عربي
Sunday 24th of November 2024
0
نفر 0

مظاهر من شخصية الإمام الكاظم (عليه السلام)

مظاهر من شخصية الإمام الكاظم (عليه السلام)

لقد شهد للإمام موسى الكاظم(عليه السلام) بوفور علمه أبوه الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) إذ قال عنه:«إنّ ابني هذا لو سألته عمّا بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم».وقال أيضاً: «وعنده علم الحكمة، والفهم، والسخاء، والمعرفة بما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم».ويكفي لمعرفة وفور علومه رواية العلماء عنه جميع الفنون من علوم الدين وغيرها مما ملأوا به الكتب، وألّفوا المؤلّفات الكثيرة، حتى عرف بين الرواة بالعالم.وقال الشيخ المفيد: وقد روى الناس عن أبي الحسن موسى فأكثروا، وكان أفقه أهل زمانه(1)
نشأ الإمام موسى (عليه السلام) في بيت القداسة والتقوى، وترعرع في معهد العبادة والطاعة، بالاضافة الى أنه قد ورث من آبائه حب الله والايمان به والاخلاص له فقد قدموا نفوسهم قرابين في سبيله ، وبذلوا جميع إمكانياتهم في نشر دينه والقضاء على كلمة الشرك والضلال فأهل البيت أساس التقوى ومعدن الايمان والعقيدة، فلولاهم ماعبد الله عابد ولا وحّده موحّد. وما تحقّقت فريضة، ولا أقيمت سنة ، ولا ساغت في الاسلام شريعة.
لقد رأى الإمام(عليه السلام) جميع صور التقوى ماثلة في بيته، فصارت من مقوّمات ذاته ومن عناصر شخصيته، وحدّث المؤرخون أنه كان أعبد أهل زمانه(2) حتى لقّب بالعبد الصالح، وبزين المجتهدين إذ لم تر عين انسان نظيراً له قط في الطاعة والعبادة. ونعرض انموذجاً من مظاهر طاعته وعبادته:
أ ـ صلاته : إنّ أجمل الساعات وأثمنها عند الإمام(عليه السلام) هي الساعات التي يخلو بها مع الله عزّ اسمه فكان يقبل عليه بجميع مشاعره وعواطفه وقد ورد: أنه إذا وقف بين يدي الله تعالى مصلّياً أو مناجياً أو داعياً ارسل ما في عينيه من دموع، وخفق قلبه، واضطرب موجدة وخوفاً منه، وقد شغل أغلب أوقاته في الصلاة «فكان يصلّي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح، ثم يعقب حتى تطلع الشمس، ويخرّ لله ساجداً فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد حتى يقرب زوال الشمس(3)، من مظاهر طاعته أنه دخل مسجد النبي(صلى الله عليه وآله) في أول الليل فسجد سجدة واحدة وهو يقول بنبرات تقطر إخلاصاً وخوفا منه:
« عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك»(4).
ولمّا أودعه طاغية زمانه الملك هارون الرشيد في ظلمات السجون تفرغ للطاعة والعبادة حتى بهر بذلك العقول وحير الالباب، فقد شكر الله على تفرغه لطاعته قائلا :
« اللّهم انّني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك، اللهمّ وقد فعلت فلك الحمد»(5) .
لقد ضرب الإمام المثل الأعلى للعبادة فلم يضارعه أحد في طاعته واقباله على الله، فقد هامت نفسه بحبه تعالى، وانطبع في قلبه الايمان العميق.