التشيع في القرن الثالث الهجري .
بـدات حـكـومـة الـمـامـون مع مستهل هذا القرن بغض النظر عن ان المامون اثبت احقية الائمة ـ عـلـيهم السلام ـ للخلافة من خلال تفويض ولاية العهد للامام الرضاـ عليه السلام ,فقد كانت له آرا ايـضـا مهدت الارضية للنزعات الشيعية , اذ انه كان يرى راي المعتزلة ومن هذا المنطلق كانت له عقائد مشتركة مع الشيعة في كثير من المسائل الكلامية و لما كان المعتزلة يعتقدون بافضلية علي ـ عـليه السلام ـ على الخلفا, فهذه اول خطوة ينبغي ان يخطوها المر على طريق التشيع ((666)) و نـقل ان المامون كان متشددا جدا في موقفه من معاوية , فقد اعلن بكل صراحة ان ((برئت الذمة ممن ذكـر معاوية بخير ((667)) )) و كان يفضل عليا ـ عليه السلام ـ و يقول : ((هو افضل الناس بعد رسول اللّه ((668)) )).
هذا تشيع ضعيف و على الرغم من ان اصحابه كانوا يقدمون راي علي ـ عليه السلام ـعلى غيره في الـمـسائل الفقهية احيانا, بيد ا نهم لم يقروا بامامة الائمة ـعليهم السلام و هؤلا كانوا منبثين بين ابنا الـسـنـة , و مـنـهـم الـمحدث الشهير عبدالرزاق صاحب المصنف و عبداللّه بن موسى احد مشايخ بخارى ((669)) .
و يـنبغي ان نضع في حسابنا دائما ان العقائد الدينية التي كان يحملها كثير من الحكام والسلاطين قد تـصـطـبـغ بصبغة سياسية تغطي على صبغتها الدينية ((670)) اي : ان طابعهاالسياسي يغلب على طابعها الديني مرات .
على اي حال , كان للموقف العلني الذي اتخذه المامون تاثيره الخاص لا سيما ان جل اعتماده كان على الشيعة في بادئ امره اي : على الذين كانوا يرون افضلية علي ـعليه السلام و بخاصة انهم يفكرون تفكيرا اعتزاليا و نقل ((ان المامون لما قدم العراق حظر ان يقلد الاعمال الا الشيعة الذين قدموا معه من خراسان )).
و عـندما اقتنع اخيرا ان يستعين بغير الشيعة , فانه صمم على ان يجعل مع كل واحد من هؤلا رجلا شـيـعـيـا ((671)) بـيد ا نه نفسه كان يتشدد كثيرا على الشيعة الامامية الذين كانوايتطلعون الى مستقبل افضل و في ضؤ ما نقله الفضل بن شاذان , فانه عندما بلغه ان محمدبن ابي عمير يعرف اسما الـشـيـعـة فـي العراق , استدعاه ليخبره بها لكنه لم يقل شيئا على الرغم من تحمله اكثر من مائتي سوط ((672)) .
الدولة الطاهرية والتشيع .
كان طاهر بن الحسين قائد قوات المامون وهو الذي هزم محمد الامين , فعزز بذلك موقع المامون ثم وجـهـه المامون الى خراسان حاكما عليها و تعتبر حكومته اول حكومة مستقلة تتمتع بدعم عاصمة الحكم العباسي و امتدت الدولة الطاهرية من سنة 205 ه الى سنة 259 ه.
قـيـل : ان طـاهر بن الحسين بل الطاهرية كلها كانت تتشيع ((673)) و يبدو ان مصدر هذاالقول روايـة تـحكي ان طاهرا اسقط اسم المامون من الخطبة في خراسان , و وضع مكانه اسم القاسم بن عـلـي احد العلويين ((674)) و لعل السبب في ذلك ما اشيع ان سليمان بن عبداللّه بن طاهر عندما تـقـابـل مـع الـحـسـن بـن زيـد الـعـلـوي فـي جرجان , انهزم له لعرق التشيع الذي كان في بني طـاهـر ((675)) بيد ان هذا الموضوع لا يمكن قبوله و لو فرضنا وجودشي من التشيع عندهم , فانه من النوع الذي كان يحمله المامون , و نسبه اليه ابن الاثيرايضا ((676)) .
