كان أبو سفيان قد انفذ ضمضم بن عمرو الغفاري الى مكة ، يستصرخ قريشاً كي يهبُّوا لنجدة القافلة من مصير محتم ، فدخل مكة وقد جدع أنف بعيره ، وأدار رحله وشق قميصه وصاح بأعلى صوته :
« يا معشر قريش ، اللطيمة .. اللطيمة .. * أموالكم مع أبي سفيان ، قد تعرَّض لها محمدٌ وأصحابه ، ولا أرى أن تدركوها ».
وكانت عاتكة بنت عبد المطلب قد رأت ـ قبل قدوم ضمضم بثلاث ليال ـ رؤياً أفزعتها فقصتها على أخيها العباس واستكتمه خبرها.
قالت : رأيت راكباً على بعير له وقف بالأبطح * ثم صرخ بأعلى صوته : أن أنفروا يا آل غُدر إلى مصارعكم في ثلاث ، قالت : فأرى الناس قد اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد فمَثُلَ بعيره على الكعبة ، ثم صرخ مثلها ، ثم مثل بعيره على رأس أبي قبيس ، فصرخ مثلها ، ثم أخذ صخرة عظيمة وأرسلها ، فلما كانت بأسفل الوادي إرفَضّت فما بقي بيت من مكة إلا دخله فِلقةٌ منها !
ألهب ضمضم مشاعر القرشيين بندائه ، فتجهز الناس سراعاً ، وأقامت قريش ثلاثاً تتجهز ، وأخرجت اسلحتها ، وأعان قويُّهم ضعيفهم « ولم يتخلف عن الخروج من أشرافهم أحد إلا أبا لهب ، وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة ».
وعزم أمية بن خلف الجمحي على القعود ـ لأنه كان شيخاً ثقيلاً ، فأتاه عقبة بن أبي معيط بمجمرةٍ فيها نارٌ وبخور وقال : يا ابا علي ، استجمر ، فإنما أنت من النساء !
فقال : قبحك الله وقبح ما جئت به ، وتجهز وخرج معهم (1).
ولما أتمت قريش تجهيزها ، خرجت بالقيان والدفوف ، وكانوا تسعماية وخمسون مقاتلاً ، وقادوا معهم مائة فرس بَطَراً وتجبُّراً ، وسبعمائة من الإبل ، وأبو جهل يقول : « أيظن محمدٌ أن يصيب منّا ؟ سيعلم أنمنع عِيرنَا أم لا ».
ومضت قريش في طريقها ينحرون ويطعمون الطعام لكل من وفد عليهم.
لكن يبدو أن أكثرهم كان متشائماً من تلك الرحلة بالرغم من كثرتهم عدةً وعدداً ، إلا أن الكبرياء والجبروت طالما دفعا بأهلهما نحو المصير الأسود.
جاء في حديث حكيم بن حزام قوله : ما توجهت وجهاً قط كان اكَرهَ إليَّ من مسيري إلى بدر ، ولا بان لي في وجهٍ قط ما بان لي قبل أن اخرج ، وخرجت على ذلك حتى نزلنا « مرَّ الظهران » فنحر ابن الحنظلية جزوراً منها بها حياة ، فما بقي خِباء من أخبية العسكر أصابه من دمها ، وتشاءمت من ذلك وهممت أن أرجع.
ثم قال : ولقد رأيت حين بلغنا الثنية البيضاء وإذا عدّاس جالس عليها والناس يمرون ، إذ مر علينا ابنا ربيعة ـ عتبة وشيبة ـ فوثب إليهما وأخذ بأرجلهما وهو يقول : بأبي أنتما وأمي ، والله إنه لرسول الله ، وما تساقان إلا مصارعكما ـ وان عينيه لتسيل دمعاً على خديه.
أبو سفيان ينجو بالقافلة ويأمر قريشاً بالرجوع وقريش ترفض
واتجه ابو سفيان بالعير نحو الساحل تاركاً بدراً إلى يساره حتى نجا بها ، عند ذلك أرسل قيس بن أمرؤ القيس إلى القرشيين يأمرهم بالرجوع ، ويقول لهم : « قد نجت عيركم وأموالكم فلا تحرزوا انفسكم أهل يثرب فلا حاجة لكم فيما وراء ذلك ، إنما خرجتم لتمنعوا عيركم واموالكم وقد نجاها الله !! ».
