أ- في ظلال الحديث
جاء ذكر صلاة الليل في الكتاب الكريم في مواضع عديدة منها قوله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا)(1)وقوله عزّ وجلّ: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا)(2).
وبها أوصى الأنبياء والملائكة يقول النبي صلى الله عليه وآله: "ما زال جبرئيل يوصيني بقيام الليل حتى ظننت أن خيار أمتي لن يناموا من الليل إلا قليلاً"(3).
وفي وصيته صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام: "عليك بصلاة الليل يكّررها أربعاً"(4).
ولها من الفضل ما يذهل العبد إذا قدر على الإحاطة به فهي شرف المؤمن ودأب الصالحين ومبعدة الداء من الأجساد ومصححة البدن والمانعة من نزول العذاب وهي من روح الله تعالى وتجلب رضاه وتحسّن الخلق وغير ذلك مما روي(5).
فمن الطبيعي أن تكون شعار الأولياء ومنهاج الأصفياء وسبيل الأتقياء فأهل الولاية المتربّون في مدرسة أهل البيت عليهم السلام هم أهل صلاة الليل والاستغفار بالأسحار وبالإمكان بلوغ ما نروم إليه من الحديث المصدّر بقوله عليه السلام: "ليس منّا.."
حينما نقرأ تعريف مولانا الصادق عليه السلام عن شيعته وهو يقول: "شيعتنا أهل الورع والاجتهاد وأهل الوفاء والأمانة وأهل الزهد والعبادة، أصحاب إحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة، القائمون بالليل، الصائمون بالنهار، يزكّون أموالهم ويحجّون البيت ويجتنبون كل محرم"(6).
ب- ثواب صلاة الليل
يتساءل الواحد منا أنه إذا كان لهذه النافلة درجة عالية من الأهمية في تربية الإنسان وعملية تهذيب النفس حيث أنها تساعده في برنامجه الساعي إلى الكمال، والانتهاء من التخبط يميناً وشمالاً والفرار من شرك الشيطان اللعين، فلا بد أن يكون ثوابها عظيماً ومتناسباً مع دورها المحوري فما هو ذلك الثواب يا ترى؟والجواب: أنه غير مبيّن بتحديد معيّن وما ذلك إلا لعظمته.
وفي هذا الشأن يقول مولانا الصادق عليه السلام: "ما من عمل حسن يعمله العبد إلا وله ثواب في القرآن إلا صلاة الليل، فإن الله لم يبيّن ثوابها لعظيم خطرها عنده فقال: تتجافى جنوبهم عن المضاجع.. فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يكسبون"(7).
ج- أسباب الحرمان من صلاة الليل
إن كثيرين يحبون أن ينالوا شرف قيام الليل وأداء هذه الناشئة المباركة ويتشوقون إلى ذلك، لكن سرعان ما تراهم لا يبادرون إلى ما أحبّوه، وظلّ هذا الحب في عالم النفس وحديثها دون أن يترجم بالفعل والخارج فكأن شيئاً حال بينهم وبين تحقيق مطلوبهم ولقاء محبوبهم فما هو ذلك الشيء الذي أوجد حاجزاً أو شكّل مانعاً؟والجواب: أنه ليس أمراً واحداً وإنما جملة من الأمور لكنها تنتمي إلى أصل واحد يسمّى الذنب على اختلاف أنواعه وأشكاله.
يقول الصادق عليه السلام: "إن الرجل يذنب فيحرم صلاة الليل وإن العمل السيىء أسرع في صاحبه من السكين في اللحم"(8).
وفي حديث عن أمير المؤمنين عليه السلام لرجل شكى عن حرمانه صلاة الليل: "أنت رجل قد قيّدتك ذنوبك"(9).
وفي حديث آخر: "إن الرجل ليكذب الكذبة فيحرم بها صلاة الليل"(10).
ومن الذنوب الموانع العجب، فإن الإنسان إذا قدر على التخلص من سائر الذنوب وبقيت له آفة العجب والرضا عن النفس فهي كافية للحؤول بينه وبين التوفيق للتهجد والقيام بالليل.
