5 ـ التعاون والتكافل
دعاء الإمام(ع) في غير مرّة الأغنياء لكي يكون في أموالهم حقّ للفقراء. وقد دعاهم دعوة اختيار في بذل ما فاض عن أيديهم من أجل انتشال الفقير من فقره المدقع...
وحثّهم على ذلك راجياً لهم منقلب الخير في الآخرة، وردّد على أسماعهم: «طوبى لمن أنفق الفضل من ماله»([1]).
الإمام(ع) يريد أن يرفع درجة التعاون بين الناس من أجل تكوين صورة عن المدينة المتعاونة العفيفة، قال(ع): «ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلباً لما عند الله، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتّكالاً على الله»([2]) .
إنّها عفة اجتماعية متبادلة يسطّرها تواضع الأغنياء، وتعفف الفقراء في عالم الاختبار والاختيار، وقد نجحوا جميعاً هذا بشكره، وذاك بصبره.
إنّ المُلك الحقيقي هو لله تعالى، إلّا أنّه قد يخول الله بعض عباده ويخصّهم بالنعم، فإذا ما كانوا في خدمة خلقة أقرّها وزادها، وأمّا إذا حجبوها عن خلقه فإنّه ينزعها عنهم، وينقلها الى غيرهم كما قال مولانا أمير المؤمنين(ع): «إن لله عباداً يخصّهم بالنعم لمنافع العباد، فيقرّها في أيديهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، ثم حوّلها الى غيرهم»([3]).
إنّ تكديس الثروة واحتكارها يؤدي الى منع الآخرين من الحصول على حقوقهم . نعم للمرء أن يمتلك ثروة شخصية ، ويستخدمها استخداماً إيجابياً، لكن في تلك الأموال الموفورة في جانب، ضياعها على آخرين في جانب آخر: «فما جاع فقير إلّا بما متع به غني»([4]). «وما رأيت نعمة موفورة إلّا وإلى جانبها حقّ مضيع»([5]).
الإمام لا يقول: ما جاع فقير إلّا بغنى الأغنياء؛ بل يقول: بما متع وتمتّع به اُولئك الرهط من المترفين. فذلك الفقر ناتج عن ذلك البذخ والتمتّع.
وفي قول آخر عنه(ع): «إن الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء»([6]). نجد أنه يقول: «في أموال» ، وليس «أموال» بمعنى أن في ضمن أموال الأغنياء فضل وزيادة تكفل للفقراء أقواتهم في عيشهم.
الإمام(ع) يطرح مفهوم قوت الفقير وما يمكنه أن يعيش به، لا أنّه يطرح المشاركة الكاملة للفقير في أموال الغني بحيث يتساوى الغني والفقير ويضيع حقّ الأغنياء وشأنهم.
إن الأمر الذي يدعو إليه هو نوع تعاون وتكافل من أجل أن يعيش الناس في رحبة الحياة بمنأىً عن الافتقار والهوان مع الاحتفاظ بخصوصية كل طرف وشأنه.
هذه هي الصورة المصغّرة المختصرة عن ماهية التعاون الذي يبديه الأغنياء للفقراء في إطار المجتمع الإنساني الكريم.