عربي
Tuesday 8th of October 2024
0
نفر 0

متعة الحجّ

متعة الحجّ

التمتّع بمعنى التلذّذ، يقال: تمتّع واستمتع بكذا ومن كذا: انتفع وتلذّذ به زماناً طويلاً، والمتعة في مصطلح الفقهاء يستعمل في موارد ثلاثة:
1. متعة الحجّ الواردة في قوله سبحانه: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجّ).(1) وسيوافيك توضيحها.
2. متعة الطلاق، وهي ما تصل إلى المرأة بعد الطلاق من قميص وإزار وملحفة، وإليه يشير قوله سبحانه:(لاَ جُناحَ عَلَيكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلى المُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلى المُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلى الْمُحْسِنِين).(2)
وهل هذه المتعة لخصوص من لم يسمّ لها صداق؟ أو لكلّ مطلقة سوى المختلعة والمباراة والملاعنة؟ أو لكلّ مطلقة سوى المفروض لها إذا طلقت قبل الدخول فانّ لها نصف الصداق ولا متعة لها خلاف.(3)
3. متعة النساء ويسمّى بالزواج المؤقت، وهي عبارة عن تزويج المرأة الحرّة الكاملة نفسها إذا لم يكن بينها و بين الزوج مانع ـ من نسب أو سبب أو رضاع أوإحصان أو عدّة أو غير ذلك من الموانع الشرعية ـ بمهر مسمّى إلى أجل مسمّى بالرضا والاتّفاق، فإذا انتهى الأجل تبين منه من غير طلاق، ويجب عليها مع الدخول بها ـ إذا لم تكن يائسة ـ أن تعتد عدّة الطلاق إذا كانت ممّن تحيض، وإلاّ فبخمسة وأربعين يوماً. والأصل فيه قوله سبحانه: (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساء إِلاّما مَلَكَتْ أَيمانُكُمْ كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأَحلَّ لَكُمْ ماوَراءَ ذلِكُمْ إِنْ تَبْتَغُوا بِأَموالِكُمْ مُحْصِنينَ غَيْرَ مُسافِحينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَ آتُوهُنَّ أُجُورهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَريضَةِ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً).(4)
والمتعة بالمعنى الأوّل والثاني مورد اتّفاق بين الفقهاء، واختلفوا في المتعة بالمعنى الثالث; فالشيعة الإمامية على حلّيّتها وعدم منسوخيتها، وأكثر الجمهور على التحريم.

أقسام الحج الثلاثة

ينقسم الحجّ إلى أقسام ثلاثة: تمتع، وقران، و إفراد.
فلنبيّـن هذه الأقسام على ضوء المذهب الإمامي ثمّ نردفه بتوضيحها وفقاً لمذهب أهل السنّة.
أمّا التمتع في الفقه الإمامي فهو عبارة عن إحرام المكلّف من الميقات بالعمرة المتمتع بها إلى الحجّ، ثمّ يدخل مكة فيطوف سبعة أشواط بالبيت، ويصلّي ركعتي الطواف بالمقام، ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ثمّ يقصّـر، فإذا فعل ذلك فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه، فله التمتّع بأي شيء شاء من الأُمور المحلّلة بالذات إلى أن ينشئ إحراماً آخر للحجّ.
ثمّ ينشئ إحراماً آخر للحج من مكة يوم التروية وإلاّ فيما يعلم معه إدراك الوقوف، ثمّ يمضي إلى عرفات فيقف بها إلى الغروب، ثمّ يفيض إلى المشعر الحرام فيقف به بعد طلوع الفجر، ثمّ يفيض إلى منى و يرمي جمرة العقبة، ثمّ يذبح هديه، ثمّ يحلق رأسه، ثمّ يأتي مكة ليومه أو من غده، فيطوف للحج ويصلّي ركعتين، ثمّ يسعى سعي الحجّ، ثمّ يطوف طواف النساء ويصلّـي ركعتيه، ثمّ يعود إلى منى ليرمي ما تخلّف عليه من الجمار الثلاث، يوم الحادي عشر، والثاني عشر.(5)
وأمّا الإفراد فهو أن يحرم من الميقات أو من حيث يصحّ له الإحرام منه بالحجّ، ثمّ يمضي إلى عرفات فيقف بها، ثمّ يقف بالمشعر الحرام، ثمّ يأتي منى فيقضي مناسكه بها، ثمّ يأتي إلى مكة يطوف بالبيت للحج ويصلّـي ركعتين ويسعى للحجّ ويطوف طواف النساء ويصلي ركعتين، فيخرج من الإحرام فيحل له كلّ المحرمات. ثمّ يأتي بعمرة مفردة من أدنى الحلّ.
