كان الغالب على حياة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) عدم الانفتاح على الاُمة في حركته العامة.
وجاءت هذه المحدودية في الانفتاح على الاُمة بسبب تشدّد الخلفاء العباسيين ومراقبة أجهزتهم التجسسية له التي كانت تشك في أيّ حركة تصدر منه(عليه السلام).
ومع ذلك فقد تنوّعت نشاطات الإمام في مجالات شتّى يمكن أن نشير إليها فيما يلي:
1 ـ المجال السياسي :
قام الإمام (عليه السلام) بتوضيح موقفه تجاه الخلفاء والخلافة للاُمة، وان كلفه الموقف ثمناً قد يؤدّي بحياته.لقد كان هذا التحرك من الإمام(عليه السلام) لئلا يتسرّب الفهم الخاطئ للنفوس ويكون تقريراً منه للوضع الحاكم أو يُتخذ سكوته ذريعة لتبرير المواقف الانهزامية.
من هنا نجد للإمام (عليه السلام) المواقف التالية :
الموقف الأول :
لقد ذكرنا بأن المهدي العباسي عند تسلّمه زمام الحكم من أبيه المنصور أبدى سياسة مرنة مع العلويين أراد بها كسبهم وحاول أن ينسب من خلالها المظالم العبّاسية الى العهد البائد، ويوحي من جانب قوة الخلافة وشرعيتها وعدالتها عندما أعلن اعادة حقوق العلويين لهم وأصدر عفواً عاماً للمسجونين، وأرجع أموال الإمام الصادق(عليه السلام) الى الإمام الكاظم (عليه السلام).من هنا وجد الإمام (عليه السلام) فرصته الذهبية لاستغلال هذه البادرة فبادر بمطالبة المهدي بارجاع فدك باعتبارها تحمل قيمة سياسية ورمزاً للصراع التأريخي بين خط السقيفة وخط أهل البيت (عليهم السلام).
فدخل على المهدي فرآه مشغولا بردّ المظالم فقال له الإمام (عليه السلام) : «ما بال مظلمتنا لا ترد ؟ !
فقال المهدي : وما ذاك يا أبا الحسن ؟ قال: إنّ الله تبارك وتعالى لمّا فتح على نبيّه(صلى الله عليه وآله) فدك وماوالاها لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فأنزل الله على نبيه (صلى الله عليه وآله): (وآت ذا القربى حقه)(1) فلم يدر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هم ؟ فراجع في ذلك جبرئيل وراجع جبرئيل(عليه السلام) ربّه فأوحى الله اليه: ان ادفع فدك إلى فاطمة (عليها السلام) .
فدعاها رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال لها: يا فاطمة إنّ الله أمرني أن أدفع إليك فدك، فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك. فلم يزل وكلاؤها فيها في حياة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فلمّا ولّى أبو بكر أخرج عنها وكلاءها فأتته فسألته أن يردّها عليها فقال لها: ايتيني بأسود أو أحمر يشهد بذلك، فجاءت بأمير المؤمنين(عليه السلام) وأم أيمن فشهدا لها، فكتب لها بترك التعرّض فخرجت والكتاب معها. فلقيها عمر فقال: ماهذا معك يا بنت محمد؟ قالت: كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة، قال: أرينيه فأبت، فانتزعه من يدها ونظر فيه ثم تفل فيه ومحاه وخرقه، فقال لها: هذا لم يوجف عليه أبوك بخيل ولا ركاب فضعي الجبال في رقابنا.
فقال له المهدي: حدّها لي.
فقال(عليه السلام): حدّ منها جبل احد، وحد منها عريش مصر، وحد منها سيف البحر، وحدّ منها دومة الجندل.
فقال المهدي : كل هذه حدود فدك ؟ !
فقال له الإمام(عليه السلام): نعم يا أمير المؤمنين هذا كلّه، إنّ هذا كله ممّا لم يوجف أهله على رسول الله بخيل ولا ركاب.
فتغيّر المهدي وبدا الغضب على وجهه حيث أعلن له الإمام(عليه السلام): أنّ جميع أقاليم العالم الإسلامي قد اخذت منهم، فانطلق قائلا: هذا كثير وأنظر فيه»(2).
الموقف الثاني :
في هذه المرحلة كان الإمام(عليه السلام) حريصاً على تماسك الوجود الشيعي في وسط المجتمع الإسلامي ووحدة صفه، لان الظروف الصعبة، تشكّل فرصة لنفوذ النفوس الضعيفة والحاقدة بقصد التخريب.وظاهرة القرابة والمحسوبية كانت أهم الركائز التي اعتمد عليها بناء الحكم العبّاسي، وكانت هي الحاكمة فوق كل المقاييس.
لذا نجد موقف الإمام(عليه السلام) من خطورة هذه الظاهرة كان حاسماً، إذ نراه يعلن عن مقاطعة عمّه محمّد بن عبدالله الأرقط أمام الناس تطهيراً للوجود الشيعي من أيّ عنصر مضر مهما كان نسبه قريباً من الإمام(عليه السلام)، فلم يسمح له بالتسلق وصولا للمواقع أو استغلالا لها.
فعن عمر بن يزيد قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) فذكر محمد بن عبدالله الأرقط فقال: «اني حلفت ان لا يظلّني وإيّاه سقف بيت.
فقلت في نفسي: هذا يأمر بالبرّ والصلة ويقول هذا لعمّه !
قال: فنظر اليّ فقال: هذا من البر والصلة، انّه متى يأتيني ويدخل عليّ فيقول يصدّقه الناس واذا لم يدخل عليّ، لم يقبل قوله إذا قال»(3).
