عم لقد تشيعت ... وهذا هو السبب الحلقة (2)
محمد الرصافي المقداد (*)
مظلومية الزهراء وأهل البيت (عليهم السلام) عناصر تشيعي:
كانت إجابة أحمد . . . سريعة ومتحمسة ، فقد انبرى قائلا : الحمد لله تعالى الذي هداني إلى معرفة أهل ولايته ، واستنقذني من عمى الضلالة، وتيه سبل الانحراف ، لقد عرفت الحقيقة ، ووقفت على صدق الدعوى التي رفعها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والأئمة الأطهار من أهل بيته (عليهم السلام) ، رغم محاولات الطمس التي تعرضت لها قرون عديدة ، صحيح أن تضافر الأدلة التي احتج بها أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم ، على أحقية الأئمة الهداة في قيادة الأمة الإسلامية ، بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لا تدع لمؤمن وجهة يقصدها غير أبواب الهداة الطاهرين ، التي جعلها الله تعالى قبلة وملاذا للمسلمين ، وأودع في بيوتهم العلم والحكمة ومكارم الأخلاق ، ففاضت على العالمين خيرا وبركة.
كل الأدلة التي قرأتها ، وتثّبتُ في صحة مصادرها ، أقنعتني وزادتني تثبيتا ويقينا ، من أن الحق هو في هذه الأمة الموالية لأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قلبا وقالبا ، وليس عنوانا يدعى بلا تطبيق كما يمارسه مخالفوهم ، غير أن التي أراحتني مطلقا وهزت مشاعري ، وأوقفتني وحدها على الحقيقة ، هي مظلومية السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وما لاقته من هضم وإجحاف ونقيصة وغميزة في حقها ، من طرف من كان يشاهد ويسمع ويرى ، ما كان يفعله ويقوله ويطبقه في شأنها والدها النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) .
فمن تكون فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) ؟ وما هي خصائصها ؟ وكيف ظلمت ؟ ومن ظلمها ؟ ولماذا ظلمت ؟
لذلك يمكنني القول ، بأن الزهراء (سلام الله تعالى عليها) ، هي التي فتحت قلبي قبل عيني على الحقيقة التي تقول ، بأن الإسلام المحمدي الأصيل والصافي ، لا يوجد إلا عند الصفوة الطاهرة وشيعتهم ، الذين باركهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في عدة أحاديث ، من بينها قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (( يا علي أنت وشيعتك الفائزون يوم القيامة )) .
وقد نقل هذه الرواية عدد من مفسري وحفاظ المخالفين لخط أهل البيت (عليهم السلام) ، تسالما منهم على صحتها.
لكن قبل أن أقدم دليل استبصاري ، اسمحوا لي بالتطرق ولو بإيجاز إلى هذه الفاضلة العظيمة (سلام الله تعالى عليها) ، وجعلنا الله من شفعائها يوم القيامة.
من هي فاطمة الزهراء (عليها السلام) ؟
هي بضعة المصطفى أبي القاسم محمد خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وريحانته ، ومهجته ، وقلبه ، وروحه التي بين جنبيه ، حسب الأحاديث التي ذكرها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بخصوصها.
ولدت على أشهر الروايات في السنة الخامسة بعد البعثة ، وقد استبشر أهل السماء بولادتها قبل أهل الأرض ، وولدت في مقاطعة وغياب نساء قريش وتولت عدد من نساء أهل الجنة ، أرسلهن الباري تعالى ليكونوا أنسا وخدماً للوالدة والمولودة (عليهما السلام) .
أما أمها فهي السيدة خديجة بنت خويلد ، تلك الفاضلة التي واست النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسها ومالها ، قال فيها : (( لولا مال خديجة وسيف علي لما قام للإسلام قائمة )) .
خديجة التي بشرها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنها رابع أربعة سيدة نساء العالمين ، بقيت تحت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أن ماتت ولم يتزوج عليها ، بينما تزوج على غيرها تسعا ، وبقيت أحب أزواجه إليه إلى أن مات (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولم تنسه واحدة ممن تزوجهن بعدها ذكر خديجة وأيام خديجة (سلام الله عليها).
خصائصها (عليها السلام):
خصائص الصديقة الطاهرة أكثر من أن تعد ، فهي كما وصفها أبوها (صلى الله عليه وآله وسلم) حوراء إنسية ، قلبا وقالبا ، روحا وعقلا، فهما وعلما ، والشيء من مأتاه لا يستغرب كما يقولون.
ورغم كثرة تلك الخصائص ، فإنني لن أطيل في هذا المقام ، لأن الجلسة لا تحتمل ذلك ، لذلك سوف أذكر بعض الخصائص الكبرى المتفق عليها عند كل الفرق الإسلامية :
الخاصية الأولى: كونها سيدة نساء العالمين:
فقد ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك في عدد من الأحاديث منها ما صرحت به عائشة قالت : أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال : (( مرحبا بابنتي )) ثم أجلسها عن يمينه ثم أسر إليها حديثا فبكت ثم أسر إليها حديثا فضحكت فقلت ما رأيت كاليوم أقرب فرحا من حزن فسألتها عما قال فقالت : (( ما كنت لأفشي على رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم) سره )) فلما قبض سألتها فأخبرتني , (( أنه قال إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة وإنه عارضني العام مرتين وما أراه إلا قد حضر أجلي وإنكِ أول أهل بيتي لحوقا بي ونعم السلف أنا لك فبكيت فقال ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين فضحكت )) .
