تذكر الأحاديث هاتين الشخصيتين من أصحاب المهدي عليه السلام وأنهما يظهران في إيران قرب ظهوره عليه السلام ويشاركان في حركة ظهوره المقدسة.
ولا تذكر الروايات أن الإيرانيين يرسلون قواتهم لمساعدة الإمام المهدي عليه السلام في تحرير المدينة المنورة أو باقي مدن الحجاز، ويبدو أنه لاتكون حاجة إلى ذلك.
ولهذا تكتفي قواتهم التي تدخل العراق بإعلان ولائها وبيعتها للمهدي عليه السلام: (تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان (إلى) الكوفة، فإذا ظهر المهدي بعثت إليه بالبيعة). (البحار:52/217).
ومن جهة أخرى، تذكر بعض روايات الروايات المصادر السنية حركة الإيرانيين واحتشادهم في جنوب إيران، التي يحتمل أن تكون زحفاً جماهيريا باتجاه الحجاز نحو الإمام المهدي عليه السلام :
(إذا خرجت خيل السفياني إلى الكوفة بعث في طلب أهل خراسان، ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي) (ابن حماد ص 86).
وأن هذا الإحتشاد يكون بقيادة الخراساني في(بيضاء إصطخر) قرب الأهواز، وأن الإمام المهدي عليه السلام يتوجه بعد تحريره الحجاز إلى بيضاء إصطخر ويلتقي بأنصاره الخراساني وجيشه، ويخوضون بقيادته معركة هناك ضد السفياني.
ومن المحتمل أن تكون هذه المعركة المذكورة مع قوات بحرية من الروم إلى جانب قوات السفياني، كما سنذكر في حركة الظهور، ويؤيده أنها تكون معركة فاصلة تفتح الباب أمام المد الشعبي المؤيد للمهدي عليه السلام : (فعند ذلك يتمنى الناس المهدي ويطلبونه) (ابن حماد ص 86).
ومنذ ذلك الحين يصبح الخراساني وشعيب من أصحاب الإمام المهدي الخاصين، ويصبح شعيب القائد العام لجيش الإمام المهدي عليه السلام، وتكون قوات الخراسانيين هي الثقل أو ثقلاً كبيراً في جيش المهدي عليه السلام الذي يعتمد عليه في تصفية الوضع الداخلي في العراق من المعادين له والخوارج عليه، ثم في قتال الترك، ثم في زحفه العظيم لفتح القدس وفلسطين.
هذه خلاصة دور هذين الرجلين الموعودين من إيران، كما يستفاد من أحاديثهما الكثيرة في مصادر السنة، والقليلة في مصادرنا.
وقد جعلتني هذه الظاهرة أعيد التتبع والتأمل في أحاديثهما في مصادرنا، آخذاً بعين الإعتبار احتمال أن تكون من موضوعات العباسيين في أبي مسلم الخراساني، لكني وجدت فيها روايات صحيحة السند تذكر الخراساني، مثل رواية أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام في اليماني وغيرها، ووجدت روايات تدل على أن أمر هذا الخراساني الموعود كان معروفاًعند أصحاب الائمة عليهم السلام قبل خروج أبي مسلم الخراساني ومحاولة العباسيين استغلال أحاديث المهدي عليه السلام.
فأمر الخراساني ثابت في مصادرنا أيضاً، ودوره الذي أشرنا إليه قريب من دوره الذي تذكره الروايات الواردة في مصادر السنة.
وكذلك في الجملة أمر صاحبه شعيب في مصادرنا، وإن كانت روايات الخراساني أقوى من رواياته بكثير.
والأسئلة حول شخصية (الخراساني وشعيب) متعددة، ومن أبرزها:
هل أن المقصود بـالخراساني في هذه الأحاديث رجل معين، أم هو تعبير عن قائد إيران الذي يكون في زمن ظهور المهدي عليه السلام؟
أما رواياته الواردة في مصادر السنة، وكذا في مصادرنا المتأخرة، فهي تدل بوضوح على أنه رجل من ذرية الإمام الحسن أو الإمام الحسين عليه السلام وتسميه الهاشمي الخراساني، وتذكر صفاته البدنية وأنه صبيح الوجه في خده الأيمن خال، أو في يده اليمنى خال. الخ.
وأما رواياته الواردة في مصادر الدرجة الأولى عندنا، كغيبة النعماني وغيبة الطوسي فهي تحتمل تفسيره بصاحب خراسان أو قائد أهل خراسان أو قائد جيشهم، لأنها تعبر بـ(الخراساني) فقط، ولا تنص على أنه هاشمي.
ولكن مجموعة القرائن الموجودة حوله تدل على أنه شخص معين، يكون خروجه مقارناً لخروج السفياني واليماني، وأنه يرسل قواته إلى العراق فتهزم قوات السفياني.
ومنها، هل أن يكون اسم الخراساني وشعيب اسمين رمزيين لا حقيقيين؟
أما الخراساني فليس فيه مجال للرمزية لأن الروايات لم تذكر اسمه، نعم يمكن القول إن نسبته إلى خراسان لا تعني بالضرورة أن يكون من محافظة خراسان الفعلية، فإن اسم خراسان والنسبة إليها يستعمل في صدر الإسلام بمعنى بلاد المشرق، التي تشمل إيران والمناطق الإسلامية المتصلة بها، التي كانت تحت الإحتلال الروسي، فقد يكون هذا الخراساني من أبناء أي منطقة منها، ويصح تسميته الخراساني.
كما لا يفهم من مصادر الدرجة الأولى عندنا أنه سيد حسني أو حسيني، كما تقول مصادر السنيين.
وأما شعيب بن صالح أو صالح بن شعيب، فتذكر الروايات أوصافه، وأنه شاب أسمر نحيل، خفيف اللحية، وأنه صاحب بصيرة ويقين، وتصميم لا يلين، ورجل حرب من الطراز الأول، لا ترد له راية، ولو استقبلته الجبال لهدها واتخذ فيها طرقاً.. الخ. ومن المحتمل أن يكون اسمه رمزياً من أجل المحافظة عليه حتى يظهر أمر الله فيه، وأن يكون اسمه واسم أبيه مشابهين لشعيب وصالح، أو بمعناهما.
وتذكر بعض الروايات أنه من أهل سمرقند التي هي الآن تحت الاحتلال الروسي، ولكن أكثر الروايات تذكر أنه من أهل الري، وأن له علاقة ببني تميم، أو من تميم محروم، وهم فرع من بني تميم، أو أنه مولى لبني تميم. وإذا صح ذلك، فيمكن أن يكون أصله من جنوب إيران حيث توجد إلى الآن عشائر من بني تميم، أو من بني تميم الذين استوطنوا من صدر الإسلام في محافظة خراسان، وذاب أكثرهم في الشعب الإيراني، وبقي منهم إلى اليوم بضعة قرى قرب مشهد يتكلمون العربية، أو تكون له علاقة نسبية بهم.
ومنها، السؤال عن وقت ظهورهما، وقد تقدم في أول هذا الفصل أن المرجح أن يكون في سنة ظهور المهدي عليه السلام، مقارناً لخروج السفياني واليماني، وإن كان من المحتمل صحة الرواية التي تقول: ( يكون بين خروجه- أي شعيب- وبين أن يسلم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهراً). ( ابن حماد ص84)، فيكون ظهورهما قبل ظهور المهدي عليه السلام بنحو ست سنوات.
أما المدة بين بداية دولة الممهدين الإيرانيين وبين ظهور الخراساني وشعيب، فهي غير محدودة في الروايات كما ذكرنا، ما عدا بعض الإشارات والقرائن التي تصلح دليلاً على التحديد الإجمالي.
منها، ما ورد عن قم وما يحدث لها من موقع ديني وفكري عالمي، وأن ذلك يكون ( قرب ظهور قائمنا). (البحار:60/213).
وما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام من قوله: ( أما إني لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر) (البحار:52/243)، الذي يدل على أن المدة بين ظهوره عليه السلام وبين قيام دولة أهل المشرق، لا يزيد عن عمر إنسان.
ومنها، حديث: ( أتاح الله برجل منا أهل البيت، يشير بالتقى، ويعمل بالهدى، ولا يأخذ في حكمه الرشا، والله إني لأعرفه باسمه واسم أبيه، ثم يأتينا الغليظ القصرة، ذو الخال والشامتين الحافظ لما استودع يملؤها عدلاً وقسطاً) (البحار:52/269) والذي يدل على بداية دولة أنصار المهدي عليه السلام أولاً على يد سيد من أبناء اهل البيت عليهم السلام، وأنه يكون بعده قبل ظهور المهدي عليه السلام شخص أو أكثر، لأن الحديث ناقص كما ذكرنا، فيكون الخراساني في آخر من يحكم إيران قبل المهدي عليه السلام ، والله العالم.
والسؤال الأخير عن الخراساني، هل يكون مرجع تقليد، أم يكون قائداً سياسياً إلى جانب المرجع، كرئيس الجمهورية مثلاً؟
فالذي يبدو من أحاديثه أنه القائد الأعلى لدولة أهل المشرق، ولكن يبقى احتمال أن يكون قائداً سياسياً بإمرة المرجع والقائد الأعلى، أمراً وارداً، والله العالم.
تدل الأحاديث الشريفة على أن حركة الإمام المهدي وثورته المقدسة أرواحنا فداه، تتم في أربعة عشر شهراً.
وأنه يكون في الستة أشهر الأولى منها خائفاً يترقب، يوجه الأحداث سراً بواسطة أصحابه وأنصاره، وفي الثمانية أشهر التالية يظهر في مكة ويتوجه إلى المدينة فالعراق فالقدس، ويخوض معاركه معه أعدائه، ويوحد العالم الإسلامي تحت حكمه، ثم يعقد الهدنة مع الروم، أي الغربيين. كما سيأتي.
وتؤكد الأحاديث على وقوع حدثين قبل حركة ظهور المهدي عليه السلام بنحو ستة أشهر يكونان بمثابة الإشارة الإلهية له بأن يبدأ الإعداد للظهور.
الحدث الأول: انقلاب في بلاد الشام بقيادة عثمان السفياني، يرى فيه أعداء الأمة من اليهود والغربيين، أنه خطوة مهمة في ضبط المنطقة المحيطة بفلسطين بيد زعامة موالية لهم، تمنع العمليات العسكرية ضدهم، وتقف في وجه تهديدات البلاد العربية وإيران للقدس.
أما الذين يعرفون أحاديث السفياني، وأن أمره موعود على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقولون صدق الله ورسوله (سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً)، ويعتبرونه مقدمة لظهور المهدي الموعود، ويستعدون لنصرته عليه السلام.
والحدث الثاني: نداء من السماء إلى شعوب العالم يسمعونه جميعاً، أهل كل لغة بلغتهم، قوياً عميقاً رخيماً، آتياً من السماء ومن كل صوب.. فلا يبقى نائم إلا استيقظ، ولا قاعد إلا نهض، ويفزع الناس من صيحته ويخرجون من بيوتهم لينظروا ما الخبر! وهو يدعوهم إلى وضع حد للظلم والكفر والصراع وسفك الدماء، واتباع الإمام المهدي عليه السلام ويسميه باسمه واسم أبيه!
وتذكر الأحاديث الشريفة أن أعناق البشر تخضع لهذه الآية الإلهية الموعودة، لأنها تأويل قوله تعالى: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) (الشعراء:4) ولا بد أنه يعم العالم سؤال على ألسنة الناس وفي وسائل الإعلام: من هو المهدي؟ وأين هو؟
ولكن ما أن يعرفوا أنه إمام المسلمين، من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنه سيظهر في الحجاز حتى يبدؤوا بالتشكيك بالنداء المعجزة، وبالتخطيط لضرب هذا المد الإسلامي الجديد، وقتل إمامه المهدي عليه السلام !
