عربي
Tuesday 26th of November 2024
0
نفر 0

العدل الالهي

تمهيد
اتفق المسلمون جميعاً على عدل الله تعالى، وكونه من الصفات الإلهية الجمالية، إلا أنهم اختلفوا في تفسير العدل الإلهي، فمنهم من قال إن العقل البشري السليم يدرك بنفسه حسن الأفعال وقبحها، ويعتبر الفعل الحسن علامة لكمال فاعله، والفعل القبيح علامة لنقصان فاعله.
وحيث إن الله مستجمع بذاته لجميع صفات الكمال، لهذا فإن فعله كامل ومحمود، وذاته المقدسة منزهة عن كل فعل قبيح، فهو تعالى إنما يأمر بالحسن؛ لأنه حسن وينهى عن القبيح؛ لأنه قبيح.
ومنهم من قال إن العقل البشري عاجز عن إدراك الحسن والقبح في الأفعال حتى في صورتها الكلية، وينحصر طريق معرفة حسن الأفعال وقبحها في الوحي الإلهي، فما أمر به الله فهو حسن وما نهى عنه فهو قبيح، وأما الأفعال فليس لها في ذاتها وجه حسن أو قبح، وعلى هذا الأساس فلو أمر الله بإلقاء إنسان بريء في النار، أو إدخال عاص في الجنة كان ذلك عين الحسن والعدل، وأما وصفه تعالى بالعدل فليس إلا لكون هذا الوصف جاء في القرآن الكريم.
ثم إن المقصود من التفسير الأول للعدل الإلهي لا يعني أن العقل يحكم على الله بشيء، أو يقول إنه يجب على الله أن يكون عادلاً، بل كل ما يفعله العقل هنا هو أن يكتشف واقعية الفعل الإلهي، يعني أنه بالنظر إلى كمال الله المطلق، وتنزهه سبحانه عن كل نقص وعيب، يكتشف أن فعله تعالى كذلك في غاية الكمال، وأنه منزه أيضا عن النقص، فهو بالتالي سيعامل عباده بالعدل، ولا يظلم أحداً منهم أبداً.
وبناءً على هذا التفسير فإن ما ذكرته الآيات القرآنية في هذا المجال إنما هو في الحقيقة تأكيد وتأييد لما أدركه الإنسان من طريق العقل، وهذا هو ما اصطلح عليه في علم الكلام الإسلامي بمسألة الحسن والقبح العقليين، ويسمى القائلون بهذه النظرية بالعدلية، ويقف في طليعتهم الشيعة الإمامية الاثنا عشرية.

العدل الإلهي في القران الكريم
قد وصف الذكر الحكيم الله تعالى بالعدل ونزهه عن الظلم بجميع أقسامه في كثير من آيات الذكر الحكيم، وهذه إشارة لبعض هذه الآيات الكريمة:
1ـ قوله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(1)، فهو قائم بالقسط في فعله حاكم بالعدل في خلقه؛ إذ دبر أمر العالم بخلق الأسباب والمسببات وإلقاء الروابط بينها، وجعل الكل راجعاً إليه بالسير والكدح والتكامل(2).
2ـ قوله تعالى: (لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)(3)، أي: لا يأمر ولا ينهى أحداً إلا ما هو له مستطيع، فهذا ناظر إلى عدله تعالى في التشريع والتكليف(4).
3ـ قوله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)(5)، وهذا أيضا ناظر إلى عدله التشريعي، فالغرض من بعث الرسل وتشريع القوانين الإلهية إقامة القسط في المجتمع البشري.
4ـ قوله تعالى: (وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(6).
5ـ قوله تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا)(7).
6ـ قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(8)، وهذه الآية ناظرة إلى عدله تعالى في مقام الحساب والجزاء، والآيات في هذا المجال أكثر من أن تحصى.
7- قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)(9).
8- قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا)(10).
9 - قوله تعالى: (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ)(11).
10 - قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيماً)(12).
11ـ (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(13).