وتشترك السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في هذه الخاصية مع أمها السيدة خديجة ، لذلك فإننا نفتخر كمسلمين بأن لنا نصف سيدات نساء العالمين وأهل الجنة اللاتي عدتهن أربعة.
سيدة النساء تفيد الكمال في هذا الإطار ، والسيادة لا تعني في لغتنا غير العلو والرفعة والتميز والتفوق ، وقد نالت فاطمة (عليها السلام) السبق في كل المكارم التي يمكن للكائن الإنساني أن يصلها ، وهي زيادة على كونها بضعة من الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ذلك الكائن الذي تمكن من مجاراة نسق طاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وطاعة الوصي إمام الأمة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فخرجت من بين القمتين المستعصيتين قمة أخرى لا تنال بلحظ ولا تدرك بعمل .
وهذا دليل آخر يمكن وضعه في خانة نسبة العصمة إلى فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، لأنها من تشارك مريم العذراء في الاصطفاء .
الخاصية الثانية: كونها أم أبيها:
وقد لقبها أفضل المخلوقات بهذا اللقب لأنها كنت بالفعل البنت والأم في نفس الوقت ، وقد استطاعت بحنانها الفياض أن تملأ عليه الفراغ الهائل الذي تركته زوجته وحبيبته خديجة بنت خويلد (عليها السلام) ، ولم تستطع واحدة من نسائه التسع اللاتي تزوجهن بعدها ، من أن ينسينه ذكر خديجة (عليها السلام) , مما أثار حفيظة إحداهن وهي عائشة التي امتلأ قلبها حقدا وغيرة عليها كلما رأت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يهتم لصاحبات خديجة (عليها السلام) ، ويفرح بهن عندما يأتينه لحاجة أو زيارة ، إلى درجة وصفها بالعجوز الحمراء الشدقين .
الخاصية الثالثة: كونها الصديقة:
ولقبت بالصديقة ، لاشتراكها مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام) في مقام الصدق حتى نزل فيهم قرآن يحثنا على أن نكون معهم قال تعالى : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ ).
وطالما أن الصدق صفة نسبية في الناس ، ولا يمكن إطلاقها إلا على القلة القليلة منهم ، فقد إتجه إلحاقها بمن كانت إرادتهم متطابقة دائما مع إرادة الباري تعالى ، وتفسير الآية متعلق بهم .
والصدّيق صفة مبالغة من الصدق ، هؤلاء الذين كانوا دائما وراء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تصديقا وعملا بمقتضاه يتفق معهم هذا اللقب اتفاقا كاملا بمقايسته ببقية الخصائص ، ويختلف مع غير هؤلاء لعدم ثبوت العصمة فيهم بينما ثبتت العصمة في أهل البيت (عليهم السلام) بالنصوص التي في حوزتنا ، وعمليا بما لم يسجل عليهم التاريخ زلة واحدة أو غميزة تزحزحهم عنها.
الخاصية الرابعة: كونها محدثة:
لقبت فاطمة (عليها السلام) بالمحدثة ، لأن الملائكة كانت تحدثها ، وتأنس إليها في أكثر الأوقات ، بل وتعينها في بعض الشؤون ، وقد جاء جبريل (عليه السلام) بعد وفاة والدها لتعزيتها ومواساتها.
الخاصية الخامسة: كونها طاهرة:
وآية التطهير التي شملتها ، والتي أقرت بإذهاب رجس الشيطان عنها ، وتطهيرها تطهيرا كاملا ، دليل على كمال الزهراء (عليها السلام) وعصمتها.
الخاصية السادسة: كونها الكوثر:
وقد لقبها الباري تعالى بالكوثر ، مبشرا نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بعدما شناه العاص بن وائل والد عمرو بن العاص ، وكان معدودا من المبغضين للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) ، معيرا إياه بالأبتر ـ الذي لا عقب له ـ بسبب أن الذي لا يخلف ولدا ذكراً يعتبر لا عقب له بمنظور المجتمع الجاهلي ، فاغتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك ولجأ في ذلك إلى الله تعالى ، فأنزل عليه سورة الكوثر تطييبا لخاطره وبشارة له بكون عقبه سيكون من فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، ولقبها بالكوثر لكثرة نسلها من الصالحين , وجاء بيانه على ذلك بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (( كل الأنبياء أبناؤهم من أصلابهم إلا أنا فأبنائي من علي )) .
الخاصية السابعة: كونها الزهراء:
لقبت فاطمة بالزهراء للنور الذي يزهر منها إلى عنان السماء إذا قامت في محرابها للصلاة .
وفاطمة (عليها السلام) ضاهت بل فاقت مريم العذراء في تهجدها وعباداتها ، لذلك كساها الباري تعالى من نوره ظاهرا وباطنا ، وأسبغ عليها من نعمه ومننه ، حتى قرن غضبها من غضبه ، ورضاها من رضاه ، وهذا مقام لم يستطع أحد من العالمين الوصول إليه غيرها.