وزاد في رواية ابراهيم بن المفضّل بن قيس: «فاذا علم الناس أن لا اُكلّمه لم يقبلوا منه وأمسك عن ذكرى فكان خيراً له»(4).
الموقف الثالث :
هو موقف الإمام الكاظم(عليه السلام) من ثورة الحسين بن علي ابن الحسن ـ صاحب ثورة فخ ـ بن الحسن المثنى ابن الحسن المجتبى(عليه السلام).إن الإمام الكاظم (عليه السلام) بالرغم من امتداد شيعة أبيه في أرجاء العالم الإسلامي لم يعمل في هذه المرحلة بصيغة المواجهة المسلّحة طيلة أيام حياته، حتى أعلن عن موقفه هذا من حكومة المهدي عندما حبسه المهدي ورأى الإمام علياً(عليه السلام) في عالم الرؤيا وقصّ رؤياه على الإمام(عليه السلام) وقرر إطلاق سراحه، قال له: أفتؤمنني أن تخرج عليّ أو على أحد من ولدي؟ فقال الإمام(عليه السلام) : «والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني»(5).
وهذا الموقف للإمام (عليه السلام) بقي كما هو مع حكومة موسى الهادي لأسباب موضوعية سبقت الاشارة الى بعضها إلاّ أن الإمام (عليه السلام) مارس دور الاسناد والتأييد لثورة الحسين ـ صاحب فخ ـ من أجل تحريكضمير الاُمة والارادة الإسلامية ضد التنازل المطلق عن شخصيتها وكرامتها للحكام المنحرفين.
ولمّا عزم الحسين على الثورة قال له الإمام (عليه السلام) : «إنّك مقتول فأحدّ الضراب فإنّ القوم فسّاق يظهرون إيماناً ويضمرون نفاقاً وشركاً فإنّا لله وإنّا إليه راجعون وعند الله أحتسبكم من عُصبة»(6).
ولمّا سمع الإمام الكاظم بمقتل الحسين رضي الله عنه بكاه وأبّنه بهذه الكلمات : «إنّا لله وإنا إليه راجعون ، مضى والله مسلماً صالحاً، صوّاماً قوّاماً، آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله»(7).
2 ـ المجال الاخلاقي والتربوي :
لقد أشاع الحكّام العبّاسيون أخلاقاً وممارسات جاهلية أصابت القيم والاخلاق الإسلامية بالاهتزاز وعرّضت المثل العليا للضياع.وهذا المخطط كان يستهدف المسخ الحضاري للاُمة الإسلامية ولم يكن حالة عقوبة أفرزتها نزوة الخليفة فقط وانّما هي ذات رصيد تأريخي وجزء من تخطيط جاهلي هادف لتغيير معالم الحضارة والاُمة الإسلامية التي ربّاها القرآن العظيم والرسول الكريم.
من هنا واجه الإمام (عليه السلام) هذا المخطط باسلوب أخلاقي يتناسب مع أهداف الرسالة يذكّر الاُمة بأخلاقية الرسول (صلى الله عليه وآله) ويعيد لها صوراً من مكارم أخلاقه .
هنا نشير الى نماذج من نشاطه :
النموذج الأول :
عن حماد بن عثمان قال: بينا موسى بن عيسى في داره التي تشرّف على المسعى، إذ رأى أبا الحسن موسى(عليه السلام) مقبلا من المروة على بغلة فأمر ابن هيّاج ـ رجل من همدان منقطعاً اليه ـ أن يتعلّق بلجامه ويدّعي البغلة، فأتاه فتعلّق باللجام وادعّى البغلة، فثنى أبو الحسن (عليه السلام) رجله فنزل عنها وقال لغلمانه: خُذوا سرجها وادفعوها اليه، فقال والسرج أيضاً لي، فقال له أبو الحسن(عليه السلام) : «كذبت عندنا البيّنة بأنه سرج محمد بن علي، وأمّا البغلة فانا اشتريتها منذ قريب وأنت أعلم وما قلت»(8).
النموذج الثاني :
خرج عبد الصمد بن علي ومعه جماعة فبصر بأبي الحسن(عليه السلام) مقبلا راكباً بغلاً، فقال لمن معه: مكانكم حتى أضحككم من موسى بن جعفر، فلما دنا منه قال له: ما هذه الدابّة التي لا تدرك عليها الثأر، ولا تصلح عند النزال؟ فقال له أبو الحسن(عليه السلام) : «تطأطأت عن سموّ الخيل وتجاوزت قموء العير، وخير الاُمور أوسطها». فافحم عبد الصمد فما أحار جواباً(9).
النموذج الثالث:
عن الحسن بن محمد: أن رجلاً من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذي أبا الحسن(عليه السلام) فكان يسبّه إذا رآه ويشتم علياً(عليه السلام).
وقد لاحظنا حسن تعامل الإمام معه وكيف أدّى ذلك الى صلاح رؤيته وتعامله مع الإمام(عليه السلام)(10).
3 ـ المجال العلمي
1 ـ قال أبو يوسف للمهدي ـ وعنده موسى بن جعفر(عليه السلام) ـ : «تأذن لي أن أسأله عن مسائل ليس عنده فيها شيء؟ فقال له: نعم.فقال لموسى ابن جعفر(عليه السلام) أسألك ؟ قال: نعم.
قال: ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال: لا يصلح. قال: فيضرب الخباء في الارض ويدخل البيت؟ قال: نعم.