العدل الإلهي في أحاديث النبي  وأهل بيته  
لقد وردت الكثير من النصوص النبوية التي وصفت الباري تعالى بالعدل ونزهته عن الظلم، وقد اشتهر علي  وأولاده  بالعدل، وعنه أخذت المعتزلة، حتى قيل: التوحيد والعدل علويان والتشبيه والجبر أمويان، وإليك بعض ما أثر عن النبي  وأهل بيته  في هذا الباب:
1ـ روى عنه  : «أوصيكم بالعدل والإحسان»(14)، وقال  : «بالعدل قامت السماوات والأرض»(15)، وفي حديث آخر عنه  : «بالعدول قامت السماوات والأرض»(16).
2ـ سئل علي  عن التوحيد والعدل، فقال: «التوحيد أن لا تتوهمه، والعدل أن لا تتهمه»(17)، أي أن لا تتوهم في توصيفه تعالى بالصفات التي يدركها الوهم، ولا تتهمه بقبائح الأفعال.
3ـ روى الصدوق، عن الصادق  أنه قال: «أما التوحيد فإن لا تجوز على ربك ما جاز عليك، وأما العدل فإن لا تنسب إلى خالقك ما لامك عليه»(18).
4ـ وقال علي  : «الذي صدق في ميعاده وارتفع عن ظلم عباده، وقام بالقسط في خلقه، وعدل عليهم في حكمه»(19).
وقد أشير في هذا الكلام الشريف إلى جميع أقسام العدل، فقوله  : «ارتفع عن ظلم عباده» وكذا قوله  : «وعدل عليهم في حكمه» ناظر إلى العدل في مقام التشريع، والجزاء، وقوله  : «وقام بالقسط في خلقه» ناظر إلى العدل في الإيجاد والخلق، فإن الخلق لا يختص بالإنسان، بل يعم غيره.

العدل الإلهي في ميزان العقل
إن العقل - مضافاً إلى الآيات المذكورة - يحكم بوضوح بالعدل الإلهي؛ لأن العدل صفة كمال، والظلم صفة نقص، والعقل يحكم بأن الله تعالى مستجمع لجميع صفات الكمال، منزه عن كل عيب ونقص في مقام الذات والفعل.
والظلم أساساً نابع إما من جهل الفاعل بقبح الظلم، وإما من احتياج الفاعل للظلم إلى الظلم مع علمه بقبحه أو عجزه عن القيام بالعدل، وإما من كون فاعل الظلم سفيهاً غير حكيم، فهو لا يبالي بإتيان الأفعال الظالمة رغم علمه بقبحها ورغم قدرته على القيام بالعدل.
ومن البديهي أنه لا سبيل لأي واحد من هذه العوامل إلى الذات الإلهية المقدسة، فهو تعالى منزه عن الجهل، والعجز، وعن الاحتياج والسفه، ولهذا فإن جميع أفعاله تتسم بالعدل والحكمة.
ولقد أشار الشيخ الصدوق إلى هذا إذ قال:
«والدليل على أنه لا يقع منه عز وجل الظلم ولا يفعله، أنه قد ثبت أنه تبارك وتعالى قديم، غني، عالم، لا يجهل، والظلم لا يقع إلا من جاهل بقبحه أو محتاج إلى فعله منتفع به»(20).
كما أشار إليه المحقق نصير الدين الطوسي بقوله: «واستغناؤه وعلمه يدلان على انتفاء القبح عن أفعاله تعالى»(21).