وقال له : فإن أبوأ عليك ، فلا يأبون خصلةً واحدةً. يردون القيان.
وذهب قيس إلى قريش ، وابلغهم قول ابي سفيان ، فأبوا الرجوع ، قالوا : وأما القيان ، فسنردهن.
ولحق قيس أبا سفيان بالهدة ، قبل دخوله لمكة بنحو من تسعة وثلاثين ميلاً فأخبره بمضي قريش.
فقال أبو سفيان : واقوماه ، هذا عمل عمرو بن هشام يكره أن يرجع لأنه قد ترأس على الناس وبغى ، والبغي منقصة وشؤم ، والله لئن أصاب أصحاب محمد النفير ذللنا إلى أن يدخل مكة علينا.
وكان أبو جهل قد أصر على المضي في طريقه ، وقال : « والله لا نرجع حتى نرد بدراً ـ وكانت يومذاك موسماً من مواسم العرب في الجاهلية يجتمعون فيها وفيها سوق ـ تسمع العرب بنا وبمسيرنا فنقيم على بدر ثلاثاً ، فننحر الجزر ، ونطعم الطعام ونشرب الخمر ، وتعزف علينا القيان فلن تزال العرب تهابنا أبداً.
« رجوع بني زهرة الى مكة »
وكان الأخنس بن شراق حليفاً لبني زهرة ، فقال لهم : « يا بني زهرة ، قد نجى الله عيركم ، وخلّص أموالكم ، ونجى صاحبكم مخرمة بن نوفل ، وإنما خرجتم لتمنعوه وماله ، وانما محمد رجل منكم وابن اختكم ، فإن يك نبياً فأنتم أسعد به ، وان يك كاذباً يلي قتله غيركم خير من أن تلو أنتم قتل ابن أختكم ، فارجعوا وأجعلوا خبثها لي ، فلا حاجة لكم أن تخرجوا في غير ما يهمكم ، ودعوا ما يقوله أبو جهل ، فإنه مهلك قومه ، سريع في فسادهم.
فاطاعته بنو زهرة .. ولم يشهد هذه الحرب زهري البتة. (2)
فقدان التوازن بين الفريقين
وكان أبرز مظاهر هذه الحرب فقدان التوازن العسكري والمادي بين الفريقين ، فقد كان عدد المسلمين ثلاثمائة او يزيدون قيلاً ، بينما كان عدد المشركين يتراوح بين التسعمائة والألف.
وقاد المشركون معهم مائة فرس وسبعمائة من الابل.
بينما قاد المسلمون معهم فرساً واحدة يقال لها : سبحة ، كانت للمقداد بن عمرو ، وسبعون رأساً من الإبل يتعاقب على كل واحد منها الأثنان والثلاثة والأربعة ، حتى أن النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)كان هو وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة يتعاقبون بعيراً واحداً.
وكانت قريش تنحر الجزر وتطعم الطعام لكل من وفد عليها ، بينما كان المسلمون في غاية الفقر والحاجة ، إلى ما هنالك من عوامل أبرزت هذا التمايز الواضح بين الفريقين ، لكن ارادة الله سبحانه كانت فوق الظنون والإِحتمالات واستباق النتائج.
النبي في طريقه الى بدر
قال الواقدي :
وسار رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)حتى بلغ الروحاء ليلة الأربعاء للنصف من شهر رمضان فقال لأصحابه :
هذا سجاسج ـ يعني وادي الروحاء ـ هذا أفضل أودية العرب ، وصلى هناك فلما فرغ من صلاته لعن الكفرة ، ودعا عليهم وقال :
اللهم لا تفلتني أبا جهل بن هشام فرعون هذه الأمة ، اللهم لا تفلتني زمعة ابن الأسود ، اللهم أسخن عين أبي زمعة ، اللهم أعم بصر أبي دبيلة ، اللهم لا تفلتني سهيل بن عمرو (3).
ثم دعا لقوم من قريش كانوا قد أسروا الإسلام وكانوا من المستضعفين فخرجوا مع القوم مكرهين ، كسلمة بن هشام ، وعياش بن ربيعة.
