وجدنا قوم طالوت اختلفوا في امامته، وأبوا على النبي نصبه أنه لا يليق الامامة، فاحتج اللّه تعالى بصحة امامته بشيئين، كما قال : (وزاده بسطة في العلم والجسم واللّه يؤتي ملكه من يشاء واللّه واسع عليم ) وتفحصنا بأن هاتين الخصلتين لمنالمدعيين ؟ ووجدنا العالمين أنهم اتفقوا على أن عليا(عليه افضل الصلاة والسلام) كان أشجع وأعلم كما ذكرنا، وفقدا في غيره . فقلنا: انه محق وغيره مبطل .
كان بنو اسرائيل امارة طالوت بأنه لم يؤت سعة من المال، كما كان لعلى مثل هذه، كما في شأنه (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا) لثلاث أقراص تصدق بها. وكان منافق تصدق بأربعين ألفا حتى نزلت فيه (فلا صدق ولا صلى ) ، لأنه كان لغير اللّه، بل بضد أميرالمؤمنين .
وأدل الاية من هذاالباب هو قوله تعالى (ألم تر إلى الملا من بني اسرائيل من بعدموسى اذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل اللّه). ولم يأخذوا الملك بالاختيار والبيعة، ومدحهم اللّه بهذا، كما ارتكبه امة الاسلام وقال اللّه تعالى (ولاتجد لسنتنا تحويلا). ان قيل : هي هنا ذكر الملك، لا الامامة .
الجواب : النبوة والامامة هما الملك من قبل اللّه والعدل لان اظهار الحق لايمكن الا بالسيف، ودليلنا ملك سليمان (عليه افضل الصلاة والسلام) وداود (عليه افضل الصلاة والسلام) ويوسف (عليه افضل الصلاة والسلام) ووزارة دانيال (عليه افضل الصلاة والسلام) من قبل بخت نصر. قال اللّه تعالى (ولقد اتينا بني اسرائيل الكتاب والحكم والنبوة )
وقال :(ام يحسدون الناس على ما اتهم اللّه من فضله فقد اتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة ) وقال فيهم : (واتكم مالم يؤت احدا من العالمين ). ان قيل : كان هذا في بني اسرائيل ولا يجب في الاسلام مثله .
الجواب : ورد في كتاب الزينة في الجلد الثالث من كتب أهل السنة، أن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)قال : كائن في امتي ما كان في بني اسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذ ة حتى لو أن أحدا منهم أتى بامه لوجد في امتي كذلك . (1)
ويؤكده قوله تعالى : (ولاتجد لسنتنا تحويلا).
التشيع في العالم
في كتب المخالف انهم قالوا: مات رسول اللّه (صلی الله عليه وآله وسلم) وترفـّض علي بن أبي طالب مع سبعة عشر نفرا، من المهاجرين والانصار. وأورده ابن الغنوي وأبوحعفر محمد بن جرير الطبرى في كتابه :(المسترشد).
ونجد القوم أنهم شاعوا في الشرق والغرب و ذلك أن سائر أصناف الكفاروالمشركين وأهل الاديان الباطلة ينقلون من رأيهم إلى الاسلام ومن الاسلام إلى التشيع من جميع مذاهبهم .
وأما الشيعة فلا ينقلون إلى أحد هؤلاء المذاهب ثم رجعنا بهذه الحالة إلى القرآن، وجدنا فيه أنه تعالى قال فى سورة الفتح : (ورأيت الناس يدخلون في دين اللّه افواجا).
فصح بناء على هذا أن دين اللّه، هذا، لا مذهب آخر والا انتقلوا إليه، فهذامقطوع متيقن، والباقي خيال موهوم . والعاقل لا يترك المقطوع بالموهوم . فصدق فيناحديث النبي (صلی الله عليه وآله وسلم) كما قال : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك(2).
مدح القلة في القرآن
ناظرنا أهل السنة ووجدناهم يحتجون علينا باء نهم أكثر، والكثرة دلالة الصحة .
الجواب : قال اللّه تعالى : (فان تنازعتم في شيء فردوه إلى اللّه والرسول ) .
فوجدنا اللّه أنه ذم الكثرة، فقال تعالى : (وما اكثر الناس و لو حرصت بمؤمنين ). وقال : (وأكثرهم للحق كارهون ). وقال (وان تطع اكثر من في الا رض يضلوك عن سبيل اللّه ).