قال: فماالفرق بين هذين؟ قال أبو الحسن (عليه السلام): ما تقول في الطامث أتقضي الصلاة؟ قال: لا. قال: فتقضي الصوم ؟ قال : نعم ، قال: ولم؟ قال: هكذا جاء.
قال أبو الحسن(عليه السلام): وهكذا جاء هذا.
فقال المهدي لابي يوسف: ما أراك صنعت شيئاً ؟ ! قال: رماني بحجر دامغ»(11).
2 ـ وكان أحمد بن حنبل يروي عن الإمام موسى بن جعفر عن أبيه حتى يسنده الى النبي(صلى الله عليه وآله) ثم يقول: وهذا اسناد لو قرئ على مجنون أفاق»(12).
3 ـ وحجّ المهدي فصار في قبر ( قصر )(13)العبادي ضجّ الناس من العطش فأمر أن يحفر بئر فلمّا بدا قريباً من القرار هبّت عليهم ريح من البئر فوقعت الدلاء ومنعت من العمل فخرجت الفعلة خوفاً على أنفسهم.
فأعطى علي بن يقطين لرجلين عطاءاً كثيراً ليحفرا فنزلا فأبطأ ثم خرجا مرعوبين قد ذهبت ألوانهما فسألهما عن الخبر. فقالا: إنا رأينا آثاراً وأثاثاً ورأينا رجالا ونساءً فكلما أومأنا الى شيء منهم صار هباءً، فصار المهدي يسأل عن ذلك ولا يعلمون.
فقال موسى بن جعفر(عليه السلام): «هؤلاء أصحاب الاحقاف غضب الله عليهم فساخت بهم ديارهم وأموالهم»(14).
4 ـ وعن هشام بن الحكم قال موسى بن جعفر(عليه السلام) لأبرهة النصراني: «كيف علمك بكتابك ؟
قال : أنا عالم به وبتأويله.
فابتدأ موسى (عليه السلام) يقرأ الانجيل. فقال أبرهة: والمسيح لقد كان يقرأها هكذا، وما قرأ هكذا إلاّ المسيح وأنا كنت أطلبه منذ خمسين سنة، فأسلم على يديه»(15).
5 ـ وقال الشيخ المفيد: وقد روى الناس عن أبي الحسن (عليه السلام) فاكثروا، وكان أفقه أهل زمانه.. وأحفظهم لكتاب الله واحسنهم صوتاً بالقرآن(16).
6 ـ أمر المهدي بتوسعة المسجد الحرام والجامع النبوي سنة ( 161 هـ ) فامتنع أرباب الدور المجاورين للجامعين من بيعها على الحكومة وقال فقهاء عصره بعدم جواز اجبارهم على ذلك فأشار عليه علي بن يقطين أن يسأل الإمام موسى بن جعفر عن ذلك فجاء جواب الإمام ما نصه بعد البسملة: «إن كانت الكعبة هي النازلة بالناس فالناس أولى ببنائها، وإن كان الناس هم النازلون بفناء الكعبة فالكعبة أولى بفنائها»، ولمّا انتهى الجواب الى المهدي أمر بهدم الدور واضافتها الى ساحة المسجدين(17).
7 ـ طلب المهدي من الإمام الكاظم(عليه السلام) أن يستدل له على تحريم الخمر من كتاب الله تعالى قائلا له: «هل الخمر محرّمة في كتاب الله؟ فان الناس إنّما يعرفونها ولا يعرفون التحريم.
فقال الإمام (عليه السلام) : بل هي محرمة في كتاب الله . فقال المهدي في أي موضع هي محرّمة ؟
فقال(عليه السلام): قوله عزّ وجلّ: (انما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق)... واستشهد على أن ( الاثم ) هي الخمرة بعينها بقوله تعالى: ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس ). فالاثم في كتاب الله هو الخمر والميسر واثمهما كبير، كما قال الله عزّ وجلّ».
والتفت المهدي الى علي بن يقطين قائلا له: هذه والله فتوى هاشمية.
فقال علي بن يقطين: صدقت والله ياأمير المؤمنين . الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت. فلذعه هذاالكلام فلم يملك صوابه فاندفع قائلا: صدقت يا رافضي»(18).
الإمام الكاظم (عليه السلام) وبناء الجماعة الصالحة
كرّس الإمام الكاظم(عليه السلام) جهده لإكمال بناء الجماعة الصالحة التي يهدف من خلالها الى الحفاظ على الشريعة من الضياع ويطرح النموذج الصالح الذي يتولّى عملية التغيير والبناء في الاُمة، حيث مارس الإمام(عليه السلام) تحرّكاً مشهوداً في هذا المجال وقدّم للاُمة النموذج الصالح الذي صنعته مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).أولاً: تركيز الانتماء لخط أهل البيت (عليهم السلام)
1 ـ الانتماء السياسي : ركّز الإمام(عليه السلام) على بعد الانتماء لخطّ أهل البيت(عليهم السلام) ولا سيّما الانتماء السياسي لهم وتحرك الإمام على مستوى تجويز اندساس بعض أتباعه في جهاز السلطة الحاكمة، وأبرز مثال لذلك توظيف علي بن يقطين ووصوله الى مركز الوزارة; وذلك لتحقيق عدّة أهداف في هذه المرحلة السياسية الحرجة وهي كما يلي :الهدف الأول : الإحاطة بالوضع السياسي
إنّ الاقتراب من أعلى موقع سياسي، من أجل الإحاطة بالمعلومات السياسية وغيرها التي تصدر من البلاط الحاكم أمر ضروري جدّاً وذلك ليتخذ التدابير والحيطة اللازمة لئلاّ يتعرّض الوجود الشيعي للإبادة أو الانهيار. والشاهد على ذلك:أنه لمّا عزم موسى الهادي على قتل الإمام موسى(عليه السلام) بعد ثورة الحسين ـ صاحب فخ ـ وتدخل أبو يوسف القاضي في تغيير رأي الهادي عندما قال له بأن موسى الكاظم (عليه السلام) لم يكن مذهبه الخروج ولا مذهب أحد من ولده حيث استطاع أبو يوسف أن يقنع الخليفة.
