نصوص كثيرة رويت عن الاِمام الرضا عليه السلام بشأن إمامة أبي جعفر الجواد عليه السلام والنصّ عليه جمع شتاتها العلاّمة المجلسي واستوفاها في الجزء الخمسين من بحاره فكانت ستة وعشرين نصّاً ، اخترنا منها النصوص التالية:
روى الكليني بسنده عن معمر بن خلاّد قوله : ذكرنا عند أبي الحسن عليه السلام شيئاً بعد ما ولد له أبو جعفر عليه السلام ، فقال : « ما حاجتكم إلى ذلك ، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيّرته في مكاني »
وعنه بسنده ، عن الخيراني ، عن أبيه قال : كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن عليه السلام بخراسان ، فقال له قائل : يا سيدي إن كان كون فإلى من ؟ قال : « إلى أبي جعفر ابني » فكأن القائل استصغر سنّ أبي جعفر عليه السلام ، فقال أبو الحسن عليه السلام : « إنّ الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولاً نبيّاً ، صاحب شريعة مبتداة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر عليه السلام »
ونقل ابن الصباغ المالكي في فصوله المهمة عن الشيخ المفيد قدس سره بإسناده عن صفوان بن يحيى قال : قلت للرضا عليه السلام : قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول : « يهب الله لي غلاماً » . فقد وهبه الله لك ، وقرَّ عيوننا به ، فلا أرانا الله يومك ، فإن كان كون فإلى مَن ؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه ، فقلت له : جُعلت فداك ، وهذا ابن ثلاث سنين ؟ قال : « وما يضرُّ من ذلك ! قد قام عيسى بالحجة وهو ابن أقل من ثلاث سنين » (1)
كما نقل القندوزي الحنفي في ينابيعه ، عن فرائد السمطين للمحدث الجويني الخراساني الشافعي باسناده ، عن دعبل الخزاعي ، عن علي الرضا ابن موسى الكاظم عليهما السلام
قال : « يا دعبل الاِمام من بعدي محمد ابني ، وبعد محمد ابنه علي ، وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره » (2)
وممن شهد بإمامة الجواد عليه السلام وأذعن لها عم أبيه : علي بن الاِمام جعفر الصادق عليه السلام المعروف بالعُريضي ، فقد روى الكليني رحمه الله بسنده ، عن محمد ابن الحسن بن عمار قال : كنت عند علي بن جعفر الصادق جالساً بالمدينة ، وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما سمع من أخيه ـ يعني أبا الحسن موسى الكاظم عليه السلام ـ إذ دخل عليه أبو جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فوثب علي بن جعفر؛ بلا حذاء ولا رداء فقبّل يده وعظّمه ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : « يا عم إجلس رحمك الله » ، فقال : يا سيدي ! كيف أجلس وأنت قائم ؟
فلمّا رجع علي بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه ويقولون : أنت عم أبيه ، وأنت تفعل به هذا الفعل ؟ ! فقال : ( اسكتوا ، إذا كان الله عزَّ وجلّ ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهل هذه الشيبة ، وأهّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه ، أُنكر فضله ؟ ! نعوذ بالله مما تقولون ، بل أنا له عبد )(3)
وروى الكشي بسنده عن علي بن جعفر خبراً له مع واقفي حاججه في أمر الاِمامة ، فأجابه علي بن جعفر جواباً قاطعاً بأن أبا جعفر الجواد عليه السلام هو الاِمام الناطق بعد أبيه علي بن موسى الرضا علیه السلام كما روى الكشي في رجاله باسناده عن أبي عبدالله الحسين بن موسى ابن جعفر ، قال : كنت عند أبي جعفر عليه السلام بالمدينة وعنده علي بن جعفر ، وأعرابي من أهل المدينة
جالس ، فقال لي الاَعرابي : من هذا الفتى ؟ وأشار بيده إلى أبي جعفر عليه السلام . قلت : هذا وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فقال : يا سبحان الله ! رسول الله قد مات منذ مئتي سنة وكذا وكذا سنة ، وهذا حدث ، كيف يكون ؟ !
قلت : هذا وصي علي بن موسى ، وعلي وصيّ موسى بن جعفر ، وموسى وصيّ جعفر بن محمد ، وجعفر وصيّ محمد بن علي . . الخبر (4)
وهذا الخبر من جملة الاَحاديث والمرويات المستفيضة في مظانها ، الدالة على أنّه كان معروفاً آنذاك أن الاَئمة من أهل البيت عليهم السلام هم أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنص عليهم واحداً بعد واحد .
الحالة السياسية في عصر الإمام الجوادعليه السلام
تميّزت الفترة الزمنية التي عاشها الاِمام الجواد عليه السلام بعد استشهاد والده الاِمام الرضا عليه السلام ؛ بهدوء سياسي نسبي ، بعد أن تمّ تصفية الحساب في وقت سابق بين الاَخوين العباسيين الاَمين والمأمون بمقتل الاَول ( 25 محرم 198هـ ) ، وتفرّد الثاني بالسلطة السياسية ، وقد خلا له الجو من المنافس السياسي سوى الاِمام الرضا عليه السلام ، الذي كان يتصدّر الزعامة الروحية والاجتماعية للمجتمع الاِسلامي ، وسوى بعض الثورات والانتفاضات العلوية هنا وهناك ، والتي سرعان ما قُضي عليها بحنكة سياسية ، ودهاء ماكر ، وقوة عسكرية حاسمة ، ثم دُبّر أمر تصفية الاِمام الرضا عليه السلام في آخر صفر (5)سنة 302 هـ ، بمكيدة ودهاء تامّين ، الاَمر الذي جنّب المأمون أيّ مشكلة سياسية ذات بال تواجه استقرار الحكومة .أما اضطرابات بغداد وانفصالها عن سلطة المأمون ، ومبايعة عمّه إبراهيم ابن المهدي العباسي في ( 5 محرم سنة 202 هـ ) بالخلافة ، ثم مناوشاتهم وحروبهم مع ولاة دولة المأمون ، فسرعان ما أُخمدت وعادت بغداد إلى أحضان دولة الخلافة المأمونية ، بدخول المأمون مدينة السلام على رأس جيش خراساني لجب في 18 صفر سنة 204 هـ (6)
وبعد استتباب الاَوضاع السياسية في بغداد ، واستقرار شؤون الدولة في العاصمة الجديدة ( بغداد ) ، من بناء القصور الملكية والدواوين ( الوزارات ) ، والمراكز الاَمنية وغيرها ، تتناهى إلى سمع المأمون أخبار أبي جعفر ابن الرضا عليه السلام واحتفاء الناس به ، وظهور كراماته ومعجزاته . .فيتأمل المأمون ـ وهو السياسي المحنّك والخبير ـ في الاَمر ملياً ، ويرسل خلف الاِمام ابن الرضا عليه السلام يستدعيه من المدينة إلى بغداد في تلك السنة . وفي تقديرنا أن التحرك السياسي للاِمام الجواد عليه السلام يبتدئ من السنة التالية ( 205 هـ ) التي وصل فيها إلى بغداد بعد أن أدّى نسك الحج ، وعاد إلى المدينة ليجمع أهل بيته وعمومته من الهاشميين وخدمه؛ لمرافقته إلى عاصمة الدولة لاِجابة ( المأمون ) طلبه ، وكان له عليه السلام أول لقاء مع المأمون العباسي في التاريخ المذكور ، ومن ذلك الوقت يبدأ المسلسل التاريخي الحافل السياسي ، والاجتماعي ، والعلمي لحياة جواد الاَئمة عليهم السلام .بعد هذه التقدمة الموجزة ندخل إلى رحاب الحياة السياسية للاِمام الجواد عليه السلام ، باستشفاف بعض ملامح موقف السلطة العباسية تجاه الاِمام عليه السلام من جهة ، وتجاه الشيعة عموماً من جهة اُخرى .
الموقف السياسي بعد شهادة الاِمام الرضا عليه السلام :
كانت الفترة بين ( رمضان 201 ـ صفر 203 هـ ) التي تقلّد فيها الاِمام الرضا عليه السلام ولاية العهد سنيّ هدوء نسبي إلاّ ما كان من اضطراب الاَمور في بغداد حنقاً على المأمون ؛ لمقتل محمد الاَمين أولاً؛ ولتوليته العهد من بعده للرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ظناً منهم أن الخلافة ستخرج من بني العباس إلى آل أبي طالب ، لكن تبيّن بعد ذلك أن المأمون كان يفكر غير ماكانوا يستعجلون تفكيره .
