يجوز تعجيل إخراج خمس الربح إذا حصل في أثناء السنة، ولا يجب التأخير إلى آخرها فإنّ التأخير من باب الارفاق ، وحينئذ فلو أخرجه ـ بعد تقدير المؤنة بما يظنّه ـ فبان بعد ذلك عدم كفاية الربح لتجدّد مؤن لم يكن يظنّها كشف ذلك عن عدم صحّته خمساً فله الرجوع به على المستحقّ مع بقاء عينه، لا مع تلفها في يده إلاّ إذا كان عالماً بالحال فإنّ الظاهر ضمانه حينئذ.
المسألة مبنية على قول المشهور من تعلّق الخمس على الربح بمجرّد ظهور الربح وأنّ التأخير من باب الإرفاق لأجل احتمال تجدّد مؤن غير مترقّبة.
إذا اشترى بالربح قبل إخراج الخمس جارية لا يجوز له وطؤها، كما أنّه لو اشترى به ثوباً لا يجوز الصلاة فيه، و لو اشترى به ماء للغسل أو الوضوء لم يصحّ، و هكذا، نعم لو بقي منه بمقدار الخمس في يده و كان قاصداً لإخراجه منه جاز و صحّ .
قد عرفت أنّ مختاره تعلّق الخمس بالعين على نحو الكلي في المعين، وعليه يجوز التصرف في العين مادام مقدار الخمس باقياً سواء قصد إخراجه من الباقي أو لا: ولكنه قدَّس سرَّه قيّد جواز التصرف في ذيل المسألة بشرطين:
1. بقاء مقدار الخمس.
2. كونه قاصداً الإخراج منه.
لكن الظاهر الغناء عن هذا الشرط لجواز التصرّف مادام مقدار الخمس باقياً إذ ليس تصرّفه عندئذ تصرّّفاً في مال الغير سواء أقصد الإخراج أم لا.
وإنّما الكلام فيما إذا تصرّف في جميع المال واشترى به جارية أو ثوباً أو ماء الغسل، فهل يجوز التصرّف فيه أو لا؟
فيقع الكلام في صحّة المعاملة أوّلاً، وجواز التصرّّف في المشتراة على فرض صحّة المعاملة ثانياً.
أمّا الأوّل: فالظاهر كون المعاملة فضولية على القول بكون التعلّق على الإشاعة، أو الكلي في المعين، أو كون العين بشخصها موضوعاً لتعلّق الحقّ، أو كون أصحاب الخمس شركاء في المالية القائمة بشخص العين، فيحتاج التنجّز وحصول الملكيّة القطعيّة إلى إجازة ولي الخمس.
وأمّا على القول بكون تعلّقه من قبيل تعلّق الحقّ بالمالية القائمة بعينها أو ببدلها، فالمعاملة صحيحة لانتقال الحقّ إلى المالية القائمة بالبدل هذا كلّه حول الأمر الأوّل.
وأمّا الثاني أي التصرّف فيما اشترى: فعلى غير المبنى الأخير لا يجوز التصرّف لعدم حصول الملكية، وأمّا على الأخير فلا تجوز التصرفات المفوّتة للمالية كالأكل والشرب والوطء للاستيلاد والاستعمال الموجب لفوت بدلها.
هذا كلّه إذا وقعت المعاملة على الشراء بنفس العين، وأمّا الشراء بما في الذمّة، والأداء من غير المخمس، فالمعاملة صحيحة والتصرّف نافذ في تمام ما اشترى وإن كانت ذمّته مشغولة للخمس لتفويته.
غير أنّ في النفس شيئاً من سالف الأيّام فيما إذا اشترى بنفس العين غير المخمّس حتى على المباني الأربعة: الإشاعة والكلي في المعيّن و...، وذلك لأنّه لو اشترى بالربح غير المخمّس ولكن يعلم المشتري أنّ البائع راض بالتصرّف في المبيع في مقابل الثمن الذي يحلّ له التصرف في الظاهر وإن لم يكن حلالاً في الواقع، فعندئذ يجوز التصرف في الماء المشترى ويصحّ الوضوء والغسل لتمشي قصد القربة مع إحراز الرضا لإباحة التصرف، ويجوز الوطء لحصول الملكية بإنشائه البيع في مقابل الثمن الذي يأخذه من المشتري إذا حلّ له التصرّف في الظاهر.
وبذلك يمكن تصحيح صلوات كثير من الناس الذين لا يخرجون الفريضة من أموالهم ويتعاملون بها.
ومثله ما إذا كان باع غير المخمّس فيجوز له التصرف في ثمنه إذا أحرز أنّ المشتري راض بالتصرّف في الثمن إذا دفع إليه ما يجوز له التصرف في الظاهر وإن لم يكن حلالاً في الواقع.
نعم لو كانا واقفين على الحال فلا يجوز التصرّف.
قد مرّ أنّ مصارف الحجّ الواجب ـ إذا استطاع في عام الربح وتمكّن من المسير ـ من مؤنة تلك السنة و كذا مصارف الحجّ المندوب و الزيارات، والظاهر أنّ المدار على وقت إنشاء السفر فإن كان إنشاؤه في عام الربح فمصارفه من مؤنته ذهاباً وإياباً، وإن تمّ الحول في أثناء السفر فلا يجب إخراج خمس ما صرفه في العام الآخر في الإياب أو مع المقصد و بعض الذهاب.
