كتاب الزكاة و جميع العبادات المالية
باب في وجوب الزكاة
قال الله تعالى وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. أمر الله تعالى في هذه الآية جميع المكلفين بإقامة الصلاة و إيتاء الزكاة اللتين أوجبهما عليهم و أن يطيعوا الرسول في كل ما يأمرهم به و يدعوهم إليه ليرحموا جزاء على ذلك و يثابوا بالنعم الجزيلة فالفرض التالي لفرض الصلاة في محكم التنزيل هو الزكاة فلا بد من معرفته و تحصيله إذ كان في الجهل به جهل أصل الشريعة يكفر المنكر له برده و يؤمن بالإقرار به لعموم تكليفه و عدم سقوطه عن بعض البالغين لا لعذر. و في قوله وَ آتُوا الزَّكاةَ في آي كثيرة و مواضع متفرقة في كتاب الله دلالة
فقه القرآن ج : 1 ص : 212
قاطعة على أنها واجبة لأن ما رغب الله فيه فقد أراده و كل ما أراده من العبد و أمر به في الشرع فهو واجب إلا أن يقوم دليل على أنه نفل و قيل الاحتياط يقتضي الوجوب. و سمي بالزكاة ما يجب إخراجه من المال لأنه نماء لما يبقى و تثمير له و قيل بل هو مدح لما يبقى بعد الزكاة فإنه زكي به أي مطهر كما قال أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً أي طاهرة. و قوله في أول البقرة وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ عن ابن عباس أنه الزكاة المفروضة تؤتيها احتسابا و قال الضحاك هو التطوع بالنفقة فيما قرب من الله تعالى و الأولى حمل الآية على عمومها فيمن أخرج الزكاة الواجبة و النفقات الواجبة و تطوع بالخيرات.
فصل
قال الله تعالى وَ ما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ. و قال أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ. هذه الآية نزلت في ناس من الصحابة استأذنوا النبي ع في قتال المشركين منهم عبد الرحمن بن عوف و هم بمكة فلم يأذن لهم فلما كتب عليهم القتال و هم بالمدينة قال فريق منهم ما حكاه الله في الآية.
فقه القرآن ج : 1 ص : 213
فإن قيل كيف يصح ذلك و لم أمرهم الله بإيتاء الزكاة و لم تكن الزكاة فرضت بمكة. قلنا إنما قال الله ذلك و أمر بها على وجه الاستحباب و الندب دون الزكاة المقدرة على وجه مخصوص. و قيل الآية نزلت في اليهود نهى الله هذه الأمة أن يصنعوا مثل صنيعهم. على أن العقل دال على حسن الإحسان و الإنفاق فجائز أن يعلم الكافر حسنه غير أنه و إن علم ذلك لا يقع منه على وجه يكون طاعة لأنه لو أوقعها على ذلك الوجه لا يستحق الثواب و هذا لا يجوز فبين الله في الآية الأولى أنه لا يثيب من فعل الخيرات إذا كان كافرا.
فصل
و قوله لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ إلى قوله وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ السَّائِلِينَ وَ فِي الرِّقابِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ. لا خلاف أن هذه الآية تدل على وجوب إعطاء الزكاة و تدل أيضا في قول الشعبي و الجبائي على وجوب غيره مما له سبب وجوب كالإنفاق على من يجب عليه نفقته و على من يجب عليه سد رمقه إذا خاف التلف و على ما يلزمه من النذر و الكفارات و يدخل أيضا فيها ما يخرجه الإنسان على وجه التطوع و القربة إليه تعالى لأن ذلك كله من البر. و معنى قوله لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ أي ليس الدين و الخير الصلاة وحدها لكنه الصلاة مع العبادات الأخر المذكورة.
فقه القرآن ج : 1 ص : 214
عن ابن عباس قال فإن قيل قوله وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَ آتَى الزَّكاةَ معطوف على قوله وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى فلم كرر و ليس زيادة فائدة. قلنا إنما قال تعالى وَ آتَى الزَّكاةَ و قد تضمن قوله وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى إيتاء الزكاة توكيدا لأمر الزكاة و تنبيها على أنها تالية للصلاة فجمع بينهما في الذكر كما يجبان على حد واحد. و قيل إن قوله وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى ليس يتناول الزكاة المفروضة في هذه الآية و إنما يدل على وجوب الزكاة قوله وَ آتَى الزَّكاةَ و إنما يدل قوله وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ على الإنفاق على أولئك إذا عرف منهم شدة الحاجة و لا يخرجه ذلك من أن يكون واجبا كما يجب عليه النفقات في أهله و ولده و رتب الله هذا الترتيب لتقديم الأولى فالأولى.
فصل
فإن قيل كيف قال الله لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ و الفقير لا تجب عليه الصدقة و إن لم ينفق فإنه غير مخاطب به. قلنا الكلام خرج مخرج الحث على الصدقة إلا أنه على ما يصح و يجوز من إمكان النفقة فهو مقيد في الجملة بذلك إلا أنه أطلق الكلام به للمبالغة في الترغيب فيه و قال الحسن هو الزكاة الواجبة و ما فرض الله في الأموال خاصة. و الأولى أن تحمل الآية على الخصوص بأن نقول هي متوجهة إلى من يجب عليه إخراج شيء أوجبه الله عليه دون من لم تجب عليه و يكون ذلك أيضا مشروطا بأن لا يعفو الله عنه أو نقول لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ الكامل الواقع على أشرف الوجوه حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ.
فقه القرآن ج : 1 ص : 215
و قيل في معنى البر إنه الجنة و قيل إنه البر من الله بالثواب و الجنة و قيل البر فعل الخير الذي يستحقون به الأجر. فإذا ثبت وجوب الزكاة فاعلم أنه يحتاج فيها إلى معرفة خمسة أشياء ما تجب فيه و من تجب عليه و مقدار ما تجب فيه و متى تجب و من المستحق لها و يدخل في القسم الأخير مقدار ما يعطى. و الطريق إلى معرفتها الكتاب و السنة جملة و تفصيلا و نحن نشير إليها في أبواب إن شاء الله تعالى
الباب الأول فيما تجب فيه الزكاة و كيفيتها و ما تستحب فيه الزكاة
الزكاة عندنا لا تجب إلا في تسعة أشياء بينها رسول الله ص و الدليل عليه من القرآن قوله تعالى ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ و قال وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ. و هي الأنعام و الأثمان و الغلات و الثمار و ما عداها من الحبوب تستحب فيه الزكاة.
فصل
و الذي يدل على صحته زائدا على إجماع الطائفة قوله تعالى وَ لا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ و المعنى أنه لا يوجب في أموالكم حقوقا لأنه تعالى لا يسألنا أموالنا إلا على هذا الوجه. و هذا الظاهر يمنع من وجوب حق في الأموال مما أخرجناه فهو بالدليل
فقه القرآن ج : 1 ص : 216
القاطع و ما عداه باق تحت الظاهر فإن تعلق المخالف بقوله وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ و أنه عام في جميع الزروع و غيرها مما ذكر في الآية. فالجواب عنه أنا لا نسلم أن قوله وَ آتُوا حَقَّهُ يتناول العشر و نصف العشر المأخوذ على سبيل الزكاة فمن ادعى تناوله لذلك فعليه الدلالة. و عند أصحابنا أن ذلك يتناول ما يعطى المسكين و الفقير المجتاز وقت الحصاد و الجذاذ من الجفنة و الضغث فقد رووا ذلك عن الأئمة ع فمنه
ما روي عن أبي جعفر ع في قوله وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ قال ليس ذاك الزكاة أ لا ترى أنه قال وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
و هذه نكتة منه ع مليحة لأن النهي عن السرف لا يكون إلا فيما ليس بمقدر و الزكاة مقدرة و ليس لأحد أن يقول إن الإسراف هاهنا هو أن يعطى غير المستحق لأن ذلك مجاز و لا يجوز ترك الظاهر الذي هو الحقيقة و الخروج إلى المجاز إلا بدليل و لا دليل هاهنا.
و روي عن أبي عبد الله ع أنه قيل له يا ابن رسول الله و ما حقه قال يناول منه المسكين و السائل
و الأحاديث بذلك كثيرة و يكفي احتمال اللفظ و إن كان يقوي هذا التأويل أن الآية تقتضي أن يكون العطاء في وقت الحصاد و العشر المفروض أو نصفه في
فقه القرآن ج : 1 ص : 217
الزكاة لا يمكن في تلك الحال لأن العشر أو نصفه مكيل و لا يؤخذ إلا من المكيل و في وقت الحصاد لا يكون مكيلا و لا يمكن كيله و إنما يكال بعد تذريته و تصفيته فتعليق العطاء بتلك الحال لا يمكن إلا بما ذكرناه. و يقوي هذا التأويل ما روي عن النبي ع من النهي عن الحصاد و الجذاذ بالليل و إنما نهى عن ذلك لما فيه من حرمان المساكين ما ينبذ إليهم من ذلك أ لا ترى إلى قوله تعالى إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَ لا يَسْتَثْنُونَ. و ما يقوله قوم في قوله وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ من أنها مجملة و لا دليل فيها فليس بصحيح لأن الإجمال هو مقدار الواجب لا الموجب فيه.
