كان العاشر من محرم سنة ٦٧ هـ ، مشؤوما على آل الزبير ، والأمويين بشكل خاص ، حيث انتصر المختار على جيش الشام بقيادة قائده إبراهيم بن الأشتر الذي قتل عبيد اللّه بن زياد لعنهما اللّه ، المسؤول الثاني بعد يزيد بن معاوية لعنهما اللّه ، عن مقتل الإمام الحسين بن علي وآل بيته عليهمالسلام والصفوة الكرام من أنصاره عليهم الرحمة والرضوان(١) ، وأرسل برأسه القذر إلى المختار ، الذي قام بدوره بإرساله إلى كل من الإمام علي بن الحسين السجّاد عليهالسلام وإلى عمّه محمد بن الحنفية رضياللهعنه ، وبعد أن استقرّت الأوضاع لإبراهيم على الجزيرة وتوابعها ، وفرض سيطرته عليها ، قام بتعيين ولاة ينوبون عنه فيما اتّخذ هو الموصل مقرّا لخلافته (٢).
على أيّ حال ، أصبح إبراهيم واليا على الجزيرة وتوابعها ، فماذا يعنيه بعد هذا من أمر المختار؟
حتى أن الشكّ قد ساور بعض المقرّبين ، الذي كانوا قد رافقوا إبراهيم في قتاله لعبيد اللّه بن زياد في سلامة نيّته وموقفه من المختار ، فانفضوا عنه.
يقول ابن أعثم الكوفي : «أن محمد بن الأشعث ، رسول مصعب بن الزبير إلى المهلب بن أبي صفرة ، قال للمهلب ، بعد أن طلب منه الانضمام إلى قوات مصعب بن الزبير : أن إبراهيم بن مالك الأشتر قد غلب على بلاد الجزيرة وخالف على المختار ، والمختار اليوم ليس معه جيش ، وإنّما هو في شرذمة قليلة» (3).
ثم يذكر ابن أعثم ، أن المختار لما سمع عن استعدادات مصعب بن الزبير ، خطب بأتباعه وأخبرهم أن ابن الأشتر إبراهيم قد خذله ، وقعد عن نصرته ، وسألهم أن ينضمّوا إلى جيش أحمر بن شميط (4).
ولعلّ سؤالاً يطرح نفسه ، لماذا بقي ابن الأشتر في بلاد الجزيرة ، في وقت كان المختار في أمس الحاجة إليه؟؟ وإلى خبرته العسكرية!؟
نحن نعلم ، أن انضمام إبراهيم إلى ثورة المختار كان طوعيا ، وبعد أن تبين لإبراهيم صدق نية المختار ، ظل يؤازره ، ويندفع أمامه في أخطر الخطوب. وإننا لنستغرب هذه الانعطافة الخطرة في حياة إبراهيم ، علما أن المختار كتب لعدة مرّات يطلب مساعدة إبراهيم ، لكن إبراهيم رفض ذلك (5).
وأحمر بن شميط هو قائد جيش المختار الذي أرسله لقتال جيش مصعب بن الزبير ، مع رؤوس الأرباع ، حيث استشهد هناك. ويقصد بـ (رؤوس الأرباع) ، أي التكتلات العسكرية في الكوفة ، حيث أصبحت أربعة مناطق تدعى بالأرباع وذلك بعد ضم كل قسمين من الأقسام الأولى ، بعد أن كانت سبعة وإليك كيفيتها :
١ ـ أهل العالية
٢ ـ تميم وهمدان
٣ ـ ربيعة (بكر وكندة).
٤ ـ مذحج وأسد.
في حين نراه بعد استشهاد المختار يتحالف مع مصعب قاتل المختار ضدّ عبد الملك بن مروان ، ومصعب هذا لم يكن يضع ثقته التامة في إبراهيم ما لم يكن متأكّدا من أنّه لم يعد يهتم بقضية المختار مطلقا. ومؤكّدا لو أن إبراهيم لم يترك المختار لكانت نتيجة معركتي المذار وحوراء مختلفة.