أما المؤمنون بالغيب الذين سمعوا بأحاديث هذا النداء، فيعرفون أنه النداء الحق الموعود (وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً)، وتكثر أحاديثهم عن المهدي عليه السلام، والبحث عنه، والاستعداد لنصرته.
وأصل أحاديث هذا النداء، وأنه يدعو الناس إلى اتباع الإمام المهدي عليه السلام ويسميه باسمه واسم أبيه، كثيرة في مصادر الشيعة والسنة، ولا يبعد بلوغها حد التواتر المعنوي.
وقد رواها ابن حماد في مخطوطته في الصفحات 59 و60 و92 و93 وغيرها. ورواها المجلسي في البحار ج 52 ص 119 و 287 و 289 و 290 و 296 و 300 وغيرها.
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (إنه ينادي باسم صاحب هذا الأمر مناد من السماء: الأمر لفلان بن فلان، ففيم القتال) (البحار:52/396).
وعنه عليه السلام قال: ( هما صيحتان: صيحة في أول الليل، وصيحة في آخر الليلة الثانية. قال هشام بن سالم فقلت: كيف ذلك؟ قال: واحدة من السماء، وواحدة من إبليس. فقلت كيف تعرف هذه من هذه؟ قال: يعرفها من كان سمع بها قبل أن تكون). (البحار:52/295).
وعن محمد بن مسلم قال: (ينادي مناد من السماء باسم القائم فيسمع ما بين المشرق والمغرب، فلا يبقى راقد إلا قام، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه من ذلك الصوت، وهو صوت جبرئيل الروح الأمين) (البحار:52/290).
وعن عبد الله بن سنان قال: (كنت عند أبي عبد الله (الإمام الصادق عليه السلام) فسمعت رجلاً من همدان يقول له: إن هؤلاء العامة يعيروننا ويقولون لنا: إنكم تزعمون أن مناديا ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر! وكان متكئاً فغضب وجلس، ثم قال: لا تروه عني، واروه عن أبي ولا حرج عليكم في ذلك. أشهد أني سمعت أبي عليه السلام يقول: والله إن ذلك في كتاب الله عز وجل بين حيث يقول: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ). ( البحار:52/292).
وعن سيف بن عميرة قال: ( كنت عند أبي جعفر المنصور فقال ابتداء: يا سيف بن عميرة لا بد من مناد ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب. فقلت: جعلت فداك يا أمير المؤمنين، تروي هذا! قال: إي والذي نفسي بيده لسماع أذني له. فقلت: يا أمير المؤمنين إن هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذا. قال يا سيف، إنه لحق. فإذا كان ذلك فنحن أول من يجيبه، أما إنه نداء إلى رجل من بني عمنا. فقلت: رجل من ولد فاطمة÷؟ قال: نعم، يا سيف لولا أني سمعته من أبي جعفر محمد بن علي ولو يحدثني به أهل الأرض كلهم ما قبلته منهم. ولكنه محمد بن علي)! ( الإرشاد للمفيد ص 404)
وفي مخطوطة ابن حماد ص92 عن سعيد بن المسيب قال: ( تكون فتنة كان أولها لعب الصبيان، كلما سكنت من جانب طمت من جانب، فلا تتناهى حتى ينادي مناد من السماء: ألا إن الأمير فلان. وفتل ابن المسيب يديه حتى أنهما لتنتفضان فقال: ذلكم الأمير حقاً، ثلاث مرات).
وفيها: ( إذا نادى مناد من السماء أن الحق في آل محمد، فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس، ويشربون حبه، ولا يكون لهم ذكر غيره).
وفيها: ( حدثنا سعيد عن جابر عن أبي جعفر قال: ينادي مناد من السماء ألا أن الحق في آل محمد، وينادي مناد من الأرض ألا إن الحق في آل عيسى أو قال العباس، أنا أشك فيه، وإنما الصوت الأسفل من الشيطان ليلبس على الناس. شك أبو عبد الله نعيم).
وفي ص60: عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا كانت صيحة في رمضان فإنه يكون معمعة في شوال وتمييز القبائل في ذي القعدة، وسفك الدماء في ذي الحجة. والمحرم وما المحرم، يقولها ثلاثاً. هيهات هيهات يقتل الناس فيها هرجاً هرجاً. قال، قلنا: وما الصيحة يا رسول الله؟ قال هده في النصف من رمضان ليلة جمعة، فتكون هدة توقظ النائم وتقعد القائم، وتخرج العواتق من خدورهن. في ليلة جمعة في سنة كثيرة الزلازل، فإذا صليتم الفجر من يوم الجمعة فادخلوا بيوتكم وأغلقوا أبوابكم وسدوا كواكم ودثروا أنفسكم وسدوا آذانكم، فإذا أحسستم بالصيحة فخروا لله سجدا وقولوا: سبحان القدوس، سبحان القدوس، فإنه من فعل ذلك نجا، ومن لم يفعل ذلك هلك)
إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في مصادر الفريقين.
أما النداء الأرضي المضاد الذي تذكره الأحاديث، قد يكون نداء إبليس حقيقة كما نادى يوم أحد: قتل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ويحتمل أن يكون نداء إبليس بواسطة أعوانه أبالسة الإعلام العالمي حيث تتوصل عبقرياتهم الى مواجهة الموجة الإسلامية العالمية التي يحدثها النداء بنداء مشابه مضاد.
وأما القتال الذي يدعو النداء السماوي إلى وقفه، فلا يبعد أن يكون الحرب العالمية التي تقدم الحديث فيها، وذكرنا أنها قد تكون على شكل حروب متعددة، وفقاً لما تذكره الأحاديث من أنه في سنة الظهور تكثر الحروب في الأرض.
كما ينبغي الإلفات إلى وجود تفاوت بين الروايات في وقت النداء. فقد ذكر بعضها أنه يكون في شهر رمضان كما رأيت، وذكر بعضها أنه يكون في رجب كما في البحار:52 ص 789، وذكر بعضها أنه يكون في موسم الحج كما في مخطوطة ابن حماد 92، أو في محرم وبعد قتل النفس الزكية كما في ص93، ويفهم من بعض الروايات أنها نداءات متعددة، بل ينص بعضها على ذلك.
وقد أوصل أحد العلماء النداءات الواردة في مصادرنا الشيعية إلى ثمانية، وهي قريب من ذلك في المصادر السنية، لكن المرجح أنها نداء سماوي واحد في شهر رمضان، وأن تصور أنه يكون متعدداً نشأ من تفاوت الروايات في توقيته، والله العالم.
بعد هاتين الآيتين، أي بعد خروج السفياني في رجب، والنداء السماوي في رمضان.. يكون بقي لظهور المهدي عليه السلام في محرم نحو ستة أشهر. وتذكر مصادر الحديث السنية عدداً من أعماله عليه السلام في هذه الفترة تتلخص باتصاله بأنصاره في المدينة المنورة ثم في مكة المكرمة، والتقائه ببعض الذين يأتون من أقطار العالم الإسلامي يبحثون عنه ليبايعوه على شوق وتخوف، ومنهم سبعة من العلماء من بلدان شتى يلتقون في مكة على غير ميعاد، ويكون كل واحد منهم أخذ البيعة من ثلاث مئة وثلاثة عشر متديناً مخلصاً في بلده، وجاء يبحث عن المهدي عليه السلام ليبايعه عن نفسه وعن جماعته، طمعاً في أن يقبلهم المهدي عليه السلام، فيكونون أصحابه الموعودين على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم!
وتعتبر مصادرنا الشيعية هذه الأشهر الستة مرحلة الظهور الخفي بعد الغيبة الكبرى التامة، وهي المقصودة بالحديث الوارد عن أمير المؤمنين عليه السلام : (يظهر في شبهة ليستبين، فيعلو ذكره، ويظهر أمره) ( البحار:52/ 3) والمعنى أنه عليه السلام يظهر أولاً بالتدريج، ثم يتضح أمره للناس ويستبين. ويحتمل أن يكون المعنى أنه يظهر بالتدريج لكي يختبر أمره واستجابة الناس له ويستبين ذلك.
ويدل على هذه الفترة أيضاً عدة أخبار أخرى فيها صحيح السند، ومن أوضحها التوقيع الصادر منه عليه السلام إلى سفيره علي بن محمد السمري رضوان الله عليه قال: ( وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا ومن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) (البحار:51/361). والمقصود بمن يدعي المشاهدة قبل هذين الحدثين من يدعي السفارة لصاحب الأمر عليه السلام، وليس مجرد التشرف برؤيته دون ادعاء النيابة أو دون التحدث بذلك، فقد استفاضت الروايات برؤيته عليه السلام من قبل العديدين من العلماء والأولياء الثقاة الأصحاء، ولعل هذا سبب التعبير بنفي المشاهدة لا الرؤية.
ويدل التوقيع الشريف على أن الغيبة التامة الكبرى تنتهي بخروج السفياني والصيحة، وأن الغيبة بعدها تكون اختفاء شبيهاً بالغيبة الصغرى مقدمة للظهور، وأن الإمام عليه السلام يتصل فيها بأنصاره، ويتشرف العديد منهم بلقائه، وقد ينصب سفراء يكونون واسطة بينه وبين الناس.
بل يبدو من الرواية التالية أنه يظهر بعد خروج السفياني ثم يختفي إلى وقت ظهوره الموعود في محرم، ففي رواية حذلم بن بشير عن الإمام زين العابدين عليه السلام: (فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يظهر بعد ذلك) البحار: 52/ 213، ولا تفسير لها إلا أنه عليه السلام يظهر للناس بعد خروج السفياني في رجب، ثم يختفي إلى وقت ظهوره في محرم. ولم تذكر الرواية هل يكون هذا الظهور قبل النداء السماوي أو بعده.
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (لا يقوم القائم حتى يقوم اثنا عشر رجلاً كلهم يجمع على قول إنهم قد رأوه فيكذبونهم)(البحار:52/244)، ويبدو أنهم رجال صادقون بقرينة تعبيره عليه السلام عن إجماعهم على رؤيته، وتعجبه من تكذيب الناس لهم، أي عامة الناس.
ويظهر أن رؤيتهم له عليه السلام تكون في تلك الفترة التي يظهر فيها في خفاء ليستبين، فيعلو ذكره ويظهر أمره.
وعلى هذا، فمن المرجح أنه يقوم عليه السلام في تلك الفترة بدوره القيادي بشكل شبه كامل، ويصدر توجيهاته في تلك الظروف الحساسة إلى دولة الممهدين اليمانيين والإيرانيين،ويتصل بأنصاره أولياء الله تعالى في شتى بلاد المسلمين.
ومن أجل أن نتصور عمله في فترة الظهور الصغرى هذه، نتعرض باختصار لعمله في غيبته. فقد ذكرت بعض الروايات أنه روحي فداه يسكن المدينة المنورة، ويلتقي بثلاثين، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال:
(لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولا بد له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة، وما بثلاثين من وحشة). (البحار: 52/157).
وتدل روايات أخرى على أنه يعيش مع الخضر عليه السلام فعن الإمام الرضا عليه السلام قال: (إن الخضر شرب من ماء الحياة فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور، وإنه ليأتينا فيسلم علينا فنسمع صوته ولا نرى شخصه، وإنه ليحضر حيث ذكر، فمن ذكره منكم فليسلم عليه، وإنه ليحضر المواسم فيقضي جميع المناسك ويقف في عرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا عليه السلام ويصل به وحدته). (البحار:52/152).