فصل
فإن قيل في قوله وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ قد سماه الله تعالى حقا و ذلك لا يليق إلا بالواجب. قلنا قد يطلق اسم الحق على الواجب و المندوب إليه أ لا ترى إلى
ما روي عن جابر أن رجلا قال لرسول الله ص و هل علي حق في إبلي سوى الزكاة قال نعم تحمل عليها و تسقي من لبنها
فإن قالوا فظاهر قوله وَ آتُوا حَقَّهُ يقتضي الوجوب و ما ذكرتموه ليس بواجب. قلنا إذا سلمنا أن ظاهر الأمر شرعا على الوجوب أو الإيجاب كان لنا من الكلام طريقان
فقه القرآن ج : 1 ص : 218
أحدهما أن نقول إن ترك ظاهر من الكلام ليسلم ظاهر آخر له كترك ظاهر ذاك ليسلم هذا و أنتم إذا حملتم الأمر على الوجوب هاهنا تركتم تعلق العطاء بوقت الحصاد و نحن إذا حملنا الأمر على الندب سلم لنا ظاهر تعلق العطاء بوقت الحصاد و ليس أحد هذين الأمرين إلا كصاحبه و أنتم المستدلون بالآية فخرجت من أن تكون دليلا لكم. و الطريق الآخر أنا لو قلنا بوجوب هذا العطاء في وقت الحصاد فإن لم يكن مقدرا بل موكولا إلى اختيار المعطي لم نقل بعيدا من الصواب. فإن تعلق مخالفنا بقوله تعالى أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ أن المراد بالنفقة هاهنا الصدقة بدلالة قوله تعالى وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني لا يخرجون زكاتها. فالجواب عن ذلك أن اسم النفقة لا يجري على الزكاة إلا مجازا و لا يعقل من إطلاق لفظ الإنفاق إلا ما كان من المباحات و ما جرى مجراها ثم لو سلمنا ظاهر العموم لجاز تخصيصه ببعض الأدلة التي ذكرناها.
فصل
و قوله تعالى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ أمر من الله لنبيه ع أن يأخذ من المالكين النصاب الإبل إذا بلغت خمسا و البقر إذا بلغت ثلاثين و الغنم إذا بلغت أربعين و الورق إذا بلغ مائتين
فقه القرآن ج : 1 ص : 219
و الذهب إذا بلغ عشرين مثقالا و الغلات و الثمار إذا بلغت خمسة أوسق تطهيرا لهم بها من ذنوبهم و وجب على الأمة حملها إليه لفرضه عليها طاعته و نهيه لها عن خلافه و الإمام قائم مقام النبي ص فيما فرض عليه من إقامة الحدود و الأحكام لأنه مخاطب في ذلك بخطابه. و قوله خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ يدل على أن الأخذ يجب من اختلاف الأموال لأنه تعالى جمعه و لو قال خذ من مالهم لأفاد وجوب الأخذ من جنس واحد متفق و من دخلت للتبعيض فكأنه قال خذ بعض مختلف الأموال. و ظاهر الآية لما ذكرنا لا يدل على أنه يجب أن يؤخذ من كل صنف لأنه لو أخذ من صنف واحد لكان قد أخذ بعض الأموال و إنما يعلم ذلك بدليل آخر. و الصدقة عطية ما له قيمة في الشرع للفقير و ذي الحاجة و البر عطية لاجتلاب المودة و مثله الصلة. و إنما ارتفع تُطَهِّرُهُمْ لأحد أمرين إما أن يكون صفة للصدقة و تكون التاء للتأنيث و قوله بِها تبيين له و التقدير صدقة مطهرة و إما أن تكون التاء لخطاب النبي ع و التقدير فإنك تطهرهم بها و هو أيضا صفة الصدقة إلا أنه اجتزأ بذكر بها في الثاني عن الأول. و قيل يجوز أن يكون على الاستئناف و حمله على الاتصال أولى. و قيل في هذه الصدقة قولان أحدهما قاله الحسن إنها كفارة الذنوب التي أصابوها و قال غيره هي الزكاة الواجبة. و أصل التطهير إزالة النجس فالمراد هاهنا إزالة نجس الذنوب على
فقه القرآن ج : 1 ص : 220
المجاز و الاستعارة. و قوله وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ أمر من الله لنبيه ع أن يدعو لمن يأخذ منه الصدقة و قال قوم يجب ذلك على كل ساع يجمع الصدقات أن يدعو لصاحبها بالخير و التزكية و البركة كما فعل رسول الله ص.
و عن ابن عباس قالوا يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا و استغفر لنا فقال ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا فأنزل الله خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً
فصل
و لا تجب الزكاة في عروض التجارة و إنما تستحب على بعض الوجوه. فإن تعلق المخالف بقوله خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً و أن عموم القول يتناول عروض التجارة فالجواب عن ذلك أن أكثر ما في هذه الآية أن يكون لفظها عموما و العموم معرض للتخصيص و نحن نخص هذا العموم ببعض ما تقدم من أدلتنا. على أن مخالفينا لا بد لهم من ترك هذا الظاهر في عروض التجارة لأنهم يضمرون في تناول هذا اللفظ لعروض التجارة أن يبلغ قيمتها نصاب الزكاة و هذا ترك للظاهر و خروج عنه و لا فرق بينهم فيه و بيننا إذا حملنا اللفظ في الآية على الأصناف التي أجمعنا على وجوب الزكاة فيها و إذا قمنا في ذلك مقامهم و هم المستدلون بالآية بطل استدلالهم. و بمثل هذا الكلام يبطل تعلقهم بقوله وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ.
فقه القرآن ج : 1 ص : 221
و يمكن أن يقال في هذه الآية إنها خرجت مخرج المدح لهم لما فعلوه لا على سبيل إيجاب الحق في أموالهم لأنه تعالى قال كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ فأخرج الكلام كله مخرج المدح لهم بما فعلوه و ليس في إيجاب الله في أموالهم حقا معلوما مدح لهم و لا ما يجب الثناء عليهم فعلم أن المعنى و يعطون من أموالهم حقا معلوما للسائل و المحروم و ما يفعلونه من ذلك ليس بلازم أن يكون واجبا بل قد يكون نفلا و متطوعا به و قد يمدح الفاعل على ما يتطوع به كما يمدح على فعل ما يجب عليه. و لا تعلق لهم بقوله وَ آتُوا الزَّكاةَ لأن اسم الزكاة اسم شرعي و نحن لا نسلم أن في عروض التجارة زكاة فيتناولها الاسم فعلى من ادعى ذلك أن يدل عليه. و الدين إذا كان يد صاحبه تمتد إليه و لا يتعذر عليه كانت الزكاة فيه و إذا لم يتمكن من قبضه لتأجيله أو دفعه باليد عنه فلا زكاة فيه على صاحبه و بذلك نصوص عن آل محمد ع فإن الله لم يجعل في الدين من حرج و لا كلف عسيرا بنص التنزيل.
فصل
و قوله أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ. سبب ذلك أنهم لما سألوا النبي ع أن يأخذ من مالهم ما يكون كفارة لذنوبهم فامتنع النبي من ذلك حتى أذن له فيه بقوله خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ
فقه القرآن ج : 1 ص : 222
صَدَقَةً على ما قدمناه فبين الله هاهنا أن ليس للنبي قبول توبتكم و أن ذلك إلى الله دونه فإن الله تعالى هو الذي يقبل التوبة عن عباده و يأخذ الصدقات أي يأخذها بتضمن الجزاء عليها كما تؤخذ الهدية. قال الجبائي جعل أخذ النبي و المؤمنين للصدقة أخذا له تعالى على وجه المجاز من حيث كان يأمره
و أكده النبي ع بقوله إن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تصل إلى السائل
و في التفسير أن أبا لبابة و صاحبه لما بشرهم رسول الله ص بقبول الله توبتهم و مغفرته لهم قالوا نتقرب بجميع أموالنا شكرا لما أنعم الله به علينا من قبول توبتنا فقال النبي ص يكفيكم الثلث
فصل
و قوله تعالى وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ يدل على أن النية واجبة في الزكاة لأن إعطاء المال قد يقع على وجوه كثيرة فمنها إعطاؤه على وجه الصدقة و منها إعطاؤه على وجه الهدية و منها الصلة و منها الوديعة و منها قضاء الدين و منها القرض و منها البر و منها الزكاة و منها النذر و غير ذلك و بالنية يتميز بعضها من بعض. قال الكلبي في معنى الآية يضاعف الله أموالهم في الدنيا و نحوه قوله تعالى مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ.
فقه القرآن ج : 1 ص : 223
قال الربيع و السدي الآية تدل على أن النفقة بسبع مائة ضعف لقوله سَبْعَ سَنابِلَ فأما غيرها فالحسنة بعشرة كقوله تعالى مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها و معنى الآية أي يضاعف الله لهم الحسنات. فإن قيل هل رئي في سنبلة مائة حبة حتى يضرب المثل بها. قلنا إن ذلك متصور فشبه به لذلك و إن لم ير كقول إمرئ القيس
و مسنونة زرق كأنياب أغوال
و قال تعالى طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ و قيل يرى ذلك في سنبل الدخن و قد يكون ذلك عبارة عن حب كثير. و هذه الآية متصل بقوله مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً و هذا مجاز لأن حقيقته أن يستعمل في الحاجة و يستحيل ذلك و معناه التلطف في الاستدعاء إلى أعمال البر. و جهلت اليهود لما نزلت هذه الآية فقالوا الذي يستقرض منا فنحن أغنياء و هو فقير إلينا فأنزل الله لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ.