لكننا ، ينبغي أن نلتفت إلى أهم الأسباب التي دعت إبراهيم للتخلّي عن نصرة قوات المختار وهم يواجهون آل الزبير فهي من وجهة نظرنا :
١ ـ أن إبراهيم قد استطاب ملك الجزيرة ، بجعلها عاصمة لدولته الناشئة ، حتى صار لا يكترث بما حدث في الكوفة عاصمة قائده المختار من شغب ، بل كان جلّ همه منصبا على بلاد الجزيرة وما حولها فقط.
وهذا نصّ خطبة المختار والتي يبيّن فيها خيانة إبراهيم وتخاذله عن نصرته :
« .. أما بعد يا أهل الكوفة فإنّ أهل مصركم قد بغوا عليكم كما قتلوا ابن بنت نبيكم ، وقد لجئوا إلى أمثالهم من الفاسقين الملحدين فاستعانوا بهم عليكم ، وذلك حينما علموا بأن ابن الأشتر قد خذلني وقصّر عن نصرتي ، وقد بلغني أنهم خرجوا من البصرة يريدون قتلي ليضمحلّ الحقّ وينتعش الباطل ويقتلوا أولياء اللّه ، ألا فانهدوا مع الأحمر بن شميط».
٢ ـ اقتناع ابن الأشتر ، أنه بقتله ابن زياد ، قد قضى على قتلة الإمام الحسين عليهالسلام ، وهذا جعله يعتقد ، أن مهمّته قد انتهت ، وليس ثمة ضير أن يستقلّ بنفسه حيث هو.
٣ ـ وليس من المستبعد أن يكون آل الزبير هم الذين شجّعوا إبراهيم بعدم الانصياع إلى أوامر المختار ، وكما يقال شأن ـ الماكر الماهر ـ ، أن يعكّر الماء ليصطاد فيه.
فقد ذكر ابن خلدون في تاريخه ، أن مصعبا كتب إلى إبراهيم أكثر من مرّة يدعوه إلى طاعته ، ووعده بوعود كثرة ، كما وكتب إليه عبد الملك بن مروان بولاية العراق ، واختلفت عليه أصحابه ، فجنح إلى مصعب خشية من أصحاب ابن زياد ، وأشراف أهل الشام ، وكتب إلى مصعب بالإجابة ، وسار إليه ، فبعثه على عماله بالموصل ، والجزيرة ، وأرمينية ، وآذربيجان ، وهذا يعني أن هناك اتّفاقا مسبقا تمّ في حياة المختار بين آل الزبير وإبراهيم ، مفاده أن يتخلّى إبراهيم عن نصرة المختار مقابل اعترافهم بقيادته. (6)
ولغرض إكمال الفائدة نورد نصّ الرسالتين للإطلاع عليهما :
قال أبو مخنف ، حدّثني أبو حباب الكلبي ، أن كتاب مصعب قدم على ابن الأشتر ، وفيه : أما بعد ، فإنّ اللّه قد قتل المختار وشيعته الذين دانوا بالكفر وكادوا بالسحر ، وإنا ندعوك إلى كتاب اللّه وسنّة نبيه وإلى بيعة أمير المؤمنين (يقصد بذلك : عبد اللّه بن الزبير الذي كان يعلن نصبه وعداوته لآل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.) ، فإن أحببت إلى ذلك فأقبل إليَّ ، فإنّ لك أرض الجزيرة ، وأرض المغرب كلّها ما بقيت وبقي سلطان آل الزبير ، لك بذلك عهد اللّه ، وميثاقه ، وأشدّ ما أخذ اللّه على النبيين من عهد أو عقد. والسلام.
وكتب إليه عبد الملك بن مروان.
أما بعد :
« فإنّ آل الزبير ، انتزوا على أئمة الهدى (بل أئمة الضلالة والظلم والجور من طغام الشجرة الملعونة قبحهم اللّه تعالى.) ، ونازعوا الأمر أهله ، وألحدوا في بيت اللّه الحرام ، واللّه ممكن منهم ، وجاعل دائرة السوء عليهم ، وأني أدعوك إلى اللّه وإلى سنّة نبيه ، فإن قبلت وأجبت فلك سلطان العراق ما بقيت ، وبقي عليّ بالوفاء بذلك عهد اللّه وميثاقه. والسلام » (7).