وأما السنوات القلائل التي أعقبت استشهاد الاِمام الرضا عليه السلام فكانت هي الاُخرى مشحونة بالحذر والترقب من قبل الشيعة عموماً والبيت الهاشمي خصوصاً؛ للسياسة التي اتخذها المأمون في تقريب الاِمام الجواد عليه السلام وإنزاله تلك المنزلة منه ، وهذا الترقب والحذر راجع إلى عدة أمور لعلّ من أهمها ما نوجزه بالنقاط التالية:
1- شغف المأمون بأبي جعفر عليه السلام بعد أن استدعاه من المدينة المنورة إلى بغداد؛ لما رأى من غزارة علمه وهو لم يبلغ الحلم بعد ، ولم يحضر عند أحد للتلمّذ والدراسة ، ثم إنّ صغر السن وامتلاك علوم جمة والجلوس للمناظرة والحجاج مع كبار الفقهاء هي ظاهرة فريدة وغريبة في دنيا الاِسلام حيث يروي أبو الحسن علي أخو دعبل الخزاعي أنّه ودعبل رحلا إلى الاِمام علي بن موسى الرضا عليه السلام والتقياه في تلك السنة ، وحدّثهما إملاءً في رجب من ذلك العام ، وأقاما عنده إلى آخر سنة ( 200 هـ ) . ثم خرجا من عنده متوجهين صوب قم حيث أشار الاِمام عليه السلام إليهما أن يصيرا إليها وهما في طريق عودتهما إلى واسط ، بعد أن خلع عليهما وزودهما وأعطاهما من الدراهم الرضوية ما يعينهما .يومذاك ، تجلب الانتباه وتأخذ بالعقول وتستهويها؛ لهذا فقد أبقاه عنده فترة طويلة .(7)
2- المأمون ، ولاَجل رفع أصابع الاتّهام عنه باغتيال الاِمام الرضا عليه السلام ، أراد أن يثبت ظاهرياً للعوام والخواص حبه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، من خلال بقائه على ولاء وحب البيت العلوي؛ لذلك أظهر اهتماماً زائداً ، وتكريماً متميزاً للاِمام الجواد عليه السلام ، بل وأقرّ له ما كان يعطي أباه الرضا عليه السلام من عطاء وزيادة ، فبلغ عطاؤه ألف ألف درهمٍ سنوياً (8)
3- تزويجه إياه من ابنته ( زينب ) المكناة بأم الفضل ، واسكانه قصور السلطنة .
4- توليته بعد وروده بغداد عام ( 204 هـ ) عبيدالله بن الحسن بن عبيدالله بن العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام مكة والمدينة . وبقي على ولايتهما حتى أواخر عام (206هـ)
5- أمره ولاة الاَقاليم والخطباء بإظهار فضائل الاِمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على المنابر في جميع المناسبات .
6- تبنّيه مذهب الاعتزال وإظهار القول بخلق القرآن في ربيع الاَول سنة ( 212 هـ ) ، وكان الدافع من وراء ذلك ـ على ما يظهر لنا ـ سياسياً ، لاَجل تصفية بعض الخصوم وإبعاد البعض الآخر ، وإجبار بعض الفقهاء ، خارج المدار السلطاني ، الدخول في فلك البلاط؛ لتمرير بعض المآرب السياسية في مرحلة لاحقة . ثم لعلّه أراد من إظهار هذا الحق باطلاً كان يختبئ في مطاوي نفسه التي لم تُعرف نواياها الحقيقية ، فماتت معه بموته .كما أراد صرف الناس عن التوجه إلى أهل البيت عليهم السلام والتمسك بمنهجهم القويم .
بهذا الدهاء السياسي استطاع المأمون العباسي سحب البساط من تحت أرجل شيعة أهل البيت عليهم السلام عموماً ، والطالبيين بشكل أخص ، وفوّت عليهم فرصة أي ثورة أو انتفاضة ضد حكومته . وبذلك تمكن من أن يأمن هذا الجانب ـ وإن كان على حذر ووجل إلى فترة غير قليلة ـ استطاع خلالها ترتيب البيت العباسي ، واستحكام أمر الخلافة .
ولم يكن المأمون مستعجلاً هذه المرة مع الاِمام الجواد عليه السلام الصبي الصغير ثم الشاب اليافع ، بشأن تصفية وجوده ، لما يشكّله عليه السلام من خطر على مستقبل الخلافة والوجود العباسي ككل .
ولقد انعكس ذلك الهدوء السياسي النسبي الذي أعقب تولي الاِمام الرضا عليه السلام عهد المأمون له بالخلافة من بعده ، على امتداد فترة إمامة أبي جعفر الثاني عليه السلام ، إلاّ ما كان من ثورة عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام في اليمن سنة ( 207 هـ ) .
كان هذا مجمل الوضع السياسي بُعيد استشهاد الاِمام الرضا عليه السلام ، وتسنّم الاِمام الجواد عليه السلام منصب الاِمامة ، واظهاره لها وهو حدث صغير ، الاَمر الذي جعل الاَنظار تتجه نحوه ، وتصطكّ عنده رُكَبُ العلماء ، وتُثنى أمامه هيبةً وإذعاناً لعلمه .
ثم ما كان من أحداث ( قم ) سنة ( 210 هـ ) . وفي سنة ( 214 هـ ) كانت حركة جعفر بن داود القمي في مصر . وسنأتي على تفصيل هذه الثورات والحركات في خاتمة هذا الفصل إن شاء الله .
وفي مطلع سنة ( 215 هـ ) كان خروج المأمون لغزو الروم ، ماراً بتكريت سالكاً طريق الموصل ـ نصيبين على ما يبدو . وقد طال أمد حروبه نسبياً مع الروم فاستمرت حتى وفاته في عام ( 218 هـ ) (9) تخللتها فترات هدنة عاد فيها إلى الشام .
ولعلّ آخر حدث في حياة الاِمام الجواد عليه السلام كان خروج محمد بن القاسم بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام في الطالقان من بلاد خراسان عام ( 219 هـ ) يدعو للرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
القول بخلق القرآن :
في ربيع الاَول من عام ( 212 هـ ) أظهر المأمون لاَول مرة القول بخلق القرآن الكريم ، وتفضيل علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأنّه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ثم بعد فترة أصدر ( مرسوماً ) ملوكياً وعممه على كافة ولايات الامبراطورية الاِسلامية يدعو فيه القضاة والمحدِّثين للقول بخلق القرآن ، وإلاّ رُدّت شهاداتهم ، وأمر بإشخاص جماعة منهم إليه ، وكان يومها في الرقة .
أما السبب الذي قاد إلى أطروحة خلق القرآن هو أن بعض المثقفين والعلماء الذين لم يكونوا ميالين إلى السلطة السياسية ، ولم يستطيعوا خوض نضال سياسي واجتماعي مكشوف مع السلطة خوفاً على استمرارية وجودهم في الحياة ، لِمَا تميّز به الدور الاَموي من طابع قمعي استبدادي . فقد انتحلوا مذهب الاعتزال الذي أخذ بدوره يطوّر الفلسفة الاِسلامية عن طريق علم الكلام الذي يغلب عليه الطابع السجالي العقلي الحر ، واعتماده الجدل المنطقي ، والقياس في مناقشة القضايا الكلامية . ثم كان من مقولاتهم : المنزلة بين المنزلتين ، وحرية الاختيار ( التفويض ) ، وأخيراً خلق القرآن .
وبوصول نوبة الخلافة إلى المأمون ودعمه* مذهب الاعتزال *، حدا به الموقف ( السياسي ـ العقيدي ) إلى اتّباع وسائل إدارية قسرية لفرض وإشاعة هذا المذهب ، حتى بلغ الاَمر أن أصدر مرسومه السلطاني ـ فيما بعد ـ بعدم تقليد منصب القضاء لغير معتنقي مذهب الاعتزال والقائلين بخلق القرآن .
هذه الاَطروحة الفكرية العقائدية التي كان يُراد منها تصفية بعض المناوئين للسلطة العباسية ، أضحت سياسة رسمية للدولة أيام حكم المأمون والمعتصم والواثق ، يُعاقَب من لم يقل بها ويتّخذها مبدأً له . وفعلاً فقد شكّل هذا المقطع الزمني ( محنة ) بالنسبة لغير ( فقهاء السلطان ) . فقد وجدوا أنفسهم في مواجهة تحول الفكر والمعتقد إلى مؤسسة من مؤسسات السلطة التي أخذت تلوّح بعصا الايديولوجية؛ لسحق المعارضة السياسية ، وضرب المعارضة الفكرية في آن واحد .
والتأريخ لم يحدثنا عن موقف للاِمام الجواد عليه السلام من هذه القضية التي كانت مثار جدل ونقاش سنين عديدة .
الاِمام والسلطة :
قبل الحديث عن علاقة الاِمام أبي جعفر الثاني عليه السلام بالسلطة العباسية ،والمأمون العباسي رأس السلطة بالخصوص ، ثم ما تمخض عن تلك العلاقة من إرهاصات ، لابدّ من إلقاء الضوء على بعض المقدمات التي استرعت انتباه السلطة الحاكمة ، وجعلتها تولي قضية الاِمام الجواد عليه السلام أهمية خاصة ، سيّما وأن إمامته عليه السلام وهو بهذه السن غير المعهودة من قبل ، قد طار صيتها في الآفاق ، وأخذت تجتذب إليها القلوب ، وتستهوي جماهير الاُمّة الاِسلامية ، وراح حديث خلافة أبي جعفر لاَبيه الرضا عليهما السلام في منصب الاِمامة ، ونبوغه العلمي وهو في هذا السن المبكر يسري شيئاً فشيئاً إلى مختلف أقطار الدولة الاِسلامية ، بعد أن أصبح حديث عامة الناس وشغلهم في مكة والمدينة .