ويبدو من الرواية المتقدمة وغيرها أن هؤلاء الثلاثين من أصحاب المهدي عليه السلام يتجددون دائماً، فكلما توفي منهم واحد حل محله آخر.
ولعلهم الأبدال المقصودون بالفقرة الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام في دعاء النصف من رجب، بعد الصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم صل على الأبدال والأوتاد والسياح والعباد والمخلصين والزهاد وأهل الجد والاجتهاد). (مفتاح الجنات:3/50).
ومن المرجح أن يكون لهؤلاء الأولياء الثلاثين وأكثر، دور في الأعمال التي يقوم بها المهدي عليه السلام في غيبته. فقد دلت الأخبار المتعددة على أنه يقوم بنشاط واسع، ويتحرك في البلاد المختلفة، ويدخل الدور والقصور، ويمشي في الأسواق، ويحضر موسم الحج في كل عام.
وأن سر غيبته لا ينكشف إلا بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة في أعمال الخضر إلا بعد أن كشفها لموسى عليه السلام.
فعن عبد الله بن الفضل قال: (سمعت جعفر بن محمد (الإمام الصادق عليه السلام) يقول: (إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها يرتاب فيها كل مبطل. فقلت له: ولم جعلت فداك؟ قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم. قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ فقال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره. إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار، لموسى عليه السلام إلا وقت افتراقهما.
يا ابن الفضل، إن هذا أمر من أمر الله، وسر من سر الله، وغيب من غيب الله. ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة، وإن كان وجهها غير منكشف لنا). (البحار:52/91).
وعن محمد بن عثمان العمري(ره) قال: ( والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة، يرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه). (البحار:51/250).
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( وما تنكر هذه الأمة أن يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف؟ أن يكون في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لايعرفونه، حتى يأذن الله عز وجل أن يعرفهم نفسه، كما أذن ليوسف حين قال: (هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ. قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي) (البحار:51/142).
وبناء على هذه الروايات وأمثالها فإن حالته عليه السلام في غيبته تشبه حالة يوسف عليه السلام، ونوع عمله فيها من نوع عمل الخضر عليه السلام الذي كشف لنا القرآن بعض عجائبه.
بل يظهر منها أنهما يعيشان معاً ويعملان معاً عليه السلام. والمرجح أن يكون كثير من أعماله بواسطة أصحابه الأبدال وتلاميذهم، الذين تطوى لهم الأرض والمسافات، ويهديهم ربهم بإيمانهم، وبتعليمات إمامهم المهدي عليه السلام.
بل وردت الأحاديث الشريفة والقصص الموثوقة بطي الأرض والمشي على الماء، وغيرها من الكرامات، لمن هم أقل منهم درجةً ومقاماً، من أولياء الله وعباده الصالحين.
نعم، إن الله تعالى أجرى الله الأمور والأحداث بأسبابها، من أكبر حدث في هذا العالم إلى أصغره، ولكنه سبحانه يهيمن على هذه الأسباب ويتصرف بها كيف يشاء، بما يشاء، وعلى يد من يشاء من ملائكته وعباده.
وإن كثيراً من الأحداث والأمور التي يبدو لنا أنها حدثت أو تحدث بأسباب طبيعية، لو انكشف لنا الواقع لرأينا فيها يد الغيب الإلهي. فعندما أراد شرطة الملك أن يأخذوا السفينة التي خرقها الخضر عليه السلام فوجدوها معيوبة وتركوها، لم يلتفتوا إلى أن في الأمر فعلاً غيبياً!
وكذلك عندما عاش أبوا الغلام حياتهما بالايمان، وقاما بما أراد الله تعالى منهما، لم يعرف أن ابنهما لو بقي حياً لأرهقهما طغياناً وكفراً.
وعندما كبر اليتيمان ووجدا كنزهما محفوظاً تحت الجدار واستخرجاه، لم يعرفا أن الخضر عليه السلام لو لم يبن الجدار لانكشف الكنز أو ضاع مكانه.
وإذا كانت هذه الأحداث الثلاثة التي كشف الله تعالى عنها في كتابه، قد صدرت من الخضر في مرافقته القصيرة لموسى عليه السلام، فلنا أن نتصور أعماله الكثيرة التي يقوم بها في أيامه الحافلة وعمره المديد.
وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (رحم الله (أخي) موسى، عجل على العالم، أما إنه لو صبر لرأى منه من العجائب ما لم ير). (البحار:13/ 301).
ولنا أن نتصور عمل الإمام المهدي عليه السلام في غيبته، وهو أعظم مقاماً من الخضر عليه السلام برواية جميع المسلمين، لأنه أحد سبعة روي إنهم سادات أهل الجنة وخيرة الأولين والآخرين، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (نحن سبعة ولد عند المطلب سادة أهل الجنة: أنا، وحمزة، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، والمهدي) (البحار:51/65 والصواعق المحرقة ص158 وكثير من مصادر الفريقين).
فالله يعلم بما يقوم به المهدي عليه السلام ووزيره الخضر وأصحابه الأبدال، وتلاميذهم أولياء الله، من أعمال في طول العالم وعرضه، وفي أحداثه الكبيرة والصغيرة.
ومن الطبيعي أن لا ينكشف وجه الحكمة في غيابهم وعملهم عليه السلام، إلا بعد ظهورهم، وكشفهم للناس بعض ما كانوا يقومون به في عصرنا والعصور السابقة. وقد يكون أحدنا مدينا لهم بعمل أو أكثر قاموا له به في حياته، فضلاً عن مسار التاريخ وأحداثه الكبرى.
وينبغي الإلفات إلى أن هذه العقيدة بغيب الله تعالى وعمل الإمام المهدي والخضر والأبدال عليه السلام تختلف عن نظريات المتصوفة وعقائدهم في القطب والأبدال، وإن كانت تشبهها من بعض الوجوه.
بل حاول بعضهم أن يطبقها على المهدي وأصحابه عليه السلام.
قال الكفعمي(ره) في حاشية مصباحه، كما في سفينة البحار مادة قطب: (قيل إن الأرض لا تخلو من القطب وأربعة أوتاد، وأربعين بدلاً، وسبعين نجيباً، وثلاث مئة وستين صالحاً. فالقطب هو المهدي صلوات الله عليه، ولا تكون الأوتاد أقل من أربعة، لأن الدنيا كالخيمة والمهدي كالعمود، وتلك الأربعة أطناب.
وقد يكون الأوتاد أكثر من أربعة، والأبدال أكثر من أربعين، والنجباء أكثر من سبعين، والصالحون أكثر من ثلاث مئة وستين. والظاهر أن الخضر وإلياس عليه السلام من الأوتاد، فهما ملاصقان لدائرة القطب.
وأما صفة الأوتاد، فهم لا يغفلون عن الله طرفة عين، ولا يجمعون من الدنيا إلا البلاغ، ولا تصدر منهم هفوات البشر، ولا يشترط فيهم العصمة. وشرط ذلك في القطب.
وأما الأبدال فدون هؤلاء في المرتبة، وقد تصدر منهم الغفلة فيتداركونها بالتذكر، ولا يتعمدون ذنباً.
وأما الصالحون فهم المتقون الموصوفون بالعدالة، وقد يصدر عنهم الذنب فيتداركونه بالإستغفار والندم، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ).
ثم ذكر الكفعمي(ره) أنه إذا نقص واحد من إحدى المراتب المذكورة، حل محله آخر من المرتبة الأدنى. وإذا نقص من الصالحين، حل محله آخر من سائر الناس.
وما ذكره(ره) عن نبي الله إلياس عليه السلام، وأنه من الأحياء الذين مد الله في عمرهم لحكمة يعلمها، مطابق لما ذهب إليه بعض المفسرين في تفسير الآيات الواردة فيه عليه السلام، وقد روي ذلك عن اهل البيت عليهم السلام وأن قد مد الله في عمره كالخضر عليه السلام، وأنهما يجتمعان في عرفات كل سنة، وفي غيرها.
وأيّاً كان، فالذي يفهم من الروايات الشريفة أن فترة الستة أشهر، من خروج السفياني والنداء السماوي إلى ظهوره عليه السلام في محرم، تكون حافلة بنشاطه ونشاط أصحابه عليه السلام، وتظهر للناس الكرامات والآيات على أيديهم وأيدي من يتصل بهم، وأن ذلك سيكون حدثاً عالمياً يشغل الناس والدول على السواء.
أما الشعوب الإسلامية فتعمها موجة الحديث عن المهدي عليه السلام وكراماته واقتراب ظهوره، ويكون ذلك تمهيداً مناسباً لظهوره.
ولكن تلك الفترة تكون أيضاً أرضية خصبة للكذابين والمشعوذين لادعاء المهدية ومحاولة تضليل الناس! فقد ورد أن اثنتي عشرة راية تدعي المهدية ترفع قبل ظهوره عليه السلام ، وأن اثني عشر شخصاً من آل أبي طالب يرفع كل منهم راية ويدعو إلى نفسه، وجميعها رايات ضلال، ومحاولات دنيوية لاستغلال تطلع العالم إلى ظهوره عليه السلام.
فعن المفضل بن عمرو الجعفي عن الإمام الصادق عليه السلام قال سمعته يقول: (إياكم والتنويه، أما والله ليغيبن إمامكم سنيناً (سبتاً) من دهركم، ولتمحصن حتى يقال مات أو هلك، بأي واد سلك. ولتدمعن عليه عيون المؤمنين. ولتكفؤن كما تكفأ السفن أمواج البحر، فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيده بروح منه. ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يدرى أيٌّ من أي!
قال المفضل: فبكيت، فقال ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ فقلت: كيف لا أبكي وأنت تقول ترفع اثنتا عشرة راية لا يدرى أيٌّ من أي، فكيف نصنع؟ قال، فنظر إلى شمس داخلة في الصفة، فقال: يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس؟ قلت: نعم. قال: والله لأمرنا أبين من هذه الشمس). ( البحار:52/281)
أي لا تخشوا أن يشتبه عليكم أمر المهدي عليه السلام بأمر من يدعي المهدية، لأن أمره أوضح من الشمس، بآياته التي تكون قبله ومعه، وشخصيته التي لا تقاس بالمدعين والكذابين.
ومن ناحية أخرى، ستأخذ الدولتان الممهدتان له، اليمانية والإيرانية موقعاً سياسياً هاماً في أحداث العالم وتطلعات شعوبه. وتكونان بحاجة أكبر إلى توجهاته عليه السلام.
على أنه يفهم من الروايات ومن منطق الأمور أن رد الفعل السياسي الأكبر على هذه الموجة الشعبية للمهدي عليه السلام، سيكون من أعدائه أئمة الكفر العالمي وصاحبهم السفياني، وسيتركز عملهم كما تذكر الروايات، على معالجة وضع العراق والحجاز، باعتبارهما نقطة الضعف في المنطقة.
أما العراق فيخشون من نفوذ الممهدين الإيرانيين فيه وضعف حكومته. وأما الحجاز فيخضون من الفراغ السياسي فيه، وصراع القبائل على السلطة، ونفوذ الممهدين اليمانيين فيه.
والأمر الأهم في الحجاز أن أنظار المسلمين تتوجه نحوه، وتنتظر ظهور المهدي منه، حيث ينتشر بين الناس أنه عليه السلام يسكن المدينة، وأن حركته ستكون من مكة، فيتركز فعلهم السياسي والعسكري المضاد للمهدي عليه السلام على الحرمين، ويبدأ السفياني حملته العسكرية على المدينة، ويقوم باعتقال واسع لبني هاشم على أمل أن يكون المهدي من بينهم!