وقال : (ولكن أكثرالناس لايعلمون )، و(لايعقلون )، (ولا يشكرون )، (ولايفقهون )، وأمثال ذلك فيه .وذلك لان أسباب الضلالة كثيرة، فكثرة المسبب بتكثر سببه .
ثم رجعنا إلى القرآن وجدنا فيه أنه مدح الاقل، فقال في قصة طالوت : (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة ). وقال في قصة موسى (عليه افضل الصلاة والسلام) وفرعون : (ان هؤلاء لشرذمة قليلون وانهم لنا لغائظون و انالجميع حاذرون ) .
وقال في حكاية ابليس : (ولقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين ). وقال : (وقليل من عبادى الشكور). ولاحصر للاحجار والتراب والنبات الرائقة،
ولكن اليواقيت واللا لي والمسك والعنبر بالنسبة إلى الرياحين أقل قليل . وهكذا الخزر والمرجان والنباتات الدوائية، فدع ما يريبك إلى مالايريبك . (3)
قوله تعالى : (كونوا مع الصادقين )
استقرأنا القرآن ووجدنا فيه أن اللّه تعالى أمرنا بالكون مع الصادقين . (4)
فقلنا: ان هذا الصادق لا يصح كونه في أمردون آخر لان أهل الكتاب والملاحدة والخوارج و الغلاة صادقون في الجزئيات من الدين، كما في (لا اله الا اللّه ).وهذا محال، فلم يبق الا أن يكون الصادق في جميع الاشياء، ولايوجد بهذه الصفة الا المعصومون .
وهم على بن أبي طالب وأولاده إلى القائم (عليه افضل الصلاة والسلام).
وأما الشيخان لما كانا جائزي الخطاء، جاز وقوع الخطاء منهما، فلم يجب علينا متابعتهما.والمراد بالكون معهم متابعتهم فعلا وقولا على كل حال، لا ن الحكم مطلق متناول سائر حالات المتبوع والتابع أيضا، لكونه تابعه . فالامن والوثوق يحصلان بالعترة لا بالصحابة . فدع مايريبك إلى ما لا يريبك .
قوله تعالى : (انما أنت منذر ولكل قوم هاد)
اعلم أن جميع العبادات وأركان الدين حصل باذن اللّه ورسوله وليس لاحدوضع شيء منها.
فعلى هذا الامامة هي قوام النبوة . والامام خليفة الرسول . فينبغي أن يكون بنص اللّه ورسوله واذنهما، فكما أن المنذر كان باذن اللّه ينبغي أن يكون الهادي أيضا باذنه، لاباختيار الخلق و بيعتهم .
قال اللّه تعالى : (انم أنت منذر ولكل قوم هاد) ولم يوجد النص الا لعلي وأولاده (عليه افضل الصلاة والسلام).
صحبة الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم)
مسألة : وجدنا أكثر أهل القبلة يمدحون الصحابة فسألتهم : من أين حصل لهم هذه المناقب ؟ قالوا: بالصحبة مع النبي (صلی الله عليه وآله وسلم).
فسألتهم مهما صحبوه ؟ قالوا: أ يام كهولتهم فوق الاربعين أوالخمسين .
فسألت من على (عليه افضل الصلاة والسلام)؟
قالوا: ولد في حجرالنبى، وفي حجره ترضع ونشاء ونما، وصحبه إلى أيام كهولته . (5)
ووردت الاخبار والايات فيه، كما هو مشهور. فوجدت الصحبة هاهنا أكثر، والقرابة أمس، والعلم أكثر، والعصمة أوفق .
فقلت : ان تقدمهم على هذا الرجل كان البتة ظلما وعدوانا وانتهازا للفرصة، وفلتة، كما قال عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى اللّه شرها. (6)
فأمرني قلبي وعقلي بترك المتقدمين على العترة، لا ن هؤلاء على الثرى، وعلى (عليه افضل الصلاة والسلام) على الثريا، بل هو أعلى، كما قال : سلوني عما دون العرش .
المصادر :
1- تاريخ بغداد 4: 418, اعلام الورى : 363, كفاية الاثر: 15.
2- مسند أحمد 3:153, الكشاف 1: 34, غوالي اللا لي 3: 320.
3- مسند أحمد 3: 153, الكشاف 1: 34.
4- الدر المنثور 3: 390, ينابيع المودة : 119, نهج الحق وكشف الصدق : 190.
5- المستدرك على الصحيحين 3: 576, المناقب للخوارزمي : 51.
6- صحيح البخاري 8: 25, 26, مسند أحمد 1: 55, السيرة النبوية لابن هشام 4: 307, 308, شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2: 26, 29.