وحدّث الشيباني(الشيباني : هو أبو عبدالله محمد بن الحسن مولى لبني شيبان حضر مجلس أبي حنيفة سنين، وتفقه على أبي يوسف، وصنف الكتب الكثيرة ونشر علم أبى حنيفة وقال الشافعي: حملت من علم محمد بن حسن وقر بعير وقال أيضاً: ما رأيت أحداً يسأل عن مسألة فيها نظر الا تبينت فيوجهه الكراهة الا محمد بن الحسن. توفي بالري سنة (187 هـ ) وهو ابن ثمان وخمسين سنة)(6) عن مدى عبادته، فقال : كانت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) في بضع عشر سنة سجدة في كل يوم بعد ابيضاض الشمس الى وقت الزوال(7)، وقد اعترف عدوه هارون الرشيد بأنه المثل الأعلى للانابة والايمان، وذلك حينما أودعه في سجن الربيع(الربيع بن يونس كان حاجباً للمنصور ثم صار وزيراً له بعد أبي أيوب، وكان المنصور كثير الميل إليه حسن الاعتماد عليه قال له يوماً: ويحك ياربيع ما أطيب الدنيا لولا الموت، فقال له الربيع: ما طابت الدنيا إلاّ بالموت، قال له: وكيف ذلك؟ فأجابه لولا الموت لم تقعد هذا المقعد، فقاله له : صدقت ، وقال له المنصور لمّا حضرته الوفاة: بعنا الآخرة بنومة، ويقال إن الربيع لم يكن له أب يعرف، وان بعض الهاشميين وفد على المنصور فجعل يحدثه ويقول له: كان أبي رحمه الله، وكان، وكان،وأكثر من الترحم عليه، فقال له الربيع:كم تترحم على أبيك بحضرة أمير المؤمنين؟ فقال له الهاشمي: أنت معذور لانك لاتعرف مقدار الآباء فخجل أشدّ الخجل . توفي الربيع سنة (170 هـ ))(8)فكان يطل من أعلى القصر فيرى ثوباً مطروحاً في مكان خاص من البيت لم يتغير عن موضعه فيتعجب من ذلك ويقول للربيع:«ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع» ؟ !
ـ يا أمير المؤمنين: ما ذاك بثوب، وإنما هو موسى بن جعفر، له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الى وقت الزوال.
فبهر هارون وانطلق يبدي إعجابه.
ـ أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم ! !
والتفت إليه الربيع بعد ما سمع منه اعترافه بزهدالإمام وعزوفه عن الدنيا طالباً أن يطلق سراحه ولا يضيّق عليه قائلاً:
يا أمير المؤمنين: ما لك قد ضيّقت عليه في الحبس ! ! ؟
فأجابه هارون بما انطوت عليه نفسه من عدم الرحمة والرأفة قائلاً:
«هيهات: لابد من ذلك !»(9)
ب ـ صومه : كان الإمام(عليه السلام) يصوم في النهار ويقوم مصلّياً في الليل، خصوصاً لمّا سجنه هارون فإنه لم يبارح العبادة الاستحبابية بجميع أنواعها من صوم وغيره، وهو يشكر الله ويحمده على هذا الفراغ الذي قضاه في عبادته.
ج ـ حجّه : وما من شيء يحبه الله وندب إليه إلاّ فعله الإمام عن رغبة واخلاص، فمن ذلك أنه حج بيت الله ماشياً على قدميه، والنجائب تقاد بين يديه، وقد حج معه أخوه علي بن جعفر وجميع عياله أربع مرات، وحدّث علي بن جعفر عن الوقت الذي قطعوا به طريقهم فقال: كانت السفرة الاُولى ستاً وعشرين يوماً، والثانية كانت خمساً وعشرين يوماً، والثالثة كانت أربعاً وعشرين يوماً، والرابعة كانت إحدى وعشرين يوماً(10)
د ـ تلاوته للقرآن : كان الذكر الحكيم رفيق الإمام في خلواته، وصاحبه في وحشته وكان يتلوه بامعان وتدبر، وكان من أحسن الناس صوتا به، فاذا قرأ يحزن، ويبكي السامعون لتلاوته(11)
وحدّث حفص عن كيفية تلاوته للقرآن فقال: وكان قراءته حزناً فاذا قرأ فكأنه يخاطب إنساناً(12) بهذه الكيفية كان يتلو آيات الذكر الحكيم فكان يمعن في تعاليمه ويمعن في آدابه، ويتبصر في أوامره ونواهيه وأحكامه.
هـ ـ عتقه للعبيد : ومن مظاهر طاعة الإمام(عليه السلام) عطفه واحسانه على الرقيق فقد أعتق الف مملوك(13) كل ذلك لوجه الله، وابتغاء مرضاته، والتقرب إليه.