هنا كتب علي بن يقطين الى أبي الحسن موسى بن جعفر(عليه السلام) بصورة الأمر(19)من أجل أن يكون الإمام على علم بنشاطاته وسترى في المرحلة التالية الدور الفاعل الذي لعبه علي بن يقطين في خلافة الرشيد لمصالح الإمام الكاظم(عليه السلام)والشيعة الموالين له.
الهدف الثاني: قضاء حوائج المؤمنين
إنّ قضاء حوائج المؤمنين بخطّ أهل البيت والذين يعيشون في ظل دولة ظالمة تطاردهم وتريد القضاء على وجودهم يشكّل هدفاً مهمّاً يصب في رافد بقاء واستمرار وجود هذه الجماعة الصالحة.وقد طلب علي بن يقطين من الإمام الكاظم(عليه السلام) التخلي عن منصبه أكثر من مرة، وقد نهاه الإمام (عليه السلام) قائلا له :
«يا علي إنّ لله تعالى أولياء مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا علي»(20).
وقال له في مرة اُخرى : «لا تفعل فإن لنا بك اُنساً ولإخوانك بك عزّاً وعسى الله أن يجبر بك كسيراً أو يكسر بك نائرة المخالفين عن أوليائه. يا علي كفارة أعمالكم الاحسان الى اخوانكم .. اضمن لي واحدة أضمن لك ثلاثاً، اضمن لي أن لا تلقى أحداً من أوليائنا إلاّ قضيت حاجته واكرمته أضمن لك أن لا يظلك سقف سجن أبداً ولا ينالك حد السيف أبداً ولا يدخل الفقر بيتك أبداً...»(21).
وعن علي بن طاهر الصوري: قال : ولّي علينا بعض كتاب يحيى بن خالد وكان عليَّ بقايا يطالبني بها وخفت من الزامي ايّاها خروجاً عن نعمتي، وقيل لي: انه ينتحل هذا المذهب، فخفت أن أمضي اليه فلا يكون كذلك، فأقع فيما لا أُحبّ.
فاجتمع رأيي على أني هربت الى الله تعالى، وحججت ولقيت مولاي الصابر ـ يعني موسى بن جعفر(عليه السلام) ـ فشكوت حالي اليه فاصحبني مكتوباً نسخته :
«بسم الله الرحمن الرحيم اعلم أنّ لله تحت عرشه ظلا لا يسكنه إلاّ من أسدى الى أخيه معروفاً، أو نفّس عنه كربة، أو أدخل على قلبه سروراً، وهذا أخوك ، والسلام»(22).
ومن مصاديق قضاء حوائج الاخوان المؤمنين : جباية الاموال جهراً وإرجاعها إليهم سراً .
عن علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام) ما تقول في أعمال هؤلاء ؟
قال: «ان كنت لابدّ فاتق الله في أموال الشيعة».
قال الراوي: فأخبرني علي انه كان يجبيها من الشيعة علانية ويردّها عليهم في السرّ(23).
الهدف الثالث : التأثير في السياسة العامّة(عليه السلام)
استخدم الإمام آليات متقنة ومحكمة في نشاطه الاستخباري وتأمين الاتّصال السري مع علي بن يقطين أو غيره من الشيعة المندسين في مراكز النظام الحاكم، ولعل الهدف من هذا الاختراق ومسك مواقع متقدمة من السلطة إمّا للتأثير في السياسة العامة للسلطة أو لإنجاز أعمال سياسيّة أو فقهيّة لصالح الاُمّة من خلال قربه لهذه المواقع.يحدّثنا اسماعيل بن سلام عن آليات هذا الارتباط وما يتضمّنه من نشاط في النصّ التالي:
قال اسماعيل بن سلام وابن حميد : بعث الينا علي بن يقطين فقال: اشتريا راحلتين، وتجنّبا الطريق. ودفع الينا أموالا وكتباً حتى توصلا ما معكما من المال والكتب الى أبي الحسن موسى(عليه السلام) ولا يعلم بكما أحد، قال: فأتيناالكوفة واشترينا راحلتين وتزوّدنا زاداً، وخرجنا نتجنّب الطريق حتى إذا صرنا ببطن الرّمة شدّدنا راحلتنا، ووضعنا لها العلف، وقعدنا نأكل فبينا نحن كذلك، إذ راكب قد أقبل ومعه شاكري، فلما قرب منّا فاذا هو أبوالحسن موسى(عليه السلام) فقمنا اليه وسلمنا عليه ودفعنا إليه الكتب وما كان معنا فأخرج من كمّه كتباً فناولنا ايّاها فقال: هذه جوابات كتبكم(24)...
