الصوم ـ يا اصدقاءنا ـ هدية إلهية، أتحَفَ اللهُ بها المسلمين.. حتّى جعله واجباً على القادرين. لأهمية هذه الهديّة قال لنا: لابدّ أن تَقبَلوها!
ويعرف قيمةَ هدية الله هذه مَن صام والتزم بمهمّات الصائمين. الصوم في ممارسته شيء من المعاناة.. لكنّه ينتهي بالفرح. فيه اكثر من فرحة، فهو اكثر من هدية واحدة. أرايت كم يفرح أحدُنا إذا قُدِّمت إليه هدية اكبر ممّآ كان يتوقّع ؟
الصوم كذلك أيها الأصدقاء. ومن هنا نفهم الحكمة العظيمة التي نطق بها الإمام الصادق عليه السّلام بقوله: للصائم فرحتان؛ فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربّه. ومن هنا أيضاً كانت بشرى أمير المؤمنين علي عليه السّلام للصائمين، في مثل هذا التعليم الكاشف عن كنوز فريدة، في قوله عليه السّلام: نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، ودعاؤه مستجاب، وعمله مُضاعَف. إنّ للصائم عند إفطاره دعوةً لا تُرَدّ.
والصوم باب إلى كنوز « اليقين ». واليقين هبة نفيسة ما رُزق العبدُ خيراً منها. ها نحن مع حديث المعراج نتعرّف فيه على لمحة من هذه الكنوز: قال صلّى الله عليه وآله: يا ربِّ.. وما ميراثُ الصوم ؟ قال: الصوم يُورث الحكمة، والحكمة تورث المعرفة، والمعرفة تورث اليقين؛ فإذا استيقن العبد.. لا يُبالي كيف أصبح، بِعُسرٍ أم بِيُسر.
* * *
إنّه دورة عظيمة للتدريب، وفرصة قيّمة للتهذيب.. تُحدِث تغييراً شاملاً في الإنسان.. في بدنه، وفي قلبه وعقله ومشاعر نفسه. ينبغي للمرء أن يكون حَذِراً من فوات الفرصة قبل أن تستوعب تجربةُ الصيام كل وجوده، ليفوز من بعدها بهديّة اليقين.
تعلّمنا الصدّيقةُ الكبرى فاطمةُ الزهراء عليها السّلام كيف نتلقّى بجدٍّ هذا الحذر الايجابي المثمر، فتقول بأسلوب رائع: ما يَصنع الصائم بصيامه إذا لم يَصُن لسانَه وسمعَه وبَصَره وجوارحَه ؟!
وعن النبيَّ صلّى الله عليه وآله: يقول الله عزّوجلّ: مَن لم تَصُم جوارحُه عن مَحارمي، فلا حاجةَ لي في أن يَدَع طعامَه وشرابَه من أجلي.
وأخيراً.. نستنير بقول الإمام الصادق عليه السّلام: إذا صُمتَ فلْيَصُم سمعُك وبصرك وشَعرك وجِلدُك ( وعدّد أشياء غيرَ هذا )، وقال: لا يكون يومُ صومك كيوم فِطرِك.