فصل
و قوله تعالى وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ الآية دلالة على أنهم لم ينظروا إلى كيفية القسمة أ هي عادلة أم جائرة و إنما اعتبروا إعطاءه إياهم فقط فإن أعطاهم قالوا عدل و أحسن و إن لم يعطهم سخطوا و أنكروا و هذا جهل و معلوم أن من لم
فقه القرآن ج : 1 ص : 224
يرض قسمة النبي ع الصدقات و طعن عليه فيها سرا أو جهرا إما كافر أو منافق. و اللمز العيب في خلوة أي من المنافقين من يعيبك في تفريق الصدقات
و قال النبي ع لا أعطيكم شيئا و لا أمنعكموه إنما أنا خازن أضع حيث أمرت
و لا تعجب إن اختلف أحكام الصدقات فالغلات و الثمار لا يراعى فيها حول الحول و شرطها اثنان الملك و النصاب. و يراعى حول الحول في الأنعام و الأثمان و من شرط الأنعام الملك و النصاب و السوم و من شرط الأثمان الملك و النصاب و كونهما مضروبين منقوشين دنانير و دراهم. و هذا التفصيل إنما نعلمه ببيان الرسول قال تعالى وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ فبيانه في مثل ذلك بالقول و بيانه في تفريقها بالعمل و كلاهما بيان. ثم قال تعالى وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ و جوابه محذوف أي لكانوا مؤمنين و الحذف في مثل هذا أبلغ لأن الذكر يقصره على معنى و الحذف يجوز كل ممكن محتمل يذهب النفس معه كل مذهب و الله أعلم
الباب الثاني في ذكر من يستحق الزكاة و أقل ما يعطى
قال الله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ. أخبر الله في هذه الآية أنه ليست الصدقات التي هي زكاة الأموال إلا للفقراء
فقه القرآن ج : 1 ص : 225
و المساكين و من ذكرهم الله في الآية. و فسر العالم ع هذه الأصناف الثمانية فقال الفقراء الذين لا يسألون لقوله تعالى في سورة البقرة لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الآية و المساكين هم أهل الزمانات منهم الرجال و النساء و الصبيان و العاملين عليها هم السعاة في أخذها و جمعها و حفظها حتى يؤدوها إلى من يقسمها و المؤلفة قلوبهم قال هم قوم وحدوا الله و لم يدخل قلوبهم أن محمدا رسول الله فكان ع يتألفهم فجعل لهم نصيبا بأمر الله لكي يعرفوا و يرغبوا و في الرقاب قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطإ و في الظهار و في الإيمان و في قتل الصيد في الحرم و ليس عندهم ما يكفرون به و هم مؤمنون. و قال بعض العلماء جعل الله الزكوات لأمرين أحدهما سد خلة و الآخر تقوية و معونة لعز الإسلام و استدل لذلك على أن المؤلفة قلوبهم في كل زمان و الغارمين الذين ركبتهم الديون في مباح أو طاعة و في سبيل الله الجهاد و جميع مصالح المؤمنين و ابن السبيل المسافر المنقطع به و الضيف.
فقه القرآن ج : 1 ص : 226
فصل
اختلفوا في الفرق بين الفقير و المسكين فقال ابن عباس و جماعة الفقير المتعفف الذي لا يسأل و المسكين الذي يسأل ذهبوا إلى أنه مشتق من المسكنة بالسؤال. و هذا الخلاف في الفقير و المسكين لا يخل بشيء في باب الزكاة لأنهما جميعا من جملة ذوي السهام الثمانية سواء كان هذا أشد حالا أو ذاك إلا أنه ليس كلا اللفظين عبارة عن شيء واحد.
و قال النبي ص ليس المسكين الذي يرده الأكلة و الأكلتان و التمرة و التمرتان و لكن المسكين الذي لا يجد غنى فيعينه و لا يسأل الناس إلحافا
و قال قتادة الفقير ذو الزمانة من أهل الحاجة و المسكين من كان صحيحا محتاجا. و قال قوم هما بمعنى واحد إلا أنه ذكر بالصفتين لتأكيد أمره و ليعطى من له شيء و لا يكفيه كما يعطى من لا شيء له. و سمي المحتاج فقيرا من حيث كأنه كسر فقار ظهره و المسكين كأن الحاجة سكنته عن حالة أهل السعة و الثروة. و من قال المسكين أحسن حالا استدل بقوله أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ و من قال هما سواء قال كانت السفينة مشتركة بين جماعة لكل واحد منهم شيء يسير. وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها يعني سعاة الزكاة و جباتها.
فقه القرآن ج : 1 ص : 227
وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ أقوام أشراف كانوا في زمن النبي ع فكان يتألفهم على الإسلام و يستعين بهم على قتال غيرهم فيعطيهم سهما من الزكاة فقال قوم كان هذا خاصا على عهد النبي ع
و روى جابر عن الباقر ع أنه ثابت في كل عصر إلا أن من شرطه أن يكون هناك إمام عدل يتألفهم على ذلك
و اختاره الجبائي. وَ فِي الرِّقابِ يعني المكاتبين و أجاز أصحابنا أن يشترى به عبد مؤمن إذا كان في شدة و يعتق من مال الزكاة و يكون ولاؤه لأرباب الزكاة و هو قول ابن عباس و جعفر بن مبشر. و المكاتب إنما يعطى من الصدقة إذا لم يكن معه ما يعطى ما عليه من مال الكتابة فإن كان ذلك عنده فإنه لا يعطى شيئا هذا إذا حل عليه نجم و ليس معه ما يعطيه أو ما يكفيه لنجمه و إن لم يكن معه شيء غير أنه لم يحل عليه نجم فإنه يجوز أيضا أن يعطى لعموم الآية. وَ الْغارِمِينَ هم الذين ركبتهم الديون في غير معصية و لا إسراف فيقضى عنهم ديونهم هذا قول أبي جعفر ع و عليه جميع المفسرين. وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني الجهاد بلا خلاف و يدخل فيه عند أصحابنا جميع مصالح المسلمين و هو قول ابن عمر و عطاء و به قال البلخي فإنه قال يبنى منه المساجد و القناطر و غير ذلك و هو قول جعفر بن مبشر. وَ ابْنِ السَّبِيلِ هو المسافر المنقطع به فإنه يعطى من الزكاة و إن كان غنيا في بلده من غير أن يكون دينا عليه و هو قول قتادة و مجاهد. و يستحب له أيضا إذا وصل إلى ماله أن يتصدق بمثل ما أخذه حيث انقطع به.
فقه القرآن ج : 1 ص : 228
فصل
إذا دفع صاحب المال زكاته إلى الفقير بغير إذن الإمام عند حضوره فللإمام أن يعيد عليه و يطالبه بالزكاة بدلالة تعلق فرض الأداء به قال الله تعالى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها و الإمام مخاطب بعد النبي ع بما خوطب به في تنفيذ الأحكام. و اختلفوا في مقدار ما يعطى الجابي للصدقة فقال مجاهد و الضحاك يعطى الثمن بلا زيادة و قال به عبد الله بن عمرو بن العاص و الحسن و ابن نهد و هو قدر عمالته و هو المروي في أخبارنا. و اللام في قوله لِلْفُقَراءِ ليست للملك إذ لا خلاف أن الصدقات لا يملكها الفقراء بالوجوب و إنما تصير حقا لهم و لمن عطف عليهم و اللام إذا دلت على الحق لم يجب فيها العموم إذ الحق قد يكون للفقراء و يكون الاختيار إلى من يضعه فيهم فله أن لا يعمهم و إن كان قبل الوضع لجماعتهم فقد صار التخصيص في التمليك يصح مع كونه حقا على طريق العموم. فإذا أبيت من ذلك فالواجب من الظاهر أن لا يقطع على كونه حقا لجماعتهم يبين ذلك أنه لو كان كذلك لما جاز في الصدقة أن يوضع في ثلاثة مساكين بل كان يجب وضعها في جميع من يتمكن منه في البلد و قد أجمعوا على خلافه.
و قال الباقر ع إن لقاسم الزكاة أن يضعها في أي الأصناف شاء
و إليه ذهب ابن عباس و حذيفة و عمر و عطاء و إبراهيم و سعيد بن جبير. و قال بعض المتأخرين لا يضعها إلا في سبعة أصناف لأن المؤلفة قلوبهم قد
فقه القرآن ج : 1 ص : 229
انقرضوا و إن قسمها الإنسان عن نفسه ففي ستة لأنه بطل سهم العامل عليها و زعم أنه لا يجزي في كل صنف أقل من ثلاثة. و عندنا أن سهم المؤلفة و السعاة و سهم الجهاد قد سقط اليوم و يقسم في الخمسة الباقية كما شاء رب المال و إن وضعها في فرقة منهم جاز إلا أن أقل ما يعطى مستحق ما يجب في نصاب و لا يكسر إلا في الغلات و الثمار و الاحتياط فيها أن لا يكسر في نصابها أيضا. و أجمعت الأمة على أن الصدقات يخالف حكمها حكم الوصية لأنه إذا أوصى بسهام ثم تعذر بعضها في البلد لم يجز صرفها إلى الموجودين فيه و لم يختلفوا في جواز ذلك في الزكاة فقد ثبت أن هذه السهام جهات لجواز الوضع فيهم فكأن الله وسع على المصدق القاسم الحال في ذلك فجاز أن يضعه في جميعهم كيف شاء و جاز أن يضع جميعه في بعضهم إذا رأى ذلك أولى و أحق في الحال.
فصل
قد ذكرنا من قبل أنه يجوز أن يشترى المملوك من مال الزكاة فيعتق إذا كان حاله ما قدمناه و الدليل عليه قوله إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ إلى قوله وَ فِي الرِّقابِ و هذا نص صريح في جواز عتق الرقبة من الزكاة. فإن قيل المراد بقوله وَ فِي الرِّقابِ المكاتبون فإن الفقهاء كلهم يجيزون أن يعطى المكاتب من مال الزكاة إلا مالكا. قلنا نحمله على المكاتب و على من يبتاع فيعتق لأنه لا تنافي بين الأمرين و ظاهر القول يتناول الكل و لا مخصص لعمومه فمتى استفاد هذا المعتق من الزكاة مالا ثم مات فماله إذا لم يكن له وارث من النسب و الزوجية لأهل الزكاة لأنه اشتري من مالهم.
فقه القرآن ج : 1 ص : 230
و يجوز أن يكفن من الزكاة الموتى و يقضى بها الدين عن الميت و باقي الفقهاء يخالفوننا فيه و الحجة لأصحابنا مضافا إلى إجماعهم قوله وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ في آية وجوه الصدقة التي ذكرناها و معنى سبيل الله الطريق إلى ثواب الله و الوصلة إلى التقرب إليه تعالى و لما كان ما ذكرنا مقربا إلى الله و موصلا إلى الثواب جاز صرفه فيه. فإن قيل المراد بقوله وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ما ينفق في جهاد العدو. قلنا كل هذا مما يوصف بأنه سبيل الله و إرادة بعضه لا يمنع من إرادة البعض الآخر. و قد روى مخالفونا عن ابن عمر أن رجلا أوصى بماله في سبيل الله فقال ابن عمر إن الحج من سبيل الله فاجعلوه فيه.