وأمّا القِران فهو نفس حجّ الإفراد ـ عند الإمامية ـ إلاّ أنّه يضيف إلى إحرامه سياقَ الهدي، وإنّما يسمّى بالقِران لسوقه الهدي فيقرن حجّه بسوقه. فالقران والإفراد شيء لا يفترقان إلاّ في حال واحدة، وهي انّ القارن يسوق الهدي عند إحرامه، وأمّا من حجّ حجّة الإفراد فليس عليه هدي أصلاً.
إنّ التمتع فرض من نأى عن المسجد الحرام وليس من حاضريه، ولا يجزئه غيره مع الاختيار.
وأمّا القران والإفراد فهو فرض أهل مكة وحاضريها.
وحدّ حاضري المسجد الحرام الذين لا متعة عليهم من كان بين منزله ومكة دون 48 ميلاً من كلّ جانب، ويعادل 88 كيلومتراً .( ربما قيل 12 ميلاً ، فيعادل 22 كيلومتراً).والحاصل: انّ من نأى عن مكة أكثر من 48 ميلاً لا يجوز له إلاّ التمتع.
وأمّا القران والإفراد فهما فرض أهل مكة ومن كان بينه و بينها دون 48 ميلاً ولا يجوز لهما غير هذين النوعين. ثمّ إنّ من وظيفته التمتع لا يجوز أن يعدل إلى غيره، إلاّ لضيق وقت أو حيض، فيجوز العدول حينئذ إلى الإفراد على أن يأتي بالعمرة بعد الحجّ. وحدّ الضيق هو انّه إذا اعتمر لا يتمكّن من الوقوف بعرفة عند الزوال.ولا يجوز لمن فرضه القران أو الإفراد كأهل مكة وضواحيها أن يعدل إلى التمتع إلاّ مع الاضطرار، كخوف الحيض المتوقّع. هذه هي صور أقسام الحجّ الثلاثة، ويتلخص الكلّ في الأُمور التالية:
1. انّ حجّ التمتع للنائي عن مكة وحجّ الإفراد والقران لغير النائي.
2. لا يجوز للمتمتع أن يعدل إلى غيره إلاّ عند الضرورة، وهكذا للمفرد والقارن إلاّ عند الضرورة.
3. انّ حجّ الإفراد والقران شيء واحد يفترقان في سوق الهدي وعدمه.
4. لا يجوز التداخل بين إحرامين، فلا يجوز لمن أحرم أن ينشئ إحراماً آخر حتّى يكمل أفعال ما أحرم له.
5. ويشترط في حجّ التمتع وقوعه في أشهر الحجّ ـ وهي: شوال، وذوالقعدة، وذوالحجّة ـ وأن يأتي بالحجّ والعمرة في سنة واحدة، ولو أحرم بالعمرة المتمتع بها في غير أشهر الحجّ لم يجز له التمتع بها.(6)
إلى هنا تمّ بيان صور الأقسام الثلاثة على مذهب الإمامية، وإليك بيان أقسام الحجّ وفق مذهب أهل السنّة، فنقول:
قالوا: من أراد الحجّ والعمرة جاز له في الإحرام بهما ثلاث كيفيات.
الأوّل: الإفراد، وهو أن يحرم بالحجّ وحده، فإذا فرغ من أعماله أحرم بالعمرة وطاف وسعى لها ويأتي بأعمال العمرة.
الثاني: القران، وهو الجمع بين الحج والعمرة في إحرام واحد حقيقة أو حكماً
الثالث: التمتع، وهو أن يعتمر أوّلاً ثمّ يحجّ من عامه.
