عربي
Tuesday 30th of April 2024
0
نفر 0

الثورة الجنسية المعاصرة

الثورة الجنسية المعاصرة


لقد ثبت يقيناً وجود علاقة في غاية القوة بين ضعف الوازع الديني الإيماني، وبين الانحرافات الخلقية والسلوكية، خاصة فيما يتعلق بسلوك الفتيات الجنسي، فبقدر ما يضعف الإيمان في قلوبهن، ويبْهت تأثيره في نفوسهن: تزداد مظاهر إنحرافهن الجنسية بصورة أكبر، وقد دلَّ البحث الميداني على أن غالب البغايا لم يكنَّ مضطرات لهذه المهنة الخسيسة؛ مما يؤكد أن المشكلة في الأصل تكمن في اضمحلال القوى الإيمانية، التي لم تعد تقدر على مواجهة غلبة الشهوات المفرطة، والنزوات الساقطة، وقد قال الحكماء من قبل: "الشهوة رق"، يعني أنها تسترق صاحبها؛ لأن "الشهوة إذا غلبت ولم تقاومها قوة التقوى: جرَّت إلى اقتحام موضحاً هذه العلاقة المتضادَّة بين الإيمان الفواحش والانحراف الجنسي ، حيث يمتنع اجتماعهما، ولما كان الإيمان بطبيعته نزيهاً طاهراً: يُنزع من صاحبه، فلا يرجع إليه
إلا إذا أقلع عن فعلته المنفِّرة للإيمان؛ إذ لا يمكن بحال أن يجمع العاصي -في وقت واحد- بين كمال الإيمان الرادع، وبين الكبائر المُرْدية؛ ولهذا يجد المسلم في نفسه:
من وخز الضمير، ومشاعر الاحتقار، بعد ارتكابه الفاحشة مالا يجده الكافر، ومن هنا كان أسلوب الاعتراف في العهدين النبوي والراشدي - مع قلَّة الانتهاكات الجنسية-هو السبيل الوحيد لإقامة الحد، ومع هذا - رغم البون الشاسع- تُوصي منظمة الصحة العالمية بضرورة إدخال التربية الدينية ضمن المناهج الدراسية؛ بهدف الوقاية من مشكلات الانحرافات الجنسية المتفاقمة، مما يشير بوضوح إلى الأهمية الدينية -بصورة عامة- وتأثيراتها الروحية في ضبط السلوك الجنسي، وتعديل مساره بصورة إيجابية - تماماً- على عكس ما يراه البعض.
وقد عالج المنهج الرباني شحنة الاندفاع الشهوانية بلجام التكاليف الشرعية؛ حتى تتوازن قوى الدوافع الجامحة، مع قوى الكوابح اللاجمة، ضمن مسار الاعتدال في السلوك الجنسي، الذي يتحقق من خلاله بقاء النوع الإنساني، وفْق منظومة الأخلاق والآداب اللازمة، ومن هنا جاء الإلزام بالتكاليف، والوعد والوعيد مع قوة انبعاث الشهوة الجنسية؛ لتضبط اندفاعها، وتُهذِّب عنْفها؛ ولهذا كثيراً ما تلْجأ الفتيات نحو الشعائر التعبدية بأنواعها المختلفة؛ ليتخفَّفن بها من شدة الغُلْمة وإلحاح الشهوة، فإن النشاط الروحي في البيئة الغنية بالأعمال الصالحة: يخفِّف بدرجة كبيرة من حدَّة التوتر الجنسي؛ ولهذا أرشد الشارع الحكيم إلى عبادة الصيام -بصفة خاصة- كوسيلة تربوية فعَّالة لكسر الشهوة بصورة مشروعة لا ضرر فيها.
ومن هذا المنطلق الثابت للتأثير البالغ للإيمان على سلوك الفتيات الجنسي: فإن على مؤسسات التربية في المجتمع أن تلحظ ذلك منهن، فتُهيء لهن فرص السُّمو الروحي من خلال مناهج العبادات التي تقوي إيمانهن، وتزيد من صلتهن بالله تعالى؛ حتى يستقر في نفوسهن وسلوكهن: "أن التعفُّف عما لا يحل الاستمتاع والتلذذ به إيمان، وأن التهتك خلافٌ له".

حماية الفتاة من الثورة الجنسية المعاصرة
مع كون الانحراف الفكري في المفاهيم الجنسية أخطر من مجرَّد الوقوع في خطأ السلوك الجنسي؛ إلا أن الانحراف الجنسي إذا بلغ منتهاه: فإنه غالباً ما يجمع في شخص متعاطيه بين انحراف الفكر، وقبح السلوك، فينتقل من خلال غواية المسْلك إلى غواية الفهم، فيجمع بين الرذيلتين، وقبيح الغوايتين.
