- الدلیل الأول :
یقول العلامة الحلی فی کتابه الألفین : الممکنات تحتاج فی وجودها وعدمها إلى علة لیست من جنسها إذ لو کانت من جنسها لاحتاجت إلى علة أخرى واجبة غیر ممکنة ، کذلک الخطأ من البشر ممکن فإذا أردنا رفع الخطأ الممکن یجب أن نرجع إلى المجرد من الخطأ وهو المعصوم ، ولا یمکن افتراض عدم عصمته لأدائه إلى التسلسل أو الدور أما التسلسل فإن الإمام إذا لم یکن معصوما احتاج إلى إمام آخر لأن العلة المحوجة إلى نصبه هی جواز الخطأ على الرعیة ، فلو جاز علیه الخطأ لاحتاج إلى إمام آخر فإن کان معصوما وإلا لزم التسلسل ، وأما الدور فلحاجة الإمام إذا لم یکن معصوما للرعیة لترده إلى الصواب مع حاجة الرعیة للاقتداء به(1) .
2 - الدلیل الثانی :
یقول الشیعة إن مفهوم الإمام یتضمن معنى العصمة لأن الإمام لغة هو المؤتم به : کالرداء اسم لما یرتدى به ، فلو جاز علیه الذنب فحال إقدامه على الذنب إما أن یقتدى به أو لا ، فإن کان الأول کان الأول کان الله تعالى قد أمر بالذنب وهذا محال ، وإن کان الثانی - خرج الإمام عن کونه إماما فیستحیل رفع التناقض بین وجوب کونه مؤتما به وبین وجوب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر إلا بتصور أن العصمة متضمنة فی مفهوم الإمام ولازمة لوجوده ( 2 ) .
3 - الدلیل الثالث :
الإمام حجة الله فی تبلیغ الشرع للعباد وهو یقرب العباد من الطاعة ویبعدهم عن المعصیة من حیث کونه إنسانا ، ولا من حیث سلطته فإن بعض الرؤساء الذین ادعو الإمامة کانوا فجرة لا یصح الاقتداء بهم فإذا أمروا بطاعة الله کانوا مصداق قوله تعالى : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَکُمْ ) (3).
وفی مثل هذه الحالات لا یثق المکلف بقولهم وله عذره ، فثبت أن تقریب الناس من طاعة الله لا من حیث کون الإمام إماما ، وإنما من حیث کونه معصوما حیث لا یکون للناس عذر عصیانه تصدیقا لقوله تعالى : (رُّسُلًا مُّبَشِّرِینَ وَمُنذِرِینَ لِئَلَّا یَکُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَکَانَ اللَّهُ عَزِیزًا حَکِیمًا) (4) ، والأئمة حجج الله کالرسل سواء بسواء لأن الإمام منصوب من قبل الله تعالى لهدایة البشر ( 5 ) .
هذه ثلاثة أدلة من کثیر من الأدلة العقلیة التی اعتمدوها فی التدلیل على العصمة .
الأدلة النقلیة على عصمة الإمام
أ - قال الله تعالى لنبیه إبراهیم : (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِیمَ رَبُّهُ بِکَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّی جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّیَّتِی قَالَ لَا یَنَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ )(6) دلت هذه الآیة على العصمة لأن المذنب ظالم ولم لنفسه لقوله تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَٰلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ) (7).
ب - قال الله تعالى : ( یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنکُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِی شَیْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن کُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِکَ خَیْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِیلًا) (8)، والدلیل فیها : أن أولی الأمر الواجب طاعتهم یجب أن تکون أوامرهم موافقة لأحکام الله تعالى لتجب لهم هذه الطاعة ولا یتسنى هذا إلا بعصمتهم إذ لو وقع الخطأ منهم لوجب الإنکار علیهم وذلک ینافی أمر الله بالطاعة لهم ( 9 ) .
ج - عصمة أهل البیت الذین نزلت فیهم آیة التطهیر وهی قوله تعالى : ( إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا ) (10) فبعد إثبات نزولها فی أهل البیت الذی نص علیه کل من الإمام أحمد فی مسنده ، ومستدرک الصحیحین والدر المنثور ، وکنز العمال وسنن الترمذی ، وتفسیر الطبری ، وخصائص النسائی ، وتاریخ بغداد ، والإستیعاب لابن عبد البر ، والریاض النضرة للمحب الطبری ، ومسند أبی داوود وأسد الغابة ، جمیع هؤلاء قالوا إنها نزلت فی النبی ( صلی الله علیه وآله وسلم ) وعلی وفاطمة والحسن والحسین ( علیهم السلام ) (11 ) .
ویتساءل العلماء عن معنى ذهاب الرجس لینتهوا إلى أنه نفی کل ذنب وخطأ عنهم والإرادة هنا تکوینیة لا تشریعیة لوضوح أن التشریعیة مراده لکل الناس .
ولا یلزم منه الإلجاء لما سبق أن ذکرناه من أن العصمة مدد من الله تعالى واستعداد من العبد .
هذه بعض أدلة الشیعة فی العصمة وهی کما ترى منتزعة من الکتاب والسنة والعقل ، فما وجه نسبتها إلى عبد الله بن سبأ ؟
وأین موضع الصدق من تلک النسبة ، إن القارئ من حقه أن یسأل هؤلاء الکتاب هل اطلعوا على مصادر الفکر الشیعی عند ما کتبوا عن الشیعة أم لا ، فإن کان الأول فما معنى هذا الخبط وهذه النسب الباطلة ، وإن کان الثانی فما هو المبرر لهو للخوض فی أمور لم یطلعوا علیها ألیس لهم رادع من مقاییس الأدب الإسلامی الذی رسمه الله تعالى بقوله : ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ کُلُّ أُولـئِکَ کَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (12) ، وفی الوقت ذاته إن المنهج العلمی یأبى علیهم هذه التخرصات ونسبة الأشیاء إلى غیر مصادرها إذا ففکرة العصمة حتى ولو کانت أدلتها غیر ناهضة ، فلا یجوز أن تنحى عن مصدرها وتنسب إلى شخصیة وهمیة خلقها الحقد وافتعلها الهوى .
المصادر :
هویة التشیع - الدکتور الشیخ أحمد الوائلی
1- الألفین للعلامة الحلی ص 54
2- الأربعین للرازی ص 434
3- 44 / البقرة
4- سورة النساء/ 165
5- نهایة الإقدام للشهرستانی ص 85 .
6- البقرة / 124
7- فاطر/32
8- النساء/ 59
9- کشف المراد للعلامة الحلی ص 124
10- الاحزاب /33
11- فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج5 ص 219 فصاعدا
12- الإسراء / 36