعتزال ولا الزيديّة، بل يُشاركهم فيه الإماميّة. هذه عقائدهم في الأُصول.
وأمّا الفروع فقد التفّت الزيديّة حول القياس والاستحسان والإجماع، وجعلوا الثالث أي الاجماع بما هو هو حجّة، كما قالوا بحجيّة قول الصحابيّ وفعله، وبذلك صاروا أكثر فرق الشيعة توافقاً مع أهل السنّة.
ولكنّ العلامة الفارقة والنقطة الشاخصة الّتي تُميّز هذا المذهب عمّا سواه من المذاهب، ويسوقهم إلى الالتقاء مع الإماميّة والإسماعيليّة هو القول بإمامة عليّ والحسنين عليهم السلام بالنصّ الجليّ أو الخفيّ عن النبيِّ صلى الله عليه واله وسلم والقول بأنّ تقدّم غيرهم عليهم كان خطأ وباطلًا.
وها نحن نأتي برؤوس عقائدهم الّتي يلتقون في بعضها مع المعتزلة والإماميّة
1- صفاته سبحانه عين ذاته، خلافاً للأشاعرة.
2- إنّ الله سبحانه لا يُرى ولا يجوز عليه الرؤية.
3- العقل يُدرك حسن الأشياء وقبحها.
4- الله سبحانه مريد بإرادة حادثة.
5- إنّه سبحانه متكلّم بكلام، وكلامه سبحانه فعله: الحروف والأصوات.
6- أفعال العباد ليست مخلوقة لله ‌سبحانه.
7- التكليف بما لا يُطاق قبيح، خلافاً للمجبرة والأشاعرة.
8- المعاصي ليس بقضاء الله.
9- الإمامة تجب شرعاً لا عقلًا خلافاً للإماميّة.
10- النصّ على إمامة زيد والحسنين عند الأكثريّة.
11- خطأ المتقدّمين على الإمام عليّ عليه السلام في الخلافة قطعيّ.
12- خطأ طلحة والزبير وعائشة قطعيّ.
13- توبة الناكثين صحيحة.
14- معاوية بن أبي سفيان فاسق لبغيه ولم تثبت توبته(11).
هذه رؤوس عقائد الزيديّة استخرجناها من كتاب القلائد في تصحيح الاعتقاد المطبوع في مقدّمة البحر الزخّار.
فرق الزيديّة
ذكر مؤرّخو العقائد للزيديّة فرقاً وهم بين مقتصر على الثلاثة، وإلى مفيض إلى ستة، وإلى ثمانية منها: الجاروديّة والسليمانيّة والبتريّة والنعيميّة، إلى غير ذلك من الفرق، وبما أنّ هذه الفرق كلّها قد بادت وذهبت أدراج الريح مع بقاء الزيديّة في اليمن، ولا يوجد اليوم في اليمن بين الزيديّة من المفاهيم الكلاميّة المنسوبة إلى الفرق كالجاروديّة أو السليمانيّة أو البتريّة أو الصالحيّة إلّا مفهوم واحد، وهو المفهوم العام الّذي تعرّفت عليه، وهو القول بإمامة زيد والخروج‌ على الظلمة واستحقاق الإمامة بالطلب والفضل لا بالوراثة مع القول بتفضيل عليّ عليه السلام وأولويّته بالإمامة وقصرها من بعده في البطنين الحسن والحسين .
وأمّا أسماء تلك الفِرَق والعقائد المنسوبة إليهم فلا توجد اليوم إلّا في بطون الكتب والمؤلّفات في الفِرَق الإسلاميّة كالملل والنِّحل ونحوها، فإذا كان الحال في اليمن كما ذُكر، فالبحث عن هذه الفِرَق من ناحية إيجابيّاتها وسلبيّاتها ليس مهمّاً بعد ما أبادهم الدهر، وإنّما اللازم دراسة المفهوم الجامع بين فرقهم.
استشهاد زيد بن عليّ عليه السلام
وفي أيّام هشام بن عبد الملك بن مروان استُشهد زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ عليهم السلام ، وذلك في سنة إحدى وعشرين ومائة، وقيل بل في سنة اثنتين وعشرين ومائة، وقد كان زيد بن عليّ شَاوَرَ أخاه أبا جعفر بن عليّ بن الحسين بن عليّ، فأشار عليه بأنّ لا يركن إلى أهل الكوفة، إذ كانوا أهل غَدْر ومَكْر، وقال له: بها قُتل جدُّكَ عليّ، وبها طُعن عمّك الحسن وبها قُتل أبوك الحسين وفيها وفي أعمالها شُتمنا أهْل البيت، وأخبره بما كان عنده من العلم في مدّة ملك بني مروان، وما يتعقّبهم من الدولة العباسيّة، فأبى إلّا ما عزم عليه من المطالبة بالحقّ، فقال له: إنّي أخاف عليّك يا أخي أنْ تكون غداً المصلوبَ بَكُنَاسة الكوفة وودَّعة أبو جعفر، وأعلمه أنّهما لا يلتقيان.