ولا عجب في من خرجت إلى الدنيا من نور حبيب الرحمن ، وتربت بين سيد النبيين (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثم انتقلت إلى بيت سيد الوصيين (عليه السلام) لتتولى دورها المهم في تنشئة وإعداد أنوار الأمة وهداتها (عليهما السلام) .
كيف ظلمت ؟
مظلومية فاطمة (عليها السلام) ،غير خافية على المتتبع لأحداث ما بعد موت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقد اقتحم عليها بابها الذي جعله الله تعالى قبلة ومقصدا للمسلمين ، وحادثة سد البواب إلا بابها من أوضح الواضحات ، لا ينكره إلا جاحد ، انتهكت حرمة بيتها، وضربت في بطنها فأسقطت محسنا، وكسر ضلعها من طرف الغاصبين للحكومة الإسلامية ، حتى كادوا يحرقون عليها بيتها بمن فيه ، مع علمهم التام واليقيني بمقامها ، ومكانة زوجها الرفيعة ، التي لا يشك فيها إلا منافق خبيث الولادة .
ذلك التعدي الصارخ على حرمتها ، لم يكن وليد تلك اللحظة ، بل أن فيه ما يشير إلى أن أضغان المعتدين كانت مضطرمة قبل ذلك بكثير، فقد كان قولبهم يتقد حقدا ، وأفئدتهم تشتعل حسدا كلما رأوا النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) مهتما بذلك البيت الطاهر، ومعتنيا بأفراده المميزين (عليهم السلام) ، مشيرا إلى فضلهم ، ناصا على منزلتهم الرفيعة عند الله تعالى وعند رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
لماذا ظلمت ؟
أما لماذا ظلمت الزهراء (سلام الله عليها) ؟
وهي على تلك المنزلة الرفيعة والمكانة الخصيصة ، فهل يعقل أن تنسى مكانة الزهراء (عليها السلام) ، حتى يتعامل معها بذلك الأسلوب المخزي ؟ السبب متعلق كما أشرنا بمسألة حساسة ، وهي الحكومة الإسلامية ، والتي هي على ارتباط وثيق بزوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، والنصوص المشيرة إليه عديدة ، ومكانته من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واضحة ، وتفانيه من أجل إعلاء كلمة الله تعالى لا ينكره إلا معاند ، لذلك لم تكن ردود أفعال الغاصبين تجاه أصحاب الحق إلا دليلا على أحقيتهم ، ولو لم يتعامل الغاصبون مع أهل البيت (عليهم السلام) بكل تلك القسوة والفضاضة لما أمكنهم أن يحافظوا على الحكم ، لأنهم يدركون جيدا من يواجهون ، ومن هو صاحب الحق في سياسة الأمة الإسلامية بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
احتجاجها (عليها السلام):
لم تبق فاطمة الزهراء (عليها السلام) مكتوفة اليدين ، بعدما تناهت إلى أسماعها أنباء استيلاء الغاصبين على الحكم ، وتجاهل حق الإمام علي (عليه السلام) في قيادة الأمة الإسلامية بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فخرجت (عليها السلام) ليلا مع زوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) ، تستحث الأنصار على بيعة سيد الوصيين (عليه السلام) ، وتذكرهم حقه الذي خصه الوحي به ، إلا أن بيعة القوم كانت قد انعقدت للغاصبين ، وأحجم أكثر الناس عن خلع بيعتهم ، لأسباب مختلفة منها ما هو متعلق بالخوف ، ومنها ما يتصل بطبيعة أولئك الممتنعين ، ومنها العامل الزمني الذي استغله الغاصبون لصالحهم على الوجه الذي ثبتت فيه أمورهم.
لذلك لجأت (سلام الله تعالى عليها) إلى أسلوب آخر من إقامة الحجة ، فطالبت حقها في ميراثها من أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فكذب الغاصبون للحكم عليها ، وادعوا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قال : (( نحن معشر الأنبياء لا نورث )) فخطبت في الرد على تلك الفرية خطبة بليغة أفحمت فيها الظالمين ، وقصفت بهتانهم من الأساس ، مستدلة في بيان أحقيتها وصحة دعواها بما اخرس نعيق الباطل فقالت في آخر كلامها: (( ... وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا ، أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ؟ أفلا تعلمون ؟ بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية ، أني ابنته .
أيها المسلمون أغلب على إرثي ؟
يا ابن أبي قحافة ، أفي كتاب الله ترث أباك ولا ارث أبي ؟ لقد جئت شيئا فريا ! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ؟ إذ يقول:
( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ ) وقال فيما اقتص من خبر يحي بن زكريا (عليه السلام) إذ قال: ( فَهَبْ لِي مِن لّدُنكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) وقال: ( وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ ) وقال: ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُم لِلْذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ ) وقال: ( إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتّقِينَ ).
وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي , ولا رحم بيننا ، أفخصكم الله بآية أخرج أبي (صلى الله عليه وآله) منها ، أم هل تقولون إن أهل ملتين لا يتوارثان ؟ أو لست أنا وأبي من اهل ملة واحدة ؟ أم انتم اعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟ فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد (صلى الله عليه وآله) ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون ، ولكل نبإ مستقر فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم .
مفندة بذلك مزاعم البغاة من أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يورث من جهة ، وأنه قد ترك وصيته لأهله وأمته من جهة أخرى ، لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أول المكلفين والمطبقين للأحكام النازلة عليه ، ووجوب الوصية غير خاف في هذه الآية ، وحث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على القيام بها ، جاءت به عدد من الروايات ، فلا تصح دعوى ترك الوصية عند من أطلقها ، لأنها عارية من الدليل ، وأدلة إثبات الوصية قد بلغت من القوة ما دفع بالمنكرين إلى مزيد الكذب على الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلم يزدهم ذلك من الله إلا بعدا.
لكن البغاة على حقها لم ينثن عزمهم ، ولا فتر جهدهم في منعها حقها ، فتمسكوا بالرواية المكذوبة ، وأصروا على إنفاذها إصرارا عجيبا، ولما لم تجد منهم آذانا صاغية ، رجعت لتطلب نحلتها في فدك التي نحلها إياها والدها بعد فتح خيبر ، وهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا رجال ، ونزل جبريل (عليه السلام) بقوله تعالى : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقّهُ ) وأمره أن يعطي فدكا لفاطمة (عليها السلام) ، فكانت تحت يدها على عهده (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلما توفي غصبت منها ، ولم يرجعها إلى ذريتها إلا عمر بن عبد العزيز الأموي الذي أراد الله تعالى أن يتم كشف الحقيقة على يديه ، وفضح أكذوبة ابن أبي قحافة وصاحبه وعصابتهما.
لكننا مع إثبات الزهراء (عليها السلام) لحجتها بالكتاب العزيز، وبقوة الدليل ، نستهجن أن تترك الأمة حجة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، التي أذهب الله تعالى عنها الرجس وطهرها تطهيرا ، لتستأنس بإعادة الخليفة الأموي لحقها في فدك إلى ذريتها من بعدها ، فهل قصرت شخصيتها المباركة الطاهرة حتى يلتفت إلى إثبات غيرها ، وتصديقها من ذلك الطريق ، وقد نزل في خصوصها ما نزل ، وقال فيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قال ؟ ومنذ متى كان ذلك البيت الذي ينفق من الخصاصة ، ويعطي من القلة ، بعدما طلق الدنيا ثلاثا ، هم أو مطمح دنيوي ؟ ألم تكن فدك في أيديهم أكثر من سنتين ، ومع ذلك لم يخزنوا من نتاجها شيئا ، ولا أثر عنهم طرق وأساليب الناس في جمع الحطام ؟ دأب ذلك البيت دائما الإنفاق في سبيل الله ، بطريقة لا يستطيعها غيرهم ، يعطون عطاء من لا يخشى الفقر ، تارة يخرجون من أموالهم كلها ، وتارة يقاسمونها الله تعالى ، كما أثر عنهم (عليهم السلام) ، فهم أهل آخرة لا يهمهم من الدنيا إلا مقدار ما يوصلهم إلى غايتهم، ومن هنا جاء سبب حجب حقوقهم عنهم ، لئلا يستميلوا بها سواد الناس ، وتكون لهم عونا على استرداد أحقيتهم في الحكم.
لقد مضى والدها (صلى الله عليه وآله وسلم) بين هؤلاء كالحلم ، فلم يفهموه ولا فهموا مقامه ، إلا قليل من المؤمنين ، وقد لقي من عجرفتهم وتعنتهم واستكبارهم ما لقي، على قصر المدة التي قضاها بينهم .
فهل تراهم يقدرون ابنته (عليها السلام) ، ويضعونها موضعها الذي تستحق ؟
لم يكن شيء من ذلك ، بل لقد حصل الأسوأ ، كأنما قدر هذه الأمة أن تحذو حذو بقية الأمم في التنكر لأنبيائهم ، وتحريف أحكام الشريعة ، وتطويعها حسب مشيئة هذا الحاكم أو ذاك.
أهم ما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في شأنها:
واصل أحمد حديثه فقال : مضافا إلى كون فاطمة الزهراء من أهل البيت الذين نزلت فيهم آية التطهير، وتحديد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعدد هؤلاء كما صرحت بذلك كل من عائشة وأم سلمة ، وهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) .
فقد صرح والدها (صلى الله عليه وآله وسلم) في شأنها بقوله : (( يا فاطمة إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك )) .
وقد ماتت الصديقة شهيدة من جراء الضرر الذي لحقها من اقتحام الغاصبين لبيتها ، غاضبة على أولئك الذين تعاونوا على صرف الحكومة عن زوجها الأولى والأحق بذلك المقام , صرح بذلك عدد من الحفاظ من أتباع خط السقيفة ، منهم البخاري الذي يعتبر أكثرهم تحفظا على إخراج ما يتعلق بأهل البيت (عليهم السلام) .