هذا إجمال الأقسام الثلاثة عند مذهب أهل السنّة، وفي تفاصيلها اختلاف بينهم.

فالذي يهمنا أمران:

الأوّل: تفسير القِران، فالقِران عند أهل السنّة هو الجمع بين الحجّ والعمرة في إحرام واحد، وصفة القران عندهم أن يُهل بالعمرة والحج معاً من الميقات ويقول: اللّهم إني أريد الحجّ والعمرة فيسِّـرهما لي وتقبّلهما مني، فهي عندهم كحجّ التمتع إلاّ أنّه يهلّ بالعمرة والحجّ بنيّة واحدة ولا يتحلّل بين العمرة والحجّ.
وفي «المغني» لابن قدامة: إنّ الإحرام يقع بالنسك من وجوه ثلاثة:
1. تمتع، وإفراد ، وقران.
فالتمتع أن يُهلَّ بعمرة مفردة من الميقات في أشهر الحجّ، فإذا فرغ منها أحرم بالحجّ من عامه.والإفراد أن يهل بالحجّ مفرداً.
والقران أن يجمع بينهما في الإحرام بهما أو يحرم بالعمرة ثمّ يدخل عليها الحجّ قبل الطواف، فأي ذلك أحرم به جاز.
وأمّا الأفضل، فاختارت الحنابلة انّ الأفضل هوالتمتع ثمّ الافراد ثمّ القران، وممّن روي عنه اختيار التمتع: ابن عمر و ابن عباس وابن الزبير وعائشة وحسن وعطاء وطاووس ومجاهد و جابر بن زيد والقاسم وسالم وعكرمة وهو أحد قولي الشافعي.
وروى المروزي عن أحمد: إن ساق الهدي فالقران أفضل، وإن لم يسقه فالتمتع أفضل، لأنّ النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ قرن حين ساق الهدي ومنع كلّ من ساق الهدي من الحل حتّى ينحر هديه.(7)
هذا إجمال ما عليه المذاهب الأربعة، ولعلّ الاختلاف بين المذهب الإمامي وسائر المذاهب في ماهية النسك الثلاثة، قليل، ولو كان هناك اختلاف فإنّما هو في موضعين:
1. في تفسير القران، فحجّ القران عند الإمامية هو نفس حجّ الافراد، غير انّ المفرد لا يسوق الهدي والقارن يسوق.
2. انّهم بتفسير القران بالجمع بين العمرة والحج، جوّزوا ذلك بالصورتين التاليتين:
أ. أن يهلّ بالعمرة والحجّ معاً من الميقات بنيّة الأمرين معاً، وهو الجمع الحقيقي.
ب: أن يهلّ بالعمرة فقط ثمّ بالحجّ قبل أن يطوف للعمرة أكثر الطواف.
قال ابن رشد: أمّا القران فهو أن يهلّ بالنسكين معاً أو يهلّ بالعمرة في أشهر الحجّ ثمّ يردف ذلك بالحجّ قبل أن يحل من العمرة والقارن يلزمه الهدي إن كان آفاقيّاً وإلاّ فلا.وربّما يقال ويصحّ العكس عند أكثر الفقهاء بأن يحرم بالحجّ ثمّ يدخل العمرة عليه، لكنّه مكروه عند الحنفية .(8)
وأمّا الشيعة الإمامية فلا تجوّز القران بين الحجّ والعمرة بنيّة واحدة، ولا إدخال أحدهما على الآخر.
إذا عرفت ذلك فتحقيق المقام رهن البحث في أُمور:
في بيان الأحكام الواردة في الآية يقول سبحانه: (وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَة للّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَريضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيام أَوْ صَدَقَة أَوْ نُسُك فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيّام فِي الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشْرَةٌ كامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ شَديدُ الْعِقابِ).(9)
الآية المباركة تتضمن أحكاماً نشرحها حسب مقاطع الجمل.
