یصف الله عزوجل طبیعة العلاقة الزوجیة بتعبیر لطیف رقیق ینهل من القرآن الکریم ولا یکتب إلا بحبره الذی لا ینضب ویظلَّ یشعّ بأنوار الحقیقة الخالدة, فتکون السکن والقرار، المودة والرحمة, الستر والتجمل.
عن الإمام السجّاد علیه السلام: "وحق الزوجة أن تعلم أن اللَّه عزّ وجلّ جعلها لک سکناً وأنساً"
یقول الإمام زین العابدین علیه السلام:
"وحق الزوجة أن تعلم أن اللَّه عزّ وجلّ جعلها لک سکناً وأنساً، وتعلم أن ذلک نعمة من اللَّه تعالى علیک، فتکرمها وترفق بها، وإن کان حقک علیها أوجب فإن لها علیک أن ترحمها لأنها أسیرک وتطعمها وتکسوها فإذا جهلت عفوت عنها"(1).
یتناول علیه السلام فی هذه الفقرة المبارکة من رسالته الحقوقیة، الحقوق الشرعیة والأدبیة والمادیة للزوجة, مرة بالتشریع لبیان الواجب والمطلوب, ومرة أخرى بالتوجیه الوجدانی المؤثّر.
ویصوّرعلیه السلام من أعماق القلب وأغوار الحسّ الصادق, طبیعة تلک العلاقة بتعبیر لطیف رقیق ینهل من القرآن الکریم ولا یکتب إلا بحبره الذی لا ینضب ویظلَّ یشعّ بأنوار الحقیقة الخالدة, فیوضح علیه السلام صلة النفس بالنفس، صلة السکن والقرار، صلة المودة والرحمة, صلة الستر والتجمل. فیا ترى, ما الذی توجبه هذه الصلات من حقوق على الزوج علیه مراعاتها والقیام بها أمام شریکة العمر ورفیقة الدرب الطویل.
إن هذا ما نبیّنه فیما یلی:
الحق الأول: النفقة علیها.
فقد ألزم الإسلام الزوج بالنفقة على زوجته وتهیئة المسکن المناسب لها, ضمن حدود قدرته المالیة وإمکاناته المادیة یقول تعالى:
﴿أَسْکِنُوهُنَّ مِنْ حَیْثُ سَکَنتُم مِّن وُجْدِکُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَیِّقُوا عَلَیْهِنَّ...﴾(2)
على الرجل أن یکفیها من الطعام والشراب واللباس إضافة إلى المسکن وکل ما هو ضروری فی حیاتها, کالطبابة وغیرها، فلا یترفه هو ویضیّق علیها. وهذا الحق ثابت لها حتى وإن کانت غنیة موسرة.
وهی غیر ملزمة بذلک إلا إذا أرادت لأن الشریعة لم تکلفها بالانفاق على زوجها, إلا إذا أرادت هذا الأمر عن طیب خاطر ورضا متطوعة غیر مجبرة, وحول هذا الحق جاء فی الحدیث:
"حق المرأة على زوجها أن یسدّ جوعتها وأن یستر عورتها ولا یقبّح لها وجهاً"(3).
وأیضا,ً عن إسحاق بن عمار, قال: قلت لأبی عبد اللَّه علیه السلام: ما حق المرأة على زوجها الذی إذا فعله کان محسناً؟ قال علیه السلام: "یشبعها ویکسوها، وإن جهلت غفر لها"(4).
وکذلک فی الحدیث:
"ما من عبد یکسب ثم ینفق على عیاله إلا أعطاه اللَّه بکل درهم ینفقه على عیاله سبعمائة ضعف"(5).
الحق الثانی: وصالها.
وهو عبارة عن حقها الزوجی فی العلاقة معه، والاتصال بینهما کما أراده اللَّه تعالى ولذلک لا یحق للزوج هجرانها والابتعاد عنها زیادة عن المدة المحدّدة فی الشرع المبین. ومن القبح بمکان أن یقصّر الرجل فی أداء هذا الحق لها, وقد ورد ذم الرجل المتهاون بهذا الأمر فی النصوص الواردة عن أهل بیت العصمة علیهم السلام (6).
الحق الثالث: عدم إهانتها
فینبغی التعامل معها بإحسان, فلا یعمد إلى إستعمال الألفاظ النابیة معها, وإن کان غاضباً أو محقّا,ً وهو المقصود من قول النبی صلى الله علیه وآله وسلم:
"ولا یقبّح لها وجهاً"(7).
وعنه صلى الله علیه وآله وسلم:"خیر الرجال من أمتی الذین لا یتطاولون على أهلیهم ویحنون علیهم ولا یظلمونهم ثم قرأ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ...﴾(8).
الحق الرابع: عدم الاضرار بها
ربما یعمد بعض الأزواج إلى الاضرار بالزوجة, حتى تصل إلى حالة ترجو فیها الخلاص من زوجها, فتبذل مهرها لقاء أن یطلقها, فیکون هو الذی الجأها إلى هذه الحالة, من خلال المعاملة السیئة والأسلوب الوحشی فی التعاطی معها، وربما یفرح الزوج بأنه قد نجحت خطته ووصلت إلى الغایة التی رمى إلیها من خلال عملیة الاضرار والاضطهاد التی مارسها مع زوجته. لکن الحقیقة إن اللَّه تعالى ورسوله صلى الله علیه وآله وسلم بریئان من هذا الرجل. وإضافة إلى ذلک, فإن ما أجبرت الزوجة على دفعه له حرام علیه(9).
ورد عن النبی صلى الله علیه وآله وسلم:
"ألا وإن اللَّه ورسوله بریئان ممن أضرّ بامرأة حتى تختلع منه"(10).
وعنه صلى الله علیه وآله وسلم:
"إنی لأتعجب ممن یضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها"(11).
المصادر :
1- رسالة الحقوق: حق الزوجة.
2- الطلاق:6
3- میزان الحکمة، حدیث 7870.
4- م.ن. حدیث 7874.
5- مکارم الأخلاق، ص217.
6- راجع سفینة البحار، ج1 ص180.
7- میزان الحکمة، حدیث 7870.
8- النساء:34 / مکارم الأخلاق، ص216.
9- راجع تحریر الوسیلة، ج2، ص352، مسألة 14.
10- - ثواب الأعمال: 1 338.
11 جامع الأخبار، 1259 447.