هل بايعت الزهراء ؟
يضيف أحمد قائلا : نحن نعلم جيداً أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي سيدة نساء العالمين ، بضعة المصطفى ، ومهجته ، وروحه التي بين جنبيه ، وهي أول الناس دخولا إلى الجنة ، وان شفاعتها يوم القيامة أكبر من أن تقدر بعدد ، وكما نعلم بحسب الظاهر أنها لم تبايع الغاصب الأول للحكم ، ولا حكي عنها ذلك إطلاقا ، خاصة إذا ما ثبت لدينا موتها وهي غاضبة عليه وعلى أعوانه ، وأوصت زوجها عليا (عليه السلام) بأن لا يأذن لأحد من الغاصبين بحضور جنازتها، ووجوب البيعة أمر لا يختلف فيه اثنان ، بل لقد قرن النبي عدم البيعة بالجاهلية ، فقال : (( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية )) .
فمن بايعت الزهراء إذاً ؟
إلتفت إليَّ أحمد بوجهه الصبوح المنشرح وقال: هذه هي النقطة التي أوصلتني إلى الحقيقة ، وعند هذه الحجة ، إنقطعت حجتي في إتباع خط السقيفة ، صحيح إن الزهراء (سلام الله تعالى عليها) قد قطعت وجهة المتعلل في مسألة المطالبة بميراثها ونحلتها وسهمها ، إلا أن مسألة بيعتها هي التي أماطت عن بصيرتي حجب الضلالة التي كنت أتخبط فيها.
واختتم أحمد كلامه قائلا: في الخير أود أن أختم كلامي بالحديث عن واجب من الواجبات الأكيدة التي أمر بها الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه فقال: ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) .
وقد أجمع المفسرون إلا من شذ ، والشاذ يحفظ ولا يقاس عليه ، من أن فريضة المودة هذه متعلقة بأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فمودتهم تستوجب محبتهم ومحبتهم تستوجب تقديمهم ، وتقديمهم يستوجب مولاتهم ، فأين مودة هؤلاء الذين انتهكوا حرمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، أم أنهم مستثنون من تلك المودة ؟
ولماذا أعفي قبرها وهي التي من المفترض أن تكون بجانب أبيها ؟ لا شك أن من خلص معدنه وصفي باطنه سيدرك المعنى جيدا ، ( وَمَن كَانَ فِي هذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلّ سَبِيلاً ) .
لهذا وذاك أود أن أوجه ندائي إلى عامة هذه الأمة المغلوبة على أمرها والمضيعة لحقوقها والتاركة لواجباتها ، من أن يتوقفوا وقفة تأمل ، وليسألوا أنفسهم كما سألنا أنفسنا نحن :
ماذا لو كان الخط الذي يسلكونه منحرفا ؟ لأن الشك طريق إلى اليقين , وليبحثوا بعدها في الحجج التي ذكرتها ، وأثبتها غيري ، فإنني على يقين من أنهم سيدركون الحقيقة بكل يسر بمشيئة الباري سبحانه وتعالى ، والحمد لله أولاً وأخيراً.
ــــــــــــــــــــــــ
(*) محمد الرصافي المقداد من دولة تونس , الدين والمذهب السابق : (سني ـ مالكي) في 20 شعبان 1426.
نقلاً عن موقع مساهمات المستبصرين .
نعم لقد تشيعت ... وهذا هو السبب الحلقة (1)
محمد الرصافي المقداد (*)
تقديم:
إلتقيت بهم على غير موعد ، فقد تعودوا على الالتقاء في مكان واحد ، يتحسسون فيه الألفة والأنس ، وتبادل الرأي ، وتمتين رابطة الأخوة ، وأواصر الصداقة ، في عصر قلت فيه الأخوة وهجرت الصداقة قلوب أغلب الناس ، وإنعدم الشعور بالراحة والأنس والطمأنينة تجاه الآخر ، ولم يعد للرأي والمشورة نصيب ، حتى الدين الذي له من القداسة والخشية في القلوب ، لقي من العنت والتطاول ما جعل الجرأة عليه أكثر من أي شيء آخر ، وقد كان للحكام العرب على مر التاريخ دور كبير في إضعافه ، وتحريف بعض أحكامه وتعطيل البعض الآخر، وكان الناس في ذلك تبعا لهم ، إلا قليل من المؤمنين ، لأن أغلبية البشر عبيد الدنيا ، وقد قيل : يؤخذ بالسلطان ما لا يؤخذ بالقرآن، والناس على دين ملوكهم.
إذاً في عصر طغى فيه الاستبداد ، وعمت الأنانية حتى ذهبت بفلسفة الخلق وطبيعة النشأة ، فلم يعد يعني لوجود الإنسان الذي كرمه الله تعالى ، وفضله على سائر مخلوقاته غير المظاهر المادية ، وعلامات الترف الاستعلاء على الآخرين . وسط تلك الأجواء كان اللقاء .. وكان التعارف ، من اجل إحياء الروح الإيمانية التي تكاد تتلاشى من مجتمعاتنا الإسلامية ، ومن أجل صياغة الفرد المؤمن ، وبناء علاقة أساسها الحب في الله تعالى والبغض في الله، وما الدين في جوهره وحقيقته إلا توليا وتبريا، ولم توجد على مر تاريخ البشرية نماذج كثيرة من هذه العلاقات ، إذا استثنينا حركة المعصومين في مجتمعاتهم ـ وأعني بهم الأنبياء والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) ـ أو مجالات تحرك المرجعيات وعلماء الأمة (رضوان الله تعالى عليهم).