1. إتمام الحج والعمرة للّه يقول سبحانه:(وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَة للّهِ ) فما هو المراد من الإتمام؟
إنّه سبحانه يأمر بإتمام الحجّ والعمرة، والمراد من الإتمام في المقام وغيره هو إنجاز العمل كاملاً لا ناقصاً، كما أنّ المراد من كون الإتمام للّه، كون العمل بعيداً عن الرياء والسمعة، والذي يعرب عن كون المراد من الإتمام هو الإكمال، أمران:
أ: أُطلق الإتمام في القرآن الكريم وأُريد به الإكمال، كقوله سبحانه: (وَإِذ ابْتَلى إِبراهيمَ ربُّهُ بِكَلمات فَأَتَمَّهُنَّ)(10) وقوله سبحانه:(ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلى اللَّيل)(11) وقوله سبحانه: (وَيَأْبى اللّهُ إِلاّ أنْ يُتمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُون)(12) وقوله سبحانه: (وَيُتِمُّ نعمتَهُ عَليْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها على أَبَوَيْكَ).(13)
ب: قوله سبحانه: (فَإِنْ احصرتُم) أي منعكم حابس قاصر عن إتمام الحجّ فعليكم بما استيسر من الهدي، فالجملة قرينة على أنّ المراد من الإتمام، الإكمال.
وعلى ذلك جرى المفسرون في تفسير الجملة الآنفة الذكر، قال الشيخ الطوسي: يجب أن يبلغ آخر أعمالها بعد الدخول فيها، ثمّ عزاه إلى مجاهد والمبرد وأبي علي الجبائي.(14)
وقال الرازي: إنّ الإتمام يراد به فعل الشيء كاملاً وتامّاً، فالمراد الإتيان به بما جاء في ذيل الآية من حكم الحصر.(15)
هذا هو المفهوم من الآية، وأمّا تفسير الآية بإفراد كلّ واحد منهما بإنشاء سفر مستقل، فممّا لا تدلّ عليه الآية .
نعم انّ العرب في عصر الجاهلية كانوا يفرّقون بين الحجّ والعمرة، فكانوا يأتون بالعمرة في غير أشهر الحج وبالحجّ في أشهره، وكانوا يفردون كلاًّ عن الآخر، وكانت سيرتهم على ذلك إلى أن أدخل النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ العمرةَ في الحجّ حتّى أمر من لبّى بالحج في أشهر الحجّ وأحرم له، أن يجعله عمرة ثمّ يتحلّل ويحرم للحج ثانياً، وقال ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : «دخلت العمرة في الحجّ إلى الأبد» كما سيوافيك تفسيره.
نعم روي ذلك مرفوعاً عن أبي هريرة، كما روي أنّ عمر كان يترك القران والتمتع ويذكر أنّ ذلك أتمّ للحجّ والعمرة وأن يعتمر في غير شهور الحجّ، فانّ اللّه تعالى يقول: (الحَجُّ أَشهرٌ مَعْلُومات) وروى نافع عن ابن عمر أنّه قال: «فرّقوا بين حجِّكم وعمرتكم».(16)
كما روي ذلك القول عن قتادة أنّه قال: «الاعتمار في غير أشهر الحج»(17)، ولعلّه أراد العمرة المفردة لا عمرة التمتّع التي لا تنفكّ عن الحجّ.
فظهر ممّا ذكرنا انّ المراد بإتمام الحجّ والعمرة للّه هو إكمالهما على النحو المقدور، فإن لم يمنع حابس يكمله بإتيان عامّة الأجزاء وإن حُصِـر، يخرج من الإحرام على النحو الذي سيوافيك، وهو أيضاً نوع من الإتمام.
وأمّا تفسير الإتمام بإنشاء السفر لكلّ من العمرة والحجّ، فغير مفهوم من الآية ومخالف لسيرة النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ حيث أمر أصحابه بإدخال العمرة في الحجّ وتبديل النيّة من الحجّ إلى العمرة، و قد كان ذلك شاقّاً على أصحابه، لأنّهم كانوا قد أحرموا للحجّ على النحو الرائج في العصر السابق، فمن حاول تفسير الآية بتفكيك العمرة عن الحجّ بإنشاء سفرين: أحدهما في أشهر الحجّ والآخر يعني: العمرة في غيره، فقد فسَّـر الآية برأيه أوّلاً، وخالف سنّة النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ثانياً.