نستنتج من رواية الطبري عدّة أمور منها :
١ ـ أن مصعبا لم يتحرّك لقتال المختار ما لم يحصل على موافقة إبراهيم بعدم مناصرة قوات المختار ، وهذا يعود إلى أن مصلحة مصعب الخاصة كانت تقتضي فعل مثل ذلك ، في حين نفسّر تصرّف إبراهيم هذا بأنّه خيانة للقضية الشيعية التي ارتكب بحقّها ، ما جرّ الويلات والدمار على الشيعة من قبل آل الزبير ، والمروانيين الأمويين.
ولا شك أن المختار لما علم باستعدادت مصعب ، قد راسل إبراهيم كما ذكر ابن أعثم الكوفي ذلك (8).
ورسائل المختار لإبراهيم هي بمثابة الميزان الكاشف عن درجة همّته في نصره واستعداده للفداء من أجل ديمومة حكومة المختار ، من أجل أن لا يقوم مصعب وأخيه عبد اللّه بنفس الدور الذي لعبه أبوهما الزبير وخالتهما عائشة ضدّ الإمام علي عليهالسلام في بداية حكمه
قال ابن قتيبة في عيون الأخباردخلت أم أفعى على عائشة أم المؤمنين فقالت : يا أم المؤمنين ، ما تقولين في امرأة قتلت ابنا صغيرا لها؟ قالت : وجبت لها النار. قالت : فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفا (أي عدد من قتلوا في وقعة الجمل). قالت عائشة : خذوا بيد اللعينة عدوة اللّه.(9) .
ومن أجل إقامة الحجّة على إبراهيم. أمام الجيل المعاصر لإبراهيم وأمام الأجيال المتأخّرة عنه.
فلو استُشهد إبراهيم مع قوات المختار لكان ذلك أكثر أجرا وأعلى مقاما ، ولنال بذلك ما ناله المختار من مقامات عُليا. لأنّ ثورته رحمهالله كانت في سبيل اللّه ، ومن أجل القصاص من قتلة ابن بنت رسول اللّه الحسين بن علي وآل بيته وأنصاره عليهمالسلام.
٢ ـ أن آل الزبير ومن البداية كانوا يسعون جاهدين لفصل إبراهيم عن جيش المختار ، ولما تحقّق لهم ذلك نرى انكسار قوات المختار أمام جيش مصعب ، في أول جولة بينهما ، فقُتل من قُتل ، وفرّ من فرّ.
٣ ـ أن ابن الأشتر فضّل مصلحته الخاصة على مصلحة الأُمّة لمّا تأكّد له أن النصر قريب من مصعب ، فخلع المختار وانحاز إلى مصعب الذي قتل ستة آلاف من مسلمي الكوفة في يوم واحد ، وقتل أولاد حجر بن عدي وروى البلاذري في أنساب الأشراف : عرضت لعائشة حاجة فبعثت إلى ابن أبي عتيق ، أن أرسل إلي بغلتك لأركبها في حاجة ، فقال لرسولها وكان مازحا : قل لأم المؤمنين عائشة ما كفاها عار يوم الجمل! فتريدين أن تأتينا بيوم البغلة.
نستنتج الآن ممّا تقدّم الأُمور التالية :
١ ـ إنّ إبراهيم قد خان قائده ـ المختار ـ الذي أجلسه أميرا على بلاد الجزيرة وما وراءها ، ولولا خيانته وارتداده لما انتهت حركة المختار بهذه السرعة ولوجدت لها من أسباب البقاء ما يطيل في أمدها.
٢ ـ لا شك أن عدم مناصرة إبراهيم للمختار ، قد بيّن للمجتمع المسلم أن إبراهيم كان يعيش انشطارا في الشخصية ، لكونه اختار وقتا غير مناسب لخيانته وارتداده ، وكان يتصرّف وكأنّه أعمى البصيرة. وهذا الأمر (الخيانة والارتداد) ، أدّيا إلى تحوّل أعداد كثيرة من أنصاره إلى جانب المعسكر المعادي ، وهو ما لا يرضاه إبراهيم لنفسه باعتباره أحد من كبار الشيعة ، الذي بايعوا على كتاب اللّه وسنّة نبيه ، والطلب بدماء آل البيت وجهاد المجاهدين مع المختار (10).