ولما وصل قريباً من بدر ، أخبر بمسير قريش ، فأخبر أصاحبه بذلك واستشارهم في الأمر ليكونوا على بصيرة من ذلك ، وخشي أن لا يكون للأنصار رغبة في القتال لأنهم عاهدوه على أن يدافعوا عنه في بلدهم فيمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم.
فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله انها قريش وغدرها ، والله ما ذلت منذ عزَّت ، ولا آمنت منذ كفرت ، والله لا تسلم عزها أبداً ، ولتقاتلنك ، فاتهب لذلك أهبته ، واعد لذلك عدته (4).
موقف المقداد
ومن الواضح أن الوضع كان غايةً في الدقة والحرج نظراً لفقدان التوازن كما أسلفنا ، لذا فإنه كان يتطلب مزيداً من الثبات والإصرار وبث الروح الجهادية بين الصفوف والتسليم المطلق بما يقوله النبي.
قام المقداد فقال : يا رسول الله ، امض لأمر الله فنحن معك ، والله لا نقول كما قالت بنو اسرائيل لموسى : إذهب انت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن اذهب انت وربك فقاتلا انا معكم مقاتلون.
والذي بعثك بالحق ، لو سرت بنا إلى برك الغماد (موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر ، وقيل : بلد باليمن) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه .. ».
فقال له رسول الله خيراً ودعا له
ثم قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)أشيروا علي أيها الناس.
فقام سعد بن معاذ ، فقال : كأنك تريدنا يا رسول الله ؟
فقال (صلی الله عليه وآله وسلم): نعم.
قال سعد : قد آمنا بك ـ يا رسول الله ـ وصدقناك واعطيناك عهودنا فامضى ـ يا رسول الله ـ لما أمرت ، فوالذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضنه معك ، وما نكره أن تلقى العدو بنا غداً ، وانا لصبرٌ عند الحرب ، صدقٌ عند اللقاء ، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله. (5)
كانت هذه الكلمات من المقداد ـ المهاجري ـ وسعد ـ سيد الأوس ـ تبعث في نفوس المسلمين الأمل بالنصر على عدوهم ، وتزرع في قلوبهم الصبر على مكاره الحرب ،
لكن يبدوا أن كلمات المقداد كان لها وقع خاص في نفس النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنه حين سمعها انفرجت اسارير وجهه ابتهاجاً كما يظهر من حديث ابن مسعود حيث قال :
« لقد شهدت مع المقداد مشهداً لئن أكون صاحبه أحب الي مما طلعت عليه الشمس ! ـ ثم ذكر كلمة المقداد ـ ثم قال : فرأيت رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)يشرق وجهه بذلك وسرّه وأعجبه. (6)
النبي صلىاللهعليهوآله في وادي بدر
بعد ذلك ، قال رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم): سيروا بنا على بركة الله ، فإن الله قد وعدني احدى الطائفتين ، والله لكأني انظر إلى مصارع القوم.
ثم مضى في مسيره حتى نزل وادي بدر عشاء ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة مضت من رمضان.
فجاءه سعد بن معاذ ، فقال : يا رسول الله ، نبني لك عريشاً من جريد فتكون فيه ونترك عندك ركائبك ثم نلقى عدونا ، فإن اعزنا الله وأظهرنا عليهم ، كان ذلك مما أحببناه ، وان كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بما وراءنا من قومنا ، فقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد حباً لك منهم ، ولو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك ، يمنعك الله بهم ، يناصحونك ويحاربون معك.
فأثنى عليه رسول الله خيراً ودعا له. (7)
قريش تنزل الوادي
وأقبلت قريش بخيلائها وفخرها ، فلما رآها رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)قال : اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذّب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتني ، اللهم أحنهم الغداة (8).
استعداد المسلمين للحرب
ودفع رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)رايته إلى علي بن أبي طالب ، وكانت تسمى « العُقاب » وأعطى لواء المهاجرين إلى مصعب بن عمير ، ولواء الخزرج إلى الحباب بن المنذر ولواء الأوس الى سعد بن معاذ.
غرور أبي جهل
ونظرت قريش إلى قلة المسلمين ، فقال أبو جهل : ما هم إلا أكلة رأس لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم باليد.