ولا بد أن يرافق دخول جيش السفياني للعراق والحجاز تحرك عسكري من الغربيين والشرقيين في الخليج والبحر المتوسط، لأهمية المنطقة عالمياً.
والمرجح أن يكون نزول قوات الروم في الرملة، ونزول قوات الترك في الجزيرة المذكورين في الروايات المتعددة، في تلك الفترة، أو قريباً منها. والله العالم.
تتفق أحاديث مصادر الشيعة والسنة، على أن مقدمة ظهور المهدي عليه السلام في الحجاز، حدوث فراغ سياسي فيه، وصراع على السلطة بين قبائله.
ويحدث ذلك على أثر موت ملك أو خليفة، يكون عند موته الفرج. وتسميه بعض الروايات (عبد الله) ويحدد بعضها إعلان خبر موته في يوم عرفة ثم تتلاحق الأحداث في الحجاز بعد موته إلى... خروج السفياني، والنداء السماوي، واستدعاء الجيش السوري إلى الحجاز، ثم ظهور المهدي عليه السلام.
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم. ثم قال:( إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعدة على أحد، ولم يتناهَ هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله. ويذهب ملك السنين، ويصير ملك الشهور والأيام. فقلت: يطول ذلك؟ قال: كلا). (البحار:52/210).
وعنه عليه السلام قال: (بينا الناس وقوفاً بعرفات إذ أتاهم راكب على ناقة ذعلبة، ويخبرهم بموت خليفة، عند موته فرج آل محمد وفرج الناس جميعاً). (البحار:52/240)
ومعنى الناقة الذعلبة: الخفيفة السريعة، وهو كناية عن الإسراع في إيصال الخبر وتبشير الحجاج به. والظاهر أن أسلوب إيصال الخبر مقصود في الرواية. وفي رواية أخرى أنهم يقتلون هذا الرجل صاحب الناقة الذعلبة، الذي ينشر الخبر بين الحجاج في عرفات.
ويحتمل أن يكون هذا الخليفة الذي يعلن خبر موته أو قتله يوم عرفة، عبد الله المذكور في الرواية السابقة، ومعنى: (يذهب ملك السنين، ويصير ملك الشهور والأيام)، أنهم كلما نصبوا بعده شخصاًً لايبقى سنة كاملة، ولا تمضي شهور أو أيام حتى ينصبوا غيره! حتى يظهر الإمام المهدي عليه السلام.
وتذكر بعض الروايات أن سبب قتل ذلك الملك قضية أخلاقية وأن الذي يقتله أحد خدمه، وأنه يهرب إلى خارج الحجاز فيذهب بعض جماعة الملك في البحث عنه، فيحدث الصراع على السلطة قبل أن يعودوا!
فعن الإمام الباقر عليه السلام: (يكون سبب موته أنه ينكح خصياً له فيقوم فيذبحه ويكتم موته أربعين يوماً، فإذا سارت الركبان في طلب الخصي لم يرجع أول من يخرج حتى يذهب ملكهم) (كمال الدين ص 655).
والأحاديث التي تصف الصراع على السلطة في الحجاز بعد قتل هذا الملك كثيرة، وهذه نماذج منها:
عن البزنطي عن الإمام الرضا عليه السلام قال: (إن من علامات الفرج حدثا يكون بين الحرمين. قلت وأي شيء يكون الحدث؟ قال عصبية تكون بين الحرمين، ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشاً).(البحار:52/210)، أي يقتل أحد الملوك أو الزعماء خمسة عشر شخصية من ذرية ملك أو زعيم معروف.
وعن أبي بصير قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: لقائم آل محمد غيبتان إحداهما أطول من الأخرى. فقال: نعم، ولا يكون ذلك حتى يختلف سيف بني فلان وتضيق الحلقة، ويظهر السفياني، ويشتد البلاء ويشمل الناس موت وقتل يلجؤون فيه إلى حرم الله وحرم رسوله). (البحار:52 /157)، وهذه الرواية تشير إلى أن أصل الصراع يكون بين القبيلة الحاكمة نفسها.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (ولذلك آيات وعلامات، أولهن إحصار الكوفة بالرصد والخندق، وخفق رايات حول المسجد الأكبر تهتز، القاتل والمقتول في النار). (البحار:52/273)، والمقصود بالمسجد الأكبر المسجد الحرام، وأن الرايات المتصارعة تتنازع حول مكة، أو في الحجاز وتتقاتل، وليس فيها راية حق.
وقد روى ابن حماد في مخطوطته ص59 أكثر من عشرين حديثاً عن الأزمة السياسية الحجازية، وصراع القبائل على السلطة في سنة ظهور المهدي عليه السلام، منها عن سعيد بن المسيب قال: ( يأتي زمان على المسلمين يكون منه (فيه) صوت في رمضان، وفي شوال تكون مهمهة، وفي ذي القعدة تنحاز(فيها) القبائل إلى قبائلها. وذو الحجة ينهب فيه الحاج. والمحرم وما المحرم).
وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إذا كانت صيحة في رمضان فإنه تكون معمعة في شوال، وتمييز القبائل في ذي القعدة، وسفك الدماء في ذي الحجة، والمحرم وما المحرم!! يقولها ثلاثاً). (ص 62).
وفي ص60 عن عبد الله بن عمر قال: (يحج الناس معاً ويعرفون معاً على غير إمام، فبينا هم نزول بمنى إذ أخذهم كالكَلَب فسارت القبائل إلى بعض فاقتتلوا حتى تسيل العقبة دماً)، أي أخذتهم حالة مثل داء الكلب المعروف، وجاشت حالة العداء فيهم بعد مناسك الحج دفعة واحدة، فاقتتلوا حتى جرت دماؤهم عند جمرة العقبة!
وروايات ابن حماد هذه تتحدث عن الصراع السياسي في الحجاز بعد الصيحة والنداء السماوي، لكن توجد روايات أخرى تدل على أمرين هامين في هذه الأزمة السياسية:
أولهما، أنها تحدث قبل خروج السفياني، وقد أشرنا إلى ذلك.
وثانيهما، أنه يكون لها علاقة باختلاف أهل الشرق والغرب أي بالحرب العالمية الموعودة. فعن ابن أبي يعفور قال: قال لي أبو عبد الله (الإمام الصادق عليه السلام): (أمسك بيدك: هلاك الفلاني، وخروج السفياني، وقتل النفس. إلى أن قال: الفرج كله عند هلاك الفلاني). (البحار:52/234).
وقد يناقش في كون ترتيب هذه الأحداث زمنياً كما جاء في الرواية، ولكن عدداً من الروايات، منها ما تقدم، تدل على أن هلاك الفلاني وصراعهم من بعده يكون قبل خروج السفياني.
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (يقوم القائم في سنة وتر من السنين: تسع، واحدة، ثلاث، خمس. وقال: ثم يملك بنو العباس(بنو فلان) فلا يزالون في عنفوان من الملك وغضارة من العيش حتى يختلفوا فيما بينهم، فإذا اختلفوا ذهب ملكهم واختلف أهل الشرق وأهل الغرب، نعم وأهل القبلة، ويلقى الناس جهداً شديداً مما يمر بهم من الخوف، فلا يزالون بتلك إلى الحال حتى ينادي المنادي من السماء فإذا نادى فالنفر النفر). (البحار:52/235).
والملاحظ في هذه الرواية أنها تربط بين اختلاف آل فلان وذهاب ملكهم، وبين اختلاف أهل الشرق وأهل الغرب، وشمول خلافهم لأهل القبلة أي المسلمين، وكأن هذا الصراع العالمي مرتبط أو مترتب على الأزمة السياسية التي تحدث في الحجاز.
والمقصود ببني العباس الذين يقع الخلاف بينهم قبيل ظهور المهدي عليه السلام، آل فلان الذين ذكرت عدة روايات أنهم آخر من يحكم الحجاز قبله عليه السلام.
والحاصل من مجموع الروايات أن تسلسل الأحداث التي هي مقدمات الظهور في الحجاز، يبدأ بنار عظيمة صفراء حمراء تظهر في الحجاز أو في شرقية وتبقى أياماً، ثم يقتل آخر ملوك بني فلان، ويختلفون على من يخلفه، ويمتد هذا الخلاف إلى القوى السياسية الحجازية، وعمدتها القبائل، الأمر الذي يسبب أزمة سياسية في الحكم، يكون لها تأثير على الصراع العالمي بين أهل الشرق والغرب.
ثم يكون خروج السفياني، والنداء السماوي، ثم دخول الجيش السوري السفياني إلى الحجاز وأحداث المدينة، ثم أحداث مكة. إلى حركة ظهوره المقدس عليه السلام.
ونار الحجاز هذه وردت فيها عدة أحاديث في مصادر السنة، تذكر أنها من علامات الساعة، منها ما في صحيح مسلم:8/180: (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار بالحجاز تضئ لها أعناق الإبل ببصرى)، أي يصل نورها إلى مدينة بصرى في سورية.
ومنها عدة أحاديث في مستدرك الحاكم:4/442و443، تذكر أنها تخرج من جبل الوراق أو حبس سيل أو وادي حسيل. وحبس سيل مكان قرب المدينة المنورة، وقد يكون تصحيفاً عن وادي حسيل.
ويذكر بعضها أنها تظهر من عدن بحضرموت، وأنها تسوق الناس إلى المحشر أو إلى المغرب.
ورواية صحيح مسلم كما ترى لاتنص على أنهم من علامات الساعة، بل تذكر حتمية وقوعها في المستقبل.
والمرجح عندي أن النار التي هي من علامات الساعة والقيامة هي نار عدن أو حضر موت، الوارد ذكرها في مصادر السنة والشيعة.
أما نار الحجاز الوارد أنها في المدينة المنورة فقد تكون مجرد إخبار إعجازي من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن وقوعها دون أن تكون علامة لشيء. وقد حدث ذلك ونقل المؤرخون ظهور بركان ناري قرب المدينة، بقي أياماً.
وهاتان الناران غير النار التي هي من علامات الظهور، فقد ورد في الأحاديث تسميتها بنار المشرق، وفي بعضها نار في شرقي الحجاز، ففي مخطوطة ابن حماد ص61 عن ابن معدان قال: (إذا رأيتم عموداً من نار من قبل المشرق في شهر رمضان في السماء فأعدوا ما استطعتم من الطعام، فإنها سنة جوع).
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (إذا رأيتم ناراً عظيمة من قبل المشرق تطلع ليال فعندها فرج الناس. وهي قدام القائم بقليل). (البحار:52/240).
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (إذا رأيتم ناراً من المشرق شبه الهردي العظيم، تطلع ثلاثة أيام أو سبعة، فتوقعوا فرج آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم إن شاء الله عز وجل، إن الله عزيز حكيم). (البحار:52/230)، والهردي: الثوب المصبوغ بالأخضر والأحمر.
ويحتمل أن تكون هذه النار بركاناً طبيعياً، أو انفجاراً نفطياً كبيراً.
كما يحتمل أن تكون هي الآية الربانية التي تكون من علامات ظهور المهدي عليه السلام، فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (يزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر لهم في السماء، وحمرة تجلل السماء). (البحار:52/221)، وتكون هذه النار قبل الأزمة السياسية الحجازية، أو أثنائها. والله العالم.
