ربما يحمل الذهول أو الجهل بعض الناظرين من اول وهله على عدم الاهتمام بموضوع هذه الرسالة ويتخيل في ذهنه انه غني من دينه عنها فيعرض عن مطالعتها ويرغب عن الوقوف على فوائدها وحججها وبراهينها مع ان الامر ليس كما يتخيل فان الرسالة مشتملة على تحقيق عظيم في شطر من صريح الايمان لايتم ايمان المؤمن الا به فقد جاء في الآيات المتعددة والاحاديث الجمة.
ان صريح الايمان وحقه هو الحب في الله والبغض في الله ومتى تلبس المؤمن بالحب في الله فقد احرز شطر الايمان ومتى ابغض في الله احرز الشطر الثاني لا يكمل ايمانه الا بهما معا ومن منته نفسه الغرارة ان ايمانه يكمل بالحب في الله فقط فليتهمها في ايمانه حيث خالفت في ذلك ما جاء به كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله افتؤمنون ببغض الكتاب وتكفرون ببعض لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوداون من حاد الله ـ الآية.
السيد محمد بن عقيل ركن من اركان النهضة الاصلاحية وعلم من أعلام الشريعة الاسلامية وقطب من اقطاب السادة العلوية عاش زهاء سبعين عاما قضى جلها في العلم والعمل والدعوة إلى الحق والجهر بالصدق مع ما حباه الله به من خلق زاهر وادب باهر وقلب طاهر
فهو ثمرة ناضجة من ثمار الثقافة العربية ، تثقف في علوم الدين واللغة ثقافة محيطة شاملة. وشارك المصلحين في ايقاظ النهضة الفكرية الدينية وعمل مع العاملين في نصرة الحق والاتنصار لاهل البيت النبوي الطاهر عليهم السلام.
ولد في شعبان سنة ١٢٧٩ ه ببلدة مسيلة آل شيخ بقرب تريم وتربى في حجر والدين كريمين هما من خيرة الاشراف وقد اعتنى والده رحمه الله في تعليمه فأحضر لهذه الغاية بعض علماء حضرموت فكانت آثار النجابة ساطعة البرهان في محيأه الوسيم وكان من صغره مجبولا على حب أهل البيت الطاهر عليهم السلام وبغض أعدائهم كيف لا وهو يمت إليهم بالنسبين حتى قيل انه كان وهو في السابعة من سنيه ينظم الاراجيز في مدح الهاشميين ويتغنى بها مع الاولاد وكان جد ولوع في كتب التاريخ والتراجم لا يفوته منها شاردة ولا واردة ودرس النحو وأتقنه وقرأ كثيرأ من الكتب والفنون على والده وعمه ومن أحضراه له من المشائخ وكان والده يحرضه على الاستقلال في الفكر لذلك نشأ مستقة غير مقلد وساعده على بلوغ مرامه انه كان لاسلافه مكتبة حافلة في الكتب المخطوطة النفيسة وزادها حسنا ان الفقيد رتب لها حسب ذوقه فهرسا لطيفا وقد اعطاه بها بعض وجهاء مصر مبلغا كبيرا من المال فلم يشأ بيعها لكنها مع الاسف تشتت أكثرها .
وقد يوجد في الناس من ينكر علينا هذا التناقض!. فأني سجلت على نفسي اني لم اتعرف عليه ولا التقيت معه ، ثم ادعيت اني عرفته والتقيت معه!. ولا شك بأن هذا الانكار انما يرجع في غالب الاحيان إلى ما تهيأ لهؤلاء من تفكير بسيط لا يتجاوز مد العين الباصرة ، ويعجزون إذا حاولوا أن يطلقوا الفكر ويحلوا قيوده ويفتحوا له باب القفص لئلا يبقى الفكر يضطرب في أضيق مكان. يعجزون عن أن يصلوا بتفكيرهم إلى أكثرهما تقع عليه حاسة البصر فقط.
انك لتمر في السوق والمراكز العمومية فيقع بصرك على العشرات لا بل على المئات وعشرات المئات فلا يلفت نظرك واحد منهم ولا تلفت انت نظر واحد .