و رووا عن النبي ع أن الحج و العمرة من سبيل الله
الباب الثالث في ذكر من يجب عليه الزكاة و ذكر أحكام الزكاة كلها
قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ. هذا و إن كان خطابا للمؤمنين دون سائر الناس فلا يدل على أن الكافر غير متعبد به لأن الأمر المتوجه إليك لا يكون نهيا لغيرك مع أن جميع المؤمنين لا يجب عليهم الزكاة و إنما تجب على من يكون حرا يملك النصاب مع شرائطها الأخر المذكورة و قد قال الله تعالى وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ
فقه القرآن ج : 1 ص : 231
فقد توعدهم على ترك الزكاة الواجبة عليهم لأنهم متعبدون بجميع العبادات و معاقبون على تركها. قال الزجاج معناه ويل للمشركين الذين لا يؤمنون بأن الزكاة واجبة عليهم. و إنما خص الزكاة بالذكر تفريعا لهم على شحهم الذي يأنف منه أهل الفضل و الصحيح أنه عام في جميع ذلك و حسن الإحسان و الإنعام يعلم على الجملة عقلا. و لا زكاة واجب في صامت أموال الصبيان و تجب فيهما عدا ذلك من أنعامهم و غلاتهم و ثمارهم و بهذا نصوص عن آل محمد ع و يؤيدها قوله تعالى وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ فخوطب بالزكاة من خوطب بالصلاة و الصبي غير مخاطب بالصلاة و قوله خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها و الصبي لا يحتاج إلى التطهير إذ لا ذنب له و لا تكليف عليه. فأما زكاة حرثه و نعمه فمأخوذ من قوله وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ و قد ثبت أن القرآن لا يتناقض و لا يختلف معانيه و لم يكن طريق إلى الملاءمة بين معانيه إلا على الوجه الذي ذكرناه مع وفاق السنة في ذلك له. و قوله أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ يدخل فيه الزكاة المفروضة و غيرها من أنواع النفقة. و قال عبيدة السلماني و الحسن هي مختصة بالزكاة لأن الأمر على الإيجاب و لا يجب من الإنفاق على الكل إلا الزكاة. و قال الجبائي هي في التطوع لأن الفرض من الصدقة له مقدار من القيمة إن قصر كان ذنبا عليه إلى أن يؤديه على التمام.
فقه القرآن ج : 1 ص : 232
فصل
و قوله وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ. عن علي ع و البراء و الحسن و قتادة أنها نزلت لأن بعضهم كان يأتي بالحشف فيدخله في تمر الصدقة و قال ابن زيد الخبيث الحرام. و الأول أقوى و العموم يستغرقهما إلا أنه تعالى قال أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ثم قال وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ يعني من الذي كسبتم أو أخرجه الله من الأرض و الحرام و إن كان خبيثا فليس من ذلك غير أنه يمكن أن يراد بذلك لأنه لا ينافي السبب. فأما إذا كان مال المزكى كله رديئا فجائز له أن يعطي منه و لا يدخل فيما نهي عنه لأن تقدير ما جعله الله للفقير في مال الغني تقدير حصة الشريك فليس لأحد الشريكين أن يأخذ الجيد و يعطي صاحبه الرديء لما فيه من الوكس فإذا استوى في الرداءة جاز له إعطاء الزكاة من الرديء لأنه حينئذ لم يبخسه حقا هو له كما يبخسه في الأول. و يقوي القول الأول قوله وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ لأن الإغماض لا يكون إلا في الشيء الرديء دون ما هو حرام. و الأجناس التسعة التي تجب فيها الزكاة تدخل تحت قوله أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ
فقه القرآن ج : 1 ص : 233
ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ و كذا الأجناس الخمسة التي يستحب فيها الزكاة تدخل تحته.
و عن الصادق ع أن الآية نزلت في قوم لهم أموال من ربا الجاهلية كانوا يتصدقون منه فنهى الله عنه و أمر بالصدقة من الطيب الحلال
فعليك أيها الناظر في كتابي هذا أن تتدبره فإن السنة منها جيء و منها أجيء و بيان الكتاب من السنة.
فصل
و قوله وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ في معناه قولان أحدهما أن لا تتصدقوا بما لا تجدونه من غرمائكم إلا بالمسامحة و المساهلة فالإغماض المساهلة و الآخر معناه لا تتصدقوا بما لا تأخذونه إلا أن تحطوا من الثمن فيه و مثله قول الزجاج أي لستم تأخذونه إلا بوكس فكيف تعطونه في الصدقة. ثم قال إن الله غني عن صدقاتكم يقبلها منكم و يحمدكم عليها و يجازيكم عليه. ثم حذر من الشيطان المانع من الصدقة فإنه يعدكم الفقر بتأدية زكاتكم و يأمركم بالإنفاق من الرديء و سماه فحشاء لأن فيه معصية الله و الله يعدكم أن يخلف عليكم خيرا من صدقتكم و عن ابن عباس اثنان من الله و اثنان من الشيطان.
و قال الصادق ع للشيطان لمة و للملك لمة فلمة الشيطان وعده بالفقر و أمره بالفاحشة و لمة الملك أمره بالإنفاق و نهيه عن المعصية
ثم ذكر تعالى صفة الإنفاق و رغب فيه فقال إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ
فقه القرآن ج : 1 ص : 234
وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ. اعلم أن صدقة التطوع إخفاؤها أفضل لأنه أبعد من الرياء و المفروض لا يدخله الرياء و يلحقه تهمة المنع بإخفائها فإظهارها أفضل عن ابن عباس و كذا
روي عن الصادق ع أنه قال الزكاة المفروضة تخرج علانية و تدفع علانية و غير الزكاة إن دفعه سرا فهو أفضل
و قيل الإخفاء في كل صدقة من واجب و غيره أفضل عن الحسن و هو الأشبه لعموم الآية و عليه يدخل أخبارنا على أن الأول حسن و نحوه أن إظهار الصلوات الخمس أفضل دفعا للشبهة و إخفاء النوافل حسن دفعا للرياء. و الزكاة و الصدقة يتداخل معناهما و إن كانت الزكاة وضعت عرفا أولا في الفرض و الصدقة في النفل و الإبداء الإظهار و الإخفاء الإسرار. و قوله فَنِعِمَّا هِيَ أي نعم شيئا إبداؤها فما نكرة و هي في موضع نصب لأنه يفسر الفاعل المضمر قبل الذكر في نعم و الإبداء هو المخصوص بالمدح فحذف المضاف الذي هو الإبداء و أقيم المضاف إليه الذي هو ضمير الصدقات و هو هي.
فصل
و قوله تعالى خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً عن الصادق ع نزلت هذه الآية في شهر رمضان فأمر رسول الله ص مناديه فنادى في الناس أن الله قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ففرض عليكم من الذهب
فقه القرآن ج : 1 ص : 235
و الفضة و الإبل و البقر و الغنم و من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و عفا عما سوى ذلك ثم لم يتعرض لشيء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا و أفطروا فأمر ع مناديه فنادى أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم قال ثم وجه عمال الصدقة
و قد بعث أمير المؤمنين ع مصدقا من الكوفة إلى باديتها فقال له يا عبد الله عليك بتقوى الله و لا تؤثرن دنياك على آخرتك و كن حافظا لما ائتمنتك عليه راعيا لحق الله فيه حتى تأتي نادى بني فلان فإذا قدمت فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم ثم امض إليهم بسكينة و وقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم ثم قل لهم يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لآخذ منكم حق الله في أموالكم فهل لله في أموالكم حق فتؤدوه إلى وليه فإن قال لك قائل لا فلا تراجعه و إن أنعم لك منهم منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلا خيرا فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه فإن أكثره له فقل يا عبد الله أ تأذن لي في دخول مالك فإن أذن لك فلا تدخل دخول متسلط عليه فيه و لا عنف به فاصدع المال صدعين ثم خيره فإن اختار فلا تعرض له فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في ماله فإذا بقي ذلك فاقبض حق الله منه فإن استقالك فأقله ثم اخلطها و اصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله في ماله فإذا قبضته فلا توكل به إلا ناصحا شفيقا أمينا حفيظا غير معنف بشيء منها ثم احدر ما اجتمع عندك من كل فأد إلينا نصيره حيث أمر الله فإذا انحدر بها رسولك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة و فصيلها و لا يفرق بينهما و لا يصر لبنها فيضر ذلك بولدها و لا يجهدنها ركوبا و ليعدل بينهن في ذلك و ليوردهن كل ماء يمر به و لا يعدل بهن عن نبت الأرض إلى جواد الطريق حتى تأتينا سجاحا سمانا غير متعبات و لا مجهدات فنقسمهن على كتاب الله و سنة نبيه على
فقه القرآن ج : 1 ص : 236
أولياء الله فإن ذلك أعظم لأجرك
فقوله خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً أمر منه تعالى بأخذ صدقاتهم على ما تقدم و فرض على الأمة حملها إليه لفرضه عليها طاعته و الإمام قائم مقامه فيما فرض على النبي ص من إقامة الحدود و الأحكام لأنه مخاطب بخطابه في ذلك و لما وجد النبي كان الفرض حمل الزكاة إليه فلما غاب من العالم بوفاته صار الفرض حمل الزكاة إلى خليفته فإذا غاب الخليفة كان الفرض حملها إلى من نصبه في مقامه من خاصته فإذا عدم السفراء بينه و بين رعيته وجب حملها إلى الفقهاء المأمونين من أهل ولايته لأن الفقيه أعرف بموضعها ممن لا فقه له.
