والأمر الذي لابد من الإلماح إليه ولو بإيجاز هو : أنه لم يكن أهل العراق يعرفون أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حق معرفته ، ولا كانوا قد تربّوا على نهجه ، ولا اطلعوا على أطروحته ، وإنما عرفوا الإسلام من قبل آخرين ، ممن هم في الخط الأخر المناوئ له عليه السلام.
وحتى معرفتهم هذه للإسلام ، فإنها كانت ظاهرية وقشرية ، وإنما تعمقت وتأصلت بفضل جهوده هو ( عليه السلام ) ، حتى ليقول مخاطباً لهم :
« وركزت فيكم راية الإيمان ، وعرفتكم حدود الحلال والحرام » (3).
ولأجل ذلك ، فقد كان من الطبيعي أن يشدّد عليه الصلاة والسلام كثيراً على أمر النص ، ويركّز على أن النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) قد اختصه بعلوم لم تكن لدى أحد من الناس غيره ( عليه السلام ) وهي علوم الإمامة.
ولكن الملفت للنظر هو أننا نجده ( عليه السلام ) يهتم بإظهار علومه الخاصة بصورة إخبارات غيبية ـ عما سيحدث في المستقبل ـ بصورة أكبر ، وأشد إباّن حروبه مع الخوارج ، حسبما ألمحنا إليه في كتابنا : [ علي ( عليه السلام ) والخوارج ] ، أما في حربي الجمل وصفين ، فقد كان اهتمامه بذلك أقل كما يظهر للمتتبع.
________________________________________
3 ـ نهج البلاغة ، بشرح محمد عبده ج 1 ص 153. وراجع : ما قاله أبو أيوب الأنصاري لأهل العراق في كتاب : الإمامة والسياسة ج 1 ص 152/153.