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله تعالى: "إن من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من رقاده ولذيذ وساده فيتهجدّ لي الليالي، فيتعب نفسه في عبادتي فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين نظراً مني له وابقاءً عليه فينام حتى يصبح فيقرأه وهو ماقت لنفسه، زار عليها، ولو أخلي بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله من ذلك العجب، فيصيّره العجب إلى الفتنة بأعماله، فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله ورضاه عن نفسه عند حد التقصير فيتباعد مني عند ذلك وهو يظن أنه يتقرب إليّ"(11).
د- فوائد صلاة الليل
هي مطردة الداء من الأجساد(12).ومصححة البدن(13).
وإنها تبيّض الوجه وتحسّنه، وتحسّن الخلق، وتطيّب الريح، وتجلب الرزق وتدرّه، وتقضي الدين، وتذهب بالهمّ، وتجلو البصر(14). وإنها تمنع من نزول العذاب(15).
وإنها من روح الله تعالى، وإنها تجلب رضا الرب، وإنها تمسّك بأخلاق النبيين، وتعرّض لرحمة رب العالمين، وتنفي السيئات، وتذهب بما عمل من ذنب بالنهار(16).
وأن العبد ليقوم في الليل فيميل به النعاس يميناً وشمالاً وقد وقع ذقنه على صدره، فيأمر الله تعالى أبواب السماء فتفتح، ثم يقول للملائكة: انظروا إلى عبدي ما يصيبه في التقرّب إليّ بما لم افترضه عليه راجياً مني لثلاث خصال:
ذنباً اغفر له، أو توبة أجدّدها، أو رزقاً أزيده. اشهدوا ملائكتي أني قد جمعتهن له(17).
وسئل علي بن الحسين عليهما السلام: ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجهاً؟ قال: "لأنهم خلوا بالله فكساهم الله من نوره(18)، وإن البيوت التي يصلّى فيها بالليل ويتلى (فيها) القرآن تضيء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الأرض"(19).
وورد أنه كذب من زعم أنه يصلّي بالليل ويجوع بالنهار، إن صلاة الليل تضمن رزق النهار(20).
من فقه الإسلام
س: هل يجب أن تصلى النوافل جهراً أو إخفاتاً؟
ج: يستحب أن تصلى النوافل النهارية إخفاتاً، والنوافل الليلية جهراً.
س: هل يجوز الإتيان بصلاة الليل (التي تصلى ركعتين ركعتين) بصورة صلاتين رباعيتين وصلاة ثنائية وصلاة الوتر؟
ج: لا يصح الإتيان بنافلة الليل بصورة صلاة رباعية.
س: عندما نصلي صلاة الليل، فهل يجب أن لا يعرف أحد بأننا صلينا صلاة الليل، وهل يجب أن نصلي في الظلام؟
ج: لا يشترط الإتيان بها في الظلام، ولا إخفاؤها عن الآخرين، نعم لا يجوز الرياء فيها.
س: الإتيان بنافلة الظهر والعصر بعد الإتيان بصلاة الظهر والعصر وفي وقت النافلة هل يكون بقصد القضاء أو بقصد آخر؟
ج: الأحوط الإتيان بها حينئذ تقرباً إلى الله تعالى بلا قصد الأداء ولا القضاء.
س: الشخص الذي يصلي صلاة جعفر الطيار عليه السلام، هل يحصل على كل ذلك الثواب المترتب عليها بمجرّد الإتيان بها فقط، أو أن هناك أموراً أخرى يجب مراعاتها أيضاً؟
ج: من الممكن أن يكون هناك أمور أخرى دخيلة في استجابة الدعاء وعلى كل حال فمع إتيانك بصلاة جعفر الطيار عليه السلام كن متفائلاً بقضاء الحاجات، وبالحصول على ذلك الثواب من جانب الباري المتعال الموعود على الإتيان بهذه الصورة كما وردت.
س: نرجو أن تشرحوا لنا كيفية صلاة الليل بالتفصيل.
ج: صلاة الليل مجموعها إحدى عشرة ركعة، تسمى ثمان ركعات، منها التي تصلّى ركعتين ركعتين بعنوان صلاة الليل، وركعتان بعدها باسم صلاة الشفع، وهي تصلى كصلاة الصبح، والركعة الأخيرة منها بركعة الوتر، ويستحب في قنوتها الإستغفار والدعاء للمؤمنين، وطلب الحاجات من الله المنان، بالترتيب المذكور في كتب الأدعية.