التثقيف السياسي
إنّ النشاط السياسي الذي يقوم به أصحاب الإمام(عليه السلام) في هذه المرحلة ولما يمتاز به من صعوبات كان يحتاج الى لون خاص من الوعي ودقة في الملاحظة وعمق في الايمان، ممّا دفع بالإمام(عليه السلام) الى أن يرعى ويشجع الخواص ويعمق في نفوسهم روح التديّن ويمنحهم سقفاً خاصاً من المستوى الايماني ويدفعهم الى اُفق سياسي يتحرّكون به ضد الخصوم بشكل سليم ويوفّر لهم قوة تمنحهم قدرة المواصلة وسموّ النفس.وفي هذا المجال نلاحظ ما يلي :
1 ـ شحّذ الإمام(عليه السلام) الهمم التي آمنت بالحق موضحاً أنّ الأمر لا يتعلق بكثرة الانصار أو قلتها.
فعن سماعة بن مهران قال: قال لي العبد الصالح(عليه السلام): «ياسماعة أمنوا على فرشهم، وأخافوني أما والله لقد كانت الدنيا وما فيها إلاّ واحد يعبد الله، ولو كان معه غيره لاضافه الله عزّ وجلّ اليه حيث يقول: (إنّ ابراهيم كان أمّة قانتاً لله حنيفاً ولم يكن من المشركين)(25)فصبر بذلك ماشاء الله. ثم إن الله آنسه باسماعيل واسحاق، فصاروا ثلاثة.
أما والله إن المؤمن لقليل، وإنّ أهل الباطل لكثير أتدري لم ذلك ؟ فقلت: لا أدري جعلت فداك. فقال: صيّروا اُنساً للمؤمنين يبثّون اليهم ما في صدورهم، فيستريحون الى ذلك ويسكنون إليه»(26).
2 ـ لقد سعى الإمام(عليه السلام) لتربية شيعته على أساس تقوية أواصر الاخوة والمحبة الايمانية بحيث تصبح الجماعة الصالحة قوة اجتماعية متماسكة لا يمكن زعزعتها أو تضعيفها لقوة الترابط العقائدي والروحي فيما بينها.
لنقرأ النص التالي معاً:
سأل الإمام موسى (عليه السلام) يوماً أحد أصحابه قائلا له: «ياعاصم كيف أنتم في التواصل والتبارّ ؟ فقال: على أفضل ما كان عليه أحد.
فقال (عليه السلام) : أيأتي أحدكم عند الضيقة منزل أخيه فلا يجده ، فيأمر باخراج كيسه فيخرج فيفضّ ختمه فيأخذ من ذلك حاجته، فلا ينكر عليه؟! قال: لا، قال: لستم على ما أحب من التواصل والضيقة والفقر»(27).
البناء العملي والانتماء الفكري :
ركّز الإمام الكاظم(عليه السلام) في تربيته للجماعة الصالحة على ضرورة الانتماء الفكري والمعرفي لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وتحرك الإمام(عليه السلام) بهذا الاتّجاه مستغلا للنهضة الفكرية التي حقّقها الإمام الصادق(عليه السلام) من قبل فقام باكمال عمل أبيه في بناء الكادر المتخصص فامتدّت قواعده من هذا النوع حتى ذكر له ( 319 ) صحابيا(28) كل منهم تلقى العلم والمعرفة من الإمام الكاظم(عليه السلام) وقد خضعت هذه الجماعة بانتمائها الفكري الى برمجة متقنة يمكنها مواجهة التحديات الثقافية والفقهية والابداع في ميدانها الخاص.وفيما يلى نشير الى جانب من نشاط الإمام(عليه السلام) بهذا الاتّجاه :
قام الإمام موسى الكاظم(عليه السلام) بإعداد نخبة من الفقهاء ورواة الحديث تقدّر كما ذكرنا بـ ( 319 ) شخصاً لكن قد تميّز من بين أصحابه ستة بالصدق والأمانة وأجمع الرواة على تصديقهم فيما يروونه عن الأئمة (عليهم السلام) على أنه اشتهر بين المحدثين ثمانية عشر فقيهاً ومحدّثاً من أصحاب الأئمة الثلاثة: (الباقر والصادق والكاظم) وهم المعروفون بأصحاب الاجماع، ستة من أصحاب «أبي جعفر» وستة من أصحاب «أبي عبدالله» وستة من أصحاب «أبي الحسن موسى(عليهم السلام)»، وهم : «يونس بن عبد الرحمن»، و«صفوان بن يحيى بياع السابري»، و«محمد بن أبي عمير»، و«عبدالله بن المغيرة»، و«الحسن ابن محبوب السرّاد»، و«أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي»(29)هذا في المجال الفقهي أما الميادين الفكرية الاُخرى مثل الكلام والقرآن، واللغة وماشاكل ذلك فلها أيضاً نخبة متخصصة فيها.
اعتقال الإمام الكاظم (عليه السلام)
لقد عرفنا عداء المهدي للعلويين بشكل عام بل لمن يتولاّهم، وما كان اخراجهم من السجون إلاّ لأنه أحسّ بأن حكومته لا تدوم لو استمرّ على سيرة أبيه المنصور في التضييق عليهم، وقد أعرب عن سياسته بقوله:اني أرى التأديب بالصفح أبلغ منه بالعقوبة، والسلامة مع العفو أكثر منها مع العاجلة، والقلوب لا تبقى لوال لا يعطف اذا استعطف ولا يعفو إذا قدر، ولا يغفر إذا ظفر، ولا يرحم اذا استرحم، من قلّت رحمته واشتدّت سطوته وجب مقته وكثر مبغضوه(30).
ولكن مع كل هذا نجد المهديّ ينكّل بوزيره المحبوب عنده ( يعقوب بن داود) لأنه كان ذا ميل للعلويين، وبعد أن اختبره قال له: قد حلّ لي دمك ولو آثرت اراقته لأرقته ثم أمر بسجنه مؤبداً وصادر جميع أمواله(31).