زهده :

كان الإمام في طليعة الزاهدين في الدنيا والمعرضين عن نعيمها وزخارفها فقد اتجه الى الله ورغب فيما أعدّه له في دار الخلود من النعيم والكرامة، وقد حدثنا عن مدى زهده ابراهيم بن عبد الحميد فقال: دخلت عليه في بيته الذى كان يصلي فيه، فاذا ليس في البيت شيء سوى خصفة، وسيف معلق، ومصحف(14)، لقد كان عيشه زهيداً، وبيته بسيطاً فلم يحتو على شيء حتى من الأمتعة البسيطة التي تضمها بيوت الفقراء الأمر الذي دل على تجرده من الدنيا، وإعراضه عنها. على أنه كانت تجبى له الأموال الطائلة، والحقوق الشرعية من العالم الشيعي، بالاضافة الى أنه كان يملك البسرية وغيرها من الأراضي الزراعية التي تدر عليه بالاموال الخطيرة، وقد أنفق جميع ذلك بسخاء على البائسين والمحرومين في سبيل الله وابتغاء مرضاته، وكان(عليه السلام) دوماً يتلو على أصحابه سيرة أبي ذر الصحابي العظيم الذي ضرب المثل الاعلى لنكران الذات والتجرد عن الدنيا والزهد في ملاذها، فقال (عليه السلام):
«رحم الله أبا ذر . فلقد كان يقول: جزى الله الدنيا عني مذمة بعد رغيفين من الشعير، أتغدى بأحدهما، وأتعشى بالآخر، وبعد شملتي الصوف أئتزر باحدهما وارتدي بالاُخرى...»(15).

جوده وسخاؤه :

لقد تجلّى الكرم الواقعي، والسخاء الحقيقي في الإمام فكان مضرب المثل في الكرم والمعروف، فقد فزع إليه البائسون والمحرومون لينقذهم من كابوس الفقر وجحيم البؤس وقد أجمع المؤرخون أنه أنفق(عليه السلام) جميع ما عنده عليهم كل ذلك في سبيل الله لم يبتغ من أحد جزاءاً أو شكورا، وكان(عليه السلام) في صِلاته يتطلب الكتمان وعدم الذيوع لئلا يشاهد على الآخذ ذلة الحاجة، وكان يلتمس في ذلك وجه الله ورضاه، ولهذا كان يخرج في غلس الليل البهيم فيصل الطبقة الضعيفة ببرّه وإحسانه وهي لا تعلم من أيّ جهة تصلها تلك المبرة، وكان يوصلهم بصراره التي تتراوح ما بين المائتي دينار الى الاربعمائة دينار(16) وكان يضرب المثل بتلك الصرار فكان أهله يقولون:«عجباً لمن جاءته صرار موسى وهو يشتكي القلة والفقر!!»(17)
وبلغ من عطفه المستفيض أنه إذا بلغه عن شخص يؤذيه ويسيء إليه بعث له بصرّة فيها ألف دينار(18) . وقد قامت هباته السرية وصلاته الخفية بإعاشة فقراء يثرب، فكانوا جميعاً يرتعون بنعمته ويعيشون من عطاياه.
وحدّث عيسى بن محمّد القرطي قال : «زرعت بطيخاً وقثاءً وقرعا[القرع : نوع من اليقطين ، الواحدة قرعة .]في موضع بالجوانيّة[منطقة قرب المدينة.] على بئر يقال لها اُم عضام.فلمّا استوى الزرع بغتني الجراد، فأتى على الزرع كلّه، وكنت قد غرمت عليه مع ثمن جملين مائة وعشرين ديناراً. فبينما أنا جالس إذ طلع عليّ الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) فسلّم ثم قال لي: كيف حالك؟
فقلت: أصبحت كالصريم بغتني الجراد فأكل كل زرعي .
فقال: كم غرمت فيه؟
فقلت: مائة وعشرين ديناراً مع ثمن الجملين.
فالتفت (عليه السلام) لعرفة وقال له: زن لابن المغيث مائة وخمسين ديناراً. ثم قال لعيسى: فربحك ثلاثون ديناراً مع الجملين»(19)