2. إذا أُحصر بالعدو أو المرض لمّا أمر سبحانه حجاج بيته بإتمام الحجّ والعمرة وإكمالهما، حاول بيان وظيفة المحصر الذي يمنعه حابس عن إكمال الحجّ والعمرة، فقال: (فَإِنْ أُحصرْتُمْ فَما اسْتَيْسَر مِنَ الهَدي).
أصل الحصر، الحبس، ومنه يقال للّذي لا يبوح بسرّه «حَصِـر » لأنّه حبس نفسه عن البوح، و المعروف انّ لفظ الحصر مخصوص بمنع العدو إذا منعه عن مراده وضيّق عليه، وربما يستعمل في مطلق المانع ويقال: أُحصر بالمرض وحُصر بالعدو.
وعلى ذلك فالمحصِـر عليه التحلّل بالذبح، ولا يتحلّل قبل الذبح كما قال سبحانه: (فَإِنْ أُحصرْتُمْ فَما اسْتَيْسَر مِنَ الهَدي) أي ما تيسّـر منه، وقيل الهدي جمع الهدية كالتمر جمع التمرة، والمراد من الهدي ما يهدى إلى بيت اللّه عزّ وجلّ تقرّباً إليه، أعلاه بدنة، وأوسطه بقرة، وأيسره شاة.
3. لا يتحلّل قبل الذبح
إنّ المحصر يتحلّل بالذبح، فلا يتحلّل من الإحرام حتّى ينحر أو يذبح. قال سبحانه: (وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الهَديُ مَحِلّه) وأمّا ما هو المراد من المحل؟ فهناك أقوال ثلاثة:
أ: الحرم فإذا ذبح به في يوم النحر أحل.
ب: الموضع الذي يُصد فيه، لأنّ النبي نحر هديه بالحديبية وأمر أصحابه ففعلوا مثل ذلك، وليست الحديبية من الحرم.
ج: التفصيل بين المحصِـر بالعدو، والمحصر بالمرض. فالأوّل يذبح في المحل الذي صُدّ فيه، وأمّا الثاني ينتظر إلى أن يذبح في يوم النحر.
4. حكم المريض ومن برأسه أذى لمّا منع سبحانه حلق الرأس قبل بلوغ الهدي محلّه رخّص لفريقين وإن لم يذبحوا:
أحدهما: المريض الذي يحتاج إلى الحلق للمداواة.
والثاني: من كان برأسه أذىً.
وقال:( فمن كان منكم مريضاً أو به أذى ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) فالمحرم المعذور يحلق رأسه قبل الذبح، وفي الوقت نفسه يكفِّر بأحد الأُمور الثلاثة، وكلّ واحد منها فدية، أي بدل وجزاء من العمل الذي تركه لأجل العذر، وهو أن يصوم أو يتصدّق أو يذبح شاةً. وأمّا الصوم فيصوم ثلاثة أيّام، وأمّا الصدقة فيتصدّق على ستة مساكين أو عشرة، وأمّا النسك فيذبح شاة، وهو مخيّـر بين الأُمور الثلاثة.
5. التمتّع بالعمرة إلى الحجّ
يقول سبحانه: (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلى الحَجّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدي)، كان كلامه سبحانه في المحصر، والكلام في المقام في غير المحصر ومن حصل له الأمن وارتفع المانع كما يدلّ عليه قوله سبحانه:(فإِذا أَمنتم) ، فعلى قسم من المكلّفين إذا أتوا بالعمرة ثمّ أحرموا للحج فعليه ما تيسّـر من الهدي في يوم النحر في أرض منى.
المراد من التمتع في( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلى الحَج) هو التمتع بمحظورات الإحرام بسبب أداء العمرة فيبقى متحلّلاً متمتِّعاً إلى أن يحرم للحج، وعندئذ يجب عليه ما تيسّـر من الهدي.