ذكرت الأحاديث الشريفة أن جيش السفياني يسيطر على المدينة المنورة، ويستبيحها ثلاثة أيام، ويعتقل كل من تصل إليه يده من بني هاشم ويقتل العديد منهم، بحثاً عن الإمام المهدي عليه السلام. ففي مخطوطة ابن حماد ص88: (فيسير إلى المدينة فيضع السيف في قريش، فيقتل منهم ومن الأنصار أربع ماية رجل، ويبقر البطون، ويقتل الولدان، ويقتل أخوين من قريش، رجل وأخته يقال لهما محمد وفاطمة، ويصلبهما على باب المسجد في المدينة)! وفي نفس الصفحة عن أبي رومان قال: (يبعث بجيش إلى المدينة فيأخذون من قدروا عليه من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ويقتل من بني هاشم رجال ونساء، فعند ذلك يهرب المهدي والمبيض(المنصور) من المدينة إلى مكة فيبعث في طلبهما، وقد لحقا بحرم الله وأمنه). وفي مستدرك الحاكم:4/442، أن أهل المدينة يخرجون منها بسبب بطش السفياني وأفاعيله! وعن الإمام الباقر عليه السلام في حديث جابر بن يزيد الجعفي قال: (ويبعث (أي السفياني) بعثاً إلى المدينة فيقتل بها رجلاً، ويهرب المهدي والمنصور منها، ويؤخذ آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم صغيرهم وكبيرهم، ولايترك منهم أحد إلا حبس. ويخرج الجيش في طلب الرجلين). (البحار:52/223). وهذا الرجل الذي يقتله جيش السفياني غير الغلام الذي ورد أنه يقتل في المدينة، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (يا زرارة لابد من قتل غلام بالمدينة. قلت: جعلت فداك أليس يقتله جيش السفياني؟ قال: لا، ولكن يقتله جيش بني فلان، يخرج حتى يدخل المدينة فلا يدري الناس في أي شيء دخل، فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لم يمهلهم الله عز وجل، فعند ذلك فتوقعوا الفرج). (البحار:52/147)، وتسمي بعض الروايات هذا الغلام النفس الزكية، وهو غير النفس الزكية الذي يقتل في مكة قبيل ظهور المهدي عليه السلام. ويظهر من هذه الأحاديث وغيرها أن سلطة الحجاز الضعيفة تنشط في تتبع الشيعة في الحجاز وفي المدينة خاصة، وتقتل الغلام النفس الزكية، إما لمجرد أن اسمه محمد بن الحسن، الذي يصبح معروفاً عند الناس أنه اسم المهدي عليه السلام، وإما لأنه يكون من الأبدال المتصلين بالمهدي عليه السلام. ثم يدخل جيش السفياني فيتابع نفس السياسة ولكن بإرهاب وبطش أشد، فيعتقل كل من يحتمل أن يكون له علاقة ببني هاشم، ويقتل الرجل الذي اسمه محمد وأخته فاطمة، لمجرد أن اسمه محمد واسم أبيه حسن أيضاً! وفي هذه الظروف الملتهبة يخرج الإمام المهدي روحي فداه من المدينة خائفاً يترقب، على سنة موسى عليه السلام كما تذكر الروايات، يرافقه أحد أصحابه التي تسميه الرواية المتقدمة المنصور وفي رواية أخرى المنتصر، ولعل اسم المبيض الذي ورد في الرواية المتقدمة تصحيف المنتصر. وذكرت رواية أخرى أنه يخرج من المدينة بتراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيه سيفه، ودرعه، ورايته، وعمامته، وبردته. ولم أجد في مصادرنا الشيعية تحديداً لوقت خروجه عليه السلام من المدينة إلى مكة، ولكن المنطقي أن يكون ذلك بعد النداء السماوي في رمضان أي في موسم الحج. وأذكر أني رأيت في رواية أن دخول جيش السفياني إلى المدينة يكون في شهر رمضان. وفي رواية المفضل بن عمرو الطويلة عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (والله يا مفضل كأني أنظر إليه دخل مكة، وعلى رأسه عمامة صفراء، وفي رجليه نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المخصوفة، وفي يده هراوته، يسوق بين يديه أعنزاً عجافاً حتى يصل بها نحو البيت. ليس ثَمَّ أحد يعرفه). (بشارة الإسلام ص 267). ومع ضعف سند هذه الرواية، إلا أن استنفار أجهزة الأعداء في البحث عنه عليه السلام، وكونه في غيبة واختفاء يشبه الغيبة الصغرى واختفاءها، يجعل هذه الرواية وأمثالها أمراً معقولاً. ومن الطبيعي أن يكون موسم الحج في سنة الظهور حيوياً ساخناً! فما تذكره الأحاديث الشريفة عن وضع الصراع العالمي، وأوضاع البلاد الإسلامية، وتوتر الوضع في الحجاز، وإعلان حالة الطوارئ فيه بدخول جيش السفياني.. كلها تجعل موسم الحج على الحكام عبئاً مخيفاً، فلا بد أنهم سيخفضون عدد الحجاج إلى أقل عدد ممكن، ويحشدون في مكة والمدينة، من القوات والأجهزة الأمنية، كل ما يستطيعون! ولكن ذلك لايمنع الشعوب الإسلامية أن تركز أنظارها على مكة المقدسة، تنتظر ظهور المهدي عليه السلام منها، فيتحمس مئات الألوف، وربما الملايين من المسلمين لأن يحجوا في ذلك العام، ويتمكن عدد كبير منهم أن يصل إلى مكة، رغم العقبات التي تضعها أمامهم دولهم ودولة الحجاز. وسيكون السؤال المحبب بين الحجاج: ماذا سمعت عن أمر المهدي؟ ولكنه يكون سؤالاً خطيراً أيضاً يطرحه الحجاج بينهم سراً، ويتناقلون آخر الأخبار والشائعات حوله همساً، وآخر إجراءات حكومة الحجاز وجيش السفياني! إن الرواية التالية تصور حالة المسلمين في العالم، وحالة الحجاج، في انشغالهم بأمر المهدي عليه السلام وبحثهم عنه. ففي مخطوطة ابن حماد ص95 قال: (حدثنا أبو عمر، عن ابن أبي لهيعة، عن عبد الوهاب بن حسين، عن محمد بن ثابت، عن أبيه، عن الحارث بن عبد الله، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (إذا انقطعت التجارات والطرق وكثرت الفتن، خرج سبعة رجال علماء من أفق شتى على غير ميعاد، يبايع لكل رجل منهم ثلاثماية وبضعة عشر رجلاً، حتى يجتمعوا بمكة، فيلتقي السبعة فيقول بعضهم لبعض: ما جاء بكم؟ فيقولون جئنا في طلب هذا الرجل ينبغي أن تهدأ على يديه هذه الفتن، ويفتح الله له القسطنطينية، قد عرفناه باسمه واسم أبيه وأمه وحليته، فيتفق السبعة على ذلك فيطلبونه بمكة فيقولون له: أنت فلان بن فلان؟ فيقول: لا، بل أنا رجل من الأنصار، حتى يفلت منهم، فيصفونه لأهل الخبرة والمعرفة به، فيقال هو صاحبكم الذي تطلبونه وقد لحق بالمدينة، فيطلبونه بالمدينة، فيخالفهم إلى مكة، فيطلبونه بمكة فيصيبونه فيقولون: أنت فلان بن فلان، وأمك فلانة بنت فلان، وفيك آية كذا وكذا، وقد أفلت منا مرة فمد يدك نبايعك. فيقول: لست بصاحبكم، أنا فلان بن فلان الأنصاري، مروا بنا أدلكم على صاحبكم، فيفلت منهم فيطلبونه بالمدينة فيخالفهم إلى مكة فيصيبونه بمكة عن الركن فيقولون: إثمنا عليك ودماؤنا في عنقك إن لم تمد يدك نبايعك، هذا عسكر السفياني قد توجه في طلبنا، عليهم رجل من حرام، فيجلس بين الركن والمقام، فيمد يديه فيبايع له، ويلقي الله في صدور الناس، فيسير مع قوم أسد بالنهار رهبان بالليل). وفي هذه الرواية نقاط ضعف في سندها ومتنها، من ذلك قضية فتح القسطنطينية التي بقيت لقرون عقدة عسكرية وسياسية أمام المسلمين، ومصدر تهديد لجزء من الدولة الإسلامية، حتى فتحها السلطان محمد الفاتح قبل نحو500 سنة. وقد روى المسلمون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم روايات تبشر بفتحها، تحتاج إلى تحقيق في صحتها وسقمها. وما يخص موضوعنا منها الروايات التي تذكر أن فتحها يكون على يد المهدي عليه السلام كما في هذه الرواية، فيحتمل أن يكون ذكر فتحها على يد المهدي عليه السلام من إضافة بعض الرواة باعتبار أنه عليه السلام يحل مشكلات المسلمين الكبرى، وقد كانت القسطنطينية من مشكلاتهم الكبرى. كما يحتمل أن يكون المقصود بالقسطنطينية في أحاديث المهدي عليه السلام، عاصمة الروم التي تكون في زمان ظهوره عليه السلام ، والمعبر عنها في بعض الروايات بالمدينة الرومية الكبيرة، والتي ورد أنه عليه السلام وأصحابه يحاصرونها ويفتحونها بالتكبير. ولكن، مهما يكن أمر هذه الرواية وحتى لو كانت موضوعة، فهي نص لمؤلف معروف كتبه قبل نحو ألف ومئتي سنة، فوفاة ابن حماد سنة 227، وقد نقله عن تابعين قبله، فهو يكشف على الأقل عن تصور رواته للحالة السياسية العامة في سنة ظهور المهدي عليه السلام ، وعن انتشار خبره عند المسلمين وتطلعهم إليه وبحثهم عنه. على أن أكثر مضامينها وردت في روايات أخرى، أو هي نتيجة منطقية لأحداث نصت عليها روايات أخرى. ومجيء هؤلاء العلماء السبعة إلى مكة في تلك الظروف يدل على شدة تطلع المسلمين إلى ظهوره عليه السلام من مكة، وتوافد ممثليهم إليها للبحث عنه، وأخذ كل واحد منهم البيعة من ثلاث مئة وثلاثة عشر من المؤمنين بالمهدي عليه السلام في بلده، المستعدين للتضحية معه.. يدل على الموجة الشعبية في المسلمين، وحماسهم لأن يكونوا أنصاره وأصحابه الموعودين، على عدة أهل بدر. وأما ما تذكره الرواية من إفلات المهدي عليه السلام منهم مرة بعد أخرى، فلا يخلو من ضعف، ولعل أصله ما ورد في مصادر الشيعة والسنة من أنه عليه السلام يبايع وهو كاره، حتى أن أحد كبار أصحاب الإمام الصادق عليه السلام كان في نفسه شيء من هذه البيعة على إكراه، الواردة في حديث النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم حتى فسر له الإمام الصادق عليه السلام معنى الإكراه بأنه غير الإجبار، فاطمأن. هذا عما يتعلق بحال المسلمين وتطلعهم إلى المهدي عليه السلام. أما عن مجريات عمله عليه السلام في مكة ومبايعة أصحابه له، فتدل الروايات على أنها تكون بنحو آخر، يختلف عما ورد في هذه الرواية. ينبغي أن نلفت إلى عدة أمور في أصحاب الإمام المهدي عليه السلام. منها، أن عددهم الوارد في مصادر الفريقين أنه بعدد أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بدر، ثلاث مئة وثلاثة عشر، يدل على الشبه الكبير بين بعث الإسلام مجدداً على يده عليه السلام، وبعثه الأول على يد جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . بل ورد أن أصحاب المهدي عليه السلام تجري فيهم عدة سنن جرت على أصحاب الأنبياء الأوائل عليه السلام. فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (إن أصحاب موسى ابتلوا بنهر، وهو قول الله عز وجل: (إِنَّ الله مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ). وإن أصحاب القائم يبتلون بمثل ذلك). (البحار:52/332). ومنها، أن المقصود بهؤلاء الأصحاب خاصة أصحابه عليه السلام وخيارهم، وحكام العالم الجديد الذي يقوده الإمام المهدي عليه السلام. ولكنهم ليسوا وحدهم أنصاره وأصحابه، فقد ورد أن عدد جيشه الذي يخرج