علاقة العدل الإلهي بمسألة الحسن والقبح العقليين
إن من ثمرات التحسين والتقبيح العقليين إثبات عدله تعالى في أفعاله وأحكامه؛ إذ أن مقتضاهما هو أن العقل بما هو، يدرك أن هذا الفعل بما هو هو من دون اختصاص ظرف من الظروف أو قيد من القيود حسن أو قبيح، والمأخوذ في موضوع هذا الحكم العقلي ليس إلا الفاعل العاقل المختار، من غير فرق بين الواجب والممكن.
وعلى ذلك فالله سبحانه عادل ومنزه من الظلم؛ لأن القيام بالعدل حسن وتركه كارتكاب الظلم قبيح، والله سبحانه حكيم لا يرتكب القبيح كما هو مقتضى القول بالتحسين والتقبيح العقليين.
وحتى تتضح هذه المسألة بشكل أكثر لابد من التعرض لنقطتين أساسيتين:
الأولى: إن العقل له القابلية على تمييز الحسن عن القبح، وأن التحسين والتقبيح من الأمور المنوطة بقضاء العقل.
الثانية: إذا تبين أن العدل حسن والظلم قبيح فالله سبحانه موصوف بالعدل؛ لأنه حسن، نزيه عن فعل الظلم؛ لأنه قبيح، وسنتعرض لكلا النقطتين بالبحث على ما يقتضيه المقام:

النقطة الأولى: قابلية العقل على تمييز الحسن عن القبح:
يدل على هذه الدعوى أمور:

الأول: التحسين والتقبيح من الأمور البديهية
إن التحسين والتقبيح من الأمور البديهية التي يدركها كل إنسان سليم الفطرة، فمثلاً يدرك أن العمل بالميثاق حسن، والتخلف عنه قبيح، أو أن جزاء الإحسان بالإحسان جميل، وجزاءه بالسيئ قبيح، وهكذا الحال في سائر الأفعال التي توصف بالحسن والقبح.
وموضوع قضاء العقل بالحسن والقبح هو نفس الفعل بما هو هو، سواء أكان الفاعل واجباً أم ممكناً، خالقاً أم مخلوقاً، فيوصف الفعل من أي فاعل صدر بأحد الوصفين.

الثاني: إنكار إدراك العقل يلازم النفي مطلقاً
لقد أنكرت الأشاعرة قابلية إدراك العقل حسن الأفعال وقبحها، وذهبوا إلى أن القضاء بالتحسين والتقبيح بيد الشرع، فكل ما أخبر بحسنه فهو حسن، وما أخبر بقبحه فهو قبيح، ولكنهم غفلوا عن أنهم بإنكارهم قابلية العقل لإدراك الحسن والقبح، أثبتوا عدم ثبوت الحسن والقبح مطلقاً حتى مع تصريح الشرع؛ وذلك لأنه إذا كان تمييز الحسن عن القبيح بيد الشرع دون العقل فإذا أخبر النبي  بحسن شئ وقبحه، فمن أين نعلم أنه يصدق في أخباره ولا يكذب، والمفروض أن العقل عاجز عن درك حسن الأول وقبح الثاني؟ فلا يصح إثبات حسن شئ أو قبحه من خلال تصريح الشارع، إلا أن يثبت قبلاً أن الصدق حسن والكذب قبيح، ويثبت أنه سبحانه نزيه عن فعل القبيح، ولولا هذان الأمران لذهب الإخبار بحسن الشئ أو قبحه سدى.

الثالث: لولا التحسين العقلي لما ثبتت شريعة
لو لم نقل بالتحسين والتقبيح العقليين يلزم عدم ثبوت شريعة من الشرائع السماوية، حتى تثبت بها شريعة تحكم بحسن شئ أو قبحه؛ وذلك لأن القائل بالتحسين والتقبيح العقليين، يعتقد بإن حكمته سبحانه تصده عن تزويد الكاذب بالمعجزة، فلو ادعى رجل النبوة من الله وأتى بمعجزة عجز الناس عن مباراته، فهي دليل على صدقه في دعوته. وأما إذا أنكرنا قدرة العقل واستطاعته على درك الحسن والقبح، لكان باب احتمال تزويد الكاذب بالمعجزة مفتوحاً على مصراعيه، وليس هنا دليل يرد هذا الاحتمال فلا يحصل يقين بصدق دعواه.