وأهمية تربية الفتاة من الناحية الجنسية لا تقتصر -خاصة في العصر الحاضر- على مجرَّد إقناع الفتاة بأحكام العلاقات الجنسية وضوابطها؛ بل تتعدى ذلك إلى حمايتها من أضرار الفساد الجنسي بأنواعه وجوانبه المختلفة؛ إذ ليس من الطبيعي في منهج التربية الإسلامي الاقتصار على التوجيه الفكري، والإقناع العقلي دون الاهتمام الجاد ببناء البيئة الطاهرة النقية، التي تساعد على الاستقامة السلوكية، الخالية من الفتنة والافتتان.
لقد مرَّت البشرية عبر حَقب تاريخها الطويل بمظاهر متعددة، وصور متنوعة من الانحرافات الجنسية، التي كانت من بين الأسباب الرئيسية لزوال كثير من الحضارات، وأفول كياناتها بكاملها، وضياع إنجازاتها الكبرى، وما زال العامل الجنسي -كمحور رئيس للأخلاق- يهدد الحضارات الإنسانية المعاصرة بالزوال، ويُبشِّر بقيام حضارة أخرى، على أسس جديدة من القيم الخلقية، والسلوك القويم، فإن مستقبل الإنسانية مرهون -إلى حد كبير- بالطريقة التي يتناول بها الإنسان تصريف طاقته الجنسية، التي يقوم عليها بقاء النوع، واستمرار النسل، والتي امتزجت باللذة والمتعة لضمان استمرار عطائها، مما قد يدفع الإنسان -بهدف المتعة- إلى الانحراف بهذه الطاقة بعيداً عن مقصد الشارع من مبدأ تركيبها، لتصبح أداة إزعاج، وتدميرللإنسانية.
لقد أصبح من المسلَّم به عند الباحثين أن التوتر الجنسي الدائم هو سمة الحضارة المعاصرة، وطابعها العام؛ بحيث يصعب على الفرد المعاصر -ذكراً كان أو أنثى-حماية نفسه من زخم الإثارة الجنسية العارمة، ومثيراتها المتنوعة، الضاربة في كل جنبات الحياة الحضرية المعاصرة، والمتغلغلة في جزئياتها الصغرى، وكلياتها الكبرى، مما كان له بالغ الأثر في دفع الناس عموماً، والشباب على وجه الخصوص إلى مزيد من الممارسات الجنسية -مشروعة كانت أو ممنوعة- حتى عمَّت الثورة الجنسية كل طبقات المجتمعات المعاصرة من الصغار والكبار؛ بل وحتى الحيوانات لم تسلم من طغيان الثورة الجنسية؛ فقد كان بعضها موضع استمتاع لبعض الناس من الشواذ والمنحرفين جنسياً، من الذكور والإناث حتى وصل الانحراف إلى بعض البلاد العربية.
ولم تكن سنة الله تعالى الجارية في خلْقه لتتخلف عن المفرِّطين والمنحرفين، حتى عمَّهم الله تعالى بالأمراض والأسقام التي لم تكن في أسلافهم، خاصة مرض نقص المناعة المكتسبة: "الإيدز"، الذي ما زال يحصد ضحاياه بصورة فاجعة فريدة، لم يسبق لها مثيل في التاريخ الإنساني، مما دفع بعض المنظمات الأمريكية إلى المناداة من جديد بمحاربة الانحرافات الجنسية والأخلاقية، ودعم - في مقابل ذلك- الأسرةوالاستقرار المنزلي.
إن من الضروري -والحالة هذه- السعي الجاد في حماية المجتمع المسلم عامة،والفتاة المسلمة خاصة، من هذا الانحراف الداهم؛ فإنهن في سن الشباب أكثر عرضة للإصابة بمرض الإيدز من الذكور؛ لكونهن أسرع بلوغاً، وبالتالي هن أيضاً أسرع تبكيراً من الذكور في ممارسة العلاقات الجنسية المحرمة، والإحصائيات العالمية الحديثة تشير إلى أن الإناث عموماً يمثلن نصف المصابين بهذا المرض تقريباً، ولما 24سنة: فإن الإناث يمثلن 30 % من - كان هذا المرض يفتك غالباً بالشباب ما بين 15المصابين به دون سن الخامسة والعشرين.