كـمـا ذكـر الـمـسـعودي ذلك قائلا : ((كان المامون يظهر التشيع ((677)) )) و نلحظ وجود ادلة كثيرة تدحض نسبة التشيع الى طاهر و ابنائه .
و ينقل ابن الاثير نفسه ان المامون عندما سمع ان عبداللّه بن طاهر يميل الى ولدعلي بن ابي طالب , و كذا كان ابوه قبله , اشخص اليه رجلا ليدعوه الى القاسم بن ابراهيم بن طباطبا لكنه امتنع و اعلن عن عدم استعداده لخيانة ولي نعمته المامون فاستبشر المامون عندما سمع بذلك ((678)) .
و ثمة دليل آخر يقول ان محمد بن عبداللّه بن طاهر عندما اخذ يحيى بن عمر العلوي ,و ارسل الى عاصمة الحكومة العباسية , اعترض عليه اخوه عبيداللّه قائلا له : عملت خلاف عهد طاهر نـه كـان قد راى عليا ـ عليه السلام ـ في منامه وهو يقول له :((واحفظني في ولدي فانك لا تزال محفوظا ما حفظتني في ولدي ((679)) )) و حينئذ قال محمدبن عبداللّه : انا ايضا سمعت البارحة في المنام قائلا يقول : ((يا محمد ((680)) )).
و بينما نستشف من هذه الحادثة احترام العلويين , فانها تكشف لنا ايضا اساة الطاهرية .
و قال ابن الرومي بمناسبة قتل يحيى :.
بني طاهر غضوا الجفون و طاطئوا ـــــ رؤوسكم مما جنت ام عامر.
و قـال ابو هاشم الجعفري لمحمد بن عبداللّه بن طاهر : انك لتهنا بقتل رجل لو كان رسول اللّه حيا لـعزي عليه ((681)) و نقرا انعكاس هذه الاساة التي لا صلة لها بمحبة علي ـعليه السلام ـ فضلا عـن الـتـشـيع له في كلام ابن اسفنديار اذ يقول : ((كانت معاملة الطالبيين سيئة مع اولاد طاهر بن الـحـسـيـن عـلـى طـول الخط, و ذلك بسبب قتل محمد بن عبداللّه بن طاهر, يحيى بن عمر في الـكوفة )) ((682)) و لعل هذا هو الذي دفع الحسن بن زيد الى قتل عبداللّه بن عزيز احد اخوة الطاهريين ((683)) .
يـقـول فراي في مذهب الطاهريين : كان الطاهرية على مذهب السنة و كانوا يهاجمون اتباع المذهب الشيعي , والرافضة الاخرين في مناطق نفوذهم بدعم كانوا يتلقونه من الجهات المسؤولة في البلاط العباسي ((684)) )).
و كـذلـك نـرى عـبـداللّه بـن طـاهـر يـضـيـق عـلـى الـفـضـل بن شاذان في نيسابور بسبب عقائده الشيعية ((685)) .
و نـقـل ايضا ان المامون عندما قتل الامام الرضا ـ عليه السلام ـ و عاد الى بغداد فانه ((بدل اللباس الاخـضـر الـذي كـان شـعـار الـعـلويين بالتماس طاهر بن الحسين ـ نتيجة اصرارالعباسيين و تـاكـيـدهـم ((686)) )) و لـعـل منشا هذا الركون هو الاحترام الذي ابداه طاهر للامام الرضاـ عليه السلام ـ عند لقائه اياه ((687)) علما ان هذا العمل لا يترجم لنا اتجاها شيعيا.
و عـلـى الـرغـم مـن عدم وجود النزعات الشيعية , فان الخراسانيين كانوا يحترمون اهل البيت ـ عـلـيـهم السلام ـ كما مر بنا ذلك و ان كان الخوارج قد اتخذوا من خراسان قاعدة لبعض حركاتهم الـمناهضة للحكومات ((688)) كما ان الميول السنية الاصيلة التي هي نفسها الميول الاموية كانت موجودة في خراسان ابان عصر المامون ((689)) .