به من مكة عشر آلاف أو بضعة عشر ألفاً، وجيشه الذي يدخل فيه العراق ويفتح فيه القدس قد يبلغ مئات الألوف. فهؤلاء كلهم أصحابه وأنصاره، بل وملايين المخلصين له في عصره، من شعوب العالم الإسلامي. ومنها، أنهم من حيث التنوع، من أقطار العالم الإسلامي، ومن أقاصي الأرض، ومن آفاق شتى، ومن ضمنهم النجباء من مصر، والأبدال من الشام، والأخيار من العراق، وكنوز الطالقان وقم، كما تذكر الروايات. قال ابن عربي في الفتوحات المكية عن جنسياتهم: ( وهم من الأعاجم ما فيهم عربي، لكن لا يتكلمون إلا بالعربية)، لكن الأحاديث المتعددة تدل على أن فيهم العديد من العرب، ومنها الحديث المشهور: (فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق) (البحار:52/334)، ويشبهه ما في مخطوطة ابن حماد ص95 وغيره من المصادر. كما تدل روايات أيضاً على أن فيهم العديد من العجم، وأن عمدة جيشه عليه السلام من إيران. ومنها، أن بعض الروايات تذكر أن من بينهم خمسين امرأة كما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام (البحار:52/223) وفي رواية ثلاث عشرة امرأة يداوين الجرحى. وفي ذلك دلالة على المكانة المهمة والدور العظيم للمرأة في الإسلام وحضارته، التي يقيمها الإمام المهدي عليه السلام، وهو دور معتدل مبرأ من الخشونة البدوية في النظرة إلى المرأة ومعاملتها، التي ما زالت موجودة في بلادنا، ومبرأ من إهانة المرأة وابتذالها في الحضارة الغربية. ومنها، ذكرت بعض الروايات أن أكثرية أصحابه عليه السلام شباب، بل ذكر بعضها أن الكهول فيهم قليلون جداً مثل الملح في الزاد، كالحديث المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (أصحاب المهدي شباب لاكهول فيهم إلامثل كحل العين والملح في الزاد، وأقل الزاد الملح). (البحار:52/334). ومنها، أنه وردت أحاديث كثيرة في مصادر الفريقين في مدحهم، وبيان مقامهم العظيم ومناقبهم، وأنه يكون مع المهدي عليه السلام صحيفة فيها عددهم وأسماؤهم وصفاتهم، وأنهم تطوى لهم الأرض، ويذلل لهم كل صعب، وأنهم جيش الغضب لله تعالى. وأنهم أولو البأس الشديد الذين وعد الله تعالى أن يسلطهم على اليهود في قوله تعالى: (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيد). وأنهم الأمة المعدودة الموعودة في قوله تعالى: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ). وأنهم خيار الأمة مع أبرار العترة، وأنهم الفقهاء والقضاة والحكام، وأن الله يؤلف بين قلوبهم فلا يستوحشون من أحد، ولا يفرحون بأحد دخل فيهم، أي لا تزيدهم كثرة الناس حولهم أنساً ولا إيماناً. وأنهم أينما كانوا في الأرض يرون المهدي عليه السلام وهو مكانه ويكلمونه! وأن أحدهم يعطى قوة أربعين رجلاً، أو ثلاث مئة رجل! بل ورد أنهم أفضل من أصحاب جميع الأنبياء عليه السلام ، ففي بصائر الدرجات للصفار(ره) ص104: (عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه: اللهم لقني إخواني مرتين، فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول الله؟ فقال: لا، إنكم أصحابي، وإخواني قوم من آخر الزمان آمنوا بي ولم يروني، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم، من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء، أو كالقابض على جمر الغضا. أولئك مصابيح الدجى ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة). وفي صحيح مسلم النيسابوري:1/150: (وددت أنا قد رأينا إخواننا. قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد. فقالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال! أناديهم ألا هلمَّ، فيقال إنهم قد بدلوا بعدك! فأقول سحقاً سحقاً!). انتهى. إلى آخر ما ذكرت الأحاديث الشريفة من خصائصهم وكراماتهم. وذكرت بعض الروايات أن أهل الكهف يبعثون ويكونون منهم، وأن منهم الخضر وإلياس عليه السلام. وذكرت الروايات أن بعض الأموات يحيون بأمر الله تعالى ويكونون منهم. ومنها، أن الروايات تدل على أنهم يكونون قرب ظهوره عليه السلام ثلاث مجموعات أو فئات: فئة تدخل معه مكة، أو تصل إليها قبل الآخرين. وفئة يسيرون إليه في السحاب أو الهواء، وفئة يبيتون ذات ليلة في بيوتهم في بلادهم فلا يشعرون إلا وهم في مكة. فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب وأشار إلى ناحية ذي طوى (وهي من شعاب مكة ومداخلها)، حتى إذا كان قبل خروجه بليلتين انتهى المولى الذي يكون بين يديه حتى يلقى بعض أصحابه فيقول: كم أنتم هاهنا؟فيقولون:نحو من أربعين رجلاً فيقول كيف أنتم لو قد رأيتم صاحبكم؟ فيقولون: والله لو يأوي الجبال لأوينا معه! ثم يأتيهم من القابلة فيقول لهم: أشيروا إلى ذوي أسنانكم وأخياركم عشرة. فيشيرون له إليهم، فينطلق بهم حتى يأتوا صاحبهم، ويعدهم إلى الليلة التي تليها). (البحار:52/341). والظاهر أن منظور الرواية غيبته عليه السلام في الفترة القصيرة التي تسبق ظهوره. وأن هؤلاء الأصحاب غير الأبدال الذين يكونون معه، أو على صلة به، وغير الاثني عشر الذين يجمع كل منهم على أنه قد رآه فيكذبونهم، بل يكونون من الأخيار الباحثين عنه، من أمثال العلماء السبعة الذين تقدم ذكرهم. وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (يقبل القائم عليه السلام في خمسة وأربعين رجلاً من تسعة أحياء: من حي رجل، ومن حي رجلان، ومن حي ثلاثة، ومن حي أربعة، ومن حي خمسة، ومن حي ستة، ومن حي سبعة، ومن حي ثمانية، ومن حي تسعة. ولا يزال كذلك حتى يجتمع له العدد). (البحار:52/309). والمقصود أنه يقبل في مقدمات ظهوره، أو يقبل إلى مكة، ولا يبعد أن تكون المجموعتان المذكورتان في الروايتين مجموعة واحدة، وهي التي تصل إلى مكة قبل بقية الأصحاب. ويبدو أن أصحابه المفقودين عن أفرشتهم، الذين ينقلون من بلادهم إلى مكة برمشة عين بقدرة الله عز وجل أفضل من الذين يصلون قبلهم. أما الذين يسيرون إليه نهاراً في السحاب كما تذكر الروايات، ويكونون معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم، أي يأتون إلى مكة بشكل طبيعي لا يثير الناس، فهم أفضل أصحابه على الاطلاق! ولا يبعد أن يكونوا هم الأبدال الذين يعيشون معه، أو يقومون بأعماله في أنحاء العالم، ويعرفون موعد ظهوره بالتحديد، فيصلون في الموعد. فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( إن صاحب هذا الأمر محفوظة له أصحابه، لو ذهب الناس جميعاً أتى الله بأصحابه، وهم الذين قال فيهم الله عز وجل: (فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِين). وهم الذين قال الله فيهم: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) (البحار:52/370) وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (منهم من يفقد عن فراشه ليلاً فيصبح بمكة، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهاراً، يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه. قلت: جعلت فداك أيهم أعظم إيماناً؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً). (البحار:52/368). ومعنى سيرهم في السحاب نهاراً أن الله تعالى ينقلهم إلى مكة بواسطة السحاب على نحو الكرامة والإعجاز، كما يحتمل أن يكون معناه مجيؤهم بواسطة الطائرات كسائر المسافرين، بجوازات سفر بأسمائهم وأسماء آبائهم، وتكون الأحاديث الشريفة عبرت بذلك لأن الطائرات لم تكن موجودة. ولعل السبب في أن هؤلاء أفضل من المفقودين عن فرشهم ليلاً، أنهم الأبدال الذين يعملون معه عليه السلام كما أشرنا، أو أصحاب اتصل بهم قبل غيرهم في تلك الفترة وكلفهم بأعمال، بينما المفقودون عن فرشهم يبيتون تلك الليلة وواحدهم لا يعلم أنه عند الله تعالى أحد أصحاب الإمام المهدي عليه السلام، ولكن مستوى تقواهم وعقلهم ووعيهم يؤهلهم لهذا المقام العظيم، فيصطفيهم الله تعالى، وينقلهم ليلاً إلى مكة المكرمة، ويتشرفون بخدمة المهدي عليه السلام. وقد ورد في بعض الروايات أنهم بينما يكونون نائمين على أسطح منازلهم إذ يفتقدهم ذو وهم وينقلهم الله إلى مكة. وفيها إشارة إلى أن ظهوره عليه السلام يكون في فصل الصيف أو بين الصيف والخريف كما سنشير إليه، وإشارة إلى أن عدداً من هؤلاء المفتقدين عن فرشهم يكونون من أهل المناطق الحارة التي ينام أهلها على سطوح منازلهم أو في ساحاتها. وقد ورد أن اجتماعهم في مكة يكون في ليلة جمعة ليلة التاسع من شهر محرم، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (يجمعهم الله في ليلة جمعة، فيوافونه صبيحتها إلى المسجد الحرام ولايتخلف منهم رجل واحد) (بشارة الإسلام ص210). وهو ينسجم مع ما ورد في مصادر الفريقين من أن الله تعالى يصلح أمر المهدي عليه السلام في ليلة واحدة، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (المهدي منا أهل البيت يصلح الله أمره في ليلة. وفي رواية أخرى: يصلحه الله في ليلة) (البحار:52/280) لأن تجميع أصحابه من ألطاف الله تعالى في إصلاح أمر وليه. وينسجم أيضاً مع الروايات المتعددة التي تحدد بداية ظهوره في مساء يوم الجمعة التاسع من محرم، ثم في يوم السبت العاشر من محرم. الحركة الإختبارية ـ شهادة النفس الزكية: تكون القوى الفاعلة في مكة عند ظهور المهدي عليه السلام كما تذكر الروايات، ويدل منطق الأمور، كما يلي: الحكومة الحجازية، التي تجمع قواها رغم ضعفها لمواجهة احتمال ظهوره، الذي يتطلع إليه المسلمون من مكة، وتنشط له فعالياتهم في موسم الحج. ومخابرات الدول الكبرى، التي تعمل في مساعدة حكومة الحجاز وقوات السفياني، أو بشكل مستقل، لرصد الوضع في الحجاز، وفي مكة خاصة. ومخابرات السفياني،التي تتعقب الفارين من قبضتها من المدينة، وتستطلع الوضع لدخول جيش السفياني عندما يقتضي الأمر، لضرب أي حركة مهدية من مكة. وفي المقابل: لابد أن يكون لليمانيين دور في الحجاز وفي مكة، خاصة وأن دولتهم الممهدة تكون قامت قبل بضعة شهور. كما لا بد أن يكون لأنصاره الإيرانيين وجود في مكة أيضاً، بل لابد أن يكون له أنصار أيضاً من الحجازيين والمكيين ومن عباد الله الصالحين في قوات حكومة الحجاز. في مثل هذا الجو المعادي والمؤيد، يضع الإمام المهدي أرواحنا فداه خطة إعلان حركته من الحرم الشريف وسيطرته على مكة. ومن الطبيعي أن لا تذكر الروايات تفاصيل عن هذه الخطة، عدا تلك التي تنفع في إنجاح الثورة المقدسة، أو لا تضر بها. وأبرز ما تذكره أنه عليه السلام يرسل شاباً من أصحابه وأرحامه في الرابع والعشرين أو الثالث والعشرين من ذي الحجة، أي قبل ظهوره بخمسة عشر ليلة لكي يلقي بيانه على أهل مكة. ولكنه ما أن يقف في الحرم بعد الصلاة، ويقرأ عليهم رسالة الإمام المهدي عليه السلام، أو فقرات منها، حتى يثبوا إليه ويقتلوه بوحشية، داخل المسجد الحرام بين الركن والمقام. ويكون لشهادته المفجعة أثر في الأرض وفي السماء! تكون هذه الحادثة حركة اختبارية ذات فوائد متعددة، فهي تكشف للمسلمين وحشية سلطة الحجاز، ومن ورائها القوى الكافرة. وتمهد بظلامتها وتأثيرها لحركة المهدي عليه السلام، التي لا تتأخر عنها أكثر من أسبوعين، كما أنها تبعث الندم والتراخي في أجهزة السلطة، بسبب هذا الإقدام الوحشي السريع. وأخبار شهادة هذا الشاب الزكي في مكة، متعددة في مصادر الفريقين، وكثيرة في مصادرنا الشيعية، وتسميه الغلام، والنفس الزكية، ويذكر بعضها أن اسمه محمد بن الحسن. فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (ألا أخبركم بآخر ملك بني فلان؟ قلنا: بلى يا أمير المؤمنين. قال: قتل نفس حرام، في بلد حرام، عن قوم من قريش. والذي فلق الحبة وبرأ النسمة مالهم ملك بعده غير خمسة عشر ليلة. قلنا: هل قبل هذا من شيء أو بعده؟ فقال صيحة في شهر رمضان، تفزع اليقطان، وتوقظ النائم، وتخرج الفتاة من خدرها). (البحار:52/234) والظاهر أن عبارة: (قوم من قريش) مصحفة، حيث لا يستقيم لها معنى. وفي رواية طويلة عن أبي بصير عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (يقول القائم لأصحابه: يا قوم إن أهل مكة لا يريدونني ولكني مرسل إليهم لأحتج عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم. فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له: إمض إلى أهل مكة فقل: يا أهل مكة أنا رسول فلان إليكم، وهو يقول لكم: إنا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسلالة النبيين، وإنا قد ظلمنا واضطهدنا وقهرنا، وابتز منا حقنا منذ قبض نبينا إلى يومنا هذا، فنحن نستنصركم فانصرونا. فإذا تكلم الفتى بهذا الكلام، أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكية. فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه: أما أخبرتكم أن أهل مكة لا يريدوننا! فلا يدعونه حتى يخرج، فيهبط من عقبة طوى في ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً، عدة أهل بدر، حتى يأتي المسجد الحرام فيصلي عند مقام إبراهيم أربع ركعات، ويسند ظهره إلى الحجر الأسود، ثم يحمد الله ويثني عليه، ويذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويصلي عليه، ويتكلم بكلام لم يتكلم به أحد من الناس). (البحار:52/307). وطُوى: أحد جبال مكة ومداخلها، وما ورد فيها عن النفس الزكية قوي في نفسه، لكن المرجح في كيفية ظهوره عليه السلام أنه وأصحابه يدخلون المسجد فرادى، كما يأتي. وقد أورد ابن حماد ص89 و91 و93 عداة أحاديث حول النفس الزكية الذي يقتل في المدينة، والنفس الزكية الذي يقتل في مكة منها ص93: (إن المهدي لايخرج حتى تقتل النفس الزكية، فإذا قتلت النفس الزكية غضب عليهم من في السماء ومن في الأرض، فأتى الناس المهدي فزفوه كما تزف العروس إلى زوجها ليلة عرسها، وهو يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وتخرج الأرض نباتها وتمطر المساء مطرها، وتنعم أمتي في ولايته نعمة لم تنعمها قط). (وابن أبي شيبة:15/199) وفي ص91 عن عمار بن ياسر قال:( إذا قتل النفس الزكية وأخوه، يقتل بمكة ضيْعةً نادى مناد من السماء: إن أميركم فلان، وذلك المهدي الذي يملأ الأرض حقاً وعدلاً). انتهى. (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً). تتفاوت الروايات بعض الشيء في كيفية بداية حركة الظهور المبارك، وفي وقته. لكن المرجح أنه عليه السلام يظهر أولا في أصحابه الخاصين الثلاث مئة وثلاثة عشر، ويدخلون المسجد فرادى مساء التاسع من محرم، ويبدأ حركته المقدسة بعد صلاة العشاء، بتوجيه بيانه إلى أهل مكة، ثم يسيطر أصحابه وبقية أنصاره في تلك الليلة على الحرم وعلى مكة. وفي اليوم الثاني، أي العاشر من محرم يوجه بيانه إلى شعوب العالم بلغاتها! ثم يبقى في مكة إلى ما بعد آية الخسف بجيش السفياني، ثم يتوجه إلى المدينة المنورة بجيشه البالغ عشر آلاف، أو بضعة عشر ألفاً. وينبغي الإلفات إلى أن الأحاديث الشريفة تسمي حركته عليه السلام من أولها في مكة: (ظهوراً، وخروجاً، وقياماً)، ويبدو أنها تعابير مترادفة. لكن بعض الروايات تفرق بين الظهور والخروج، فتسمي حركته عليه السلام في مكة (ظهوراً) وتحركه منها إلى المدينة (خروجاً) وتذكر أن ظهوره في مكة يكون بأصحابه الخاصين، وخروجه منها إلى المدينة يكون بعد أن يكمل له عشرة آلاف من أنصاره، بعد أن يخسف بجيش السفياني، فعن عبد العظيم الحسني(ره) قال: (قلت لمحمد بن علي بن موسى (الإمام الجواد عليه السلام) إني لأرجو أن تكون أنت القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. فقال: يا أبا القاسم، ما منا إلا قائم بأمر الله، وهاد إلى دين الله، ولست القائم الذي يطهر الله به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملؤها عدلاً وقسطاً وهو الذي يخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سمي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنيه، وهو الذي تطوى له الأرض، ويذل له كل صعب، يجتمع إليه من أصحابه عدد أهل بدر ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض، وذلك قول الله عز وجل: (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الأرض أظهر أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف خرج بإذن الله، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله تبارك وتعالى. قال عبد العظيم، قلت له: يا سيدي، وكيف يعلم أن الله قد رضي؟ قال: يلقي الله في قلبه الرحمة). (البحار:51/157). وعن الأعمش عن أبي وائل أن أمير المؤمنين عليه السلام نظر إلى ابنه الحسين عليه السلام فقال: (إن ابني هذا سيد، كما سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيداً. وسيخرج الله من صلبه رجلاً باسم نبيكم فيشبهه في الخلق والخلق، يخرج على حين غفلة من الناس، وإماتة من الحق، وإظهار من الجور، والله لو لم يخرج لضرب عنقه، يفرح لخروجه أهل السماء وسكانها، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً) (البحار:51/120). وقوله عليه السلام: (لو لم يخرج لضرب عنقه) يدل على أن أجهزة الأعداء قبيل ظهوره تكشف أمره، وتكاد تكشف خطته، بحيث يكون مهدداً بالقتل لو لم يخرج! وعن إبراهيم الجريري عن أبيه قال: (النفس الزكية غلام من آل محمد اسمه محمد بن الحسن، يقتل بلا جرم ولا ذنب، فإذا قتلوه لم يبق لهم في السماء عاذر ولا في الأرض، فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمد في عصبة لهم أدق في أعين الناس من الكحل، فإذا خرجوا بكى لهم الناس، لايرون إلا أنهم يختطفون يفتح الله لهم مشارق الأرض ومغاربها. ألا وهم المؤمنون حقاً، ألا إن خير الجهاد في آخر الزمان). (البحار:52/217). وهذا يدل على أن أول ظهوره عليه السلام يكون في عدد قليل من أصحابه بحيث يشفق عليهم الناس، ويتصورون أنهم سيقبض عليهم ويقتلون! وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (إن القائم يهبط من ثنية ذي طوى في عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، حتى يسند ظهره إلى الحجر الأسود ويهز الراية المغلبة. قال علي بن أبي حمزة: فذكرت ذلك لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام فقال: وكتاب منشور). (البحار:52/306). ولا يعني ذلك أنه يعلن ظهوره من ذي طوى مع أصحابه قبل دخوله المسجد، بل يعني أن مجيئهم إلى مكة يكون من ذي طوى، أو بداية حركتهم إلى المسجد من هناك. والراية المغلبة هي راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي ذكرت الروايات أنها تكون معه عليه السلام وأنها لم تنشر بعد حرب الجمل، حتى ينشرها المهدي عليه السلام. ومعنى قول الإمام الكاظم عليه السلام في تعليقه على الحديث: (وكتاب منشور) أنه يخرج الناس كتاباً منشوراً أيضاً، ولعله العهد المعهود له بإملاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخط أمير المؤمنين عليه السلام كما تذكر الرواية في نفس المصدر. وذكرت الروايات أن معه أيضاً مواريث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومواريث الأنبياء عليه السلام. فعن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: (فيهبط من عقبة طوى في ثلاثماية وثلاثة عشر رجلاً، عدة أهل بدر، حتى يأتي المسجد الحرام، فيصلي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات ويسند ظهره إلى الحجر الأسود، ثم يحمد الله ويثني عليه، ويذكر النبي ويصلي عليه، ثم يتكلم بكلام لم يتكلم به أحد من الناس، فيكون أول من يضرب على يده ويبايعه جبرئيل وميكائيل). (البحار:52/307). وقد ذكرت الروايات فقرات من خطبته عليه السلام، أو بيانه الأول الذي يلقيه على أهل مكة، وبيانه الثاني الذي يوجهه إلى المسلمين والعالم. من ذلك ما في مخطوطة ابن حماد ص95، عن أبي جعفر قال: (ثم يظهر المهدي عند العشاء، ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقميصه وسيفه، وعلامات ونور وبيان. فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته يقول: أذكِّركم الله أيها الناس، ومقامكم بين يدي ربكم. فقد اتخذ الحجة وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب، وأمركم أن لا تشركوا به شيئاً، وأن تحافظوا على طاعة الله وطاعة رسوله، وأن تحيوا ما أحيا القرآن وتميتوا ما أمات ن وتكونوا أعواناً على الهدى، ووزراً على التقوى، فإن الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها وآذنت بوداع، فإني أدعوكم إلى الله وإلى رسوله، والعمل بكتابه، وإماتة