وقد كان زيد دخل على هشام بالرُّصَافَة، فلما مَثَلَ بين يديه لم ير موضعاً يجلس فيه، فجلس حيث انتهى به مجلسه، وقال: يا أمير المؤمنين، ليس أحد يكبر عن تقوى الله، ولا يصغر دون تقوى الله، فقال هشام: اسكت لا أمَّ لك، أنت الّذي تُنازعك نفسُكَ في الخلافة، وأنت ابن أمَةٍ، قال: يا أمير المؤمنين، إنّ لك جواباً إنْ أجبتك به، وإنْ أحببت أمسكت عنه، فقال: بل أجِبْ، قال: إنّ الأمّهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات، وقد كانت أمّ إسماعيل أمَةً لأمّ إسحاق صلى الله عليهما وسلم، فلم يمنعه ذلك أنْ بعثه الله نبيّاً، وجعله للعرب أباً، فأخرج من صُلْبه خير البشر محمّداً صلى الله عليه واله وسلم ، فتقول لي هذا وأنا ابن فاطمة وابن عليّ، وقام وهو يقول:
شَرّدهُ الخوف وأزْرَى به *** كذاك من يكره حرّ الجلاد
منخرق الكفّين يشكو الجوى*** تنكثه أطراف مَرْوٍ حِدَاد
قد كان في الموت له راحة *** والموت خَتْم في رقاب العباد
إنْ يُحْدِث الله له دولة *** يترك آثارالعدا كالرماد
فمضى عليها إلى الكوفة وخرج عنها، ومعه القرّاء والأشراف، فحاربه يوسف بن عمر الثقَفِي، فلمّا قامت الحرب انهزم أصحاب زيد، وبقي في جماعة يسيرة، فقاتلهم أشدَّ قتال، وهو يقول متمثلِّاً:
ألذّ الحياة وعزّ الممات*** وكلّاً أراه طعاماً وبيلاً
فإنْ كان لا بُدَّ من واحد***فَسِيرِي إلى الموت سيراً جميلاً
وحال المساء بين الفريقين، فراح زيد مُثْخَناً بالجراح، وقد أصابه سهم في جبهته، فطلبوا من ينزع النصل، فأُتي بحجّام من بعض القرى، فاستكتموه أمره، فاستخرج النصل، فمات من ساعته، فدفنوه في ساقية ماء، وجعلوا على قبره التراب والحشيش، وأجرى الماء على ذلك، وحضر الحجَّامُ مواراته فعرف الموضع، فلما أصبح مضى إلى يوسف متنصِّحاً، فدلَّه على موضع قبره، فاستخرجه يوسف، وبعث برأسه إلى هشام، فكتب إليه هشام: أنْ اصلبهُ عرياناً، فصلبه يوسف كذلك، ففي ذلك يقول بعض شعراء بني أميّة يُخَاطب آل أبي طالب وشيعتهم من أبيات:
صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة *** ولم أر مَهْدِيّاً على الجذع يُصلب
وبَنَى تحت خشبته عموداً، ثمّ كتب هشام إلى يوسف يأمره بإحراقه وذَرْوِه في الرياح (12).
المصادر :
1- الأمالي للصدوق، ص335، الحديث 11
2- الأغاني، الأصفهاني، ج7، ص251
3- الروضة من الكافي، الكليني، الحديث 381
4- رجالي الكشي، ص242 برقم 144
5- كفاية الأثر، ص302
6- أمالي الصدوق، ص542؛ بحار الأنوار، ج46، ص177
7- بحار الأنوار، المجلسي، ج46، ص 200
8- كفاية الأثر، ص306
9- عيون أخبار الرضى، ج1، ص252، الباب 25، الحديث 6
10- م.ن، ج1، ص249، الباب 25
11- المذاهب الإسلامية،السبحاني، ص241 ـ 244. نقلاً عن البحر الزخّار، ص52 ـ 96
12- مروج الذهب، المسعودي، ج1، ص437

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الكيسانية
الاسرة والحقوق الزوجية
شرب الخمر
مسيرة تدوين الحديث النبوي الشريف
خطبة الإمام الحسين ( عليه السلام ) الأولى يوم ...
مسألة إلوهية المسيح عليه السلام
الفتنة الغربية والشرقية على المسلمين:
الأزارقة
موقف عائشة من دفن الامام الحسن (عليه السلام)
لماذا ترکتم علیا"(علیه السلام)

 
user comment