عربي
Wednesday 25th of December 2024
0
نفر 0

عدم التناسخ بين النفس والبدن

 عدم التناسخ بين النفس والبدن

قد ثبت في محله أنّ تركيب البدن والنفس، تركيب طبيعي اتحادي، لا تركيب انضمامي، فليس تركيبهما كتركيب السرير من الأخشاب والمسامير، ولا كتركيب العناصر الكيميائية وتأثير بعضها في بعض.

والنفس في أول حدوثها متسمة بالقوة، في كل ما لها من الأحوال، وكذا البدن، ولها في كل وقت شأن آخر من الشؤون الذاتية بازاء سن الطفولة والصبا والشباب والشيخوخة والهرم. وهما معاً يخرجان من القوة الى الفعل، ودرجات القوة والفعل في كل نفس معينة بازاء درجات القوة والفعل في بدنها الخاص بها ما دامت متعلقة به. فاذا صارت بالفعل في نوع من الأنواع استحال صيرورتها تارة اخرى في حد القوة المحضة، كما استحال صيرورة الحيوان بعد بلوغه تمام الخلقة، نطفة وعلقة.

فلو تعلقت نفس منسلخة ببدن آخر عند كونه جنيناً وغير ذلك يلزم كون أحدهما بالقوة والآخر بالفعل، وذلك ممتنع. لأن التركيب بينهما طبيعي اتحادي، والتركيب الطبيعي يستحيل بين أمرين، أحدهما بالفعل والآخر بالقوة1.

نعم، هذا البرهان انما يتم لوتعلقت النفس ببدن أدون من حيث الدرجات الفعلية من النفس، كما اذا تعلقت بالجنين على مراتبه وأما لوتعلقت ببدن له من الفعلية ما للنفس منها، فالبرهان غير جار فيه.

وهذا البرهان يغاير البرهان الّذي ذكرناه ، عند ابطال التناسخ النزولي فان محور البرهان هنا لزوم التناسق بين البدن والنفس من حيث القوة والفعل، وهذا الشرط مفقود في أكثر موارد التناسخ، كما اذا تعلقت بالجنين.

وأما ما ذكرناه في ابطال التناسخ النزولي فان محوره هولزوم الحركة الرجعية في عالم الكون، ورجوع ما بالفعل الى ما بالقوة، فلا يختلط عليك الأمران.

 
سؤالان وجوابان

قد فرغنا من أقسام التناسخ وأنواعه وما يمكن أن يستدل به على ابطالها.وبقى هنا سؤالان يجب طرحهما والإجابة عنهما:

السؤال الأول: التناسخ ووقوع المسخ في الأُمم السالفة

لوكان تعلق النفس الإنسانية ببدن الحيوان بعد مفارقة البدن الإنساني تناسخاً ممتنعاً، فكيف وقع المسخ في الأُمم السالفة، حيث مسخوا الى القردة والخنازير كما يقول سبحانه: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِن ذلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللهِ مَن لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيل)(المائدة:60).

ويقول سبحانه: (فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ)(الأعراف:166)2.

فان صريح هذه الآيات تحول جماعة من البشر الى قردة وخنازير، وهولا ينفك عن تعلق نفوسهم البشرية بأبدان الحيوانات. فما هوالفرق بينه والقول بالتناسخ؟
وقال العلامة المجلسي: "إن امتياز نوع الإنسان، اذا كان بهذا الهيكل المخصوص، فلا يكون إنساناً بل قرداً. وإن كان امتيازه بالروح المجردة، كانت الإنسانية باقية غير ذاهبة، وكان انساناً في صورة حيوان، ولم يخرج من نوع الإنسان ولم يدخل في نوع آخر"4.

 
الجواب: ان مقوم التناسخ أمران

 

1ـ تعدد البدن، فان في التناسخ بدنين: احدهما البدن الّذي تنسلخ عنه الروح والثاني: البدن الّذي تتعلق به ثانياً بعد المفارقة سواء كان نباتاً وحيواناً وجنيناً.

2ـ تراجع النفس الانسانية من كمالها الى الحد الّذي يناسب بدنها المتعلقة به من نبات وحيوان وجنين وانسان.

 

وكلا الشرطين مفقود في المقام فان الأُمة الملعونة والمغضوب عليها مسخت الى القردة والخنازير بنفس أبدانها الأولية، فخرجت عن الصورة الانسانية إلى الصورة القردية والخنزيرية من دون أن يكون هناك بدنان. كما أن نفوسها السابقة بقيت على الحد الّذي كانت عليه، وذلك لتنظر إلى الصورة الجديدة التّي عرضت عليها، فتعاقب وتنزجر. وإلا لوانقلبت نفوسها من الحد الّذي كانت عليه إلى حد النفس الحيوانية، فلا شك أنّها ستكون قردة بالحقيقة، وعندئذ لا يترتب عليه عقاب ولا يصدق عليه النكال مع أنه سبحانه يصفه نكالا، ويقول: (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)(البقرة:66).

وهذان الأمران يفصلان المسخ في الأُمم السالفة عن القول بالتناسخ.

وبالجملة: فقد تجلت الروحيات الخبيثة التّي كانت عليها تلك الأُمّة، على ظواهر أبدانها، فلبست لباس الخنازير والقردة المعروفة بالحرص الشديد، ومثل هذا "مع وحدة البدن وعدم نزول النفس عن درجتها السابقة" لا يعدّ تناسخاً.