ومن هنا نستطيع أن نكتشف أن سبب أمر المهدي العباسي باعتقال الإمام موسى إنّما كان شيوع ذكر الإمام(عليه السلام) وانتشار اسمه وعلمه في الآفاق مما جعله يتصوّر أن بقاء ملكه لا يتمّ إلاّ باعتقاله .
وقد عرفت أن المهدي اضطرّ الى اطلاق سراح الإمام(عليه السلام) بعد أن رأى في المنام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) متأثّراً حزيناً مخاطباً إياه :
«يامحمد ! (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) » ففزع المهدي من نومه .. وأمر باحضار الإمام وقصّ عليه رؤياه وطلب منه أن لا يخرج عليه أو على أحد من ولده. ثم أعطاه ثلاثة آلاف دينار وردّه الى المدينة(32).
ومات المهدي لثمان بقين من المحرم سنة ( 169 هـ ) وهو ابن ثمان وأربعين سنة بعد أن خرج الى الصيد ودخل خربة أصاب بابها عمود ظهره أو أن بعض جواريه كانت قد دسّت له السم لانها كانت تغار من جارية كان يهواها ويخلص لها(33).
وهكذا انتهت حياته بعد أن كان قد أخذ البيعة لابنه موسى وهارون بالخلافة من بعده.
الإمام الكاظم (عليه السلام) في حكومة موسى الهادي العباسيثم استولى على الحكم موسى الهادي بعد وفاة أبيه المهدي في العشر الأخير من محرم سنة ( 169 هـ ) وتوفي في السنة ( 170 هـ ) وكان عمره (26 ) سنة(34) وبالرغم من قصر المدّة التي حكم فيها موسى الهادي إلاّ أنها قد تركت آثاراً سيّئة على الشيعة وامتازت بحدث مهم في التاريخ الاسلامي وهو «واقعة فخ» التي قال عنها الإمام الجواد(عليه السلام): «لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ»(35) فكانت سياسة الهادي قد امتازت بنزعات شريرة ظهرت في سلوكه حتى نقم عليه القريب والبعيد وأبغضه الناس جميعاً وقد حقدت عليه اُمّه الخيزران حتى بلغ بها الغيظ له نهايته، قيل أنها هي التي قتلته(36).
ولقد نكّل بالعلويين وأذاع الخوف والرعب في صفوفهم وقطع ما أجراه لهم المهدي من الارزاق والاعطيات وكتب الى جميع الآفاق في طلبهم وحملهم الى بغداد(37).
ثورة فخ
إنّ الذي فجّر الثورة على الحاكم العبّاسي هو «الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)».أسباب الثورة
والأسباب التي أدّت الى الثورة عديدة، نذكر منها سببين:
الأوّل: الاضطهاد والإذلال الذى مارسه الخلفاء العبّاسيون ضد العلويين واستبداد موسى الهادي على وجه الخصوص .
الثاني: الولاة الذين عيّنهم موسى الهادي على المدينة مثل تعيينه اسحاق ابن عيسى بن علي الذى استخلف عليها رجلا من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبد العزيز.
وقد بالغ هذا الأثيم في اذلال العلويين وظلمهم فالزمهم بالمثول عنده كل يوم، وفرض عليهم الرقابة الشخصية فجعل كل واحد منهم يكفل صاحبه بالحضور، وقبضت شرطته على كل من الحسن بن محمد بن عبدالله بن الحسن، ومسلم بن جندب وعمر بن سلام، وادّعت الشرطة انها وجدتهم على شراب فأمر بضربهم، وجعل في أعناقهم حبالا، وأمر أن يطاف بهم في الشوارع ليفضحهم(38).
وفي سنة ( 169 هـ ) عزم الحسين بن علي ـ صاحب فخ ـ على الخروج وفاتح الإمام موسى الكاظم(عليه السلام) بالأمر وطلب منه المبايعة فقال له الإمام(عليه السلام): «يا ابن عم لا تكلّفني ماكلّف ابن عمك، عمك أبا عبدالله فيخرج مني ما لا أريد، كما خرج من أبي عبدالله ما لم يكن يريد». فقال له الحسين: إنّما عرضت عليك أمراً فان أردته دخلت فيه. وان كرهته لم أحملك عليه والله المستعان، ثم ودّعه.
فجمع الحسين أصحابه مثل يحيى، وسليمان، وادريس بن عبدالله بن الحسن، وعبد الله بن الحسن الافطس وغيرهم.
فلما أذّن المؤذن الصبح دخلوا المسجد ونادوا أحد أحد، وصعد الافطس المنارة، وأجبر المؤذّن على قول: حيّ على خير العمل وصلى الحسين بالناس الصبح.
فخطب بعد الصلاة وبايعه الناس، وبعد أن استولى على المدينة توجّه نحو مكة وبعد أن وصل الى ( فخ ) فعسكر فيه وكان معه (300 ) مقاتل ولحقته الجيوش العبّاسية وبعد صراع رهيب استشهد الحسين وأصحابه وأرسلت رؤوس الأبرار الى الطاغية موسى الهادي، ومعهم الأسرى وقد قيّدوا بالحبال والسلاسل ووضعوا في أيديهم وأرجلهم الحديد، وأمر الطاغية بقتلهم فقتلوا صبراً وصلبوا على باب الحبس(39).