الباطل، وإحياء سنته. فيظهر في ثلاثماية وثلاثة عشر رجلاً عدة أهل بدر، على غير ميعاد، قزعاً كقزع الخريف، رهبان بالليل، أسد بالنهار، فيفتح الله للمهدي أرض الحجاز، ويستخرج من كان في السجن من بني هاشم. وتنزل الرايات السود الكوفة، فتبعث بالبيعة إلى المهدي، ويبعث المهدي جنوده في الآفاق، ويميت الجور وأهله، وتستقيم له البلدان). وقَزَع الخريف: غيومه التي تكون متفرقة في السماء ثم تجتمع. وأول من شبه تجمع أصحاب المهدي عليه السلام بذلك أمير المؤمنين عليه السلام كما في نهج البلاغة خطبة رقم166، ولعله أخذ ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ويحتمل أن يكون ظهور المهدي عليه السلام وتجمع أصحابه في مكة في فصل الخريف، أو آخر الصيف كما أشرنا. وعن أبي خالد الكابلي قال: قال أبو جعفر( الإمام الباقر عليه السلام): (والله لكأني أنظر إلى القائم وقد أسند ظهره إلى الحجر، ثم ينشد الله حقه، ثم يقول: يا أيها الناس: من يحاجني في الله، فأنا أولى الناس بالله. أيها الناس: من يحاجني في آدم، فأنا أولى الناس بآدم. أيها الناس: من يحاجني في نوح، فأنا أولى الناس بنوح. أيها الناس: من يحاجني في إبراهيم، فأنا أولى الناس بإبراهيم. أيها الناس: من يحاجني في موسى، فأنا أولى الناس بموسى. أيها الناس: من يحاجني في عيسى، فأنا أولى الناس بعيسى. أيها الناس: من يحاجني في محمد، فأنا أولى الناس بمحمد. أيها الناس: من يحاجني في كتاب الله، فأنا أولى الناس بكتاب الله. ثم ينتهي إلى المقام فيصلي ركعتين). (البحار:52/315). وجاء في روايات أخرى بعض الإضافات، منها أنه يقول: (يا أيها الناس: إنا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس، وإنا أهل بيت نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونحن أولى الناس بمحمد، فأنا بقية من آدم، وذخيرة من نوح، ومصطفى من إبراهيم، وصفوة من محمد. ألا ومن حاجني من سنة رسول الله، فأنا أولى الناس بسنة رسول الله. فيجمع الله عليه أصحابه، ثلاثمائة وثلاثة عشر، ويجمعهم على غير ميعاد. فيبايعونه بين الركن والمقام. ومعه عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد توارثته الأبناء عن الآباء). (البحار:52/238). وتذكر بعض الروايات أن رجلاً من أصحابه عليه السلام يقف أولاً في المسجد الحرام فيعرفه الناس، ويدعوهم إلى الإستماع إليه وإجابته، ثم يقف هو عليه السلام ويلقي خطبته، فعن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: ( فيقوم رجل منه فينادي: يا أيها الناس، هذا طلبتكم قد جاء كم، يدعوكم إلى ما دعاكم إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . قال فيقومون فيقوم هو بنفسه فيقول: أيها الناس، أنا فلان بن فلان ابن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أدعوكم إلى ما دعاكم إليه نبي الله، فيقومون إليه ليقتلوه، فيقوم ثلاث مئة ونيف فيمنعونه). ( البحار:52/306). ومعنى رجل منه: أي من نسبه. ومعنى فيقومون: فيقفون ليروا المهدي عليه السلام الذي يهلج الناس بذكره وينتظرونه.ويحتمل أن يكون معناه فيقفون ويأخذون بالإنصراف خوفاً من السلطة. والذين يقومون إليه ليقتلوه لابد أنهم من سلطة الحجاز. والرواية بدقتها تصور حالة المسلمين في التشوق إلى الإمام المهدي عليه السلام وطلبهم له وبحثهم عنه، وخوفهم من الإرهاب والبطش في نفس الوقت. وينبغي الإلفات إلى أنه من المستبعد أن يكفي أصحابه الخاصون عليه السلام لتحرير الحرم ومكة في مثل ذلك الجو الشديد الذي تذكره الأحاديث الشريفة، والذي يكفي أن نعرف منه حادثة قتل النفس الزكية قبل الظهور بأسبوعين بنحو وحشي لمجرد أنه قال أنا رسول المهدي وبلغهم عنه كلمات لذلك لابد أن يكون الإمام المهدي عليه السلام مضافاً إلى ما أعطاه الله تعالى من أسباب غيبية، قد أعد العدة بالأسباب الطبيعية لكي يتمكن من إلقاء خطبته كاملة، ثم ليسيطر أصحابه على الحرم الشريف ثم على مكة، وذلك بواسطة المئات أو الألوف من أنصاره اليمانيين والإيرانيين والحجازيين، بل من المكيين أنفسهم الذين ذكرت الروايات أنه يبايعه عدد منهم. فهؤلاء هم القوة البشرية والعسكرية الذين يقومون بالأعمال والمهام المتعددة الضرورية لإنجاح حركته المقدسة، والإمساك بزمام الأمر في مكة وتحويل التيار الشعبي المؤيد له إلى حالة حركة متكاملة. ويكون دور أصحابه الخاصين الثلاث مئة وثلاثة عشر دور القادة والموجهين لفعاليات الأنصار. ولا يعني ذلك أن حركة ظهوره عليه السلام تكون حركة دموية، فإن الروايات لا تذكر حدوث أي معركة أو قتل في المسجد الحرام، ولا في مكة. وقد كنت سمعت من بعض العلماء أن أصحاب المهدي عليه السلام يقتلون إمام المسجد الحرام في تلك الليلة، لكني لم أجد رواية فيه، وغاية ما وجدته ما نقله صاحب الزام الناصب(ره) في:2/166، نقلاً عن بعض العلماء قال: ( وفي اليوم العاشر من المحرم يخرج الحجة، يدخل المسجد الحرام يسوق أمامه عنيزات ثمان عجاف (ثماني عجافاً) ويقتل خطيبهم، فإذا قتل الخطيب غاب عن الناس في الكعبة، فإذا جنة الليل ليلة السبت صعد سطح الكعبة ونادى أصحابه الثلاثة مائة وثلاثة عشر، فيجتمعون عنده من مشرق الأرض ومغربها، فيصبح يوم السبت ويدعو الناس إلى بيعته). ولكن هذا النص ليس رواية، مضافاً إلى ضعف متنه كما أشرنا. لهذا، فإن المرجح أن حركة ظهوره عليه السلام تكون حركة بيضاء لاتسفك فيها دماء، بسبب الإمداد الغيبي وإلقاء الرعب في قلوب أعدائه، وبسبب التيار الشعبي الباحث عنه والمتشوق لظهوره. ثم بسبب الخطة المتقنة للسيطرة على الحرم وعلى مراكز السلطة والمواقع الهامة في مكة بدون سفك دماء. ولا يبعد أن يكون ذلك مقصوداً بعناية منه عليه السلام، لكي يحفظ حرمة المسجد الحرام ومكة المكرمة وقدسيتها. في تلك الليلة المباركة تتنفس مكة الصعداء، وترف عليها راية الإمام المهدي الموعود عليه السلام وتشع منها أنواره. بينما يبذل الأعداء وإعلامهم العالمي جهدهم لكي يعتموا على نجاح حركته المقدسة، أو يصوروها إذا تسرب خبرها بأنها حركة واحد من المتطرفين المدعين للمهدية، الذي سبق أن قضي على عدد منهم في مكة وغيرها. وينشطون في تحريك عناصرهم داخل مكة، لجمع المعلومات عن قائد الحركة وقواته، واكتشاف نقاط الضعف المناسبة، وتقديمها إلى قوات السفياني، التي يصدر إليها الأمر بالتحرك إلى مكة بأسرع وقت ممكن. وفي اليوم التالي لظهور عليه السلام يوم عاشوراء، ويكون يوم سبت كما تذكر بعض الروايات، يدخل الإمام المهدي عليه السلام المسجد الحرام ليؤكد عالمية حركته ويخاطب شعوب المسلمين كلها وشعوب العالم بلغاتها، ويطلب منهم النصرة على الكافرين والظالمين. فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (يخرج القائم يوم السبت يوم عاشوراء، اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام ). (البحار:52/285). وقد تقدمت الرواية بأنه يخرج يوم الجمعة بعد صلاة العشاء، ووجه الجمع بينهما ما رجحناه من أن ظهوره عليه السلام يكون على مرحلتين، وأن سيطرته على الحرم ومكة ليلة العاشر من محرم تكون مقدمة لإعلان ظهوره للعالم يوم السبت يوم عاشوراء. ولابد أن يكون لذلك وقع على دول العالم، ودوي كبير في الشعوب الإسلامية، خاصة عندما يخبرهم عليه السلام بأن المعجزة الموعودة على لسان جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم سوف تقع ويخسف بالجيش السوري السفياني الذي يتوجه إلى مكة للقضاء على حركته. والروايات عن مدة بقائه في مكة وأعماله فيها قليلة، تقول إحداها: (فيقيم في مكة ما شاء الله أن يقيم) (البحار:52/334)، وتذكر أخرى أنه يقيم الحد على سراق الكعبة الشريفة، وقد يكون المقصود بهم حكام الحجاز قبله، ولا بد أن يكون من أعماله عليه السلام مخاطباته للشعوب الإسلامية، وإعلان خطه السياسي العالمي. وتذكر الروايات أنه يخرج من مكة إلا بعد أن تحصل معجزة الخسف بجيش السفياني، ولكن هذا الجيش على ما يبدو سرعان ما يتوجه إلى مكة بعد إعلان الإمام حركته، لكي يقضون عليها، فيخسف الله بهم قبل أن يصلوا إلى مكة. نعم تذكر الروايات ردة الفعل الشديدة عند أئمة الكفر الغربيين والشرقيين على نجاح حركته عليه السلام، وأن ذلك سوف يغيظهم كثيراً ويفقدهم أعصابهم!! فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل الشرق وأهل الغرب. قلت له: مم ذلك؟ قال: مما يلقون من بني هاشم) (البحار:52/363)، وفي رواية:(مما يلقونه من أهل بيته قبله)، وهذا يشير الى الحركة الممهدة قبله عليه السلام وأنه يقودها في الغالب سادات من بني هاشم، وأن الكفر العالمي يلاقي منها ومن تيارها الإسلامي متاعب كثيرة. ثم يتوجه الإمام المهدي عليه السلام من مكة إلى المدينة بجيشه المؤلف من عشرة آلاف أو بضعة عشر ألفاً كما تذكر الروايات، بعد أن يعين والياً على مكة. فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (يبايع القائم بمكة على كتاب الله وسنة رسوله. ويستعمل على مكة، ثم يسير نحو المدينة، فيبلغه أن عامله قتل. فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة ولا يزيد على ذلك) (البحار:52/308). وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة (أي أهل مكة) فيطيعونه، ويستخلف عليهم رجلاً من أهل بيته، ويخرج يريد المدينة، فإذا سار منها وثبوا عليه فيرجع إليهم، فيأتونه مهطعين مقنعي رؤوسهم، يبكون ويتضرعون ويقولون: يا مهدي آل محمد التوبة التوبة! فيعظهم وينذرهم ويحذرهم، ويستخلف عليهم منهم خليفة ويسير). (البحار:53/11)، وهذه الرواية لا تشير إلى وجود حركة مقاتلة في وجهه في مكة، وقد يكون المقصود بأنه يقتل مقاتلتهم في الرواية الأولى الأفراد الذين قتلوا واليه على مكة. وفي طريقه إلى المدينة، يمر على مكان الخسف بجيش السفياني كما تذكر رواية تفسير العياشي عن الإمام الباقر عليه السلام: (فإذا خرج رجل منهم (من آل محمد) معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عامداً إلى المدينة، فيقول هذا مكان القوم الدين خسف الله بهم، وهي الآية التي قال الله عز وجل: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ). انتهى.
source : http//m-mahdi.com