فصل
و قوله تعالى إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً قال المبرد يعني أن السنة للمسلمين على الأهلة لا على ما يعده أهل الكتاب فسمى الله كل ثلاثين يوما أو تسعة و عشرين يوما عند تجدد رؤية الهلال بعد استسراده شهرا و سمى كل اثني عشر شهرا سنة و عاما و حولا إذ كان لا ينتظم أمر الناس إلا بهذا الحساب و إجراء الأحوال على مقتضى هذا المثال في جميع الأبواب. و لما كان سائر الأمم سوى العرب يجعلون الشهر ثلاثين يوما و السنة بحلول الشمس أول الحمل و ذلك إنما يكون بانقضاء ثلاثمائة و خمسة و ستين يوما و ربع يوم و اليهود و النصارى عبادتهم المتعلقة بالأوقات تجري على هذا الحساب بين الله أنه حكم بأن تكون السنة قمرية لا شمسية و أنه تعبد المسلمين بهذا فجعل حجتهم و أعيادهم و معاملاتهم و حساباتهم و وجوب الزكوات عليهم معتبرة بالقمر و شهوره
فقه القرآن ج : 1 ص : 237
لا بالشمس فإن كان مع الإنسان مال تام النصاب و حال عليه الحول يجب فيه الزكاة و حد حول الحول فيها أنه إذا استهل هلال الشهر الثاني عشر. و الأثمان و الأنعام لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول. فأما الغلات فوقت الزكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد و الجذاذ و تفصيل ذلك أن وقت وجوب الزكاة في الغلات إذا كانت حبوبا إذا اشتدت و في الثمار إذا بدا صلاحها. و على الإمام أن يبعث سعاته لحفظها في الاحتياط عليها كما فعل رسول الله بخيبر. و وقت الإخراج إذا ديس الحب و نقي و صفي و في الثمر إذا جففت و شمست و المراعى في النصاب مجففا مشمسا. و قوله تعالى وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ
عن ابن عباس الزكاة العشر أو نصف العشر
و عن الصادق ع مما تنشر مما يعطى المساكين الضغث بعد الضغث و الجفنة بعد الجفنة
و عن السدي الآية منسوخة بفرض العشر و نصف العشر لأن الزكاة لا تخرج يوم الحصاد و لأن هذه الآية مكية و فرض الزكاة نزل بالمدينة و لما روي أن الزكاة نسخت كل صدقة و قال الرماني هذا غلط لأن يوم حصاده ظرف لحقه و ليس بظرف لإيتاء المأمور به. و قوله وَ لا تُسْرِفُوا نهي عن وضع الزكاة في غير أهله و أن من أعطى زكاة ماله الفاسق و الفاجر فقد أسرف و وجب عليه الإعادة
قال النبي ص المعتدي في الصدقة كمانعها
و الإسراف مجاوزة حد الحق و هو يكون
فقه القرآن ج : 1 ص : 238
بالتفريط و الإفراط و التقصير و الزيادة. و الخطاب لأرباب المال و قيل للسلطان و قيل خطاب للجميع و هو أعم فائدة. و روي عن ثابت بن قيس بن شماس أنه كان له خمسمائة رأس نخلة فصرمها و تصدق بها و لم يترك لأهله منها شيئا فنهى الله عن ذلك و بين أنه سرف
و لذلك قال ع ابدأ بمن تعول
و الآية الأولى تدل على أن الواجب تعليق الأحكام المتصلة بالشهور و السنين من عبادات و غيرها بهذه الأشهر دون الشهور التي تعتبرها العجم و الروم فمن هذا الوجه تعليق الصيام و أخذ الجزية و غيرها بحئول هذا الحول يؤيده قوله مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ و العدة اسم المعدود.
فصل
و قوله تعالى وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ أي ما تنفقوا في وجوه البر من مال فلأنفسكم ثوابه ثم قال وَ ما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ أخبر تعالى عن صفة المؤمنين أنهم لا ينفقون إلا طلبا لرضا الله و قيل معناه النهي و إن كان ظاهره الخبر أي لا تنفقوا إلا طلبا لرضوان الله. ثم قال لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قيل هو بدل من قوله فَلِأَنْفُسِكُمْ
فقه القرآن ج : 1 ص : 239
و الأحسن أن يكون العامل محذوفا أي النفقة المذكورة للفقراء الذين حبسوا و منعوا في طاعة الله إما لخوف العدو و إما للمرض و الفقر و إما للإقبال على العبادة. ثم وصفهم بقوله يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً. ثم حث الناس عليها فقال الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً أي ينفقون على الدوام إذ لا وقت سواها فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ أتى بالفاء ليدل على أن الأجر من أجل الإنفاق في طاعة الله. ثم عقب بآية الربا ثم قال وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ أي إن وقع في غرمائكم فقر فتؤخر إلى وقت يساره
و قال الصادق ع في حد هذا الإعسار و هو أن لم يقدر على ما يفضل عن قوته و قوت عياله على الاقتصاد و هو واجب في كل دين
و قال الباقر ع إِلى مَيْسَرَةٍ معناه إلى أن يبلغ خبره الإمام فيقضي عنه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في معروف
وَ أَنْ تَصَدَّقُوا أي أن تصدقوا على المعسر بما عليه من الدين خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الخير من الشر فإن كان الدين على والدك أو على والدتك أو ولدك جاز أن تقضيه عنهم من الزكاة و إن لم يجز إعطاء الزكاة إياهم. و قوله الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَ لا أَذىً فالمن هو ذكر ما ينقص المعروف بأن يقول أحسنت إلى فلان و أغنيته
فقه القرآن ج : 1 ص : 240
و نحوه و الأذى أن يقول أنت أبدا فقير و من أبلاني بك و أراحني الله منك. ثم قال لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ فالمنافق و المنان يفعلان لغير وجه الله فلا يستحقان عليه ثوابا و لا دليل فيها على أن الثواب الثابت يزول بالمن. أما قوله يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ فقال السدي الآية واردة في الزكاة يستحب سان مصارف الزكاة و الأظهر أن المراد به نفقة التطوع على من لا يجوز وضع الزكاة عنده و لمن يجوز وضع الزكاة عنده فهي عامة في الزكاة المفروضة و في التطوع لأنه لا دليل على نسخها. و الآية نزلت في عمرو بن الجموح كان شيخا كبيرا ذا مال قال يا رسول الله بما ذا أتصدق و على من أتصدق. ثم قال وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ
عن الباقر ع العفو هاهنا ما فضل عن قوت السنة
فنسخ ذلك بآية الزكاة و عن الصادق ع العفو الوسط أي لا إقتار و لا إسراف
فصل
و قوله الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ نزلت في
فقه القرآن ج : 1 ص : 241
حبحاب لأنه أتى النبي ع بصاع من تمر و قال يا رسول الله إني عملت في النخل بصاعين فتركت للعيال صاعا و أهديت لله صاعا فقال المنافقون إن الله لغني عما أتى به. و المتطوع المتنفل من طاعة الله ما ليس بواجب. و قوله وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ أكثر المفسرين و العلماء على أن الوعيد يتناول مانع الزكاة الواجبة لأن جمع المال ليس بمحظور و بعد إخراج حق الله منه فحفظه إليه إن شاء أحرزه بالدفن في الأرض أو بالوضع في الصندوق.
و قال النبي ع ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاة كنزه إلا جيء بكنزه يوم القيامة فتحمى به جنبه و جبينه لعبوسه و ازوراره و جعل السائل و الساعي وراء ظهره
و روى ابن مهرإيزد في تفسيره أن سائلا سأل أبا ذر و هو بالربذة ما أنزلك هذا المنزل فقال كنا بالشام فسألني معاوية عن هذه الآية أ هي فينا أم في أهل الكتاب فقال قلت فينا و فيهم فقال معاوية بل هي في أهل الكتاب ثم كتب إلى عثمان أن أبا ذر يطعن فينا فاستقدمني عثمان المدينة فلما أقبلت قال تنح قليلا فتنحيت إلى منزلي هذا.
فقه القرآن ج : 1 ص : 242
و عن الصادق ع من منع الزكاة سأل الرجعة عند الموت و هو قول الله تعالى حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ
باب ذكر الخمس و أحكامه
قال الله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ. الغنيمة ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفار بقتال و هي هبة من الله للمسلمين. و الخمس يجب فيها و في كل فائدة تحصل للإنسان من المكاسب و أرباح التجارات و في الكنوز و المعادن و الغوص و غير ذلك و هي خمسة و عشرون جنسا و كل واحد منها غنيمة فإذا كان كذلك فالاستدلال يمكن عليها كلها بهذه الآية و يدل عليها جملة قوله تعالى وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ. و وقت وجوب الخمس فيه وقت حصوله لا يراعى فيه حئول الحول و لا النصاب الذي في الزكاة إلا في شيئين منها أحدهما الكنوز فإنه يراعى فيها النصاب الذي يجب فيه زكاة الأثمان و الثاني الغوص فإنه يراعى فيه مقدار دينار و ما عداهما لا يعتبر فيه مقدار و التقدير و اعلموا أن ما غنمتموه ما نصب اسم أن و غنمتم صلته. و قوله فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ أي فأمره و شأنه أن لله خمسه فما بمعنى الذي
فقه القرآن ج : 1 ص : 243
و لا يجوز أن يكتب إلا مفصولا لأن كتبه موصولا يوجب كون ما كافة على ما عليه عرف أهل اللغة و النحو. و قال الشيخ المفيد الخمس يجب في المعدن إذا بلغ الموجود منه مبلغا قيمته مائتا درهم و بذلك نصوص عن أئمة آل محمد ع و يؤيد ذلك قوله وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ و ما وجد في المعدن فهو من الغنائم بمقتضى العرف و اللسان.
فصل
و أما قسمة الخمس فهو عندنا على ستة أقسام على ما ذكره الله سهم لله و سهم لرسوله و هذان مع سهم ذي القربى القائم مقام النبي ص ينفقهما على نفسه و أهل بيته من بني هاشم و سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل كلهم من أهل بيت الرسول ع لا يشركهم فيها باقي الناس لأن الله عوضهم ذلك عما أباح لفقراء سائر المسلمين و مساكينهم و أبناء سبيلهم من الصدقات الواجبة المحرمة على أهل بيت النبي ص و هو قول زين العابدين و الباقر ع روى الطبري بإسناده عنهما. و اعلم أن الفقير إذا أطلق مفردا دخل فيه المسكين و كذا لفظ المسكين إذا أطلق مفردا دخل فيه الفقير لأنهما متقاربان في المعنى و لم يذكر في آية الخمس الفقراء كما جمع الله في آية الزكاة بينهما لأن هناك لهما سهمان من ثمانية أسهم و هاهنا أفرد لفظ المساكين و أراد بهم من له شيء لا يكفيه و من لا شيء له و لكليهما سهم واحد من ستة أسهم.