والآية تصرح بأنّ صنفاً من المكلّفين، وهم الذين فرض عليهم حجّ التمتع يحلّ لهم التمتع بعامة المحظورات إلى زمن إحرام الحجّ، فاستنكار التمتع بين العمرة والحجّ ـ لأجل استلزامه تعرّس الحاج بين العمرة والحج ورواحه إلى المواقف ورأسه يقطر ماءً ـ إطاحة بالوحي وتقديم للرأي على الوحي، كما سيوافيك تفصيله.
وإنّما ذكر من أعمال الحجّ الكثيرة خصوصَ الهدي، فقال: (فما استيسر من الهدي) مع أنّ من تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فعليه الاحرام أوّلاً ثمّ الوقوف في عرفة، ثمّ الافاضة إلى المشعر والمزدلفة، ثمّ منها إلى منى ورمي الجمرات والذبح والحلق إلى غير ذلك.
أقول: إنّما خصّ ذلك بالذكر لاختصاص الهدي بحكم خاص، وهو سبحانه بصدد بيان حكمه، وهو انّه إذا عجز عن الهدي فله بدل، بخلاف سائر الأعمال فانّ ذاتها مطلوبة وليس لها بدل، فقال سبحانه مبيّنـاً لبـدل الهـدي.
6. الفاقد للهدي
بيّـن سبحانه حكم من لم يجد الهدي(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيّام فِي الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشْرَةٌ كامِلَة) أي انّه يصوم بدل الهدي ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلى موطنه على وجه يكون الجميع عشرة كاملة، وأمّا أيّام الصوم فقد ذكرت في الكتب الفقهية، وهي اليوم السابع والثامن والتاسع.
7. التمتع بالعمرة إلى الحجّ وظيفة الآفاقي
إنّه سبحانه أشار بأنّ التمتع بالعمرة إلى الحجّ فريضة من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، وقال: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) أي ما تقدّم ذكره حين التمتع بالعمرة إلى الحجّ ليس لأهل مكة و من يجري مجراهم وإنّما هو لمن لم يكن من حاضري مكة، وأمّا الحاضر فهو من يكون بينه و بينها دون 48ميلاً، من كلّ جانب على الاختلاف .
ثمّ إنّه سبحانه أتمّ الآية بالأمر بالتقوى، أي العمل بما أمر والنهي عمّـا نهى، وذلك لأنّه سبحانه شديد العقاب، فقال:( واتقوا اللّه واعلموا انّ اللّه شديد العقاب).
هذا هو تفسير الآية المباركة جئنا به ليكون قرينة واضحة على تفسير ما سنسرد من الروايات والأحاديث من احتدام النزاع بين النبي وأصحابه في كيفية الحجّ ودام حتّى بعد رحيله ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ .
والمهم في المقام في إفادة المقصود هو الجملتان التاليتان:
1.(وَأَتِمُّوا الحَجّ وَالعُمرة للّه).
2. (فَمَنْ تَمَتَّع بِالعُمرة إِلى الحَجّ).
فالأُولى تدلّ على إكمالهما دون افرادهما في الزمان، كما أنّ الثانية تدلّ على لزوم التحلّل والتمتّع بين العملين.
المصادر :
1- البقرة:196.
2- البقرة:236.
3- مجمع البيان:1/340.
4- النساء:24.
5- تحرير الأحكام:1/557.
6- الشرائع:1/174ـ177; تحريرالأحكام:1/557ـ 559; جواهر الكلام
7- المغني:3/233.
8- بداية المجتهد:3/293 ـ 301; الهداية في شرح البداية:1/150 ـ 154; المغني: 3/232
9- البقرة:196.
10- البقرة:124.
11- البقرة:187.
12- التوبة:32.
13- يوسف:6.
14- التبيان:1/154.
15- تفسير الرازي:5/139.
16- تفسير الرازي:5/145.
17- التبيان:1/154.

source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الغلو (2)
شروط معرفة القرآن
ظهور الخراساني وشعيب في إيران
أهميّة القرآن الكريم عند أهل البيت عليهم السّلام
تعريف المال عند علماء الشريعة
في أصالة الوجود واعتبارية الماهية
اثبات الامام الجواد عليه السّلام امامته
النجمة العاشرة
 أعمال اللّيلة التّاسِعة عشرة
متعة الحجّ

 
user comment