قال التفتازاني: "ان المتنازع هوأن النفوس بعد مفارقتها الأبدان، تتعلق في الدنيا بأبدان أُخر للتدبير والتصرف والاكتساب، لا أن تتبدل صور الأبدان كما في المسخ. وأن تجتمع أجزاؤها الأصلية بعد التفرق، فتردّ إليها النفوس، كما في المعاد على الاطلاق، وكما في إحياء عيسى بعض الأشخاص"3.

وقال العلامة المجلسي: "إن امتياز نوع الإنسان، اذا كان بهذا الهيكل المخصوص، فلا يكون إنساناً بل قرداً. وإن كان امتيازه بالروح المجردة، كانت الإنسانية باقية غير ذاهبة، وكان انساناً في صورة حيوان، ولم يخرج من نوع الإنسان ولم يدخل في نوع آخر"4.
يقول العلامة الطباطبائي: لوفرضنا إنساناً تغيّرت صورته إلى صورة نوع آخر من أنواع الحيوان كالقرد والخنزير، فانما هي صورة على صورة ، فهوإنسان خنزيرٌ وإنسان قردُ لا إنسان بطلت انسانيته وحلّت الصورة الخنزيرية والقردية محلها، فالإنسان اذا اكتسب صورة من صور الملكات، تصورت نفسه بها، ولا دليل على استحالة خروجها في هذه الدنيا من الكمون إلى البروز على حد ما ستظهر في الآخرة بعد الموت.

يقول العلامة الطباطبائي: لوفرضنا إنساناً تغيّرت صورته إلى صورة نوع آخر من أنواع الحيوان كالقرد والخنزير، فانما هي صورة على صورة ، فهوإنسان خنزيرٌ وإنسان قردُ لا إنسان بطلت انسانيته وحلّت الصورة الخنزيرية والقردية محلها، فالإنسان اذا اكتسب صورة من صور الملكات، تصورت نفسه بها، ولا دليل على استحالة خروجها في هذه الدنيا من الكمون إلى البروز على حد ما ستظهر في الآخرة بعد الموت.

فالممسوخ من الإنسان، إنسان ٌ ممسوخ، لا انّه ممسوخٌ فاقد للإنسانية. وبذلك يظهر الفرق بين المقام والتناسخ، فإن التناسخ هوتعلق النفس المستكملة بنوع كمالها بعد مفارقتها البدن، ببدن آخر، بخلاف المقام5.

 
السؤال الثاني: التناسخ والر جعة

ما هوالفرق بين التناسخ الباطل بالأدلة السابقة، والقول بالرجعة على ما عليه الإمامية، فان رجوع بعض النفوس بعد مفارقتها أبدانها، إليها في هذه النشأة، أشبه بالتناسخ.

والجواب: قد عرفت عند البحث عن المسخ، أن مجوز التناسخ أمران: تعدد البدن وتراجع النفس عن الحد الّذي كانت عليه، وكلاهما مفقودان في الرجعة، فإن النفس ترجع الى البدن الّذي فارقته من دون أن تمس كمال النفس، وتحطها من مقامها، بل هي على ما هي عليه من الكمال عند المفارقة، فتتعلق أخرى بالبدن الّذي فارقته.

ومن هنا يظهر أن القول بالحشر في النشأة الأُخرى على طرف النقيض من التناسخ.

 
خاتمة المطاف

إن الذكر الحكيم ينصّ على عدم رجوع نفس الإنسان إلى هذه الدنيا بعد مفارقتها البدن (خرج ما خرج بالدليل كما في احياء الأموات بيد الأنبياء العظام وغيره) يقول سبحانه: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيَما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)(المؤمنون:99ـ100).

إن قوله سبحانه (كلاّ)، ردع لطلب الرجوع إلى الدنيا، فيفيد أنه على خلاف السنة الإلهية، ومع ذلك فهوكسائر السنن التّي ربما يخرج عنها بدليل.

وبذلك تعرف قيمة كلمة أحمد أمين المصري ذلك الكاتب المستهتر حيث يقول: "وتحت التشيّع ظهر القول بتناسخ الأرواح"6. والمسكين لا يفرق بين المسخ والتناسخ، كما لا يفرق بين التناسخ والرجعة، بل بين التناسخ والمعاد.

*الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني

---------------------------------------------------------------------

الهوامش:

1- الاسفار، ج 9، ص 2 ـ 3.

2- والاستدلال مبني على أن المراد من النكالة هوالعقوبة كما أن المراد من الموصول في "لما بين يديها وما خلفه"، الذنوب المتقدمة على الاصطياد والمتأخرة عنه. فتكون اللام في قوله: "لم" سببيّة. لاحظ مجمع البيان، ج 1، ص 130.

3- شرح المقاصد، ج 2، ص 39.

4- البحار، ج 58، طبعة بيروت، ص 113.

5- الميزان، ج 1، ص 210 بتلخيص.

6- فجر الاسلام، ص 277. وقد افترى على الشيعة في كتابه هذا ما افترى، وندم عليه في أُخريات عمره حيث لا ينفع الندم. 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

هل للتوحيد مراتب ؟ وما هي ؟
الأوقاف العامة عند الشيعة
التقية المحرمة والمکروهة عند الشيعة الإمامية
القائد والمجاهد والشهيد
الاسلام واليهودية
فصل: فيما ذكر في بيان(1) عمره عليه السلام.
الوحدة الإسلامية عصمة التعدد
من أنزل عليه القرآن
شَوق اللقاء
في أي قلب يكتب الله الإيمان

 
user comment