نتائج الثورة
بعد ان انتهت الثورة باستشهاد «الحسين صاحب فخ» وصحبه أخذ الهادي يتوعّد الأحياء منهم، وقد ذكر سيدهم الإمام موسى قائلا: والله ما خرج حسين إلاّ عن أمره، ولا اتّبع إلاّ محبته، لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت. قتلني الله ان أبقيت عليه(40).
وكتب علي بن يقطين الى الإمام موسى(عليه السلام) بصورة الأمر فورد الكتاب، فلما أصبح أحضر أهل بيته وشيعته فاطّلعهم على ما ورد عليه من الخبر فقال: ما تشيرون في هذا ؟
فقالوا: نشير عليك ـ أصلحك الله ـ وعلينا معك أن تباعد شخصك عن هذا الجبّار وتغيّب شخصك دونه.
فتبسم الإمام موسى(عليه السلام) ثم تمثّل ببيت كعب بن مالك أخي بني سلمة وهو :
زعمت سخينة أن ستغلب ربّها***فليغلبنَّ مغالب الغلاب
وأقبل الإمام نحو القبلة ودعا بدعاء الجوشن الصغير المعروف الوارد عنه(عليه السلام) ثم قال(عليه السلام): «قد ـ وحرمة هذا القبر ـ مات في يومه هذا والله (وانه لحق مثل ما أنكم تنطقون)(41) ».
قال الراوي: ثم قمنا الى الصلاة وتفرّق القوم فما اجتمعوا إلاّ لقراءة الكتاب الوارد بموت الهادي والبيعة للرشيد(42).
تحليل ثورة فخ وموقف الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) منهالقد استعرضنا فيما سبق نشاط الإمام لاكمال بناء الجماعة الصالحة لايصالها الى المستوى العالي من العقيدة والايمان والوعي السياسي الذي يُهيّء الأرضية لانجاز المشروع التغييري الإسلامي الكبير.
أما العامل الثاني الذي يتكامل به انجاز هذا المشروع، فهو تحريك ضمير الاُمة وتحرير ارداتها الى حدّ يمنحها القوة والصلابة ويمنعها من التنازل عن كرامتها، والذوبان في سياسة الظالمين وذلك من خلال استمرار العمل الثوري ضد الحكومات الظالمة، فانطلاقاً من هذه الضرورة يمكن أن نلخّص موقف الإمام موسى من واقعة (فخ) بما يلي :
1 ـ لم يكن موقف الإمام (عليه السلام) في هذه المرحلة موقفاً ثورياً ضد نظام الحكم القائم.
2 ـ صرّح الإمام (عليه السلام) بموقفه من الثورة لزعيمها ( الحسين ) عندما طلب منه المبايعة وذكّره بموقف الإمام الصادق(عليه السلام) من ثورة محمد ذي النفس الزكية، وسوف يكون موقفه كأبيه فيما اذا أصرّ الحسين على ضرورة المبايعة(43).
3 ـ عندما استولى الحسين على المدينة وصلّى بالناس صلاة الصبح لم يتخلف عنه أحد من الطالبيين إلاّ الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن وموسى بن جعفر(عليه السلام)(44).
4 ـ صدر من الإمام تأييد ومساندة صريحة لحركة الحسين وثورته عندما عزم عليها في قوله(عليه السلام): «إنّك مقتول فأحدّ الضراب، فان القوم فسّاق يظهرون ايماناً ويضمرون نفاقاً وشركاً، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون وعند الله أحتسبكم من عصبة»(45).
5 ـ ولمّا سمع الإمام موسى الكاظم(عليه السلام) بمقتل الحسين (رض) بكاه وابّنه بهذه الكلمات: «إنّا لله وإنّا اليه راجعون، مضى والله مسلماً صالحاً صوّاماً قوّاماً، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله»(46).
موسى الهادي يحاول عزل الرشيد من ولاية العهد :
قال اليعقوبي: وشجرت بين موسى وأخيه الوحشة فعزم على خلعه وتصيير ابنه جعفر وليّ العهد، ودعا القوّاد الى ذلك، فتوقف عامتهم وأشاروا عليه أن لا يفعل ،وسارع بعضهم وقووا عزيمته في ذلك وأعلموه أن الملك لا يصلح إن صار إلى هارون، فكان ممن سعى في خلعه أبو هريرة محمد بن فرّوخ الأزدي القائد من الأزد ، وقد كان موسى وجّه به في جيش كثير يستنفر من بالجزيرة والشام ومصر والمغرب ويدعو الناس الى خلع هارون، فمن أبى جرّد فيهم السيف فسار حتى صارالى الرقة فأتاه الخبر بوفاة موسى(47).
ومات موسى الهادي لاربع عشر ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة (170 هـ )(48).
المصادر :
1- الإسراء (17): 26 .
2- اُصول الكافي : 1 / 543 ح2 ، بحار الأنوار : 48 / 156. ونقل السبط في تذكرة الخواص: 314 عن ربيع الأبرار للزمخشري: أن ذلك لم يكن من المهدي بل من هارون كان يقول لموسى الكاظم: خذ فدكاً، وهو يمتنع ويقول: إنّ حددتها لم تردها، فلمّا ألحّ عليه قال: ما أخذها إلاّ بحدودها، قال: وما حدودها؟ فقال... فعند ذلك استلفى أمره وعزم على قتله.
3- بحار الأنوار : 48 / 160 عن بصائر الدرجات: 64 ب 10 ح 5.
4- بحار الأنوار : 48 / 159 عن قرب الاسناد: 232 ح 1174 .
5- تاريخ بغداد، وعنه في تذكرة الخواص: 311 ومطالب السؤول لابن طلحة الشافعي: 83 وعن الجنابذي في كشف الغمة: 3/2 ـ 3 .