٣ ـ أن إبراهيم كان يقصد من وراء خيانته وارتداده قصدا دنيويا هزيلاً ، وكأنّه يريد أن يلاقي اللّه بهذه الصورة الزائفة.
٤ ـ عن ابن أعثم الكوفي (11) ، أن المختار طلب مساعدة إبراهيم عدّة مرّات ولكنّه رفض ذلك ، وكان هذا النداء بمثابة إلقاء الحجّة على إبراهيم ، فلو استجاب إبراهيم لهذا النداء لكان رحمة له. والواقع أن عدم ذهاب إبراهيم إلى « الكوفة » ، قد فوّت على المختار فرصة الانتصار على مصعب ، وهذا يذكّرنا بقول الشاعر الفرزدق للإمام الحسين عليهالسلام ، حين قابله وهو متوجّه إلى أهل العراق « قلوبهم معك وسيوفهم عليك » (12).
٥ ـ أن قتل المختار وأنصاره بهذه الصورة المروعة من قبل آل الزبير قد فضحهم ، ومن كان على شاكلتهم من يومهم إلى يوم القيامة ، وكشف للناس زيف سلطتهم القائمة على سفك الدماء مهما كانت حرمتها.
ولو افترضنا أن انضمام إبراهيم إلى آل الزبير قد تمّ بعد استشهاد المختار رحمهالله فالأجدر بإبراهيم ، أن لا ينضمّ إلى قوات ابن الزبير ، وللأسباب ، والمؤشّرات التالية :
١ ـ أن مصعبا قتل رئيس حكومته المسلم الشجاع (المختار الثقفي) ، الذي طالما قاتل إبراهيم تحت أمرته ، دفاعا عن بقاء دين الحق ، وإنزال العقاب الإلهي العادل بحقّ قتلة الإمام الحسين وآل بيته وأنصاره الكرام.
٢ ـ أن مصعبا تتبّع الشيعة بالقتل ، وملأ السجون بقادتهم حتى لكأنّه انسلخ عن الإسلام بقتله ستّة آلاف من المسلمين والموالي ، والذين أعطاهم مصعب الأمان ، حتى لقب على أثر هذه المجزرة بـ (الجزّار) ، فيما وصف اليعقوبي ، المأساة بأنّها أحد الغدرات المشهورة في الإسلام (13).
يُروى أن مصعبا لقي عبد اللّه بن عمر فسلم عليه وقال له أنا ابن أخيك ، مصعب. فقال له ابن عمر : نعم ، أنت قاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة! عش ما استطعت!
فقال مصعب : أنهم كانوا كفرة سحرة.
فقال ابن عمر : واللّه لو قتلت عدتهم غنما من ميراث أبيك لكان ذلك سرفا. راجع تاريخ الطبري ٢ : ٧٤٥.
ومع هذا فالتاريخ الأعمى لا زال يصوّر مصعبا بغير الصورة التي يستحقّها.
٣ ـ إن أغلب جيش مصعب بن الزبير ، كان من قتلة الإمام الحسين عليهالسلام وهذا إن دلّ على شيء ، فإنّما يدلّ على كفر مصعب وعدم ايمانه برسالة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبذلك يكون حال إبراهيم كما يقال : «أن الراضي بفعل قوم كفاعله».