ومرة اُخرى اختلفت كلمة الشيعة بعد استشهاد الاِمام الرضا عليه السلام ، ووقعوا في حيرة من أمر الاِمامة؛ لاستصغار بعضهم سنّ أبي جعفر عليه السلام ، رغم أن الرضا عليه السلام طالما أكّد لشيعته وأصحابه حال حياته بصريح العبارة ، وأبو جعفر لم يتجاوز الثلاث سنوات ، بأنّه إمامهم ومولاهم من بعده ، وقد مرّت الاِشارة إلى تلك الاَحاديث في النص على إمامته عليه السلام. ولكن . . وبعد استشهاد الاِمام الرضا عليه السلام تحيرت الشيعة واضطرب أمرهم في كلِّ الاَمصار ، ففي بغداد مثلاً ( اجتمع الريان بن الصلت ، وصفوان ابن يحيى ، ومحمد بن حكيم ، وعبدالرحمن بن الحجاج ، ويونس بن عبدالرحمن وجماعة من وجوه الشيعة وثقاتهم في دار عبدالرحمن بن الحجاج في ( بركة زلزل ) يبكون ويتوجعون من المصيبة .
فقال لهم يونس بن عبدالرحمن : دعو البكاء ، من لهذا الاَمر ، وإلى من نقصد بالمسائل إلى أن يكبر هذا الصبي ؟ يعني أبا جعفر عليه السلام ، وكان له ست سنين وشهور . ثم قال : أنا ومَن مثلي !
فقام إليه الريّان بن الصلت فوضع يده في حلقه ، ولم يزل يلطمه ويقول له : أنت تظهر الاِيمان لنا وتبطن الشكّ والشرك، : إن كان أمره من الله جلّ وعلا ، فلو أنّه كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم وفوقه ، وإن لم يكن من عند الله فلو عمّر ألف سنة فهو واحد من الناس ، هذا مما ينبغي أن يفكّر فيه . فأقبلت العصابة عليه ( يونس بن عبدالرحمن ) تعذله وتوبّخه .
وكان وقت الموسم ، فاجتمع من فقهاء بغداد والاَمصار وعلمائهم ثمانون رجلاً ، فخرجوا إلى الحج ، وقصدوا المدينة؛ ليشاهدوا أبا جعفر عليه السلام فلمّا وافوا ، أتوا دار الاِمام جعفر الصادق عليه السلام ؛ لاَنّها كانت فارغة ، ودخلوها وجلسوا على بساط كبير ، وخرج إليهم عبدالله بن موسى ، فجلس في صدر المجلس ، وقام منادٍ وقال : هذا ابن رسول الله ، فمن أراد السؤال فليسأله .
فقام إليه رجل من القوم فقال له : ما تقول في رجل قال لامرأته أنتِ طالق عدد نجوم السماء ؟ قال : طلقت ثلاث دون الجوزاء . ثم قام إليه رجل آخر فقال : ما تقول في رجل أتى بهيمة ؟ قال : تقطع يده ، ويجلد مئة جلدة ، ويُنفى .
فورد على الشيعة ما حيّرهم وغمّهم ، واضطربت الفقهاء وقاموا وهمّوا بالانصراف ، وقالوا في أنفسهم : لو كان أبو جعفر عليه السلام يكمل لجواب المسائل لما كان من عبدالله ما كان ، ومن الجواب بغير الواجب ، فهم في ذلك إذ فُتح باب من صدر المجلس ، ودخل ( موفق ) وقال : هذا أبو جعفر ، فقاموا إليه بأجمعهم واستقبلوه وسلّموا عليه ، فدخل عليه السلام وعليه قميصان ،وعمامة بذؤابتين إحداهما من قدّام والاُخرى من خلف ، ونعل بقبالين (القِبال : سير من الجلد طويل يربط على الرجل لشدّ النعال .) ، فجلس وأمسك الناس كلّهم ، ثم قام صاحب المسألة الاُولى ، فقال : يابن رسول الله ، ما تقول فيمن قال لامرأته أنتِ طالق عدد نجوم السماء ؟
فقال له : « يا هذا اقرأ كتاب الله ، قال الله تبارك وتعالى : ( الطلاقُ مرَّتانِ فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريح بإحسانٍ ) (10) في الثالثة » . قال : فإن عمّك أفتاني بكيت وكيت . فقال : يا عم اتّق الله ولا تفتِ وفي الاُمّة من هو أعلم منك
فقام إليه صاحب المسألة الثانية ، فقال له : يا بن رسول الله ، ما تقول في رجل أتى بهيمة ؟ فقال : « يُعزّر ، ويُحمى ظهر البهيمة ، وتُخرج من البلد حتى لا يبقى على الرجل عارها » . فقال : إنّ عمّك أفتاني بكيت وكيت . فالتفت وقال بأعلى صوته : « لا إله إلاّ الله ، يا عبدالله ! إنّه عظيم عند الله أن تقف غداً بين يدي الله فيقول لك ، لم أفتيت عبادي بما لا تعلم وفي الاُمّة من هو أعلم منك ؟ » .فقال عبدالله بن موسى : رأيت أخي الرضا وقد أجاب في هذه المسألة بهذا الجواب .
فقال أبو جعفر عليه السلام : « إنّما سُئل الرضا عن نبّاش نبش قبر امرأة ففجر بها ، وأخذ ثيابها ، فأمر بقطعه للسرقة ، وجلده للزنا ، ونفيه للمثلة » . ففرح القوم ، ودعوا له وأثنوا عليه ) (11)
نعم ، فرح القوم لِمَا عرفوا من أن الاِمامة حقاً متعيّنة في هذا الفتى المستوعب للفقه . . الحاضر الجواب . . العارف بإجابة أبيه ، وقد تركه أبوه طفلاً صغيراً في الخامسة من عمره .
فبغياب نجم الاِمام الرضا عليه السلام ، برز نجم آخر لمع في دنيا الاِسلام ، أخذ يستقطب إليه الاُمّة شيئاً فشيئاً بجاذبية يندر وجودها في أكابر الشخصيات العلمية أو السياسية .
إذن فمشكلة الاِمامة ـ بالنسبة للسلطة العباسية ـ واستقطاب جماهيرالاُمّة لم تزل قائمة إلى الآن ، وفصول المسلسل ( الدرامي ) الذي لم ينته بانتهاء الاِمام الرضا عليه السلام . . يجب أن يُعالج هذه المرة بأُسلوب أهدأ . . وطريقة طبيعية تُسقط الاِمام والاِمامة من أعين الناس ، دون استخدام العنف أو التصفية الجسدية . .