و فـي خـتام هذا البحث , نرى من الضروري التذكير بهذه النقطة , و هي ان البعض ارادان يوازن تشيع الطاهريين باستقلالهم و فارسيتهم , بينما نجد سقم الاثنين من الوجهة التاريخية .
اما القسم الاول فقد تحدثنا عنه .
و اما القسم الثاني فنختمه بكلام لاحد المستشرقين يقول فيه : ((لا نجد في عهدالطاهريين شيئا من الـنـزعـة الـقـومية الفارسية ((690)) )) و قيل : ((ان عبداللّه بن طاهر امرباحراق كل كتاب عجمي ((691)) )).
و اشار فراي الى ان بعض المصادر تحدثت عن تعاطف آل سليمان بن عبداللّه بن طاهر مع العلويين , لـذلك لم يكن تسييره الجيش الى طبرستان جديا و قال المشار اليه :((يبدو ان هذه النسبة (وجود الميول العلوية ) لا اساس لها من الصحة ابدا و اضاف ان شعرا الشيعة قد هجوا الطاهريين , مثل دعبل بن علي ((692)) )).
ثورة محمد بن القاسم في خراسان .
و هـو مـن نـسل الامام الحسين ـ عليه السلام ثار بالطالقان من خراسان سنة 219 ه و نسب اليه ا نه يرى راي الزيدية , بل كان من الفرقة الجارودية كما نقل الاصفهاني ((693)) و كان ابتدا امره ا نه لازم الـمدينة , فاتاه رجل من خراسان قد شغفه حبافقال له : انت احق بالامامة من كل احد, تعال معي الـى خـراسان و بايعه , ثم جا الى خراسان فبايعه عدد من اهلها ((694)) و كانت دعوته ـ كدعوة اكثر العلويين ـ الى ((الرضامن آل محمدـ صلى اللّه عليه و آله ((695)) )).
و ذكـر ابـراهـيـم بـن عـبـداللّه الـذي كـان يـرافـقه ان سبعة عشر كوفيا كانوا معه و دعوا الـنـاس بـخـراسـان الـيـه حـتى استجاب له اربعون الفا و قال المذكور: ((انزلناه في رستاق من رسـاتـيـق مـرو و اهـلـه شيعة كلهم ((696)) )) و هذا معلم على اتساع نطاق النزعات الشيعية بخراسان .
و كـان عبداللّه بن طاهر واليا عليها من قبل المعتصم آنذاك , فتوجه الى محمد بجيش عظيم و بعد وقعات جرت بين الطرفين , و دامت مدة من الزمن اندحر فيها جيش ابن طاهرمرات , تمكن الاخير من هزيمة محمد و لعل سلوك محمد هو الذي فرق كثيرا من اصحابه عنه .
و قـال الطبري : فخرج بعد هزيمته يريد بعض كور خراسان , و كان اهله قد كاتبوه ,و طلبوا منه الـتوجه اليهم ((697)) لكنه اعتقل في مدينة نسا, و وقع في قبضة عبداللّه بن طاهر فارسله الى عـاصـمة الحكومة العباسية و سجن هناك , ثم هرب من السجن و لا نعلم شيئا عنه بعد ذلك و يذهب الاصفهاني الى ا نه توجه تلقا واسط.
و كـان نـفـوذ الشيعة , او مودة اهل البيت ـ عليهم السلام ـ في الاقل , باعثا على ان يامرعبداللّه بن طاهر باخذ محمد بن القاسم الى بغداد في جوف الليل لئلا يثير اتباعه مشكلة لهم ((698)) .
و احتفظ محمد بنفوذه بين الشيعة الزيدية في ايران حتى القرن الرابع الهجري يقول المسعودي في حـوادث سنة 322 ه : و انقاد الى امامته خلق من الزيدية و يزعم بعضهم ا نه لم يمت , و ا نه مهدي هـذه الا مـة و اكـثـر اتـبـاعـه يـتـواجـدون بـالكوفة , و طبرستان ,والديلم , و كثير من كور خراسان ((699)) .
ان الاعتقاد بمهدويته ناتج عن اختفائه غالبا, بعد فراره من السجن , حتى اننا لم نحصل على معلومات دقيقة عنه حينئذ.