٤ ـ كان التناقض واضحا في المواقف ، والأهداف بين ابن الأشتر إبراهيم ، ومصعب بن الزبير ، فلم يكن بينهما أي رابط مبدئي. والغريب في الأمر أن إبراهيم أطاع مصعب ، بل وظلّ له مخلصا حتى الممات. ومن هنا نعتقد أن ابن الأشتر ، قد أخطأ خطأً فظيعا حين سوّد صحيفة أعماله ، فباء بغضب اللّه سبحانه وتعالى وأوجب سوء ظنّ الناس والتاريخ به ، وكان جديرا به والحال هكذا ، أن يتّبع إحدى سياستين :
١ ـ إما أن يمدَّ جيش المختار بالمال والجند والسلاح ، وبالتالي الوصول إلى الكوفة لفكّ الحصار المضروب عليها من قبل قوات مصعب. فإن بقي المختار وانتصر بقي معه ، وإن قُتل المختار قُتل معه. حيث يذكر الواقدي أن حصار الكوفة استمرّ أربعة أشهر أو أربعين يوما على ما يذكر الدينوري (14).
٢ ـ أو أن يحاول إبراهيم ، ثني آل الزبير عن عزمهم عن قتال المختار ، وينصحهم بالتريّث ، من أجل إبرام اتفاقية بين الطرفين ضدّ آل مروان.
ولكن ابن الأشتر تردّد بين هاتين السياستين ، فنراه أول الأمر يحضّ المختار ضدّ آل الزبير ، وآل مروان ، وبالتالي يخذل المختار ، بل ويسلّمه لقمة مستساغة لمصعب بن الزبير ، حين شعر بضعف المختار ، وقلّة عدد جنده.
ويرى البعض ، أن سبب انفصال إبراهيم عن المختار ، يعود إلى أن إبراهيم عند خروجه إلى قتال أهل الشام قابل بعض الشيعة ، ومعهم كرسي فارغ وضعوه على ظهر بغل أشهب (15) مدّعين أنّه كرسي الإمام علي عليهالسلام ، وأن هذا العمل ولّد لدى إبراهيم امتعاضا ، واتّهم المختار بتدبير ذلك.
إلاّ أننا نرى ذلك غير صحيح ، وغير كافٍ لكي يتخلّى إبراهيم عن نصرة المختار ، فقد ذكر الطبري (16) ، أن ابن طفيل كان بحاجة ماسّة إلى المال ، فرأى كرسيا عند جار له (زيّات) ، فأخذه منه بعد أن غسله ، وزيّته ، وذهب به إلى المختار قائلاً : أنّه الكرسي الذي كان جعدة بن هبيرة (17) يجلس عليه ، فأمر المختار فجيء به ، وأمر للطفيل بأثني عشر ألف درهم.
أما رواية أبي (مخنف) ، الذي ينقل عنه كل من البلاذري والطبري (18) .
والتي جعلت من المختار مسؤولاً عن وجود هذا الكرسي ، نرى أن هذه الرواية قد تعرّضت إلى التشويه ، والإضافة من قبل البلاذري ، والطبري الأمر الذي جعلنا نشك بصحّتها. وللأسباب التالية :
١ ـ للإساءة والطعن بشخصية المختار ، الأمر الذي فعله الكثير من خصومه ، حيث أن أعداء المختار كانوا كثيرين من بني أمية وبني الزبير وأنصارهما ، وماذا يرتجى من العدو غير الكيد بالطرق الآخر ولو عن طريق الأكاذيب وبثّ الاشاعات ، وهو ما حصل من أعداء المختار.
٢ ـ وإن صحّ وجود هذا الكرسي ، نرى أن الغرض منه ، لمنح المقاتلين النصر ، ولزيادة حماس المحاربين ، فقد يكون للنصر الذي أحرزه إبراهيم ، أسباب أحدها وجود هذا الكرسي.
٣ ـ وقد تكون هذه الرواية من وضع البلاذري ، أو الطبري. حيث روى الطبري (19) في موضع آخر رواية بهذا الصدد عن طفيل بن جعدة بن هبيرة مفادها ، أن الذي روَّج دعاية الكرسي هو عبد اللّه بن نوف ، ويقول : المختار أمرني به ، ولما علم المختار بذلك تبرّأ منه.