حلمه :

وكان الحلم من أبرز صفات الإمام موسى(عليه السلام) فقد كان مضرب المثل في حلمه وكظمه للغيظ، وكان يعفو عمن أساء إليه، ويصفح عمن اعتدى عليه، ولم يكتف بذلك وانماكان يحسن لهم ويغدق عليهم بالمعروف ليمحو بذلك روح الشر والانانية من نفوسهم، وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة من حلمه فقد رووا: «أن شخصاً من احفاد عمر بن الخطاب كان يسيء للامام، ويكيل السب والشتم لجده أمير المؤمنين(عليه السلام) فأراد بعض شيعة الإمام اغتياله فنهاهم (عليه السلام) عن ذلك ورأى أن يعالجه بغير ذلك فسأل عن مكانه فقيل: أنه يزرع في بعض نواحي المدينة، فركب(عليه السلام) بغلته ومضى إليه متنكراً، فوجده في مزرعته فأقبل نحوه، فصاح به: لا تطأ زرعنا واستمر الإمام حتى وصل إليه، ولمّا انتهى إليه جلس الى جنبه وأخذ يلاطفه ويحدّثه بأطيب الحديث، وقال له بلطف ولين :
ـ كم غرمت في زرعك هذا ؟
- مائة دينار .
- كم ترجو أن تصيب منه ؟ .
- أنا لا أعلم الغيب ! !
- انما قلت لك : كم ترجو أن يجيئك منه ؟
- أرجو أن يجيئني منه مئتا دينار .
فأعطاه (عليه السلام) ثلاثمائة دينار، وقال: هذه لك وزرعك على حاله فتغير العمري، وخجل من نفسه على ما فرط من قبل في حق الامام، وتركه (عليه السلام) ومضى الى الجامع النبوي، فوجد العمري قد سبقه، فلما رأى الإمام مقبلاً قام إليه تكريماً وانطلق يهتف:
(الله أعلم حيث يجعل رسالته) في من يشاء».
فبادر إليه اصحابه منكرين عليه هذا الانقلاب، فأخذ يخاصمهم، ويتلو عليهم مناقب الإمام ومآثره، ويدعو له، فالتفت(عليه السلام) إلى أصحابه قائلا:
أيّما كان خيراً؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار؟»(20)
ومن آيات حلمه(عليه السلام) أنه اجتاز على جماعة من حسّاده وأعدائه، وكان فيهم ابن هياج فأمر بعض اتباعه أن يتعلق بلجام بغلة الإمام ويدّعيها فمضى الرجل الى الإمام وتعلق بزمام بغلته فادعاها له فعرف الإمام غايته فنزل عن بغلته وأعطاها له(21). لقد أقام(عليه السلام) بذلك أسمى مثل للانسانية الفذّة والحلم الرفيع.
وكان(عليه السلام) يوصي أبناءه بالتحلّي بهذه الصفة الرفيعة ويأمرهم بالصفح عمن أساء إليهم فقد جمعهم وأوصاهم بذلك فقال:
«يا بُنيّ : إني أوصيكم بوصية من حفظها انتفع بها، إذا أتاكم آت فأسمع أحدكم في الاذن اليمنى مكروهاً ثم تحوّل الى اليسرى فاعتذر لكم، وقال: إني لم أقل شيئاً فاقبلوا عذره»(22).