توفى والده وهو بن خمسة عشرة سنة ومع صغر سنه قام مقام والده أحسن قيام ثم رحل وهو في السابعة عشرة من سنيه إلى سنغافورا والبلاد الجاوية فأشتغل هناك بالتجارة وافلح وأول مؤلفاته كتاب النصائح الكافية لمن يتولى معاوية ظهر بها فضله لدى المنصفين ثم الف كتبا كثيرة كلها من خيرة ما الف كالعتب الجميل على أهل الجرح والتعديل وغيره.
وآخر كتاب له ـ وهو كتاب جليل جدا ـ كتاب ثمرات المطالعة يبلغ زهاء ثمانية الف صفحة وكان شرع في مصر بطبع الجزء الاول منه.
ومن أجل اساتذته المرحوم المقدس السيد أبو بكر بن شهاب. وللفقيد رحلات كثيرة في سبيل الدين والعلم والتجارة ولم يكن المال لديه سوى اداة لقضاء الحاجة لذلك كان ينفق ما جمعه وهو غير قليل في سبيل البر والاحسان. حج ثلاث مرات وزار العراق وسورية ومصر خاصة عدة مرات كما زار الهند واليابان والصين وغيرها من الاقطار الشرقية وزار كثيرا من عواصم اوروبة لاسيما پاريس وحضر معرضها الكبير وخطب هناك واجتمع بكثير من المستشرقين وله معهم مساجلات ومحاورات لطيفة. وكان يكتب أحيانا في الصحف فكتب في المؤيد والمقطم والاهرام والعرفان ولما زار امام اليمن اكرم مثواه وحمله من الحديدة إلى صنعاء في طائرة وخصص له مكانا خاصا في جانب غرفته وابقاه في كنفه شهرين كاملين وقد توفى الفقيد سنة ١٣٥٠ في المكلا باليمن وقد عطلت المحاكم في اليمن لوفاته وسارت العساكر في جنازته منكسة الاعلام.
وليست الصلة بالاجسام مما تستريح إليها جميع الاذواق وتلتذ بها جميع النفوس ، ولكن صلة النفس بالنفس هي التي تتنعم بها النفوس وتلتذ بها العقول بما تفيض عليهما من الوان المعاني من كل بديع وكل دقيق.
يعرف المتصلون بعلمي الرجال والجرح والتعديل ان صراعا عنيفا بين الطائفتين الكبيرتين من المسلمين اهل السنة والشيعة حول اصحاب النبي صلى الله عليه وآله واستطاعت العقيدة والسياسة أن يلعبا دورا مهما في هذا النزاع الحاد بين الطائفتين وأستمر النزاع يشق طريقه بين الحديد والنار إلى الاجيال يستمد قوته من العقيدة لاغيا كل اعتبار من الاعتبارات الاخرى وحال دون التعاون بين المسلمين وتأخر الاسلام بسبب هذا الصراع حتى اوشك النزاع ان يقضي عليه.
أجل ، انقسم المسلمون إلى قسمين : قسم البس صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثوبا من القداسة الغير المحدودة بحد ولا يمكن ان تتناولها يد ، ولا يمكن للعقول ان تحوم حولها في لحظة من اللحظات ولا في حال من الاحوال وهؤلاء اعتبروا ان الصحبة لا يمكن ان تنتج الا ما يصح ان يكون ، وهي وحدها كافية لتبديل آثار البيئة والوراثة وهي قادرة على تحول النفوس الشريرة إلى نفوس صالحة فحكموا على جميعهم بالطهر والقداسة!.
وقسم من المسلمين لم يعتبر الصحبة الا شرفا يغبط عليه الصحابي فقط واما القداسة والطهر فأمران خارجان عن الصحبة ومرجعهما واقع الامر في كل صحابي فمن عمل منهم صالحا واتقى الله سبحانه حق تقاته وعمل بأوامر الله ورسوله ولم يقترف اثما من قتل وظلم واعتداء فذلك هو الصحابي الواجب علينا تقديسه واكباره واما من أقترف شيئا من اثم فليست الصحبة حارسة له وهو كغيره من المسلمين الذين يلقون آثاما.