فقه القرآن ج : 1 ص : 244
فصل
و قوله وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ قال المغربي حاكيا عن الصابوني إن هؤلاء الثلاث الفرق لا يدخلون في سهم ذي القربى و إن كان عموم اللفظ يقتضيه لأن سهامهم مفردة و هو الظاهر من المذهب. و إفراد لفظ ذي من ذي القربى دون أن يكون ذوي القربى على الجمع يحقق ما ذكرناه أنه للإمام القائم مقام الرسول ص. و الذين يستحقون الخمس عندنا من كان من ولد عبد المطلب لأن هاشما لم يعقب إلا منه من الطالبيين و العباسيين و الحارثيين و اللهبيين فأما ولد عبد مناف من المطلبين فلا شيء لهم منه.
و عن ابن عباس الخمس يقسم خمسة أقسام فسهم الله و سهم رسوله واحد
و قال قوم يقسم أربعة أقسام سهم لبني هاشم و ثلاث للذين ذكرهم الله بعد ذلك من سائر المسلمين ذهب إليه الشافعي و قال أهل العراق يقسم ثلاثة أقسام لأن سهم الرسول صرف الأئمة الثلاثة إلى الكراع و السلاح و قال مالك يقسم على ما ذكره الله و قال أبو العالية و هو رجل من صلحاء التابعين يقسم على ستة أقسام فسهم الله للكعبة و الباقي لمن ذكر بعد ذلك.
فصل
و عن ابن عباس و مجاهد ذو القربى بنو هاشم
و قد بينا أن المراد بذي القربى من كان أولى من أهل بيته في حياته و بعد النبي هو القائم مقامه و به قال علي بن الحسين ع في رواياتهم و قال الحسن و قتادة سهم الله و رسوله و سهم
فقه القرآن ج : 1 ص : 245
ذي القربى لولي الأمر من بعده و هو مثل مذهبنا. و اليتيم هو من مات أبوه و هو صغير و لم يبلغ و ابن السبيل هو المنقطع به في سفره سواء كان له في بلده يسار أو لم يكن و لا يجب أن يكون له في بلده يسار و انقطع به في السفر لأن ذلك لا يقتضيه كلمة الأصل التي هي ابن السبيل و لا تفسيره الذي هو المنقطع به لأن المسافر إنما قيل له ابن السبيل لأن السبيل أخرجه إلى هذا المستقر كما أخرجه أبوه إلى مستقره لقي محتاجا و المنقطع به هو الذي نفد ما عنده بل ضاع منه أو قطع به الطريق أو لغير ذلك سواء كان ما عنده قليلا أو كثيرا و سواء كان من ورائه شيء أو لم يكن. و ذكر الشيخ في المبسوط أن ابن السبيل على ضربين أحدهما المنشئ للسفر من بلده الثاني المجتاز بغير بلده و كلاهما مستحق للصدقة عند أبي حنيفة و الشافعي و لا يستحقها إلا المجتاز عند مالك و هو الأصح لأنهم ع فسروه فقالوا هو المنقطع به و إن كان في بلده ذا يسار فدل ذلك على أنه المجتاز و قد روي أن الضيف داخل فيه و المنشئ للسفر من بلده إذا كان فقيرا جاز أن يعطى من سهم الفقراء دون سهم ابن السبيل. ثم قسم السفر إلى طاعة و معصية قال فإذا كان طاعة أو مباحا استحق بهما الصدقة و لا يستباح بسفر المعصية الصدقة ثم قال فابن السبيل متى كان منشئا للسفر من بلده و لم يكن له مال أعطي من سهم الفقراء عندنا و من سهم ابن السبيل عندهم و إن كان له مال لا يدفع إليه لأنه غير محتاج بلا خلاف و إن كان مجتازا بغير بلده و ليس معه شيء دفع إليه و إن كان غنيا في بلده لأنه محتاج في موضعه. هذا كلامه في باب الزكاة و الصحيح أن المنشئ من بلده للسفر ليعطى شيئا في بلد آخر لا مانع من أن يدفع إليه من سهم ابن السبيل مقدار ما يوصله إلى بلده.
فقه القرآن ج : 1 ص : 246
فصل
قال المرتضى رضي الله عنه إن تمسك الخصم بقوله وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى و قال عموم الكلام يقتضي ألا يكون ذو القربى واحدا و عموم قوله وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ يقتضي تناوله لكل من كان بهذه الصفات و لا يختص ببني هاشم و مذهبكم يخالف ظاهر الكتاب لأنكم تخصون الإمام بسهم ذي القربى و لا تجعلونه لجميع قرابة الرسول من بني هاشم و تقولون إن الثلاثة الأسهم الباقية هي ليتامى آل محمد و مساكينهم و أبناء سبيلهم و لا تتعدونهم إلى غيرهم ممن استحق هذا الاسم و هذه الأوصاف. و أجاب عنه فقال ليس يمتنع تخصيص ما ظاهره العموم بالأدلة على أنه لا خلاف بين الأمة في تخصيص هذه الظواهر لأن ذا القربى عام و قد خصوه بقربى النبي ع دون غيره و لفظ اليتامى و المسكين و ابن السبيل عام في المشرك و الذمي و الغني و الفقير و قد خصته الجماعة ببعض من له هذه الصفة على أن من ذهب من أصحابنا إلى أن ذا القربى هو الإمام القائم مقام النبي خاصة و سمي بذلك لقربه منه نسبا و تخصصا فالظاهر معه لأن قوله لِذِي الْقُرْبى لفظ وحده و لو أراد الجمع لقال ذوي القربى فمن حمل ذلك على الجمع فهو مخالف للظاهر. فأما الاستدلال بأن ذا القربى في الآية لا يجوز أن يحمل على جميع ذوي القرابات من بني هاشم فإن ما عطف على ذلك من اليتامى و المساكين و ابن السبيل إذا يلزم أن يكونوا غير الأقارب لأن الشيء لا يعطف على نفسه فضعيف و ذلك غير لازم لأن الشيء و إن لم يعطف على نفسه فقد يعطف صفة على أخرى و الموصوف واحد.
فقه القرآن ج : 1 ص : 247
فصل
و الفيء ما أخذ بغير قتال في قول عطاء و السائب و سفيان الثوري و هو قول الشافعي و هو اختيارنا و قال قوم الغنيمة و الفيء واحد. و قوله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ إلى آخر الآية ناسخ للآية التي في الحشر من قوله ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ قالوا لأن الله بين في آية الغنيمة أن الأربعة الأخماس للمقاتلة و خمسها للرسول و لأقربائه و في آية الحشر كلها له و على القول الأول لا يحتاج إلى هذا لأنه الفيء. و عندنا الفيء للإمام خاصة يفرقه فيمن يشاء يضعه في مئونة نفسه و ذي قرابته و اليتامى و المساكين و ابن السبيل من أهل بيت النبي ص ليس لسائر الناس فيه شيء. و كذلك قيل في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى إن الأمر فيه بإعطاء ذي القربى هو أمر بصلة قرابة النبي ع و هم الذين أرادهم الله بقوله فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى
باب الأنفال
روي أنه لما نزل قوله تعالى ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ
فقه القرآن ج : 1 ص : 248
وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ الآية قال رسول الله ص لجبرئيل لمن هذا الفيء فأنزل الله قوله وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ فاستدعى النبي ص فاطمة ع فأعطاها فدكا و سلمها إليها فكان وكلاؤها فيها طول حياة النبي من عند نزولها فلما مضى رسول الله أخذها أبو بكر و لم يقبل بينتها و لا سمع دعواها فطالبت بالميراث لأن من له حق إذا منع من وجه جاز له أن يتوصل إليه بوجه آخر فقال لها سمعت رسول الله يقول نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة فمنعها الميراث بهذا الكلام
و هذا مشهور. و روى علي بن أسباط قال لما ورد أبو الحسن موسى ع على المهدي الخليفة وجده يرد المظالم فقال ما بال مظلمتنا لا ترد فقال ما هي يا أبا الحسن فقال إن الله لما فتح على نبيه فدكا و ما والاها و لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب فأنزل الله على نبيه وَ آتِ ذَا الْقُرْبى فلم يدر رسول الله من هم فراجع في ذلك جبريل فسأل الله عن ذلك فأوحى الله إليه أن ادفع فدكا إلى فاطمة فدعاها رسول الله فقال لها يا فاطمة إن الله أمرني أن أدفع إليك فدكا فقالت قد قبلت يا رسول الله من الله و منك فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله فلما ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها فأتته فسألته أن يرد عليها فقال ائتيني بأسود أو أحمر فجاءت بأمير المؤمنين و الحسن و الحسين و أم أيمن فشهدوا لها فكتب بترك التعرض فخرجت و الكتاب معها فلقيها عمر فقال ما هذا معك يا بنت محمد قالت كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة قال فأرينه فأبت فانتزعه من يدها فنظر فيه ثم تفل فيه و محاه و خرقه و قال هذا لأن أبيك لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب و تركها و مضى فقال له المهدي حدها فحدها فقال هذا كثير و أنظر فيه
فقه القرآن ج : 1 ص : 249
فصل
و قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ
و روي عن الباقر و الصادق ع أن الأنفال كل ما أخذ من دار الحرب بغير قتال إذا انجلى أهلها عنها
و قسمها الفقهاء فيئا و ميراث من لا وارث له و غير ذلك مما هو مذكور في كتب الفقه. و هو لله و للرسول و بعده للقائم مقامه يصرف حيث يشاء من مصالح نفسه و من يلزمه مئونته ليس لأحد فيه شيء. و قالا كانت غنائم بدر للنبي ع خاصة فسألوه أن يعطيهم. و في قراءة أهل البيت يسئلونك الأنفال فأنزل الله قوله قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ و لذلك قال تعالى فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ و لو سألوه عن موضع الاستحقاق لم يقل فَاتَّقُوا اللَّهَ و قد اختلفوا في ذلك اختلافا شديدا و الصحيح ما ذكرناه. و قال قوم نزلت في بعض أصحاب النبي سأله من المغنم شيئا قبل القسمة فلم يعطه إياها فجعل الله جميع ذلك للنبي ع و كان نفل قوما و قال آخرون لو أردنا لأخذنا فأنزل الله الآية يعلمهم أن ما فعل فيها رسول الله ماض و قال معنى عن معنى من و كان ابن مسعود يقرأ يسئلونك الأنفال.