فقال عتبة بن ربيعة : أترى لهم كمين أو مدد ؟ فبعثوا عمير بن وهب الجمحي وكان فارساً شجاعاً ، فجال بفرسه حول عسكر النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)ثم رجع إليهم فقال : القوم ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا او ينقصون قليلاً. ولكن أمهلوني حتى أنظر إذا كان لهم كمين أو مدد.
فضرب في الوادي حتى أبعد ، فلم يرَ شيئاً ، فرجع اليهم وقال :
ما رأيت شيئاً ، ولكن وجدت ـ يا معشر قريش ـ البلايا ( البراذع ) تحمل المنايا ، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع ، قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم ، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم ، فإن أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك الا ترون انهم خرس لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الأفاعي ما أرى انهم يولون حتى يقتلوا بعددهم !
فقال له أبو جهل : كذبت وجبنت.
وأرسل إليهم رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)أن أرجعوا من حيث أتيتم ، فلئن يلي هذا الأمر مني غيركم أحب إليّ من أن تلوه أنتم.
فقال عتبة : ما رد هذا قوم قط ، وأفلحوا. ثم ركب جمله الأحمر ، فنظر إليه رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)وهو يجول بين العسكرين وينهى عن القتال ، فقال : إن يكن بأحد منهم خير فعند صاحب ذلك الجمل وان يطيعوه يرشدوا.
ووقف عتبة يخطب في أصحابه ، فقال : يا معشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني الدهر ! إن محمداً له إلُّ وذمه ، وهو ابن عمكم فخلوه والعرب ، فإن يكن صادقاً فأنتم أعلى عيناً ، وان يكن كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره.
قال حكيم بن حزام : فانطلقت إلى أبي جهل ، فوجدته قد نثل درعاً وهو يهيؤها فاعلمته ما قال عتبة. فقال : انتفخ والله سحره حين رأى محمداً وأصحابه ، والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد ، وما بعتبة ما قال ، ولكن رأى ابنه أبا حذيفة فيهم وقد خافكم عليه.
وبلغ ذلك عتبة ، فقال : سيعلم المصفّر أسته من انتفخ سحره ، أنا ، أم هو ؟ ثم إلتمس بيضةً يدخلها رأسه. فما وجد في الجيش بيضةً تسعه من عظم هامته ، فاعتجر ببرد له (9).
بدء القتال
وكان عتبة قد قال أنه يتحمل دم حليفه عمرو بن الحضرمي الذي قتله المسلمون في مكان يقال له نخلة ، وذلك في غزوة العشيرة ، فبلغ ذلك أبا جهل ، فخاف أن ينجح عتبة في خطته ويرجع الناس بدون قتال ، فجاء إلى عامر بن الحضرمي أخي عمرو وقال له : هذا حليفك يريد أن يرجع بالناس ، وقد رأيت ثارك بعينك ، فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك.
فقام عامر فاكتشف ، ثم صرخ ، واعمراه .. واعمراه .. فحميت الحرب ، وحقب أمر الناس واستوسقوا على ما هم عليه من الشر.
وخرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي ـ وكان سيئ الخلق ـ فقال : أعاهد الله لأشربن من حوضهم ولأهدمنه أو لأموتن دونه.
فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب ، فضربه فأطن قدمه بنصف ساقه فوقع على الأرض ثم حبا إلى الحوض ، فاقتحم فيه ليبر يمينه ، وتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض.
مقتل عتبة وشيبة والوليد
ثم خرج عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن عتبة ودعوا إلى المبارزة.
فخرج إليهم عوف ومعوذ ابنا عفراء ، وعبد الله بن رواحة وهم من الأنصار.
فقالوا : من أنتم ؟ قالوا : من الأنصار. فقالوا : أكفاءٌ كرام وما لنا بكم من حاجة ، ليخرج إلينا أكفاؤنا من قومنا.
فقال النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)قم يا حمزة ، قم يا عبيدة بن الحارث ، قم يا علي فقاموا ، ودنا بعضهم من بعض ، وانتسبوا لهم.
فقال عتبة : أكفاءٌ كرام.
فبارز عبيدة بن الحارث بن المطلب عتبةً.
وبارز حمزة شيبة.
وبارز علي (عليه السلام) الوليد. (10)
أما حمزة فلم يمهل شيبه حتى قضى عليه في الضربة الأولى.
وكذلك فعل علي بن أبي طالب ، فإنه لم يمهل الوليد حتى قتله.