6- اُصول الكافي: 1/366 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 161، ح 6 .
7- بحار الأنوار : 48 / 165 عن مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصفهاني .
8- بحار الأنوار : 48 / 148، ح 23 عن فروع الكافي: 8/ 86 .
9- بحار الأنوار : 48 / 154 / ح26 عن فروع الكافي: 6/540.
10- راجع الفصل الثالث من الباب الأوّل، مبحث حلمه(عليه السلام) ص 34 من هذا الكتاب.
11- عيون أخبار الرضا : 1 / 78 وعنه في بحار الأنوار : 81 / 108. ونقله في المناقب: 4/338 عن الفقيه، وليس فيه لا في الحيض ولا في التظليل! وفي الكنى والألقاب: 1/188 عن الكليني. ونقل نحوه المفيد في الارشاد: 2/235 عن محمّد بن الحسن الشيباني بمحضر الرشيد، ورواهما في الاحتجاج: 2 / 168 .
12- المناقب : 4 / 341.
13- قبر العبادي : منزل في طريق مكة من القادسية الى الغُديب: وفي الاحتجاج: (قصر العبادي): 2 / 333 .
14- مناقب آل أبي طالب: 4/336 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 104 وفي الاحتجاج: 2/159 ـ 161 أكثر تفصيلاً.
15- مناقب آل أبي طالب: 4/335 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 104.
16- الارشاد: 2/ 335 وعنه في كشف الغمة: 3/20.
17- حياة الإمام موسى بن جعفر : 1 / 451 ـ 452.
18- بحار الأنوار : 48 / 149 .
19- مهج الدعوات : 229 / ح1، عوالم العلوم والمعارف والأحوال : 366.
20- اختيار معرفة الرجال: 433 ح 817.
21- خبر الضمان في اختيار معرفة الرجال: 433 ح 818 وعنه في حياة الإمام موسى بن جعفر : 2 / 286 ـ 287.
22- راجع تمام الخبر ومصادره في: 36 ـ 38 من هذا الكتاب .
23- الكافي : 5 / 110، ح3 ، وعنه في البحار : 48 / 158، ح 31، وفي اختيار معرفة الرجال: 435 ح 820 عن كاتبه اُمية وغيره.
24- اختيار معرفة الرجال: 436 ح 821 والخرائج والجرائح: 1/327 وعنهما في بحار الأنوار : 48 / 34، ح 5.
25- النحل (16): 120.
26- الكافي : 2 / 243 وعنه في بحار الأنوار : 47 / 373، ح 94 و 67 / 162 قال المجلسي معلقاً ومفسراً على هذا الخبر : اي انّما جعل الله تعالى هؤلاء المنافقين في صورة المؤمنين مختلطين بهم لئلا يتوحش المؤمنون لقلتهم.
27- مكارم الأخلاق: 165 وفي ط: 2/144 عن بصائر الدرجات، وفي بحار الأنوار : 48 / 119، ح35 وفي وسائل الشيعة: 25/35.
28- الإمام موسى الكاظم لباقر شريف القرشى : 2 / 223.
29- انظر اختيار معرفة الرجال: 556 ح 1050.
30- تاريخ اليعقوبي : 2 / 399 ـ 400 .
31- حياة الإمام موسى بن جعفر : 1 / 447 ـ 449 وفي تاريخ اليعقوبي: 2/401: وكان يعقوب جميل المذهب ميمون النقيبة، محبّاً للخير، كثير الفضل، حسن الهدى، ثم سخط عليه فعزله وحبسه، فلم يزل محبوساً حتى مات المهدي. وفي مروج الذهب: 3/312: ثم اختصّ به يعقوب بن داود السلمي فكان يصل إليه في كل وقت دون كل الناس.. ثمّ اتّهمه بشيء من أمر الطالبيين.. فبقي في حسبه إلى أيام الرشيد فأطلقه، ثم نقل فيه أقوالاً اُخرى.
32- تأريخ بغداد : 14 / 30 ـ 31 ، والمناقب : 4 / 325.
33- تأريخ اليعقوبي : 2 / 401 وحياة الإمام موسى بن جعفر : 1 / 454.
34- تاريخ اليعقوبي : 2 / 401 ـ 406.
35- الإمام موسى الكاظم : 2 / 457 .
36- عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: 172 عن سر السلسلة العلوية: 14. ونقل القول الاصفهاني في مقاتل الطالبيين وعنه في بحار الأنوار: 48/165.
37- تاريخ اليعقوبي : 2 / 404.
38- بحار الأنوار : 48 / 161 عن الاصفهاني في مقاتل الطالبيين.
39- تاريخ الطبري : 10 / 29 وبحار الأنوار : 48 / 161 ـ 165 عن مقاتل الطالبيين .
40- بحار الأنوار : 48 / 150 ـ 153 عن ابن طاووس في مهج الدعوات: 217.
41- الذاريات (51) : 23.
42- بحار الأنوار: 48/217، ح 17 عن مهج الدعوات لابن طاووس.
43- اُصول الكافي: 1/366 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 161.
44- بحار الأنوار : 48 / 163 عن الاصفهاني في مقاتل الطالبيين.
45- اُصول الكافي: 1/366 وعنه في بحار الأنوار: 48/160، ح 6.
46- بحار الأنوار : 48 / 165 عن الاصفهاني في مقاتل الطالبيين .
47- تأريخ اليعقوبي: 2 / 405 .
48- تاريخ اليعقوبي : 2 / 407 .
source : راسخون