ارشاده وتوجيهه :

إنّ إرشاد الناس الى الحق وهدايتهم الى الصواب من أهم الأمور الاصلاحية التي كان الإمام يعنى بها، فقد قام بدور مهم في انقاذ جماعة ممن أغرّتهم الدنيا وجرفتهم بتيّاراتها. وببركة ارشاده ووعظه لهم تركوا ما هم فيه من الغيّ والضلال وصاروا من عيون المؤمنين. وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة له في هذا المجال فقد رووا قصته مع بشر الحافي، إذ كان في بداية أمره ـ فيما يقول الرواة ـ يتعاطى الشراب ويقضي لياليه وأيامه في المجون والدعارة فتاب ببركة إرشاد الإمام(عليه السلام) وتوجيهه كما سوف نشير الى قصّته مع الإمام (عليه السلام) فيما سيأتي(23).
وممن أرشدهم الإمام(عليه السلام) الى طريق الحق: الحسن بن عبدالله، فقد كان شخصية مرموقة عند الملوك زاهداً في الدنيا، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم، فاجتمع بالامام فقال(عليه السلام) له:يا أبا علي ، ما أحب اليّ ما أنت عليه، وأسرني به، إلا أنه ليست لك معرفة فاطلب المعرفة.
قال: وما المعرفة ؟
فقال له: تفقّه واطلب الحديث .
فذهب الرجل فكتب الحديث عن مالك وعن فقهاء أهل المدينة، وعرضه على الإمام فلم يرض (عليه السلام)، وأرشده الى فقه أهل البيت وأخذ الأحكام منهم، والاعتراف لهم بالامامة فانصاع الرجل لذلك واهتدى(24).
لقد كان (عليه السلام) يدعو الناس الى فعل الخير ويدلّهم على العمل الصالح ويحذرهم لقاء الله واليوم الآخر، فقد سمع رجلا يتمنّى الموت فانبرى(عليه السلام) له قائلا : «هل بينك وبين الله قرابة يحابيك لها ؟
فقال: لا .
فقال له(عليه السلام): فأنت إذن تتمنّى هلاك الأبد»(25) .

احسانه الى الناس :