وبناء على ذلك فإننا نميل إلى تفضيل رواية (ابن طفيل) ، على رواية (أبي مخنف) التي تعرّضت إلى التحريف والزيادة (20) لنستنتج من كل ذلك ، أن آل الزبير هم السبب الرئيس في تخلّي وارتداد إبراهيم عن المختار ، روى الحديث هذا كثير من حفاظ أهل السنة ، رواة ابن قتيبة في الإمامة والسياسة في مقتل عثمان ١ : ٣٥. ورواه الهيتمي الشافعي في الصواعق المحرقة : ٦٦ ـ ٦٧. والمحب الطبري الشافعي في الرياض النضرة ٢ : ١٢٨ بطريقين ذكر أنهما خرجهما أحمد بن حنبل ، وفي الرياض أيضا : ١٢٩ ، عن عبد اللّه بن الزبير نفسه أنه قال لعثمان ، حين حصر : عندي نجائب أعددتها فهل لك أن تحول عليها إلى مكة فيأتيك من أراد أن يأتيك. قال «يعني عثمان». لا ، إنّي سمعت رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «يلحد بمكة كبش من قريش عليه أوزار نصف الناس». ورواه برهان الدين الحلبيالشافعي في سيرته ١ : ١٨٣.
ويمكننا اعتبار إبراهيم بن الأشتر مسؤولاً ، رئيسيا عن انكسار المختار ومن ثم مقتله رحمهالله.
غير أنّه لم يمرّ مقتل المختار رحمهالله ، دون ثار. فقد قُتِل إبراهيم في جمادي الآخرة سنة إحدى وسبعين قتله عبيدة بن ميسرة مولى بن عذرة وحمل رأسه إلى عبد الملك ، وقال مصعب لما سمع بذلك : وا إبراهيماه ولا إبراهيم لي اليوم (21).
أما مصعب بن الزبير فقد قتله زائدة بن قدامة الثقفي أحد أقرباء المختار ومن مؤيّديه المخلصين الذي هتف وهو يضربه الضربة القاضية : (يا لثارات المختار).
قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّه وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّه وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (22).
المصادر :
1- البداية والنهاية / ابن كثير ٨ : ٢٨٦.
2- الأخبار الطوال : ٤٣٤.
3- الفتوح / ابن اعثم الكوفي ٦ : ٢٨٤.
4- الفتوح / ابن اعثم ٦ : ٢٨٦.
5- الفتوح / ابن أعثم الكوفي ٢ : ٢٩.
6- تاريخ ابن خلدون ٣ : ٣٠.
7- الطبري ٧ : ١١١ حوادث عام ٦٧ هـ.
8- الفتوح / ابن أعثم الكوفي ٦ : ٢٨٧.
9- عيون الأخبار ١ : ٤٢١ ،
10- الطبري ٢ : ١٠٨ ـ ١٤٧ حوادث سنة ٦٧ هـ.
11- الفتوح / ابن أعثم الكوفي ٦ : ٢٨٧.
12- تاريخ الطبري ٢ : ٣٠٣.
13- تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٦٣ ـ ٢٦٤
14- الأخبار الطوال / الدينوري : ٤٤٧ ، تاريخ الطبري ٦ : ١١٥ ، سنة ٦٧.
15- الأنساب ٥ : ٢٤٧ ، والطبري ٢ : ٧٠٠ ـ ٧٠٢ ، والكامل ٢ : ٢١٢.
16- الطبري ٢ : ٧٠٢ ـ ٧٠٣.
17- انظر الطبري ٢ : ٧٠٥.
18- الطبري ٥ : ٧٠٦ ، والأنساب ٥ : ٢٤١.
19- الطبري ٢ : ٢٠٣ ـ ٢٠٧.
20- الخلافة الأموية / د. عبد الأمير دكسن : ١٠٢.
21- الأنساب ٥ : ٣٣٤ ، الإمامة والسياسة ٢ : ٢٣ ، الطبري ٢ : ٨٠٩ ، ابن عساكر ١ : ١٧١ ، الذهبي ٣ : ١١٠ ، وجاء في مشكاة الأدب : «أن إبراهيم بن مالك الأشتر النخعي قتل عند دير الجاليق واحرق جسده بالنار في سنة سبع وستين من الهجرة ، وقبره بنواحي الدجيل».
22- سورة آل عمران : ٣ / ٧٧.
source : راسخون