ومجتمع العالم اليوم يُعد قرية واحدة يؤثر بعضه في بعض، ومظاهر الانحرافات الخلقية ملازمة لبناء المجتمع الحضري، في ظلِّ الوصاية الغربية ضمن مفهوم العولمة، فلا بد أن يستقر في ذهن الفتاة المعاصرة: أن العلاقة في غاية القوة بين الانحراف الجنسي بمظاهره المختلفة، وبين ما يتولَّد عنه من أضرار صحية شاملة، ومن المعلوم شرعاً أن: "الرضا بالشيء: رضا بما يتولد منه"، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

دعم مشاريع الزواج المبكر
إن حصر النشاط الجنسي في نظام الزواج، وتحريم العلاقات الجنسية خارجه: من أعظم ما سعِدت به الإنسانية، وارتقت به عبر عصورها المختلفة، إلا أن تغيُّراًعظيماً طرأ في هذا العصر على طبيعة هذا النظام، هدَّد الحياة الجنسية، وأنْذر بخطرجليل: فقد تأخر سن الزواج ليوافق طبيعة الظروف الاقتصادية المتردية، وظهر نظام التعليم الحديث، وظهر معه التوسع في تشغيل الفتيات، كل ذلك يقف في وجه قيام الحياة الزوجية في وقت مبكر بصورة طبيعية، فأفرز هذا الوضع الاجتماعي المضطرب جمعاً من المسالك الجنسية المنحرفة خارج حدود الحياة الزوجية ؛ إذ إن طبيعة الدافع الجنسي عند الإنسان تحتاج إلى الإشباع بصورة كافية ودائمة، ولا تتحمل - في كثير من الأحيان- التأجيل، فإما أن يتم هذا الإشباع بطريق مشروع، أو يحصل بطريق غير مشروع، فإذا لم تنصرف الطاقة الشهوية بشيء من ذلك -بصورة كافية- ظهرت مشكلات التوافق الاجتماعي والنفسي، والأمراض العصابية القاهرة، التي تعاني منها المجتمعات الحضارية المتقدمة، في الوقت الذي سَلمتْ منهاالمجتمعات الريفية البسيطة التي لا تعرف نظام العزوبة، ومن المعلوم: أن الإفراط في كبت الطاقة الجنسية، مع توافر دواعي الإثارة: يُضعف جانباً من قوى الإنسان العقلية المدركة، ويُخلُّ بجانب كبير من كوابحه الخلقية الضابطة؛ ولهذا توسع الإسلام في باب النكاح والتَّسرِّي كأوسع ما يكون، وربما إلى درجة الوجوب أحياناً؛حتى لا يبقى شيء من مادة الطاقة الجنسية كوقود للانحرافات الخلقية، أو النفسية.
وقد عالج البريطانيون في القرن الثامن عشر الميلادي مشكلة الانحرافات الجنسية التي تفاقمت عندهم آنذاك بتشجيع نظام زواج الفتيات المبكر، منذ الثانية عشرة من أعمارهن، وهي السِّن التي تنبعث فيها ميول الفتيات الجنسية بصورة واضحة، فهن بعد البلوغ في حاجة إلى الإحصان الذي يتحقق لهن بالزواج، كما أن بلوغ الفتيات سناً معينة ليست شرطاً في صحة عقد الزواج، وما زال العقلاء في كل عصر يُوصون بتعجيل النكاح، وتخفيف مؤونته كحل جذري للمشكلة الجنسية، وللحفاظ على المجتمع من ضلال شبابه وفتياته بطاقاتهم الجنسية، حتى إن بعضهم يقترح التوسع في تزويج الشباب من الجنسين، مع تأجيل الإنجاب، أو التحكم فيه حسب ظروف الزوجين في أول حياتهما.
ونظام الإسلام الاجتماعي يُحمِّل الأسرة المفرِّطة في التبكير بتزويج أبنائها من الذكور والإناث قسطاً من المسؤولية الشرعية تجاه انحرافاتهم الجنسية، فإن عدم وجود القدرة على التناسل عند المراهقين المقاربين للبلوغ لا يعني عدم قدرتهم على الجماع ومقدماته، كما أن ابتداء الحيض عند الفتاة لا يعني - بصورة مطلقة- قدرتها على التناسل؛ فإن قدرتها على تحمل الوطء تسبق قدرتها على التناسل بسنوات، وبناءعلى هذا الواقع الطبيعي لا بد من التوسع بصورة كبيرة في مبدأ التزويج إذا حضرالكفء، دون النظر - بصورة مفرطة- إلى السن، أو المعوِّقات الاقتصاديةوالاجتماعية، بل لا بد من العمل الجاد لتجاوزها بما يخدم صحة الشباب الجنسية،ويحفظ المجتمع من أسباب الفساد والانحراف الخلقي.