وعند هذا القسم من المسلمين الصحبة وتقوى الله يتعاونان على قداسة الصحابي وطهره. واذن لابد لهذا القسم ان يأخذ الغربال فيغربل ويأخذ مبضعة الطبيب فيشرح. وهكذا فعل هذا القسم ، غربل بأنصاف ما وسعه ان يغربل ولم يبال بصيحات المرجفين. وليس من موضوعنا ان نتحدث هنا عن مصاير هذه الغربلة فقد استطاعوا ان يذودوا عن آرائهم ببراهين قاطعة.
والمؤلف لم يسلك سبيل قومه فلم يخلع على سائر ، الصحابة ثوب القدس والطهارة واستطاع ان ينزع ذلك الكابوس عن عقله فأشفق على صحب النبي صلى الله عليه وآله عن ان يدنسهم فيدس فيهم من يلوث شرف الصحبة. فأستمع إليه يقول :
«والصحابة الذين يصدق عليهم التعريف المخترع الحادث وتحوي المعاجم اسماء كثير منهم قسمان : قسم اخلص في الايمان واحسن الصحبة ووفي بالحق فهو محمود ممدوح أهل للثناء والتعظيم والاحترام من كل مسلم.
«وقسم نافق واساء الصحبة وخان وغدر وهو مذموم عند كل مصنف». «لا يستوى اصحاب النار واصحاب الجنة. أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض» الآية واسمعه أيضا يقول :
«ان صحبة النبي صلى الله عليه وآله شرف عظيم. ومرتبة سامية ، ومنزلة عالية ، واصحابه صلى الله عليه وآله متفاوتون في فضلها وشرفها بقدر ما احسنوا فيها. وإذا عصي أحد منهم وحاد الله ورسوله وارتكب الكبائر وأصر على معصيته فقد ترك ما اوجب له المحبة من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ ليس عند رسول الله صلى الله عليه وآله محاباة ولا مداهنة في عداوة من الله وعصاه. ومن الغباوة ان لم تقل من العناد اهدار كل كبيرة وموبقة بدعوى حرمة الصحبة. لاشك ان للصحبة حرمة عظيمة وشأنا فخما. ولكن مقيد بما قدمنا».
تحس وانت تقرأ هذا ان المؤلف يرى ان الصحبة لا تمتد الا إلى أفراد مخصوصين من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ، وان أثر الصحبة وشرفها لا يكون بارزا الا في الرجال الذين أخلصوا في ايمانهم واحسنوا ووفوا بما عاهدوا الله وهم قليلون اولئك هم الذين فازوا بالقدس والطهر واولئك هم الاصحاب حقا وفازوا بشرف الصحبة رضي الله عنهم ورضوا عنه.
وكم كنت اود لو ان المؤلف توسع في حديثه واتسع غرباله لجميع الصحابة وهذا الذي نأخذه على المؤلف فقد تساهل هنا وكان حق له ان لا يتساهل وكل حق له ان يعمل على تنقية الصحابة ولكن اظن ان قلمه لم يكن ليقوى على تحمل هذه المسئولية العظمى ، ولعل في الغربلة التامة ما يحرجه ولكن. ولكن الحقيقة لا تعرف المراعاة.
وليس بأمكان هذا التقديم ان يتسع للكلام في هذا الموضوع المتباعد الاطراف فأنه يحتاج إلى عشرات المئات من الصحائف.
ومهما يكن من شئ فان الكتاب أستوفى موضوعه حق الاستيفاء. ولا ينافيه ان أخذنا عليه انه لم يعط المسألة حقها من جميع نواحيها ليكون الكتاب عاما شاملا والمصنف منفرد عن قومه بطريقه منصف في ما أراد ان يكتب فيه ما شاء له الانصاف عادل ما شاء له العدل ولا نفهم انصافه وعدله الا إذا درسنا معه المقياس الذي اتخذه وسيلة للوصول إلى الحق في بحثه وإذا أعرض المعرضون عن هذا المقياس وأبوالا أن تكون الصحبة وحدها هي المقياس فقد ضاعت الحقيقة.