وكان الإمام بارّاً بالمسلمين محسناً إليهم، فما قصده أحد في حاجة إلاّ قام بقضائها، فلا ينصرف منه إلاّ وهو ناعم الفكر مثلوج القلب، وكان(عليه السلام) يرى أن إدخال الغبطة على الناس وقضاء حوائجهم من أهم أفعال الخير فلذا لم يتوان قط في إجابة المضطر، ورفع الظلم عن المظلوم، وقد أباح لعلي بن يقطين الدخول في حكومة هارون وجعل كفارة عمل السلطان الاحسان الى الاخوان مبرّراً له، وقد فزع إليه جماعة من المنكوبين فكشف آلامهم وملأ قلوبهم رجاءاً ورحمة.
ومن هؤلاء الذين أغاثهم الامام(عليه السلام) شخص من أهالي الري[كان يُدعى: علي بن طاهر الصوري كما في مصدر الخبر.] كانت عليه أموال طائلة لحكومة الري فلم يتمكّن من أدائها، وخاف على نعمته أن تسلب منه، فأخذ يطيل الفكر فيما يعمل، فسأل عن حاكم الري، فأخبر أنه من الشيعة، فطوى نيته على السفر الى الإمام ليستجير به فسافر الى المدينة فلما انتهى اليها تشرف بمقابلة الإمام فشكى إليه حاله، فزوده(عليه السلام) برسالة الى والي الري جاء فيها بعد البسملة :
إعلم أنّ لله تحت عرشه ظلا لا يسكنه إلاّ من أسدى الى أخيه معروفاً، أو نفّس عنه كربة، أو أدخل على قلبه سروراً، وهذا أخوك والسلام.وأخذ الرسالة، وبعد أدائه لفريضة الحج، اتّجه الى وطنه، فلما وصل، مضى الى الحاكم ليلا، فطرق عليه باب بيته فخرج غلامه، فقال له : من أنت ؟
فقال: رسول الصابر موسى ؟
فهرع الى مولاه فأخبره بذلك فخرج حافي القدمين مستقبلا له، فعانقه وقبّل ما بين عينيه، وجعل يكرر ذلك، ويسأله بلهفة عن حال الامام، ثم إنه ناوله رسالة الإمام فقبّلها وقام لها تكريماً، فلما قرأها أحضر أمواله وثيابه فقاسمه في جميعها وأعطاه قيمة ما لا يقبل القسمة وهو يقول له : يا أخي هل سررتك ؟
فقال له: أي والله وزدت على ذلك ! !
ثم استدعى السجل فشطب على جميع الديون التي عليه وأعطاه براءة منها، وخرج الرجل وقد طار قلبه فرحاً وسروراً، ورأى أن يجازيه على إحسانه ومعروفه فيمضي الى بيت الله الحرام فيدعو له، ويخبرالإمام بما أسداه إليه من البر والمعروف، ولمّا أقبل موسم الحج مضى إليه ثم اتّجه الى يثرب فواجه الإمام وأخبره بحديثه، فسرّ(عليه السلام) بذلك سروراً بالغاً، فقال له الرجل: يا مولاي : هل سرّك ذلك ؟
فقال الإمام(عليه السلام): إي ، والله ! لقد سرّني، وسرّ أمير المؤمنين، والله لقد سرّ جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولقد سرّ الله تعالى..»(26).
وقد دلّ ذلك على اهتمامه البالغ بشؤون المسلمين ورغبته الملحة في قضاء حوائج الناس.
المصادر :
1- الارشاد: 2/225 .
2- جوهرة الكلام : 139.
3- الارشاد: 2/231 وعنه في كشف الغمة: 3/18.
4- وفيات الأعيان : 4 / 293، وكنز اللغة : 766، وتاريخ بغداد: 13/27 وعنه في الأنوار البهية: 190 .
5- مناقب آل أبي طالب: 4/343، ووفيات الأعيان : 4/293.
6- طبقات الفقهاء: ص 114.
7- حياة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) : 1 / 140 عن بحار الأنوار .
8- وفيات الأعيان : ( ج1 / ص231 ـ 233 ) ط . بولاق .
9- عيون أخبار الرضا: 1/95 ح 14 وعنه في الأنوار البهية : 189.
10- بحار الأنوار: 48/100 ح 2 عن قرب الاسناد.
11- المناقب : 4 / 348.
12- اُصول الكافي: 2/606 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 111 .
13- عن الدر النظيم، في مناقب الأئمة اللهاميم ليوسف بن حاتم الشامي.
14- بحار الأنوار: 48/100، ح1 عن قرب الاسناد .
15- اصول الكافي : 2 / 134.
16- تأريخ بغداد : 13 / 28.
17- عمدة الطالب : 185.
18- تاريخ بغداد : 13 / 27.
19- تاريخ بغداد: 13/29، وكشف الغمة: 2 / 217.
20- تأريخ بغداد : 13 / 28 ـ 29، والارشاد: 2/233 و اعلام الورى: 2/26، 27، وكشف الغمة: 3/18، 19
21- بحار الأنوار: 48/148 عن فروع الكافي: 8/86.
22- كشف الغمة: 3/8 عن الجنابذي، والفصول المهمة لابن الصباغ : 235.
23- راجع تمام القصة في الفصل الثّاني من الباب الثّالث : 80 .
24- المناقب لابن شهرآشوب: 4 / 312 .
25- الاتحاف بحب الأشراف : 55.
26- حياة الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام): 1 / 138 ـ 162. و بحار الأنوار: 48/174 ح 16

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

حديث الغدير ودلالته على ولاية أمير المؤمنين (ع)
عوامل نشوء اليقين بولادة الامام المهدي (عليه ...
عليٌ لا يحبّه منافق
سيرة الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)
خطيب جمعة بغداد: ما احوجنا اليوم لفهم مشروع ...
أربعينية الامام الحسين (ع) في كربلاء
وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله)
أهل البيت^ الطريق إلى الله
مخالفة عائشة للرسول (ص) من كتب السنة
أحداث ليلة ضرب الرأس الشريف لأمير المؤمنين

 
user comment