تربية الفتاة على العفَّة الجنسية
إن من أهم وسائل الصحة الجنسية بعد تقوى الله تعالى، والأخذ بسنة النكاح: تربيةالفتاة على أدب الاستعفاف الجنسي الذي يُعدُّ أسَّ الفضائل الخلقية؛ وذلك لضرورته الإنسانية من جهة صلته المباشرة بجانب اللذة الجسدية، حيث يضبط دوافع الشهوات المختلفة بين درجتي الشره المُفرط، والجمود المُفسد، وفي هذا يقول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم مُحذراً الشباب: (إن مما أخشى عليكم شهوات الغيِّ في بطونكم وفروجكم ،ومضلات الفتن).
ولما كانت الشهوة الجنسية عند الشباب أعنف شهواتهم الحسِّية، وأخطرها على انتظام حياتهم الاجتماعية: فإن بعث خلق العفة في سلوكهم الجنسي من أوجب وأهم حاجاتهم التربوية، لكونها ملكة خلقية تعصم من الفواحش الجنسية، خاصة في هذاالعصر الذي زاد فيه الاحتكاك الجسدي بين الجنسين بصورة واسعة ومستمرة، حتى إنه لا يُبعد في ظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية القاسية: أن ترْتمي -رغم أنفها-على صدر شاب في حافلة مزدحمة، ثم يُطالب الاثنان بسلوك الرهبان، فأيُّ قدْر من العفَّة هذا الذي يحتاج إليه الشباب من الجنسين في مثل هذه الظروف الاجتماعية المثيرة؟.
ومع أن العفة الجنسية خُلُق يُطالب به الجنسان، إلا أنه في حق الإناث آكد، ولطبيعة دورهن أوجب من جهة حراسة النسب، فهن من هذه الجهة مؤتمنات على فروجهن، مشدداً عليهن في هذا الشأن ،وذلك لكونها تدخل على الأسرة من يتطلع على عورات أهلها، ويُشْركهم في أموالهم بغير حق، إلى جانب ما يلحق الأسرة عند الافتضاح من العار والشنار، وما زالت المجتمعات الإنسانية بوجه عام تُعظِّم -بصورة ما- شأن العفة في الإناث، وتُطالبهن بها أكثر بكثير مما تطْلُبه، وتشدد عليه في أمر الذكور؛ ولهذا تعاقب بعض القوانين على خطف الأنثى أشد من معاقبتها على خطف الذكور، "وفي المجتمع الأمريكي تُدان المرأة المدمنة أكثر مما يدان الرجل المدمن"، "ودائماً المجتمع أكثر تسامحاً إزاء مخالفات الذكور عن مخالفات الإناث ولهذا خُصَّت الإناث من بنات آدم بغشاء البكارة دون سائرالخلق؛ ليكون دليلاً على العفة والعذرية، ووسيلة مُعينة للإناث على التعفف ، فهنَّ -دائماً- بالفطرة أقرب في العموم إلى معاني الشرف والفضيلة من الذكور، ولا يُعرف فيهنَّ الانحراف الجنسي إلا في الوقت الذي يفقدن فيه أصول القيم الخلقية، ويتنكَّرن للآداب الاجتماعية، فعندها تُسيطر الغريزة، فلا يقف في سبيل إشباع نهمتها، وقوة اندفاعها حائلٌ من رغبة أو رهبة، ولو حِيكَت منافذ فروجهن بالأوتار القاسية، أوشُدَّت عليها أحزمة العفة المُحكمة، ما لم تكن العفة خُلُقاً أصيلاً ينبعث من داخل نفوسهن؛ فإن الأخلاق لا تُسمى أخلاقاً بمجرد التلبُّس بها، حتى تتشرب بها النفس،وتكون سجية طبيعية لها، والعفة ليست جوهراً من جواهر النفس، بمعنى أنها جزء من الذات، وإنما هي لون من ألوانها، وشرط ضروري لمروءة الإنسان، يحتاج في إيجادها وتفعيلها إلى التربية والتهذيب والمجاهدة.