وأمّا ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ :«لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقّنا». وما رواه أيضاً قال: سمعته يقول: «من اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره اللّه، اشترى ما لا يحلّ له».(1)
فقد مضى تفسيرها، وهو: أنّ القدر المتيقن ما إذا انتهى التصرّف إلى إبطال حقوقهم، وحرمانهم منها رأساً، ويؤيد ذلك احتمال ورودها في الغنائم التي أسقط الخلفاء حقوق ذوي القربى منها، كما هو محرّر في محلّه.
ثمّ إنّه قدَّس سرَّه جعل المدار في محاسبة شيء من مؤنة عام الربح، إنشائه في عام الربح وإن تأخّر صرف بعض المؤنة في خارج ذاك العام كما إذا تمّت سنة الربح وهو بعدُ في سفر الحجّ ولم يرجع إلى موطنه فيحسب كلّ ما يصرفه من مأكل ومشرب ومسكن من مؤنة سنة الربح المتجددة مع سنة الإتيان به.
لو جعل الغوص أو المعدن مكسباً له كفاه إخراج خمسهما أوّلاً، ولا يجب عليه خمس آخر من باب ربح المكسب بعد إخراج مؤنة سنته.
وجه التعدّد، أنّ كلاً من الغوص والربح الحاصل من المكاسب موضوع مستقلّ في الأدلّة الشرعية، فإذا اجتمع العنوانان في مورد واحد يثبت فيه كلا الحكمين كما إذا قال: أعط كلّ هاشمي درهماً ثمّ قال: أعط كلّ عالم درهماً، ففيما اجتمعا العنوانان يجب إعطاء الدرهمين وبما أنّ الحكمين مثبتان، لا يحمل أحدهما على الآخر ولا يقيّد إطلاق كلّ بالآخر.
وعلى ذلك فما يشتريه من الألبسة وغيرها ممّا يحتاج إليه في سفر الحجّ حتّى السيارة إذا قصد الحجّ بها، لا يتعلّق بها الخمس وإن بقيت أعيانها بعد الفراغ عن الحجّ وهي كاشتراء الظروف والفُرش لمؤنة السنة وإن بقيت أعيانها بعدها.
ومثله ما راج بعد قيام الثورة الإسلامية من عقد اتّفاقية مع إدارة الحجّ والزيارة على مبلغ تتكفل جميع مخارجه إياباً وذهاباً سواء ذهب عام الربح أو تأخّر إلى العام اللاحق لعدم إصابة القرعة به، فمثل ذلك يعدّ من مؤنة عام الربح وإن لم يكن هناك إياب وذهاب.
وأمّا إذا ذهب إلى الحجّ على نفقته الشخصية وطال السفر فتمّ عام الربح ودخل العام الجديد فقد اختار المصنّف: بأنّ ما يصرفه يحسب من مؤنة السنة السابقة فلا يجب إخراج خمسه سواء صرفه في الأكل والشرب والمسكن أو في الذهاب والإياب ، سواء كان من شأنها البقاء أو لا، إذا عدّت من توابع مؤنة الحجّ.
المرأة الّتي تكتسب في بيت زوجها و يتحمّل زوجها مؤنتها يجب عليها خمس ما حصل لها من غير اعتبار إخراج المؤنة، إذ هي على زوجها إلاّ أن لا يتحمّل.
لأنّ المراد من المؤنة المستثناة، هي المؤنة المصروفة، والمفروض عدمها، نعملولم ينفق زوجها، وأنفقت هي على نفسها، يتعلّق الخمس بغير ما صرفت.
واحداً يتعلّق به الخمس وهو عنوان الغنيمة الصادقة على الغوص والمعدن وأرباح المكاسب، ومن المعلوم أنّه لا خمس في الغنيمة بالمعنى العام إلاّ خمس واحد قال: فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم كلّ عام قال اللّه تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ للّهِ خُمُسَهُ).(2)
وقال في رواية حكيم مؤذن بني عيس، عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ : قلت له: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ للّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُول)قال: «هي واللّه الإفادة يوماً فيوم، إلاّ أنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حل ليزكوا».(3)
كل ذلك يعطي أنّ هنا عنواناً واحداً لإيجاب الخمس وهو الاغتنام، وليس هنا عناوين مختلفة، وإن كانت المصاديق مختلفة من حيث الشرائط فعندئذ يبطل قياسه باجتماع العنوانين المستقلين في تعلّق الحكم.
أضف إليه: أنّه لو كان الواجب هو التعدد، كان التنبيه عليه لازماً في الأحاديث كما لا يخفى.
الظاهر عدم اشتراط التكليف و الحريّة في الكنز والغوص و المعدن و الحلال المختلط بالحرام والأرض الّتي يشتريها الذمّي من المسلم فيتعلّق بها الخمس، ويجب على الوليّ و السيّد إخراجه ، وفي تعلّقه بأرباح مكاسب الطفل إشكال والأحوط إخراجه بعد بلوغه.