فلقد سعى المأمون الداهية المتآمر ، وهو أعظم خلفاء بني العباس خطراً . . . وأكثرهم علماً . . وأبعدهم نظراً . . وأشدهم مكراً . . وأخفاهم مكيدة . . سعى هو وحاشيته إلى الالتفاف على الاِمام أبي جعفر عليه السلام بالمكر والتحايل؛ لقتله وهو ما يزال حيّاً ، وذلك بإسقاطه في أعين الناس ، وكذا فعل المعتصم . ففي إحدى المرات وصل بهم خبث السريرة إلى أنهم أرادوا إيثاق الاِمام وسقيه خمراً إلى حدِّ الاِسكار ، ثم إخراجه إلى الناس على تلك الحالة مضمّخاً بخلوق الملوك . لكنّ كيدهم لم يتم بإذن الله تعالى ، إذ منعهم المأمون من ذلك قبل تنفيذ خطتهم ، حيث خاف عواقب هذا الفعل الشنيع ، قائلاً لهم : لا تؤذوا أبا جعفر . .(12)
كما احتال المأمون على أبي جعفر عليه السلام بكل حيلة فلم يمكنه فيه شيء ، فلمّا اعتل وأراد أن يزفّ إليه ابنته ، قال محمد بن الريّان : ( دفع إلى مئة ) وصيفة من أجمل ما يكون ، إلى كل واحدة منهنّ جاماً فيه جوهر يستقبلن أبا جعفر عليه السلام إذا قعد في موضع الاَختان . فلم يلتفت إليهنّ ، وكان رجل يقال له « مخارق » صاحب صوت وعود وضرب ، طويل اللحية ، فدعاه المأمون . فقال : يا أمير المؤمنين إن كان في شيء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره ، فقعد بين يدي أبي جعفر عليه السلام ، فشهق مخارق شهقة اجتمع عليه أهل الدار ، وجعل يضرب بعوده ويغني ، فلما فعل ساعة وإذا أبوجعفر لايلتفت إليه لا يميناً ولا شمالاً ، ثم رفع رأسه وقال : « اتقِ الله ياذا العثنون ! » ، قال : فسقط المضراب من يده والعود فلم ينتفع بيديه إلى أن مات ، قال : فسأله المأمون عن حاله ، قال : لمّا صاح بي أبو جعفر ، فزعت فزعة لا أفيق منها أبداً ) (13)
وعلى كلِّ حال ، فقد أرسل المأمون إلى محمد بن عبدالملك الزيات يوصيه بحمل أبي جعفر من المدينة إلى بغداد على أحسن محمل ، وأن لا يُعجّل بهم السير ، ويريحهم في المنازل . فيكلف ابن الزيات الحسن بن علي بن يقطين؛ لمنزلته ومنزلة أبيه من الاَئمة عليهم السلام والخلفاء والاَمراء معاً . بأن يرافق أبا جعفر وأهله وعياله في سفرهم .ويظعن الرحل مودعاً المدينة المنورة ، متجهاً صوب بغداد . وينسى الخليفة أو يتناسى قدوم الوفد المدني ، فلقد ألهته ليالي الاُنس . . وأيام الصيد ، السؤال عن القادمين من المدينة أو أنّه فعلاً تناسى أمرهم ، وهي عادة الملوك في استصغار من سواهم ، وأراد أن يلتقي بأبي جعفر بشكل غير علني ، إمّا حياءً من البيت الهاشمي لما أحلّه بأبيهم الرضا عليه السلام قبل عهد قريب ، وإمّا أنفة واستعلاءً منه ـ وهو أميرالمؤمنين المسيطر على الآفاق شرقاً وغرباً ـ أن يلتقي بحدث صغير لم يبلغ الحلم . فلم يكن المأمون قد وقف بعد على علم الاِمام الجواد عليه السلام ونبوغه المذهل . أو إنّه لم يكن هذا ولا ذاك ، إنّما أراد أن يستريح القادمون لبضعة أيام من وعثاء السفر ، ثم يستدعي إليه التقي عليه السلام ليتعرّف أخباره . وذكرت الاَخبار أن المأمون خرج يوماً في نزهة للصيد ، فاجتاز بطرق البلد . ولعلّه كان قاصداً لاختيار هذا الطريق ، فقد علم قبل ذلك أين نزل الوافدون . . وعلم أيضاً من هم ؟ !وهكذا كان . . فقد تم ( اللقاء الاَول ) في الطريق على ما ينقله المؤرخون ، ويمكن أن يكون الاِمام الجواد عليه السلام هو الذي سعى لاَن يلتقيه المأمون في هذا المكان . فلسان الرواية يقول : اجتاز ـ المأمون ـ بطرف البلد ، وثمّ صبيان يلعبون ، ومحمد الجواد عليه السلام واقف عندهم . . فالاِمام عليه السلام ليس من شأنه الوقوف على قارعة الطريق أو التفرج على ملاعب الصبيان لقضاء الوقت ، ولا عُرف عن الاَئمة أنهم كانوا يلعبون ويلهون في الطرقات مع أقرانهم في أيام طفولتهم ، فهم أجلّ وأسمى من أن يصرفوا أوقاتهم في اللعب أو اللهو؛ لاَنّ الاِمام عليه السلام متعين عليه هداية الاُمّة وبنائها فكرياً واجتماعياً ، وقيادتها نحو إرساء قواعد الشريعة بما يحقق حكومة الله في الاَرض .فالاِمام عليه السلام لا يلهو ولا يلعب قط منذ طفولته ، فقد روي عن علي بن حسان الواسطي أنّه كان ممن خرج مع الجماعة (14) ، وهم ثمانون عالماً
وردت أحاديث كثيرة في هذا الشأن منها ، ما رواه الكليني بسنده عن الاِمام الباقر عليه السلام في معرض بيانه علائم الاِمام المعصوم فقال : « طهارة الولادة ، وحسن المنشأ ، ولا يلهو ولا يلعب » .
وروى صفوان الجمّال عن الاِمام الصادق عليه السلام في صفات الاِمام ، فقال عليه السلام : « صاحب هذا الاَمر لا يلهو ولا يلعب »
وما تعرّض له أمير المؤمنين علي عليه السلام من خصائص وعلامات الاِمام المعصوم ، فقال : « والإمام المستحق للاِمامة له علامات فمنها : أن يعلم أنّه معصوم من الذنوب كلّها صغيرها وكبيرها ، لا يزلّ في الفتيا ، ولا يخطئ في الجواب ، ولا يسهو ، ولا ينسى ، ولا يلهو بشيء من أمر الدنيا » . (15)
اجتمعوا في موسم عام ( 203 هـ ) من مختلف الاَقطار ، والتقوا في المدينة المنورة لمعرفة من هو المتعين للاِمامة بعد شهادة الاِمام الرضا عليه السلام .
قال علي بن حسان : حملت معي إليه عليه السلام من الآلة التي للصبيان ، بعضها من فضة ، وقلت : أُتحف مولاي أبا جعفر بها . فلما تفرّق الناس عنه بعد جواب الجميع قام فمضى إلى صريّا واتّبعته ، فلقيت موفقاً ، فقلت : استأذن لي على أبي جعفر ، فدخلتُ فسلّمت ، فردّ عليَّ السلام وفي وجهه كراهة ، ولم يأمرني بالجلوس ، فدنوت منه وفرّغت ما كان في كمي بين يديه ، فنظر إليَّ نظر مغضب ، ثم رمى يميناً وشمالاً ، ثم قال : « ما لهذا خلقني الله ، ما أنا واللعب ؟! » فاستعفيته ، فعفا عني ، فأخذتها وخرجت .
إذن ، يبدو أن الاِمام أبا جعفر عليه السلام استغل فرصة خروج المأمون ومروره بالقرب من منازلهم ، فوقف بإزاء صبيان يلعبون في الطريق؛ ليتم هنالك اللقاء . . وخبر هذا اللقاء ينقله لنا ابن شهر آشوب ، وابن الصباغ المالكي ، والمحدّث الشيخ عباس القمي ، وغيرهم . ونحن ننقل نصّ رواية ابن شهرآشوب حيث قال : اجتاز المأمون بابن الرضا عليه السلام وهو بين صبيان يلعبون ، فهربوا سواه ، فقال : عليّ به ، فقال له : مالك ما هربت في جملة الصبيان ؟ قال عليه السلام : « مالي ذنب فأفرّ ، ولا الطريق ضيّق فأوسعه عليك ، تمرّ من حيث شئت ، فقال : من تكون ؟
قال : أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
فقال : ما تعرف من العلوم ؟ قال : سلني عن أخبار السموات » . فودّعه ومضى ، وعلى يده باز أشهب يطلب به الصيد . فلما بعد عنه نهض عن يده الباز فنظر يمينه وشماله لم ير صيداً ، والباز يثب عن يده ، فأرسله وطار يطلب الاَفق حتى غاب عن ناظره ساعة ثم عاد إليه وقد صاد حية ، فوضع الحية في بيت الطعم ، وقال لاَصحابه : قد دنا حتف ذلك الصبي في هذا اليوم على يدي ، ثم عاد وابن الرضا في جملة الصبيان .
فقال : ما عندك من أخبار السموات ؟
فقال : « نعم يا أمير المؤمنين ، حدثني أبي ، عن آبائه ، عن النبي ، عن جبرئيل ، عن ربِّ العالمين ، أنّه قال : بين السماء والهواء بحر عجاج يتلاطم به الاَمواج ، فيه حيّات خضر البطون ، رقط الظهور ، ويصيدها الملوك بالبزاة الشهب يمتحن بها العلماء » .
فقال : صدقت ، وصدق آباؤك ، وصدق جدّك ، وصدق ربك . فأركبه ثم زوّجه أُمّ الفضل .
ولا فضل لها . خاصة وهي مسمّاة له منذ سنوات خمس . أمّا صيده الذي توخّى إصابته ، فقد حسب:
أولاً : أنه سيصرف الاِمام الصبي اليافع إلى ملاذ الحياة ، وتنتشي نفسه بقرب النساء ، وسوف يشغفن قلبه شيئاً فشيئاً فيصبو إليهنّ .
وثانياً : أراد أن يجعل من ابنته وخدمها رقيباً دائمياً على كلِّ حركة للاِمام ، وعلى من يتصل به من الشيعة ، ثم إنه أسكنه بالقرب منه كي يحدّ من اتصال الناس به؛ لاَنّ القصور الملكية لا يتيسر لكلِّ أحد أن يدخلها ، ولا دخولها بالاَمر اليسير .
والهدف الاَخير الذي حاول إصابته هو أن يجعل من نفسه قريباً من البيت العلوي ، فهو عمّ ولدهم الاِمام الجواد عليه السلام اليوم ، والاَب الاَكبر ( جدٌّ ) لصبيهم غداً الذي هو ابن رسول الله ، وهذا مكسب سياسي واجتماعي مهم جداً . وفيما لو أصابت رمياته الثلاث هذه فسوف يكمّ أفواه الطالبيين ، ويقطع أي قيام أو تحرك لهم ، وهو العالم المتيقن بأنهم أحق بالخلافة من أي إنسان على هذه الاَرض .
وبناءً على تحقيق هذه الاَغراض وغيرها مما كان يدور في رأس المأمون ، خطى خطوته الاُولى وقرر من جانب واحد أن يتم الزواج والاقتران مهما يكن من أمر ، ورغم كل المعترضين ، ولا موافق لهذا الزواج سواه .