وطبيعي في هذه الحالة أن ينتابني شعور من الغبطة والاعتزاز والرضا وأنا أرمق تلك الوجوه المحيطة بي ، قد زادها الله تعالى بنور الإيمان ، وأسبغ عليها من فضله ، في إدراك ما لم يهتد إليه آخرون.
توجهت في مفتتح اللقاء بسؤال عام وجهته للجميع ، ليتحدثوا عن السبب الذي دفع بهم إلى الخروج عن معتقد المجتمع وموروث الأسرة ، والانتقال إلى فضاء اعتقادي آخر ، يختلف في بعض تفاصيله ، وكثير من بواطنه عما كانوا يتعبدون به سابقا ، الغاية واحدة والأسباب كثيرة ، متنوعة بتنوع عقول الناس وأفئدتهم ، والنهج التعبدي الجديد امتلك من قوة الدليل بحيث تنوعت وتعددت أدلته على أحقيته في أن يكون له وحده الحق في أن يكون عنوان الإسلام المحمدي الصافي من كل الأدران التي أحكمت طوقها وأسرت جمعها ، ورمت بهم إلى الشبهة والظن والهوى قامعة إياهم بمقامع الظالمين .
رأيت أن اجعل أسباب تشيع هذه الثلة ، موضوع هذه الدراسة لعلها تكون الدافع القوي لمن لم يطلع على العلل التي دفعت بكثير من المسلمين إلى تحريك عقولهم نحو نور الإيمان الحق ، نور محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وفاطمة وعلي والحسن والحسين والأئمة التسعة الأطهار من ذرية الحسين (عليهم السلام) ، منهم فاضت معالم الدين الحق على المؤمنين ..
الحلقة الأولى:
شيعني الأمل الحقيقي الذي يعيشه الشيعة بخصوص ظهور الدين على يد المصلح العظيم المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) .
فرج . . . هو واحد من أولئك الذين اكتشفوا إنحراف الطريق الذي كانوا يسلكونه ، كان بعيدا كل البعد من أن يبحث تلقائيا عن الإسلام الذي اعتنقه وراثيا ، لأنه لم يكن يتصور أن هناك إسلام غير الذي وجد عليه آباءه وأجداده، الإسلام الأشعري (السني) الذي عليه الغالبية العظمى من المسلمين، أما بقية الفرق كالخوارج والشيعة، فحسب ما قرأه عنهم تحريفيون ،لا يمثلون الإسلام الصحيح ، بل أنكى من ذلك ، فقد صور أصحاب خطه الذي كان ينتمي إليه الشيعة بصور مشينة وبشعة ، هي للكفر والبعد عن الدين أقرب من أي شيء آخر.
وقع بين يديه يوما كتاب للسيد سابق (وهو سني مصري)، تناول فيه العقائد الإسلامية عند السنة ، فقرأه وكان بداية للبحث عن الحقيقة ، يقول فرج:
كنت من المغرمين بالمطالعة ، رغم إنهائي لمرحلة التعلم، ولم يصرفني عن ولعي بها شيء آخر ، مع تواجد المغريات التي قد تقطع السبيل على الكتاب وقراءته.
ذات يوم بينما كنت أتصفح كتبا في مكتبة أحد الأقارب إذ استرعى انتباهي كتاب السيد سابق أحد رواد الثقافة الإسلامية في مصر، تحدث فيه عن الإسلام عقيدة ، فأخذته على أساس مطالعته.
الكتاب ككل لم يكن من الكتب التي تأخذ باللب ، أو تمنح الإضافة الكاملة إلى القارئ ، ما لفت انتباهي فيه الباب الذي أفرده فيه كاتبه ، وحدث فيه عن أمر هام يتعلق بمستقبل الدين الإسلامي ، وهو المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) .
إهتمامي بما أخرجه السيد سابق نبع من محصلة كانت لديّ قرأتها وسمعتها مرارا وتكرارا، تقول: (لا مهدي غير المسيح عيسى بن مريم) .
ودعاية جانب من مثقفي وقياديي الخط (السني) بما حوته أجنحته المعتدلة منها كجماعة التبليغ والدعوة والنهضة ، أو المتطرفة منها كالوهابية والسلفية ، التي تنكر مسألة وجود المهدي المنتظر (عليه السلام) إنكارا شديدا ، غير خافية على جميع من يتابع المسألة الإسلامية بجميع تفاصيلها.
قرأت الأحاديث النبوية التي نقلها السيد سابق، والمتعلقة بالإمام المهدي (عليه السلام) ، والتي أخرجها حفاظ الخط (السني) ، وخاصة منهم أصحاب من سموهم بالصحاح ، فصدمت لنكران المنكرين من علماء مذهبي ، وكانت المفاجئة ذات وقع شديد عليّ ، شككني في كل ما ألقي إليَّ من خلال بوابة التقليد الأعمى ، فرأيت أن أعود بالبحث عن تلك الروايات وغيرها مما يمكن أن أعثر عليه على سبيل الصدفة ، في المصادر المشار إليها ، فازداد استغرابي واستهجاني للمساعي الباطلة التي ركبها المنكرون لشخص الإمام المهدي (عليه السلام) ، بسبب كثرة طرق أحاديث البشارة التي أطلقها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن منقذ البشرية (عليه السلام) ، السيد سابق ناقل بعض تلك الروايات ، لم يكن من المنكرين لخروج الإمام المهدي في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، وإنما كان على الرأي التقليدي للأشاعرة من كونه يولد في آخر الزمان ، مع ذكر بعض أوصافه وبعض العلامات الدالة على خروجه.