فقه القرآن ج : 1 ص : 250
و قال الحسن قال النبي ع أيما سرية خرجت بغير إذن إمامها فما أصابت من شيء فهو غلول
و اختلفوا هل لأحد بعد النبي أن ينفل فقال جماعة من الفقهاء و اختاره الطبري أن للأئمة أن يتأسوا بالنبي في ذلك. و ذاتَ بَيْنِكُمْ قال الزجاج أراد الحال التي ينصلح بها أمر المسلمين.
فصل
و أما قوله ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى فأوله وَ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ يعني من اليهود و الذين أجلاهم من بني النضير و إن كان الحكم سائرا في جميع الكفار إذا كان حكمهم حكمهم. و الفيء رد ما كان للمشركين على المسلمين بتمليك الله إياهم على ما شرط فيه و قال عمر الفيء مال الخراج و الجزية و قيل هو كل ما رجع من أموال الكافرين إلى المؤمنين فمنه غنيمة و غير غنيمة. و الذي نذهب إليه أن مال الفيء غير مال الغنيمة فالغنيمة كل ما أخذ بالسيف من دار الحرب عنوة على ما قدمناه و الفيء كل ما أخذ من الكفار بغير قتال أو انجلى أهلها و كان ذلك للنبي ع و هي لمن قام مقامه و مال بني النضير كان له ع لأنه لما نزل المدينة عاقدوه على أن لا يكونوا لا عليه و لا له ثم نقضوا العهد و أرادوا أن يطرحوا عليه حجرا حين مشى النبي إليهم يستعين بهم فأجلاهم الله عن منازلهم. و ما أَفاءَ اللَّهُ يعني ما رجعه الله على رسوله منهم يعني من بني النضير فهو له يفعل فيه ما يشاء و ليس فيه لأحد حظ.
و قال النبي ص أيما قرية فتح الله و رسوله بغير قتال فهي لله
فقه القرآن ج : 1 ص : 251
و لرسوله و أيما قرية فتحها المسلمون عنوة فإن لله خمسه و للرسول و لأقربائه و ما بقي غنيمة لمن قاتل عليها إذا كان يصح نقله إلى دار السلام فإن لم يمكن نقله فهو لبيت المال. ثم قال فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ يعني لم يوجفوا على ذلك بخيل و لا ركاب و إنما جلوا عن الرعب و لم يكن هناك قتال. ثم بين المستحق لذلك فقال ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى يعني قرى بني النضير فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى يعني من أهل بيته و ظاهره يقتضي أنه لهؤلاء سواء كانوا أغنياء أو فقراء ثم بين لم فعل ذلك فقال كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ فالدولة نقل النعمة من قوم إلى قوم. ثم قال وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ أي ما أعطاكم الرسول من الفيء فخذوه و ارضوا به فإن مال بني النضير للنبي ص فإنه فيء لا غنيمة و النبي ع إنما وضعه في المهاجرين إذا كان بهم حاجة و لم يعط الأنصار إلا أبا دجانة و سهل بن حنيف لفقرهما و إنما وضعه في المذكورين للفقر لا من حيث كان لهم نصيب و هو لمن قام مقامه من الأئمة
و قوله لِلْفُقَراءِ ليست اللام للتمليك و الاستحقاق و إنما هل للتخصيص من حيث تبرع النبي ع بشيء منه لهم كما تقدم بل اللام يتعلق بمعنى الكلام في قوله ما آتاكُمُ الرَّسُولُ أي ما آتاكم الرسول إيتاء للفقراء و من قال لِلْفُقَراءِ بدل من قوله لِذِي الْقُرْبى غفل عن سبب نزول الآية. و أما قوله وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ فمبتدأ و خبره يُحِبُّونَ و كذا وَ الَّذِينَ جاؤُ مبتدأ و خبره يَقُولُونَ فلا تتوهم أن هؤلاء كلهم مشتركون في ذلك الفيء كما يدعيه المخالفون
فقه القرآن ج : 1 ص : 252
باب زكاة الفطرة
كل آية دلت على زكاة المال تدل على زكاة الرءوس لعمومها و لفقد الاختصاص
و قد روي عن آل محمد ع أن قوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى المراد به زكاة الفطرة و فيها نزلت خاصة
فمن ملك قبل أن يهل شوال بلحظة نصابا وجب عليه إخراج الفطرة. و قوله وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى إشارة إلى صلاة العيد و ذلك لأن إخراج الفطرة يجب يوم الفطر قبل صلاة العيد على ما بدأ الله به في الآية. و قال العلماء و المفسرون كل موضع من القرآن يدل على الصلوات الخمس و زكاة الأموال فذكر الصلاة فيه مقدم كقوله أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ و قدم الزكاة في هذه الآية على الصلاة فقال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى إعلاما أن تلك الزكاة زكاة الفطرة و أن تلك الصلاة صلاة العيد. و يحتاج في زكاة الفطرة إلى معرفة خمسة أشياء من تجب عليه و متى تجب و ما الذي يجب و كم يجب و من يستحقها و يعلم تفصيلها من سنة النبي ع و قد بينها بقوله وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ. و تجب الفطرة على كل حر بالغ مالك لما يجب فيه زكاة المال و يلزمه أن يخرجه عن نفسه و عن جميع من يعوله حتى فطرة خادمة زوجته لقوله وَ عاشِرُوهُنَ
فقه القرآن ج : 1 ص : 253
بِالْمَعْرُوفِ و هذا من المعروف فإن أهل شوال و زوجته المدخول بها مقيمة على النشوز لم يلزمه فطرتها و المرأة الموسرة إذا كانت تحت معسر لا يلزمها فطرة نفسها و تسقط عن الزوج لإعساره و لو قلنا إنها إذا ملكت نصابا وجب عليها الفطرة كان قويا لعموم الخبر إذا كان الحال هذه. و الفطرة صاع من أحد أجناس ستة الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الأرز و الأقط. و لا يجوز أن يخرج صاع من جنسين و يجوز إخراج قيمته و لا يجوز إخراج المسوس و المدود منها لقوله تعالى وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ
قال الصادق ع تمام الصوم إعطاء الزكاة يعني الفطرة كالصلاة على النبي و آله من تمام الصلاة و من صام و لم يؤدها فلا صوم له إذا تركها متعمدا و من صلى و لم يصل على النبي و آله فلا صلاة له إن الله تعالى بدأ بها قبل الصلاة فقال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى
و يمكن أن يقال إن هذا فيمن صام و اعتقد أن الفطرة لا تجب عليه و على وجه و كان ابن مسعود يقول رحم الله امرأ تصدق ثم صلى و يقرأ هذه الآية.
فصل
فإن قيل روي في قوله قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى عن ابن عمر و أبي العالية
فقه القرآن ج : 1 ص : 254
و عكرمة و ابن سيرين أنه أراد صدقة الفطرة و صلاة العيد و كيف يصح ذلك و السورة مكية و لم يكن هناك صلاة عيد و لا زكاة فطرة. قلنا يحتمل أن يكون نزلت أوائلها بمكة و ختمت بالمدينة. قال تعالى فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلَّى أي لم يتصدق و لم يصل لكِنْ كَذَّبَ بالله وَ تَوَلَّى عن طاعته و كأنه في زكاة الفطرة لأنه ابتدأ بذكر الصدقة ثم بالصلاة على ما قدمنا و الصدقة العطية للفقير. و قال تعالى وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ و الشح منع الواجب في الشرع و كذا البخل قال الله تعالى سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ
و قال النبي ص إنه شجاع أقرع طوقوا به رواه أبو جعفر ع
باب الجزية
قال الله تعالى حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ و الجزية عبارة
فقه القرآن ج : 1 ص : 255
شرعية عن حق مخصوص يؤخذ من أهل الكتاب ليقروا على دينهم كما أن المأخوذ من أموال المسلمين على جهة الطهر يسمى زكاة و كلاهما اسم شرعي. و المعنى أن ذلك إذا أدوه أغنى عنهم لاجتزاء للمؤمنين لهم منهم و الإبقاء به على دمائهم مأخوذة من قولهم هذا الشيء يجزي عن فلان أي يغني عنه و يكفي. و قد طعن الدهرية في أمر الجزية و أخذها و إبقاء العاصي على كفره لهذا النفع اليسير من جهته فكأنه إجازة الكفر لأجل الرشوة المأخوذة من أهل الذمة. الجواب لم تؤخذ الجزية للرضا بالكفر و فيه وجه حسن و هو أن إبقاءه أحسن في العقل من قبله لأن الفرض بتكليفه نفعه و هو ما دام حيا فعلى حد الرجاء من التوبة و الإيمان بأن يتذكر ما غفل عنه و إذا قتل فقد انقطع الرجاء و هم أهل الكتاب يوحدون الله باللسان بخلاف الكافر الحربي فإن الحكمة تقتضي قتله إلا أن يسلم و إذا أخذ الجزية من هؤلاء و بقوا ربما يكون سببا للإيمان و ذو النفس الدنية ربما يفادي من ذهاب المال عنه الدخول في الدين و فيه منفعة المؤمنين جملة و على أهل الذمة إهانة فالطعن ساقط.