س: ما هي صورة صلاة الليل؟ أي ما هي الكيفية الواجبة لها من السور والإستغفار والدعاء؟
ج: لا يعتبر في صلاة الليل شيء من السورة، والاستغفار، والدعاء بعنوان الجزئية، ولا بعنوان الوجوب التكليفي، بل يكفي في كل ركعة بعد النيّة والتكبير قراءة الحمد، والركوع، والسجود، والذكر فيهما، والتشهد، والتسليم(21).
قال تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(22)
عن الصادق عليه السلام: "شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزّ المؤمن كفّه عن أعراض الناس"(23).
زينب عليها السلام ليلة الحادي عشر من محرم
في ليلة العاشر من محرم كانت زينب وكان الحسين عليه السلام كانت زينب وكان الجميع.. كل شخص، وكل شيء.. في ليلة الحادي عشر كانت زينب ولم يكن غير زينب سيدة النساء.. في هذه الليلة كانت زينب هي الراعي، هي قائدة قافلة الأسرى وملجأ الأيتام.. رغم ثقل المصائب ومرارتها.. كانت زينب طوداً شامخاً واجهت المصائب ولم يرمش لها جفن.
تولت حراسة الأسرى، تولت جمع النساء والأطفال.. تولت تجميع الهائمين على وجوههم في الصحراء، تولت تمريض العليل الضعيف.. كانت الروح للأجساد التي فقدت الروح.. والبهجة للقلوب التي فقدت البهجة والرمق للنفوس التي فقدت الرمق.
كانت تمضي مسرعةً من هذه الجهة إلى تلك.. تبحث عمن افتقدت.. كان ضرب السياط يؤلمها.. وأشواك الصحراء تدميها.. إلا أن زينب تبحث عن اليتامى.. كانت كبدها تحترق ولكنها تبحث عن اليتامى..
هذا الجسد الذي هده الألم.. كان معجزة.. أثبتت زينب كفاءة منقطعة النظير فلم يسقط طفل تحت حوافر الخيل... ولا احترقت امرأة بالنار.. ولا ضاع أطفال في تلك الليلة المشؤومة.
وبعد أن أنجزت زينب كل هذه المهام واطمأنت على سلامة الجميع توجهت إلى الله وانصرفت إلى العبادة وصلت صلاة الليل..
لقد كانت متعبة جداً بحيث أنها لم تستطع أن تصليها وقوفاً.. فصلت صلاة الليل من جلوس وتضرعت إلى الله تعالى وابتهلت.
كانت زينب إلهية.. والإلهيون هكذا يواجهون المصائب ولا يرمش لهم جفن.. صابرين.. شاكرين..
المصادر :
1- الإسراء: 79.
2- المزمل: 6.
3- ميزان الحكمة، حديث 10737.
4- م.ن. حديث 10734.
5- مرآة الكمال، ج1، ص326.
6- صفات الشيعة للصدوق، ص13.
7- البحار، ج8، ص126.
8- الكافي، ج2، ص272.
9- م.ن. ج3، ص450.
10- علل الشرائع، ص362.
11- البحار، ج71، ص151.
12- ثواب الأعمال: 63، ثواب من صلى صلاة الليل، حديث 2.
13- ثواب الأعمال: 64، ثواب من صلى الليل حديث 6.
14- ثواب الأعمال: 64، ثواب من صلى الليل حديث 8.
15- بحار الأنوار: 150 87 باب 6، فضل صلاة الليل: حديث 26 ذيله.
16- البلد الأمين: 47 الدعاء بعد صلاة الليل في الهامش.
17- ثواب الأعمال: 64 ثواب صلاة الليل حديث 7.
18- علل الشرائع: 365 2، باب 87، حديث 1.
19- ثواب الأعمال: 66 ثواب من صلى صلاة الليل، حديث 10.
20- ثواب الأعمال: 64 من صلى صلاة الليل، حديث 5.
21- أجوبة الاستفتاءات، ج1، ص220 219.
22- السجدة: 16-17.
23- الكافي، ج3، ص488.
source : راسخون