فآمنت بالفكرة ، وتشوقت لذلك المنقذ أيما شوق .
كيف السبيل إليه ؟
متى يخرج ليخلصنا من ظلم الظالمين ؟
كيف السبيل إلى معرفة المزيد عنه ؟
حاولت أن أجد عالما أتحدث إليه ، وأبثه انشغالي وهمي ، فلم أجد لأن جامعة الزيتونة التي كانت تفيض على البلاد بالمتعلمين والعلماء في شتى اختصاصات الدين لم تعد موجودة بالمردود الذي كانت عليه من قبل ، خلو البلاد من العلماء المتخصصين في المجال الإسلامي ، دفعني إلى الالتجاء لأشخاص أقل علما ومعرفة وهم أئمة جمعة المساجد ، إقتربت من أحد أئمة المساجد لأسأله عن المهدي (عليه السلام) ، فقال: صحيح ، لقد قرأت في بعض المصادر عددا من الأحاديث التي أخبرت بالمهدي وخروجه ، لكنها ضعيفة ، ولم يأنس لها أكثر العلماء ،والمسألة يدعيها الروافض ، ويروجون لها ، وهي من عقائدهم الهامة.
فقلت له : من هم هؤلاء ؟ فقال: هم الشيعة الذين يسبون السلف الصالح ، ويتبرءون من الشيخين .
فقلت له : ألا تعتقد أنت بأن فكرة المهدوية وجيهة ومنطقية ؟ فأجاب قائلا وهو يتحرك منصرفا : لا مهدي بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
أغلق الرجل بانصرافه متعجلا باب السؤال والحوار ، كأنما يريد أن يغيب عني الصورة التي حصلت لديّ ويميع القضية من الأساس ، فجدت نفسي مندفعا للنظر في ذلك الخط الذي حذرني منه إمام الجماعة ، فقد يكون ما يحمله عنهم خطأ ، أو هو من الموروث الخاطئ الذي كنت متعلقا به دون شعور بانحرافه ، وبمرور الأيام وتنوع مطالعاتي، بدأت أعتقد بصحة فكرة المهدي المنتظر (عليه السلام) ، رغم التقصير الأشعري (السني) في هذه النقطة.
أحاديث البشارة بخروج رجل من أهل بيت النبوة آخر الزمان ليقيم أسس الدين الإسلامي ، ويحكم بشريعته أمم العالم التي أعيتها الشرائع الباطلة والمحرفة ،وأنهكها الظلم وأهله ، تلك الأحاديث بلغت من الكثرة بحيث عدها المتتبعون لها فكانت أكثر من ثمانين حديثا عند الخط الأشعري وآلاف الروايات عند خط أهل البيت (عليهم السلام) ، وفي كلا الخطين , فإن عددها لا يدل على أنها من الأحاديث الضعيفة بل العكس صحيح.
إذن تطورت فكرة الإمام المهدي عندي ، قبل أن أقرا عنه في كتب الشيعة ، تلك الفرقة التي حاصرها الطغاة والجبابرة والظالمون، على مدى العصور، وعلى مر التاريخ ، وقد عرفني كتاب الشيعة والحاكمون للشيخ محمد جواد مغنية (رضوان الله تعالى عليه) ، بالواقع المأسوي الذي عاشه الشيعة طيلة خمسة عشرة قرنا، وعلى صغر حجم الكتاب ، فإنه قد أدى الفكرة ، وأعطى بصورة مجملة ما كان يرجوه مؤلفه من إبراز لمظالم ، تعرض لها شيعة أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولا يزالون كذلك إلى اليوم في العراق وفي باكستان ، يدفعون ضريبة مولاة الأطهار(عليهم السلام) ، ويتقرب بهم فسقة السلفية والوهابية إلى شياطينهم.
وكان دليلا آخر أعتمده عندي ، ويقينا أزداد لديّ ، من أن الذي لا يراعي حرمة الإنسان ، فضلا عن كونه موحدا ومؤمنا بالنبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لا يصح إعتباره مسلما ولا حتى إنسانا ، بماذا سيبرر هؤلاء القتلة أنفسهم يوم الحساب الأكبر ، أما الحساب الأصغر فهو قريب منهم لا محالة ، ولا أرى تكالبهم على المسلمين الشيعة ، إلا شعورا منهم بالخطر الذي سيداهمهم وعقائدهم الفاسدة ، ويعرضهما للفناء ، خروج ذلك المصلح العظيم ، الذي تبرءوا منه لعلمهم بأنه ليس من خطهم .
لقد جاء الإسلام كشريعة ودين خاتم ، ليشيع الأمل ويبعث الرجاء بين معتنقيه ، من أن هذا الدين سيكون في يوم من الأيام مهيمنا على الدين كله ، فقوله تعالى: ( هُوَ الّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) التوبة /33.