ولما كانت الوسيلة إلى العفة الجنسية: ضبط الجوارح عن المُستلذات المثيرة، فإن باب النظر بحاسة البصر أوسع أبواب الإثارة الجنسية، فهو كالمصْيدة، يزرع في القلب الشهوة، فمع كون الإناث في العموم أقلَّ تأثراً بالمثيرات البصرية من الرجال، وأكثر تأثراً بالمثيرات السمعية إلا أنهن مع ذلك يتأثرن من جهة البصر، خاصة وأن كثرة وقوع أبصارهن على ما يُثيرهن من مُسْتلذات النظر يفوق من جهة النوع والتكرار حجم ما تسمَعُه إحداهن -بصورة مباشرة- من العبارات المستعذبة المثيرة؛ ولهذا فإن الفتاة في باب النظر إلى المحرمات المُشْتهاة كالرجل مأمورة بغض البصر، لاسيما إن هي خشيت على نفسها الفتنة، أو قصدت بنظرها التلذذ، فلا خلاف حينئذٍ في حرمة ذلك عليها.
ولعل مما يُعين الفتاة على ضبط سلوكها الجنسي: أن تعرف أن العفَّة أقْصر طرق الأنثى إلى قمة الفضيلة، وأنها ما دامت عفيفة فهي مُحصنة؛ لأن إحكامها لرغباتها الفطرية، وإيقاعها الهزيمة بشهواتها الجسدية دليل على قوة شخصيتها؛ فإن: "عبد الشهوة أذل من عبد الرق"، ومن تعثَّر بالشهوات ضعف أمام الشبهات؛ فإنه "لا يقوى على ترك الشبهات إلا من ترك الشهوات"، والفتاة "العفيفة بها طمأنينة، وثقة وجُريْج، وصاحب في نفسها لا يخطؤها إنسان"، وما عَلَتْ أخبار نبي الله يوسف الغار إلا من هذه الجهة، ثم إن العفة في الأنثى سلوك غير مُستغرب؛ ففي عالم الحيوان يكون الامتناع -بصورة عامة- عن الاتصال الجنسي من جهة الأنثى، وفي بعض الحيوانات يكون من الذكر والأنثى معاً، إلا أنه لا يكون الامتناع أبداً من جهة الذكر دون الأنثى، ولهذا السلوك الحيواني دلالته التربوية لأنثى الإنسان، حين تكون العفة فيها أصلاً أصيلاً في سلوكها الجنسي.
إن وجود شيء من الكبت المعتدل للدافع الجنسي: سلوك طبيعي مُسْتساغ في التصورالإسلامي، حيث ينعكس تأثيره بصورة إيجابية على نشاط الفتاة: الروحي، النفسي،والعقلي، كما أنه مع هذا ميدان لتنافس الفتاة الأخروي؛ فإن حفظ الفرج: طريق الجنة يقول: (( يا شباب قريش لا تزنوا، واحفظوا فروجكم، ألا من حفظ فرجه دخل الجنة ))، ولا يفهم من هذا تجرُّد الفتاة المُتدينة المنضبطة عندوافعها الجنسية، أو أنها أقل شهوة من غير المتدينة،؛ فإن الدوافع الجنسية بينهما متشابهة، وإنما الاختلاف بينهما في تفاوت قدرتهما على ضبط سلوكهما الجنسي.
ومع كل هذا فإن العفة الجنسية أصبحت اليوم - في ظلِّ آثار الثورة الإباحية المسعورة- مطلباً عالمياً محترماً ، يحظى بالجلال العلمي، القائم على قوانين كونية صادقة لا تتخلّف، تفرض على الناس - رغماً عنهم- احترام القيود الجنسية التي جاءت بها الأديان السماوية لمصلحة الإنسان، حتى وإن لم يتقيَّدوا بها، وقد ظهرت في الأوساط الاجتماعية الأمريكية - رغم انحلالها- مؤسسات دينية تدعو إلى العفة الجنسية، وحصر النشاط الجنسي في نطاق الحياة الزوجية، وقد استجاب إلى ذلك كثير من الشباب والشابات، ووقَّعوا على بطاقات يتعهدون فيها أمام الله تعالى بالتقيد بذلك.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ما لا يجب أن تفعليه عندما يخونك زوجك
المرأة الصابرة المواسية لزوجها
الدين والأسرة
العفة والستر علاقة متفاعلة بين الرجال والنساء
طاجيكستان "تكافح الإرهاب" بمنع الأسماء ...
زوجين سعيدين.. إلى الأبد
عقوبة لا تستحق التاجيل
الأنبياء قدوة الإنسان
المرأة تفضله خفيف الظل!
رابعاً : البساطة في المهر والصداق :

 
user comment