ثم يأتي دور المعتصم الذي لم يكن أرأف بالاِمام خاصة ، والعلويين عامّة من أخيه المأمون ، فقد احتال هو الآخر على الاِمام الجواد عليه السلام للوقيعة به ، وإيجاد مبرّر لسجنه ثم قتله ، بأن اتهمه بجمع السلاح ، وأنّه يريد الثورةعليه ، وأشهد بذلك عليه شاهدين حلفا زوراً وكذباً أنّهما رأيا السلاح يُجمع . لكنّ الاِمام عليه السلام تخلّص من هذا الموقف بأن أراهم معجزة أرهبهم بها ، فخاف المعتصم سوء
العاقبة فتركه لسبيله دون أن يتعرّض له مضمراً عليه حقداً دفيناً (16)
أحداث الزواج ومراسيم عقد القران :
عند مطالعة تاريخ الاِمام الجواد عليه السلام تشعر أن أحداثه مقتضبة يشوبها الغموض في العديد من جنباته ومنعطفاته الحساسة ، كما يراودك إحساس بأن هناك أموراً وأحداثاً قد خفيت من صفحة التاريخ ، أو أنّها أخفيت تعمداً وحسداً وحقداً طوراً ، وخوفاً من سياط السلطان وبطشه طوراً آخر .
أحدها هو حدث زواج الاِمام ، وهو المنعطف المهم والخطير بالنسبة للبيتين العلوي والعباسي ، لم يؤرَّخ بدقة وتفصيل بحيث يقف القارئ ـ من خلال مطالعته ـ على حقائق هذه المرحلة المهمة من حياة الاِمام المباركة أو على الاَقل أن يلمّ ببعض تلك الحقائق التي بقيت خفية حبيسة الكتمان؛ لاَنّ الحياة القصيرة للاِمام أبي جعفر عليه السلام لم تكن طبيعية أبداً في مختلف مقاطعها الزمنية .
وعلى أي حال ، فمن خلال استقراء مراجع ومصادر ترجمة الاِمام الجواد عليه السلام الخاصة والعامّة نستظهر أن الزواج تمّ على ثلاث مراحل ( التسمية ، عقد القران ، الزواج ) ، وكل واحدة تمت في فترة زمنية متباعدة نسبياً عن الاُخرى .
ففي عام ( 201 هـ ) وفي مراسم تنصيب الاِمام الرضا عليه السلام لولاية العهد ـ في رمضان ـ وتكريماً للاِمام ظاهرياً ، فقد عقد له المأمون على ابنته ، وقيل : اخته أم حبيبة في نفس تلك الليلة ، وسمّى ابنته الصغيرة الاُخرى لاَبي جعفر أيضاً زيادة في التكريم والاجلال؛ لكنّه كان يضمر وراء هذا الزواج دوافع سياسية واجتماعية عديدة .
أما عقد القران الفخم والمجلّل والذي تحدّث عنه أغلب الرواة والمؤرخين على أنّه حدث الزواج ، فقد كان في عام ( 205 هـ ) بعد قدوم الاِمام من المدينة إلى بغداد للمرة الاُولى ، وكان يومها ابن تسع سنين ونصف السنة أو نحوها ، واستمر الحفل ليومين . صرف خلاله المأمون على ابنته ملايين الدراهم وزعها بدراً وإقطاعات وجواهراً وثياباً على قواده ووزرائه وحاشيته ومدعوّيه .
أما عن حدث الزواج الذي لم يكن اختيارياً ، بل يظهر من القرائن أنّ الاِمام الجواد عليه السلام كان مجبراً على القدوم إلى بغداد ثانية مع زوجه أم الفضل؛ للدخول بها بأمر من أبيها ، رغم استعدادات المأمون الهائلة للخروج إلى حرب الروم .
وفعلاً فقد كانت طلائع جيشه قد خرجت أمامه تغذ الخطى نحو بلاد الروم ، ويتبعها المأمون صاعداً مع دجلة بكتائبه الخاصة حتى إذا عسكر بتكريت ، قدم عليه الاِمام الجواد عليه السلام في صفر من عام ( 215 هـ ) والتقاه بها،فأمر المأمون أبا جعفر عليه السلام أن يدخل بأم الفضل من فوره بعد أن هُيّئت له دار أحمد بن يوسف ـ من أعوان المأمون ـ التي على شاطئ دجلة ، فأقام بها مدة لا تقلّ عن
تسعة أشهر ، فلما كان أيام الحج ، خرج بأهله وعياله حتى أتى مكة ، ثم منزله بالمدينة ، فأقام بها (17)
كما أن قرائن أخرى تشير إلى أن هناك مشكلة زوجية كانت قائمة بين الاِمام وزوجه أم الفضل ، كان المأمون ـ على ما يبدو ـ قد وعد ابنته الشابة المراهقة على حلّها؛ لكثرة ما كانت تكتب من رسائل إلى أبيها شارحة فيها حظها العاثر (18) ، وتفضيل الجواري والسراري عليها ، بل وكانت تدعو على أبيها على هذا الزواج غير الموفّق (19) ؛ لاَنّها حسب الظاهر لم تكن تصلح لاَن تكون حليلة للاِمام عليه السلام وأُمّاً لاَولاده ، وهي كذلك بالفعل .فقد لمس البيت المأموني الوضع الكئيب لابنتهم ، وأصبح الاَمر يقلقهم كثيراً ، بل إنّ المأمون ما زوّج ابنته من أبي جعفر عليه السلام إلاّ ليستولدها منه ، ويكون جدّاً لاَحد أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما يقوّي مركزه السياسي في الحكم ، كما صرّح هو بذلك حين أفصح عن أحد الدواعي التي دفعته إلى هذا التزويج ، وهو السياسي المحنّك
الذي ينظر إلى مدىً أبعد مما ينظره غيره ، فقال : ( إنّي أحببت أن أكون جدّاً لامرئ ولَدَه رسول الله ، وعليّ بن أبي طالب ) (20) ؛ ولهذا السبب وحده كان هذا الاستدعاء المفاجئ والعاجل ،والمثول بين يدي المأمون ثم ( الأمر ) بالدخول بالفتاة . ولا ريب أن الاِمام كان عارفاً بالنوايا؛ لذا فقد كان يُفشل خططهم بطرقه الخاصة وهم لا يشعرون .
وهنا نشير إلى ما أورده محمد بن جرير بن رستم الطبري الاِمامي في ( دلائل الاِمامة ) بقوله : ( ومكث أبو جعفر مستخفياً بالاِمامة ، فلما صار له ست عشرة سنة ، وجه المأمون من حمله إليه ، وأنزله بالقرب من داره ، وعزم على تزويجه ابنته . . ) (21)
ويبدو أن في عبارة الطبري بعض الارتباك والتصحيف ، حيث نقل المسعودي رواية قدوم وفد علماء بغداد إلى المدينة وسؤالهم الجواد عليه السلام ، وكان مع الوفد علي بن حسان الواسطي المعروف بالاَعمش (22) الذي حمل معه تحفاً وبعض اللعب الفضية مما كان يلهو به صبية بغداد في ذلك الوقت ، ظنّاً منه أن أبا جعفر عليه السلام سوف يُسرُّ بها؛ لكنّ الاِمام عليه السلام نهره بغضب ، وبدا على وجهه عدم الارتياح ، لمّا وضعها أمامه ، وردّ عليه بما قدّمناه في الحديث آنفاً .ثم في نهاية الخبر ذكر المسعودي عبارة علي بن حسّان بقوله : وخرجت ومعي تلك الآلات . وبقي أبو جعفر عليه السلام مستخفياً بالاِمامة إلى أن صارت سنّه عشر سنين . إلى هنا ينتهي خبر الواسطي في إثبات الوصية ، ثم أتبعه المسعودي برواية إخبار الجواد عليه السلام جاريتهم بمضي والده في خراسان . . ثم أتبع الرواية مباشرة بقوله : ثم وجّه المأمون فحمله وأنزله بالقرب من داره وأجمع على أن يزوجه ابنته . . .
فإنّك ترى هنا أن عبارة المسعودي : إلى أن صارت سنّه عشر سنين . أصبحت عند الطبري في الدلائل : صار له ست عشرة سنة . هذا ما أردنا الاشارة إليه ، فلاحظ .
وعقد القران الذي تميّز بحدث المناظرة المهم والخطير ، ولعلّه يُعد من أهم أحداث حياة الاِمام الجواد عليه السلام ؛ لكثرة من كان قد حضر في ذلك المجلس من عامة الناس وخاصتهم ، فقد تناقله المحدثون والمؤرخون بما رافقه من حوادث اُخرى بشيء من التفصيل .
فالحدث أورده علي بن الحسين المسعودي ، والشيخ المفيد كلّ بسنده عن الريان بن شبيب ، قال : لمّا أراد المأمون أن يزوّج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام بلغ ذلك العباسيين فغلُظ عليهم واستكبروه ، وخافوا أن ينتهي الاَمر معه إلى ما انتهى مع الرضا عليه السلام ، فخاضوا في ذلك .
