الموت آخر مرحلة من مراحل الحياة الدنيوية، وأوّل مرحلة من الحياة الأُخروية. ولأجل التعرف على ماورد حوله من الآيات، نبحث عن الأُمور التالية:
1- الموت في اللغة والقرآن.
2- هل الموت أمرٌ عدمي أو وجودي؟
3- الموت سنّة من سنن الله العامة.
4- لماذا يستوحش الإنسان من الموت؟
5- الموت وأقسامه في القرآن.
6- الموت والأجل المسمّى.
7- الإنابة حال الموت.
8- الوصية عند الموت.
9- جهل الناس بأوان موتهم.
10- الموت والملائكة الموكّلون بقبض الأرواح.
وفيما يلي نبحث عن كل واحد منها.
الأمر الأوّل: "الموت" في اللغة والقرآن
قال في المقاييس: "الموت، أصل صحيح يدل على ذهاب القوة من الشيء، منه: الموت خلاف الحياة"1. وهذا هو الأصل في استعماله، فلو أطلق لفظ الموت على إطفاء النار، وخروج الأرض من قابلية الزرع والاستصلاح، أو على النوم، فالكل يرجع إلى ذلك الأصل.
قال في اللسان: "الموت يقع على أنواع بحسب أنواع الحياة، فمنها ما هو بإزاء القوة النامية الموجودة في الحيوان والنبات، كقوله تعالى: (يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)(الروم:50).
ومنها زوال القوة الحسّية، كقوله تعالى حاكياً قول مريم عليها السلام: ?يَا لَيْتَني مِتُّ قَبْلَ هَذَا?(مريم:23).
ومنها زوال القوة العاقلة، وهي الجهالة، كقوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ)(الأنعام:122)، (إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى)(النمل:80).
ومنها الحزن والخوف المكدر للحياة، كقوله تعالى: (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَان وَمَا هُوَبِمَيِّت)(إبراهيم:17).
وقد يستعارالموت للأحوال الشّاقة، كالفقر والذّلّ، والسؤال والهرم، والمعصية"2. فالاستعمال في الجميع بأصل واحد.
وقد استعمل القرآن لفظ الموت "كما عرفت" في موارد، بهذا الملاك، مثلاً يقول: (وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ)(يس:33). ويقول في الأصنام( أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاء)(النحل:21) ويطلقه على المراحل المتقدمة من خلق الإنسان، فيقول: (وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ)(البقرة:28). فترى في الجميع نوع ذهاب وزوال، إمّا للطاقة كما في الأرض، أو للقدرة على الحركة والتكلم، كما في الأصنام، وغيرذلك.
الأمر الثانى: هل الموت أمر عدمي؟
إن ملاحظة المعنى اللغوي، والاستعمال القرآني للفظ الموت، يفيد أنّ الموت أمرٌ عدمى، ولكنه من زاوية أُخرى، ليس أمراً عدمياً في موت الإنسان، وذلك لو فسّر الموت بقبض الملائكة الطاقات الحسية الموجودة في الإنسان، فإنّه أمرٌ وجوديٌ، وإن كانت النتيجة أمراً عدمياً.
ويمكن جعله أيضاً من الأمور الوجودية في الإنسان، بمعنىً آخر، وهو أنّ الموت نافذة على الحياة الجديدة، وانتقال من منزل إلى منزل، وإلى ذلك لمحات في كلام الأئمة الأطهار من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله.
يقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: "أيّها الناس، إنّا خلقنا وإيّاكم للبقاء، لا للفناء لكنكم من دار إلى دار تنقلون"3.
ويقول سيد الشهداء الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام مخاطباً أنصاره يوم عاشوراء: "صبراً بني الكرام، فما الموت إلاّ قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء الى الجنان الواسعة، والنعيم الدائمة، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر؟"4.
ويمكن جعله أمراً وجودياً أيضاً، ببيان ثالث، وهو أنّ الموت حّد الحياة الدنيوية، وجدارها الذي إليه تنتهي.
أضف إلى ذلك أنّ الموت ربما يوصف بكونه أمراً عدمياً اذا نسب إلى الجسم، وأمّا إذا نسب إلى الروح فلا يمكن تفسيره إلاّ بأمر وجودي، وهو انتقالها من مرحلة إلى مرحلة.
ولعلّه لأحد هذه الوجوه تعلق به الخلق في قوله سبحانه: (الذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ)(الملك :2).
والتقدير في قوله سبحانه "في تقدير حياة الإنسان": (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)(الواقعة :60).
*الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني
---------------------------------------------------------
الهوامش:
1- مقاييس اللغة، ج5،ص 283 .
2- لسان العرب، ج2،ص 92. لاحظ بقية كلامه
3- الإرشاد، للشيخ المفيد،ص 127.
4- معاني الأخبار، للصدوق، ص 289.