وأما عبيدة وعتبة ، فكل منهما قد ضرب صاحبه وأصابه بجروح لا يرجى منها الشفاء. فكرَّ الحمزة حينئذٍ على عتبة يبارزه ، فصاح المسلمون : يا علي ، أما ترى الكلب قد بهر عمك ؟ ـ وكان الحمزة وعتبة قد اعتنقا بعد أن تكسر سيفهما ، والحمزة أطول من عتبة ـ فقال له علي عليهالسلام : يا عم طأطأ رأسك ، فادخل الحمزة رأسه في صدر عتبة ، فضرب علي عليهالسلام عتبة ،
فقدَّه نصفين (11).
ثم حملا عبيدة بن الحارث ، وكانت قد قطعت ساقه ، فألقياه بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله فاستعبر عبيدة وقال ألستُ يا رسول الله شهيداً ؟
قال صلىاللهعليهوآله : بلى.
قال : لو كان أبو طالب حياً لعلم أني أحق بما قال :
كذبتم وبيت الله نخلي محمدا
ولما نطاعن دونه ونناضلِ
وننصره حتى نُصرّع حوله
ونذهَل عن أبنائنا والحلائل
ثم مات رضياللهعنه ، وتزاحف القوم ودنا بعضهم من بعض ، وكان شعار النبي في هذه الغزوة : يا منصور أمت (12).
وكان من دعاء النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)في ذلك اليوم قوله : « اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ، اللهم انجز لي ما وعدتني .. ».
وبرز بعد ذلك حنظلة بن أبي سفيان إلى علي (عليه السلام) فلما دنا منه ، ضربه علي بالسيف فسالت عيناه ولزم الأرض .
وبرز بعد ذلك العاص بن سعيد بن العاص فبرز إليه علي عليهالسلام فقتله.
قال الواقدي وابن اسحاق : وأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله كفاً من البطحاء فرماهم بها ، وقال : شاهت الوجوه ! اللهم ارعب قلوبهم ، وزلزل أقدامهم ، فانهزم المشركون لا يلوون على شيء ، والمسلمون يتبعونهم يقتلون ويأسرون. (13)
وكان بلال بن رباح الحبشي يعجن عجيناً ، فبصر بأمية بن خلف (كان أمية بن خلف من جبابرة قريش وعتاتهم ، وكان يعذب بلالاً في مكة ، يخرج به إلى الرمضاء إذا حميت فيضجعه على ظهره ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فيضعها على ظهره ، ثم يقول له : لا تزال هكذا ، أو تفارق دين محمد. فيقول بلال : أحد .. أحد ..)(14)
فترك العجين وصاح بأعلى صوته : يا أنصار الله هذا أمية بن خلف رأس الكفر ، لا نجوت إن نجا. فاحاطوا به حتى جعلوه في مثل المسكة (المسكة : السوار.) وقتلوه مع ولده علي بن أمية.
وكان المقداد قد أسر النضر بن الحارث ، فلما خرج النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)من بدر وكان بالأثيل عرض عليه الأسرى ، فنظر إلى النضر بن الحارث فأبدَّه البصر ، فقال لرجل إلى جنبه : محمد والله قاتلي ! لقد نظر إلي بعينين فيهما الموت ! فقال الذي إلى جنبه : والله ما هذا منك إلا رعب !
المصادر :
1- الكامل ٢ / ١١٨ ـ ١١٩.
2- شرح النهج ١٤ ـ ١٠٦ ـ الى ١٠٩.
3- المصدر السابق ـ ١١٠.
4- سيرة المصطفى ٣٣٩.
5- الكامل ٢ / ١٢٠.
6- الإستيعاب ٣ ـ ٤٧٤.
7- الكامل : ٢ ـ ١٢٢.
8- الكامل : ١٢٣.
9- الطبري ٢ ـ ٢٧٩ والكامل ٢ ـ ١٢٤.
10- الكامل ٢ / ١٢٤ / ١٢٥.
11- سيرة المصطفى ٣٤٧.
12- شرح النهج ١٤ / ١٣٠ / ١٣٣.
13- شرح النهج ١٤ ـ ١٤٦.
14- كما في شرح النهج ١٤ ـ ١٣٨.
15- شرح النهج ١٤ ـ ١٧١.