واجتمع منهم أهل بيته الاَدنون منه ، فقالوا له : ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الاَمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا ، فإنّا نخاف أن يخرج به عنّا أمر قد ملّكناه الله ، ويُنزع منا عزٌّ قد ألبَسَناه الله ، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم ، آل أبي طالب ، قديماً وحديثاً ، وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم ، وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت ، حتى كفانا الله المهم من ذلك ، فالله الله أن تردَّنا إلى غمٍّ قد انحسر عنا ، واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره .
فقال لهم المأمون : أمّا ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السببُ فيه ، ولو أنصفتُم القوم لكان أولى بكم ، وأمّا ما كان يفعلُه من كان قبلي بهم فقد كان قاطعاً للرحم ، أعوذ بالله من ذلك ، ووالله ما ندمتُ على ما كان منّي من استخلاف الرضا ، ولقد سألتُه أن يقوم بالاَمر وانزعُهُ عن نفسي فأبى ، وكان أمرُ الله قدراً مقدُوراً ، وأمّا أبو جعفر محمد بن عليّ فقد اخترتُه لتبريزه على كافّة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنِّه ، والاَعجوبة فيه بذلك ، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفتُه منه فيعلموا أن الرأي مارأيتُ فيه .
فقالوا : إنّ هذا الصبيَّ وإن راقكَ منه هديه ، فإنّه صبيٌّ لا معرفة له ولا فقه ، فأمهله ليتأدَّب ويتفَقَّه في الدين ، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك .
فقال لهم : ويحكم إنّني أعرفُ بهذا الفتى منكم ، وإن هذا من أهل بيت علمُهم من الله وموادِّه وإلهامه ، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والاَدب عن الرعايا الناقصة عن حدِّ الكمال ، فان شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبيَّنُ لكم به ما وصفتُ من حاله .
قالوا له : قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولاَنفُسنا بامتحانه ، فخلّ بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة ، فإن أصاب في الجواب عنه ، لم يكن لنا اعتراض في أمره ، وظهر للخاصة والعامّة سديد رأي أمير المؤمنين ، وإن عجز عن ذلك فقد كُفينا الخطبَ في معناه .
فقال لهم المأمون : شأنكم وذاك متى أردتُم . فخرجوا من عنده وأجمع رأيهُم على مسألة يحيى بن أكثم ، وهو يومئذٍ قاضي القضاة على أن يسأله مسألةً لا يعرف الجواب فيها ، ووعدوه بأموالٍ نفيسةٍ على ذلك ، وعادوا إلى المأمون فسألوه أن يختار لهم يوماً للاجتماع ، فأجابهُم إلى ذلك .
فقال يحيى بن أكثم للمأمون : يأذنُ لي أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر ؟ فقال له المأمونُ : استأذنه في ذلك ، فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال : أتأذن لي ـ جعلت فداك ـ في مسألةٍ ؟ فقال له أبو جعفر عليه السلام : « سَلْ إن شئت » قال يحيى : ما تقولُ ـ جُعِلتُ فداك ـ في مُحرمٍ قتَلَ صيداً ؟
فقال له أبو جعفر عليه السلام : « قَتَلَه في حِلٍّ أو حَرَم ؟ عالماً كان المُحرم أم جاهلاً ؟ قَتَلَه عَمداً أو خطأً ؟ حُرّاً كان المُحرِم أم عبداً ؟ صغيراً كان أم كبيراً ؟ مُبتدئاً بالقتل أم مُعيداً ؟ من ذواتِ الطير كان الصيد أم من غيرها ؟ من صغار الصيد كان أم كبارها ؟ مُصِرّاً على ما فعل أو نادماً ؟ في الليل كان قتلهُ للصيد أم نهاراً ؟ مُحرماً كان بالعُمرةِ إذ قتله أو بالحج كان مُحرماً ؟» .
فتحيّر يحيى بن أكثم وبانَ في وجهه العجزُ والانقطاعُ ولجلج حتى عرفَ جماعةُ أهلِ المجلس أمرَه ، فقال المأمون : الحمدُ لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي ، ثم نظر إلى أهل بيته وقال لهم : أعرفتم الآن ما كُنتُم تُنكِرُونه ؟
ثم أقبل على أبي جعفر عليه السلام فقال له : أتخُطب يا أبا جعفر ؟ قال : « نعم ياأمير المؤمنين » فقال له المأمون : أخطب ، جُعلت فداك لنفسك ، فقد رضيتك لنفسي وأنا مُزَوِّجُكَ أم الفضل ابنتي وإن رغم قومٌ لذلك .
فقال أبو جعفر عليه السلام : « الحمدُ لله إقراراً بنعمته ، ولا إله إلاّ الله إخلاصاً لوحدانيته ، وصلّى الله على محمدٍ سيِّدِ بريَّته والاَصفياء من عترته .أما بعدُ : فقد كان من فضل الله على الاَنام أن أغناهُم بالحلال عن الحرام ، فقال سُبحانه : ( وأنكِحُوا الاَيامى مِنكُم والصَّالحينَ مِنْ عِبادِكُم وإمائِكُم إنْ يَكُونُوا فُقراءَ يُغنِهمُ الله مِنْ فضلِهِ والله واسِعٌ عليمٌ ) (23) . ثم إنَّ محمد بن علي بن موسى يَخطُبُ أم الفضلِ بنتَ عبدالله المأمون ، وقد بَذَلَ لها من الصداق مهر جدَّته فاطمة بنت محمد عليهما السلام وهو خمسمائة درهم جياد ، فهل زوَّجته يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور ؟ » .
قال المأمون : نعم ، قد زوَّجتُك أبا جعفر أم الفضل ابنتي على هذا الصداق المذكور ، فهل قَبِلتَ النكاحَ ؟ قال أبو جعفر عليه السلام : « قد قَبِلتُ ذلك ورَضِيتُ به » . فأمر المأمون أن يقعد الناس على مراتبهم في الخاصة والعامّة .
قال الريان : ولم نلبث أن سمعنا أصواتاً تُشبه أصوات الملاحين في محاوراتهم ، فإذا الخدم يجرُّون سفينةً مصنوعةً من فِضَّةٍ مشدودة بالحبال من الاِبريسم على عجلٍ مملوءةً من الغالية (الغالية : ضرب من الطيب مركب من مسك وعنبر وكافور ودهن البان وعود .) ، فأمر المأمون أن تُخضبَ لحى الخاصة من تلك الغالية ، ثمَّ مُدَّت إلى دار العامّة فطُيِّبوا منها ، ووضعت الموائد فأكل الناس ، وخرجت الجوائز إلى كلِّ قوم على قدرهم ، فلما تفرَّق الناس وبقي من الخاصة من بقي ، قال المأمون لاَبي جعفر : إن رأيت ـ جُعلت فداك ـ أن تذكر الفقه فيما فصَّلته من وجوه قتلِ المُحرِم الصيد لنعلمه ونستفيده .
فقال أبو جعفر عليه السلام : « نعم ، إنَّ المُحرِم إذا قتَلَ صيداً في الحلِّ وكان الصيدُ من ذوات الطير وكان من كبارها فعليه شاةٌ ، فإن كان أصابه في الحرم فعليه الجزاءُ مضاعفاً ، وإذا قتلَ فرخاً في الحلِّ فعليه حملٌ قد فطم من اللبن ، وإذا قتله في الحرم فعليه الحملُ وقيمةُ الفرخ ، وإن كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرةٌ ، وان كان نعامة فعليه بدنةٌ ، وان كان ظبياً فعليه شاةٌ ، فإن قتل شيئاً من ذلك في الحرم فعليه الجزاءُ مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة ، وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه وكان إحرامه للحجِّ نَحَرَه بمنى ، وإن كان إحرامُه للعمرة نحره بمكّة . وجزاءُ الصيد على العالم والجاهل سواء ، وفي العمد له المأثم ، وهو موضوع عنه في الخطأ ، والكفارة على الحرِّ في نفسه ، وعلى السيد في عبده ، والصغير لا كفارة عليه ، وهي على الكبير واجبةٌ ، والنادم يسقط بندمه عنه عقاب الآخرة ، والمصرُّ يجب عليه العقابُ في الآخرة » .
فقال له المأمون : أحسنت ـ أبا جعفر ـ أحسن الله إليك ، فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألةٍ كما سألك . فقال أبو جعفر ليحيى : « أسألك ؟ » . قال : ذلك إليك ـ جُعلت فداك ـ فإن عرفت جواب ما تسألني عنه وإلاّ استفدته منك .
فقال له أبو جعفر عليه السلام : « خَبِّرني عن رجل نظرَ إلى امرأةٍ في أول النهار فكان نظرهُ إليها حراماً عليه ، فلمّا ارتفع النهار حلَّت له ، فلمّا زالت الشمس حرمت عليه ، فلمّا كان وقت العصر حلَّت له ، فلمّا غربت الشمس حرمت عليه ، فلما دخل عليه وقت العشاء الآخرة حلَّت له ، فلمّا كان انتصاف الليل حرمت عليه ، فلما طلع الفجر حلَّت له ، ما حال هذه المرأة وبماذا حلَّت له وحرمت عليه ؟ » .