فصل
قيل إن قوله تعالى وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً نزلت في أهل الذمة ثم نسخها قوله قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ فأوجب الجزية على أهل الكتاب من الرجال البالغين. و الفقير الذي لا شيء معه يجب عليه الجزية لأنه لا دليل على إسقاطها منه
فقه القرآن ج : 1 ص : 256
و عموم الآية يقتضيه فإذا لم يقدر على أدائها كانت في ذمته فإذا استغنى أخذت منه من يوم ضمنها. و بدليل العقل تسقط من مجانينهم و نواقصي العقول منهم. و ما للجزية حد لأنه من كل إنسان منهم ما شاء على قدر ماله و مما يطيق إنما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا أو يقتلوا فتؤخذ منهم على قدر ما يطيقون حتى يسلموا فإن الله قال حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ فمنهم من لا يكترث مما يؤخذ منه فإذا وجد ذلا يسلم الجزية بيده صاغرا فإنما على طريق الإذلال بذلك و قابضها منه يكون قاعدا تألم لذلك يسلم. و قوله تعالى فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ يدل على أن من وجبت عليه الجزية و حل الوقت فأسلم قبل أن يعطيها سقطت عنه و لم يلزمه أداؤها لأن ذلك على العموم. و أما عقد الجزية فهو الذمة و لا يصح إلا بشرطين التزام الجزية و أن يجرى عليهم أحكام المسلمين من غير استثناء فالتزام الجزية و ضمانها لا بد منه لقوله قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ إلى قوله حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ و حقيقة الإعطاء هو الدفع غير أن المراد هاهنا هو الضمان و إن لم يحصل الدفع. و أما التزام أحكامنا عليهم فلا بد منه و هو الصغار المذكور في الآية ففي الناس من قال الصغار هو وجوب جري أحكامنا عليهم و منهم من قال الصغار أن تؤخذ الجزية منه قائما و المسلم جالس عن خشوع و ضراعة و ذل و استكانة من الذمي و عن يد من المسلمين و نعمة منهم عليهم في حقن دمائهم و قبول الجزية منهم. و لا حد لها محدود بل يضعها الإمام على أرضهم أو على رءوسهم على قدر
فقه القرآن ج : 1 ص : 257
أحوالهم من الضعف و القوة بقدر ما يكونون به صاغرين
و ما روي أن عليا ع وضع على الموسر منهم ثمانية و أربعين درهما و على المبسوط أربعة و عشرين درهما و على المتجمل اثني عشر درهما
إنما فعله لما رآه في تلك الحال من المصلحة
باب الزيادات
أما قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ فقصر لجنس الصدقات على الأصناف المعدودة و أنها مختصة بهم كأنه قيل إنما هي لهم لا لغيرهم و نحوه قولهم إنما الخلافة لقريش يريدون لا يتعداهم و لا يكون لغيرهم فيحتمل أن تصرف إلى الأصناف كلها و أن تصرف إلى بعضها.
مسألة
فإن قيل لم عدل عن اللام التي في الأربعة الأولة من قوله لِلْفُقَراءِ التي في الأربعة الأخيرة. قلنا قال بعض المفسرين إن ذلك للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره لأن في للدعاء فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات و ذلك لما في فك الرقاب من الكتابة أو الرق أو الأسر و في فك الغارمين من الغرم من التخليص و الإنفاذ. و يجمع الغازي الفقير أو المنقطع في الحج بين الفقر و العالة و كذلك ابن السبيل الجامع بين الفقر و الغربة عن الأهل و المال و تكرير في في قوله وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فيه فضل ترجيح لهذين على الغارمين.
فقه القرآن ج : 1 ص : 258
و قيل اللام في الأصناف الأربعة تدل على أن تلك الصدقة لهم يفعلون به ما أرادوا و ينفقون كما شاءوا مما أبيح لهم و لفظة في تدل أن الصدقة التي تعطى المكاتب و الغارم ليس لهما أن ينفقا على أنفسهما و أهاليهما و إنما يضعان في فك الرقبة و الذمة فيوصل المكاتب إلى سيده المديون إلى غريمه. و قوله فَرِيضَةً مصدر مؤكد لأن قوله إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ معناه فرض الله الصدقات لهم.
مسألة
و قوله وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ
قال النبي ع أيها الناس إنه لا نبي بعدي و لا أمة بعدكم صلوا خمسكم و صوموا شهركم و حجوا بيتكم و أدوا زكاة أموالكم تدخلوا جنة ربكم
فاشتملت هذه الآية على جميع العبادات.
مسألة
و أما قوله وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فما بمعنى الذي و من شيء بيانه. قيل من كل شيء حتى الحنطة و المخيط و قيل من بعض الأشياء لا من جميعها فيكون التقدير من شيء مخصوص فحذف الصفة كقوله فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ أي من الأم. و قوله فَأَنَّ لِلَّهِ تقديره فواجب أن لله خمسه كأنه قيل فلا بد من ثبات
فقه القرآن ج : 1 ص : 259
الخمس فيه من حيث إنه إذا حذف الخبر و احتمل غير واحد من المقدرات كقولك واجب ثابت حق لازم و ما أشبه ذلك كان أقوى لإيجابه من النص على واحدة و تعلق قوله إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ بمحذوف و يدل عليه اعْلَمُوا أي إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أن الخمس لهؤلاء المذكورين و ليس المراد العلم المجرد و لكنه العلم المضمن بالعمل و الطاعة لأمر الله لأن العلم المجرد يستوي فيه المؤمن و الكافر.
مسألة
فإن قيل ما معنى ذكر الله و عطف الرسول و غيره عليه في قوله تعالى فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى الآية و ما المراد بالجمع بين الله و رسوله في قوله قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ. قلنا أما آية الغنيمة فإن الله لما رأى المصلحة أن يكون خمس الغنيمة على ستة أقسام و يكون لرسوله سهمان منه في حال حياته و سهم لذي قرباه و ثلاثة الأسهم الباقية ليتامى آل محمد و مساكينهم و أبناء سبيلهم و يكون بعد وفاة رسول الله سهم الله و سهم رسوله و سهم ذي القربى لذي قربى الرسول القائم مقامه فصل تفصيلا في ذلك تمهيدا لعذره ع و قطعا لأطماع كل طامع. و كذلك آية الأنفال لما علم الله الصلاح في الأنفال أن تكون خاصة لرسوله و بعده لمن يقوم مقامه من ذي قرباه أضافها إلى نفسه و إلى رسوله لكيلا تكون دولة بين هذا و ذا و أبى القوم إلا أن تكون دولة بينهم.
مسألة
و قوله وَ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ أي ما جعله الله فيئا له خاصة فما أوجفتم
فقه القرآن ج : 1 ص : 260
على تحصيله خيلا و لا تعبتم في الاقتتال عليه و لكن سلط الله رسوله على مال بني النضير و نحوه فالأمر فيه مفوض إليه يضعه حيث يشاء يعني أنه لا يقسم قسمة الغنائم التي قوتل عليها و ذلك أنهم طلبوا القسمة فنزلت الآية. ثم قال ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ و لم يدخل الواو العاطفة لأنه بيان للجملة الأولى فالجملة الأخيرة غير أجنبية عنها بين لرسول الله ما يصنع بما أفاء الله عليه و أن كان هو حقه نحلة من الله في هذه الآية و في قوله وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ.
مسألة
و عن زرارة و محمد بن مسلم أنهما قالا لأبي عبد الله ع أ رأيت قول الله إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ الآية أ كل هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف فقال إن الإمام يعطي هؤلاء جميعا لأنهم يقرون بالطاعة و إنما يعطي من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه فأما اليوم فلا تعطيها أنت و أصحابك إلا من تعرف فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس
مسألة
فإن قيل كيف قال وَ فِي الرِّقابِ بعد قوله وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى و لا يقال آتى المال فيه. قلنا المفعول محذوف و التقدير و آتى في فك الرقاب سيدهم و في حق الغارمين أصحاب ديونهم و لا تعطى المملوك المال لينفق على نفسه و إنما يعطى ليدفع إلى مولاه فينعتق سواء كان مكاتبا أو مملوكا.
فقه القرآن ج : 1 ص : 261
مسألة
قال الصادق ع في قوله لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ المعروف القرض
و قال في قوله كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ هو الرجل يدع ماله لا ينفقه في طاعة الله بخلا ثم يدعه لمن يعمل بطاعة الله أو بمعصيته فإن عمل فيه بطاعة الله رآه في ميزان غيره فرآه حسرة و قد كان المال له و إن عمل به في معصيته قواه بذلك المال حتى عمل به في معصية الله
مسألة
قال علي ع قوله قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى إنه التصدق بصدقة الفطر و قال لا أبالي أن أجد في كتابي غيرها لقوله قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى أي أعطاه زكاة الفطرة فتوجه إلى المصلى فصلى صلاة العيد
مسألة
روي أبو سعيد الخدري كنا نخرج إذا كان فينا رسول الله صاعا من تمر أو طعام أو شعير أو أقط فقدم معاوية حاجا فقال أرى مدين من سمراء الشام
فقه القرآن ج : 1 ص : 262
يعدل صاعا من تمر
و ذلك في عهد عثمان
فقال علي ع و قد سئل عن الفطرة فقال صاع من طعام قيل أو نصف صاع قال بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان
مسألة
و قال الرضا ع إن الخمس بعد المئونة
و قال الصادق ع إن الله لما حرم علينا الزكاة أنزل لنا الخمس قال الله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ الآية فالصدقة علينا حرام و الخمس لنا فريضة و الكرامة لنا حلال
مسألة
و قال أبو عبد الله ع في الرجل يموت و لا وارث له و لا مولى إنه من أهل هذه الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ
و عن علي بن أبي راشد قلت لأبي الحسن ع عندنا لأبي جعفر شيء فكيف نصنع فقال ما كان لأبي ع بسبب الإمامة فهو لي و ما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب الله و سنة نبيه ص
فقه القرآن ج : 1 ص : 263
source : دار العرفان