اتّفقت كلمتهم على شرطية البلوغ في تعلّق الزكاة تبعاً للنصوص وقد كتب الإمام الرضا ـ عليه السَّلام ـ إلى محمد بن القاسم بن الفضيل : «لا زكاة على يتيم».(4)
إنّما الكلام في شرطيته لوجوب الخمس، والمسألة غير معنونة في كتب الفقهاء، قبل العلاّمة، فقد أفتى بعدم شرطيته في المنتهى(5) وتبعه المحقّق القمي في الغنائم وفصل المصنف بين الأرباح وغيرها، فأفتى بعدمها في الثاني، واستشكل في الأوّل ثمّ احتاط بالحكم بالإخراج بعد البلوغ وسيوافيك وجهه.
قال الشيخ في رسالته: الظاهر أنّه لا خلاف في عدم اشتراط البلوغ والعقل في تعلّق الخمس بالمعادن، والكنوز، والغوص، ويدل عليه إطلاق الأخبار، وأمّا الغنيمة فالظاهر أنّه كذلك لما ذكروا في الجهاد من إخراج الخمس من الغنيمة أوّلاً، ثمّ تقسيمه بين من حضر القتال حتى الطفل ودلّ على الإطلاق في الأربعة المذكورة وفي الحلال المختلط، إطلاق رواية عمّار بن مروان: «فيما يخرج عن المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام ـ إذا لم يعرف صاحبه ـ والكنوز، الخمس».(6)
وحاصل دليلهم هو أنّ الخمس ضريبة على نفس المال، وأنّ العناوين السبعة أسباب لتعلّق الخمس بها، كان المالك بالغاً، أو غير بالغ، وتعلّقه بها سنخ تعلّق الحكم الوضعي نظير تعلّق الجمرك بالأموال المستوردة فلا يعتبر فيه شرائط التكليف وذلك كضمان التالف، وهو على المتلف، كان واجداً لشرائط التكليف أو لا.
مثلاً قوله في صحيحة زرارة: سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: «كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس».(7)
وقوله في صحيحة البزنطي عن الرضا ـ عليه السَّلام ـ ، قال: سألته عمّا يخرج من البحر... قال: «إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس»(8) إلى غير ذلك من الروايات الظاهرة في تعلّقه بهذه العناوين بما هي هي.
فإن قلت: فعلى هذا، يلزم التفريق بين قوله: «ففيه الخمس» و«عليه الخمس» كما في تعلّقه بالأرض المشتراة حيث قال: أيّما ذمي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس(9)
فانّ الثاني ظاهر في كونه على ذمّة المكلّف المختص بالبالغ.
قلت: لا نسلّم ظهوره في التكليف، إذ ربّما يستعمل في الوضعي أيضاً كما في قوله: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدي» ، أو يقال: «عليه دين».
يلاحظ على الاستدلال أوّلاً: أنّه لا يتم في الحلال المختلط بالحرام، فقد عرفت أنّ المتبادر من رواياته عدم تعلّق الخمس بالعين من أوّل الأمر وإنّما التخميس طريق لتطهيره وإخراج الحرام منه ولا يصحّ ذلك إلاّ من المكلّف.
نعم لو حاول الوليّ تطهير ماله من الحرام، يخرج منه الخمس وهذا غير القول بوجود الخمس فيه من أوّل الأمر.
وثانياً: أنّ التمسّك بهذه التعبيرات دقائق عقلية، لا يلتفت إليه، ولأجله ترى التعابير مختلفة، بين قوله: «ففيه الخمس»، أو «عليه الخمس» (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَانَّ للّهِ خُمُسهُ وَللرَّسُول) ، كلّ ذلك تفنن في التعبير، وليس هنا عناية خاصة بكلّ تعبير، بشهادة أنّ المخاطبين بهذه الروايات لم يكونوا ملتفتين لهذه الدقائق، وهذا يعرب عن عدم الدلالة العرفية التي هي الملاك في الحجّية.
وثالثاً: أنّ هذه الروايات ليست في مقام بيان الشرائط حتّى يتمسك بإطلاقها، وليس عدم ذكر شرط التكليف فيه دليلاً على عدمه.
رابعاً: أنّ إطلاق قوله :«رفع القلم عن ثلاثة» يسوّى بين التكليف والوضع، ولا يمكن تقييده بهذه الإشعارات الضعيفة، فإطلاق الحديث محكم إلاّ أن يدل دليل على الوضع كما في باب الغرامات حيث إنّ رفعها خلاف الامتنان للآخرين، ومثلها، التعزير الذي دلّ دليل خاص عليه، فعدم وجوب الخمس على غير المكلّف هو الأقوى.
المصادر :
1- الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4و5.
2- الوسائل: 6، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
3- الوسائل: ج6، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 8.
4- الوسائل: الجزء 6، الباب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4.
5- المنتهى:1/547.
6- الوسائل: 6، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6; لاحظ كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : 273ـ 274.
7- الوسائل: الجزء 6، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
8- الوسائل: الجزء 6، الباب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
9- الوسائل: الجزء 6، الباب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.