فقال له يحيى بن أكثم : لا والله ما أهتدي إلى جواب هذا السؤال ، ولا أعرف الوجه فيه ، فإن رأيت أن تفيدناه .
فقال له أبو جعفر عليه السلام : « هذه أمةٌ لرجلٍ من الناس نظر إليها أجنبيٌّ في أول النهار فكان نظره إليها حراماً عليه ، فلمّا ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلَّت له ، فلمّا كان الظهر أعتقها فحرمت عليه ، فلمّا كان وقت العصر تزوجها فحلَّت له ، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه ، فلمّا كان وقت العشاء الآخرة كفَّر عن الظِّهار فحلَّت له ، فلمّا كان نصف الليل طلَّقها واحدة فحرمت عليه ، فلمّا كان عند الفجر راجعها فحلَّت له » .
قال : فأقبل المأمون على من حضره من أهل بيته فقال لهم : هل فيكم أحد يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب ، أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال ؟ ! قالوا : لا والله ، إن أمير المؤمنين أعلم وما رأى .
فقال لهم : ويحكم ، إن أهل هذا البيت خصُّوا من الخلق بما ترون من الفضل ، وإنَّ صغر السنِّ فيهم لا يمنعهم من الكمال ، أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو ابن عشر سنين ، وقبل منه الاِسلام وحكم له به ، ولم يدع أحداً في سنِّه غيره . وبايع الحسن والحسين عليهما السلام وهما ابناه دون الستّ سنين ولم يبايع صبيّاً غيرهما ، أفلا تعلمون الآن ما اختصَّ الله به هؤلاء القوم ، وأنهم ذريّةٌ بعضها من بعضٍ ، يجري لآخرهم ما يجري لاَولهم ؟ ! قالوا : صدقت ياأمير المؤمنين ، ثمَّ نهض القوم .
فلمّا كان من الغد احضر الناس ، وحضر أبو جعفر عليه السلام ، وصار القوّاد والحُجّاب والخاصّة والعمّال لتهنئة المأمون وأبي جعفر عليه السلام ، فأخرجت ثلاثة أطباقٍ من الفضَّة فيها بنادق مسكٍ وزعفرانٍ معجون ، في أجواب تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة وعطايا سنيَّة واقطاعات ، فأمر المأمون بنثرها على القوم من خاصَّته ، فكان كلُّ من وقع في يده بندقة ، أخرج الرقعة التي فيها والتمسه فاطلق له . ووضعت البِدَر ، فنثر ما فيها على القوّاد وغيرهم ، وانصرف الناس وهم أغنياء بالجوائز والعطايا . وتقدَّم المأمون بالصدقة على كافّة المساكين . ولم يزل مكرماً لاَبي جعفر عليه السلام معظّماً لقدره مدة حياته ، يؤثره على ولده وجماعة أهل بيته (24)
الثورات والانتفاضات في عهد الاِمام عليه السلام
لم تزل الثورات العلوية والانتفاضات الشيعية ، منذ وضعت حرب الاِمام الحسين عليه السلام أوزارها ، تتأجج وتشتعل بين الحين والآخر كلّما سنحت لذلك فرصة ، وكلّما برز قائد ناهض . يساعد على ذلك؛ استمرار دورالاَئمة عليهم السلام وحركتهم التغييرية داخل الاُمّة أولاً؛ وثانياً : استمرارية تسلط الحكومة الجائرة الظالمة اللاشرعية على رقاب المسلمين ، وانتشار الفساد الاجتماعي والاداري والتعسف والجور .
وسنتناول هنا ما سجّله لنا التاريخ من ثورات أو انتفاضات انطلقت في عهد إمامة أبي جعفر الثاني عليه السلام . مع أن البعض من تلك الاَحداث وإن وقعت في حياته عليه السلام إلاّ أننا أعرضنا عن ذكرها؛ لئلاّ تطول بنا صحائف هذه الدراسة الموجزة؛ ولاَن تلك الحوادث كانت مما وقع في عهد ( إمامة ) الاِمام الرضا عليه السلام ؛ كثورة محمد بن إبراهيم بن طباطبا في الكوفة ، وما تلاها من مساجلات وحروب لقائده العسكري أبي السرايا السري بن منصور(25) . ثم انتفاضة اليمن بقيادة إبراهيم ابن الاِمام موسى بن جعفر عليه السلام ؛ وخروج محمد ابن الاِمام جعفر الصادق عليه السلام في المدينة المنورة(26)
وانتفاضة الكوفة مرة اُخرى سنة ( 202 هـ ) بقيادة أبي عبدالله ابن منصور أخو أبي السرايا (27) . كما أن حركة حدثت بقيادة جعفر بن داود القمي سنة ( 214 هـ ) ذكرها الطبري في تاريخه (28) بشكل مقتضب ، ولم نعثر على تفاصيل تاريخية لهذه الحركة ، ولم نقف على ذكر لجعفر القمي هذا ، ومن يكون ؟
وتحت تأثير القسوة التي أبداها المأمون العباسي ، والدهاء الذي أظهره ، من خلال تسليم ولاية العهد للاِمام الرضا عليه السلام ، أصبحت الاَوضاع السياسية في حالة شبه مستقرة ، واستحالت الثورات وكل تحرك ضد سلطته القائمة إلى رماد ، ولو أنه كان يخبئ تحته ناراً . .ثم يخيّم وجوم . . ويسود صمت ( شيعي ـ علوي ) . . يدوم بضع سنين . . والناس في حيرة ووجل مما يفعله المأمون بابن الرضا عليه السلام ، فبين شاكٍّ ، ومصدِّق ، ومنتظر ما يؤول إليه الاَمر غداً ، وهو ما أراده المأمون من مناورة الاستدعاء للاِمام الجواد عليه السلام إلى بغداد ثم تزويجه من ابنته واسكانه بالقرب منه والجعجعة به . ويستمر هذا الحال والاِمام يمارس دور الاِمامة ومهامها الكبرى بأناة وتروٍّ ، حتى تحين سنة ( 207 هـ ) .
1 ـ ثورة عبدالرحمن في اليمن:
بعد استتباب الاُمور للمأمون ، وسيطرته التامة على مجاري الشؤون الداخلية للدولة الاِسلامية المترامية الاَطراف ، تندلع ثورة في نقطة بعيدة من أقاصي المملكة في اليمن بقيادة عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهو يدعو للرضا من آل محمد(الرضا من آل محمد : اصطلاح يطلق على كل علوي يرتضونه خليفة عليهم ، ويتصدى لقيادة الثورة فينادون به . أو يراد منه إمام الوقت دون التعريف باسمه .) سنة ( 207 هـ ) . وكان ذا جاه ، فالتفّ حوله خلق كثير من شيعة أهل اليمن ومن غيرهم ممن ضاقوا ذرعاً من العباسيين وولاتهم . وسرعان ما سيطرت الحركة على البلاد ، لتعاطف جماهير الاُمّة معها . والتاريخ جد ظنين بأحداث هذه الثورة وظروفها وأسبابها ومداخلاتها .
وهناك قول لم نتحقق صحته ، أن الثائر عبدالرحمن أقدم من المدينة محمد بن علي بن موسى عليه السلام ودعا إليه سنة سبع ومئتين ( 207 هـ )(29)
وتتسارع أنباء الثورة إلى بغداد عاصمة الخلافة ، فيجهّز المأمون جيشاً كثيفاً بقيادة دينار بن عبدالله ، ويرسله إلى اليمن لمساعدة واليه المفوّض هناك على تهامة اليمن محمد بن إبراهيم بن عبيدالله بن زياد ابن أبيه ، وعاصمته زبيد ، لقمع الثورة ، وكتب مع قائد الجيش كتاب أمان إلى عبدالرحمن . وما أن وصلت طلائع الجيش إلى مشارف اليمن ، وعلم عبدالرحمن أن لا قبل له بها ، وكان قد قُرىَ عليه كتاب الاَمان ، عندئذٍ لم يجد بداً من تسليم نفسه على شرط الكتاب فقُبض عليه وأُرسل إلى بغداد ، فغضب المأمون بسببه على الطالبيين ومنعهم من الدخول إلى مجلسه ، ثم أجبرهم على لبس السواد العباسي بدل الخضرة الطالبية (30)
وكان محمد بن إبراهيم الزِّياديّ من أشد الناس بغضاً لعلي بن أبي طالب وأهل بيته عليهم السلام ؛ لهذا لا يبعد أن يكون الرجل كجدّه لغير رشده (31) . فاستعان هذا بالجيش في تقوية مركزه ، فأوقع بالعلويين وأنصارهم وقتل شيعتهم وفرّق جمعهم ، وبدّد أوصالهم ، واجتاح مناطق تواجدهم ، وأخذ يوسّع منطقة نفوذه حتى تم له الاستيلاء على أغلب البلاد اليمنية (32)
2 ـ انتفاضة القميين :
إنّ القبضة الحديدية للسلطة العباسية تجاه أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ، لم تمنع من ظهور الحركات والثورات ضد التعسف والجور العباسي بين الفينة والاُخرى ، من هذه الحركات حركة أهالي قم وانتفاضتهم عام ( 210هـ ) . ومعلوم تشيّع القميين وولاؤهم لاَهل البيت عليهم السلام ، فإنّهم وتبرماً من كثرة ما يدفعون من خراج السلطان الذي فرض عليهم ، إذ كان عليهم دفع مليوني ( 2000000 ) درهم سنوياً ، فاستكثروا هذا المبلغ وطلبوا تخفيفه أُسوة بما لحق الري من حطيطة خراجهم . ورُفع طلبهم إلى المأمون ، فرفض إجابتهم إلى ما سألوا ، فامتنعوا من أداء خراج هذا العام ، وثاروا فخلعوا واليهم وطردوه ، ونجحوا في السيطرة على البلد ، ولو استمر نجاحهم لتغير الحال إلى وضع لا تُحمد عقباه بالنسبة للسلطة المركزية ، لكن المأمون تدارك أمرهم بعلي بن هشام على رأس جيش أتبعه بآخر بقيادة عجيف بن عنبسة ، ثم ألحقهما بسرية كانت عائدة من خراسان .