وبما أن الظهور الحقيقي بكل معانيه وأبعاده ، لم يتحقق في عصر الرسالة وما تلاه ، ولم تسعد البشرية كلها تحت ظله، الذي لم يمتد ليعم الأرض بأكملها ، فإن الأمل يحدونا في يوم حقيقي يخرج فيه ذلك المصلح العظيم (عَجّل الله تعالى فَرَجه) ، لينصر الدين الخاتم ، وهو اليوم الذي تنبأ به الوحي ، وذكرته الآيات القرآنية مجملا.
الروايات في أغلبها ذكرت بأن المهدي المنتظر هو من سلالة علي وفاطمة (عليهما السلام) ، فقد أخرج أبو داود في سننه بإسناده عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله لابنته فاطمة (عليها السلام) : (( أبشري يا فاطمة فإن المهدي من ولدك )).
وهو آخر خلفاء الرسول (صلى الله عليه وآله) الإثنى عشر، الذين أخبر عنهم في حديثه ، الذي نقله أصحاب المصنفات الروائية جميعا دون استثناء،
فقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( يكون بعدي اثنا عشر خليفة ))، ثم تكلم بكلمة خفية ثم قال (( كلهم من قريش )).
لكنهم أحجموا عن الإقرار بالحقيقة التي تقول إن هؤلاء هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، بل عن المتأمل في الحديث يلاحظ تحريف واضحا في متنه حيث إدعى الراوي أنه قد خفيت عليه كلمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بعد ذكره لعدد الخلفاء ، وما أرى ذلك إلا تجنبا من الراوي لذكرهم، لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعهد عنه أن كلامه ذو طبقات ترتفع وتخفت في مسألة حساسة كهذه ، وما أمر الله تعالى له بالبلاغ وحرصه على أن يسمع المسلمين وغيرهم إلا دليلين يدحضان خفاء كلامه عن مستمعيه ، وغنما هي السياسة وما اقتضته من بتر وتحرف ، كان لها الأثر السيئ في ضياع عدد من الحقائق والأمثلة كثيرة في هذا المجال.
لذلك لم يكن من السهل على المخالفين لخط الإمامة ، أن يقبلوا بمهدي من ولد علي (عليه السلام) ، طالما أنهم لم يقبلوا إمامة علي نفسه ، وقدموا عليه من لا يساويه في شيء ، وأمروا عليه من كانوا تحت لوائه وإمرته على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو الذي لم يتأمر عليه أحد سوى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
إن العداء المعلن للصفوة الطاهرة (عليهم السلام) ، تحت عناوين ومسميات مختلفة ، قد أنهك الأمة الإسلامية وضيع وحدتها ، وفرق جمعها الذي كان على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولا أعتقد أن هناك فكرة تجمع المسلمين اليوم ، وتدعوهم إلى الوحدة غير فكرة الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ، ذلك المصلح الكبير والأمل الأكبر، الذي من شانه أن يبعث روحا جديدة في جسد الأمة الإسلامية ، والتفافتا حوله كفكرة ، وتوجهنا إلى نهجه الذي هو نهج آبائه الكرام البررة ، الأئمة الأحد عشر الذين مضوا بعد أن قاموا بواجبهم تجاه الدين الإسلامي والأمة الإسلامية ، وبقي دوره (عليه السلام) ليعيد للدين عزته ، وينزله منزلته ، فتقام به دولة العدل الإلهي ، ويتحقق الوعد الذي أطلقه الله تعالى في كتابه بقوله تعالى: ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزّبُورِ مِن بَعْدِ الذّكْرِ أَنّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصّالِحُونَ ) الأنبياء / 105.
حتمية إتمام نور الله تعالى وعلو كلمته ، وظهور دينه على الدين كله ، تؤكد على حتمية القائد الفذ القادر على رفع ذلك التحدي الكبير، وفي كلا الاعتقادين فان الإمام المهدي واحد ، ونهضته واحدة ، ودولته واحدة ، ودينه دين واحد هو دين جده أبا القاسم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وفرضية عدم ولادته لا تدفع القول بولادته ، لأن أغلب الروايات تحدثت عن خروجه باستثناء الروايات الخاصة بأهل البيت (عليهم السلام) التي ذكر عدد منها ولادته (عليه السلام) ، وان أباه هو الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) . وهو تمام عدة أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
من هاتين النقطتين (المهدي ومظلومية أهل البيت وشيعتهم)عرفت الحق ، وسلكت نهج آل محمد (صلى الله عليهم) ، موقنا أن الحق معهم منذ وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لم يغادرهم لحظة إلى غيرهم ، فحمدت الله تعالى على منة الإيمان بولاية أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، وموالاة الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) قبل خروجه ، وأثني عليه مجددا فبرحمته خرجت من ظلمات بعضها فوق بعض ، تاركا أولئك الذين يدعون الحق ولا يملكونه ، بين ركام اختلط فيه السقيم بالسليم ، وسط مجتمعات لا يتبع أغلبهم فيها غير الظن : ( إِن يَتّبِعُونَ إِلّا الظّنّ وَإِنّ الظّنّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقّ شَيْئاً ). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) محمد الرصافي المقداد من دولة تونس , الدين والمذهب السابق : (سني ـ مالكي) في 13 شعبان 1426 .
نقلاً عن موقع مساهمات المستبصرين.
البريد الالكتروني لمرسل المعلومات: chiite1@yahoo.fr