فالتقى الطرفان في حرب غير متكافئة بالعدة والعدد حتى ظفر علي بن هشام بالقميين وقتل رئيسهم يحيى بن عمران ، وهدم سور المدينة ، وفرض عليهم بدل المليونين سبعة ملايين درهم سنوياً ، جباها منهم في سنته ، فدفعوها إليه صاغرين (33)
3 ـ ثورة محمد بن القاسم العلوي
من أهم الثورات العلوية الشيعية التي حدثت في زمن إمامة الاِمام الجواد عليه السلام ، هي ثورة محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليه السلام الملقب بالصوفي؛ للبسه ثياب الصوف والمكنّى بأبي جعفر .
كان من أهل العلم والفقه والدين والزهد .
وقد فصّل خروجه ومنازلاته ثم القبض عليه أبو الفرج الاَصفهاني في مقاتل الطالبيين قائلاً : وكان خروجه في منطقة الطالقان التي تبعد عن مرو أربعين فرسخاً ودعوته كانت للرضا من آل محمد كما هي حال كل الثورات العلوية ، وقد تبعه عدد من وجوه الزيدية كيحيى بن الحسن بن الفرات الحريري ، وعباد بن يعقوب الرواجني ، وكانوا يدعون الناس إليه فتبعهم في مدة يسيرة خلق كثير . وتمت سيطرته على الطالقان مدة أربعة أشهر .
فلما بلغ خبره عبدالله بن طاهر وجّه إليه الجيوش ، فكانت له بين قواد عبدالله بن طاهر وقعات بناحية الطالقان وجبالها ، انهزم أخيراً محمد وأصحابه وتفرقوا في النواحي والآكام ، ولجأ محمد بن القاسم إلى ( نسا ) فوشي به هناك فأُلقي عليه القبض ، وقُيّد بالحديد وأُرسل إلى عبدالله بن طاهر ، فأرسله عبدالله إلى المعتصم في ( سرّ من رأى ) فأُدخل عليه في مجلس شرابه ولهوه يوم 15 ربيع الثاني سنة ( 219 هـ ) ، وكان يوم نوروز ، فأوقفه المعتصم حتى فرغ الغلمان من اللعب والراقصات الفرغانيات من الرقص ، وكانت أكؤس الشراب تُدار في المجلس أمام ناظري محمد بن القاسم ، فلما رأى هذا الوضع بكى ثم قال : اللهم إنّك تعلم أني لم أزل حريصاً على تغيير هذا وإنكاره .ثم أمر به المعتصم فحبس في سرداب ضيق كاد أن يموت فيه ، فأمر بإخراجه منه وإيداعه في سجن في بستان . فلما كان ليلة عيد الفطر احتال محمد بطريقة فهرب بها من السجن وغاب عن الاَنظار ولم يعرف له خبربعد ذلك . وقيل : إنّه رجع إلى الطالقان فمات بها . وقيل : بل إنّه اختفى ببغداد مدة ثم انحدر إلى واسط فمكث بها حتى مات ، وهو الذي مال إليه أبو الفرج الاَصفهاني وصححه . وقيل : إنّه توارى أيام المعتصم والواثق ، وأُخذ في أيام المتوكل فحبسه حتى مات في محبسه ، ويقال : إنّه دس إليه سماً فمات منه (34)
قال المسعودي : وقد انقاد إلى إمامته خلق كثير من الزيدية إلى هذا الوقت ، وهو سنة ( 332 هـ ) ، ومنهم خلق كثير يزعمون أن محمداً لم يمت ، وأنه حيّ يُرزق ، وأنه يخرج فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً ، وأنه مهدي هذه الاُمّة ، وأكثر هؤلاء بناحية الكوفة وجبال طبرستان والديلم وكثير من كور خراسان (35)
هذا ما وقفنا عليه من حوادث وأحداث خلال سني إمامة أبي جعفر الجواد عليه السلام ، ومع أن التاريخ لم يحدثنا عن موقف علني للاِمام عليه السلام من هذه الثورات والانتفاضات إلاّ أنها بلا شك كانت ستنال رضا الاِمام عليه السلام فيما لو نجحت في تحقيق أهدافها في الاِطاحة بالمتسلطين على الحكم ظلماً وعدواناً .
المصادر:
1- الفصول المهمة : 261 . وراجع : الإرشاد 2 : 276 . وإثبات الوصية / المسعودي : 185 . واُصول الكافي 1 : 321 / 10
2- ينابيع المودة 3 : 348 الباب 86 . وفرائد السمطين 2 : 337 / 591 . نقله عن عيون أخبار الرضا 2 : 296 / 35
3- اُصول الكافي 1 : 322 / 12
4- رجال الكشي : 429 / 804
5- تاريخ الطبري 7 : 150 . والشذرات الذهبية / ابن طولون : 98
6- التنبيه والإشراف / المسعودي : 302 ـ 304
7- هناك نصّ نقله النجاشي في رجاله : 277 رقم 727 . وشيخ الطائفة الطوسي في أماليه : 359 / 749 يشير إلى أنّ الاِمام الرضا عليه السلام كان في خراسان سنة 198 هـ
8- مرآة الجنان / اليافعي 2 : 80
9- تاريخ الطبري 7 : 189 ـ 190
10- سورة البقرة : 2 / 229
11- عيون المعجزات : 122 ـ 123 . وعنه بحار الاَنوار 50 : 99 / 12
12- اختيار معرفة الرجال : 560 / 1058 ترجمة محمد بن أحمد بن حماد المحمودي
13- اُصول الكافي1 : 494 / 4 . وعنه مناقب آل أبي طالب 4 : 396
14- إثبات الوصية : 188 . ودلائل الاِمامة : 402 / 360
15- مناقب آل أبي طالب 4 : 317 . وبحار الاَنوار 25
16- بحار الاَنوار 50 : 45 / 18
17- تاريخ الطبري 8 : 623
18- الارشاد 2 : 288 . ومناقب آل أبي طالب 4 : 382 . والفصول المهمة : 270 . وبحار الاَنوار 50 : 79 / 5
19- مشارق أنوار اليقين / الحافظ البرسي : 98
20- تاريخ اليعقوبي 2 : 454 ، الطبعة السادسة ـ دار صادر ـ بيروت 1415 هـ
21- دلائل الاِمامة : 391 / 345 ، مؤسسة البعثة ، الطبعة المحققة 1412 هـ
22- في رجال النجاشي : 197 : المنمِّس ، طبعة مكتبة الداوري ـ قم 1397 هـ
23- سورة النور : 24 / 32 .
24- إعلام الورى 2 : 101 ـ 105 . والاحتجاج : 2 : 469 ـ 477 / 322 الطبعة الاُولى المحققة 1413 هـ
25- مقاتل الطالبيين : 435
26- مقاتل الطالبيين : 438
27- تاريخ الطبري 8 : 558 . وتاريخ الإسلام / الذهبي 14 : 8 حوادث سنة 201 ـ 210 هـ
28- تاريخ الطبري 8 : 622
29- المجدي في أنساب الطالبيين / ابن الصوفي العمري العلوي : 295 طبع مكتبة المرعشي النجفي 1409
30- تاريخ الطبري 7 : 168 حوادث سنة ( 207 هـ ) طبعة القاهرة 1358 هـ . والكامل في التاريخ : 5 : 468
31- أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق 42 : 287
32- تاريخ ابن خلدون 4 : 148 ، 217 . وطبقات سلاطين الإسلام / استانلي لين بول : 86 ـ 88
33- تاريخ الطبري 7 : 184 . والكامل في التاريخ 5 : 481
34- مقاتل الطالبيين : 464 ـ 472 . وتاريخ الطبري 7 : 223 ـ 224 حوادث سنة ( 219 هـ )
35- مروج الذهب 4 : 60 ـ 61