النقطة الثانية: الله سبحانه منزه عن فعل الظلم
بعدما تبين أن العدل حسن، والظلم قبيح، فالله سبحانه موصوف بالعدل ومنزه عن الظلم، وذلك مضافاً إلى أنه سبحانه حكيم، والحكيم يعدل ولا يجور؛ لأن الجور رهن أحد أمرين، إما الجهل بقبح العمل، أو الحاجة إليه، والمفروض انتفاء كلا المبدأين عنه سبحانه.
وربما يقال إن كون الشيء حسناً أو قبيحاً عند الإنسان لا يلازم كونه كذلك عند الله، فكيف يمكن استكشاف أنه سبحانه لا يفعل القبيح؟
والجواب عنه واضح؛ لأن المدرك للعقل هو حسن الفعل على وجه الإطلاق، أو قبحه كذلك، من دون أن تكون للفاعل مدخلية فيه سوى كونه فاعلاً مختاراً، وأما كونه واجباً أو ممكناً فليس بمؤثر في قضاء العقل، وعلى ذلك فإذا ثبت كون الشئ جميلاً أو قبيحاً فهو عند الجميع كذلك.

شمولية عدله سبحانه
من الأمور التي اتفق عليها المسلمون ولم يختلف فيها احد منهم هي شمولية عدله تعالى، ويكفي لإثبات ذلك التأمل في بعض آيات الذكر الحكيم، كقوله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(22)؛ إذ يظهر من هذه الآية الكريمة أن عدله تعالى يعم جميع شؤونه، حيث يقول: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ)، فقوله:«قَآئِمَاً» حال من لفظ الجلالة، في قوله: « شَهِدَ اللَّهُ» أو الضمير المنفصل، أعني:«هُوَ».
والمتبادر منه أنه سبحانه يجري العدل في عامة شؤونه في خلقه وتشريعه، فهو عادل ذاتاً وفعلاً.
وتشهد على ذلك مضافاً إلى شهادته سبحانه به، شهادة الملائكة وأولي العلم، فكأن الآية تنحل إلى الجمل التالية:
1 - « شهد الله أنه لا إله إلا هو قائماً بالقسط».
2 - « شهدت الملائكة أنه لا إله إلا هو قائماً بالقسط».
3 - « شهد أولو العلم أنه لا إله إلا هو قائماً بالقسط».
فالآية تدل على شهادته سبحانه على أمرين: الأول: لا إله إلا هو، لا نظير له. الثاني: إنه قائم بالقسط.

الشهادة التكوينية على العدل الإلهي
إن الشهادتين اللتين تقدمتا في الآية السابقة ليستا من مقولة الشهادة اللفظية، وإنما هي من مقولة الشهادة التكوينية، ففعله سبحانه في عالم الخلقة يدل على أمرين:
الأول: لا خالق ولا مدبر إلا هو، فإن إتقان النظام، وسيادته على جميع الكائنات من الذرة إلى المجرة، لأوضح دليل على أن الخالق والمدبر واحد، وإلا لانفصمت عرى الانسجام والاتصال بين أجزاء الكون، وقد أوضحنا في محله أن تعدد العلة واختلاف السببين يستلزم اختلافاً في المسبب، فلا يمكن أن يكون النظام الواحد معلولاً لفاعلين مدبرين مختلفين في الحقيقة.
الثاني: يشهد فعله سبحانه في عالم التكوين والتشريع أنه سبحانه عادل وقائم بالعدل. وأفضل كلمة قيلت في تعريف العدل هي ما روي عن علي  ، حيث قال: «العدل يضع الأمور مواضعه»(23).
بيان ذلك: إن لكل شيء وضعاً خاصاً يقتضيه إما بحكم العقل، أو بحكم الشرع والمصالح الكلية في نظام الكون، فالعدل هو رعاية ذلك الوضع وعدم الانحراف إلى جانب الإفراط والتفريط.
نعم موضع كل شيء بحسبه، ففي التكوين بوجه، وفي المجتمع البشري بوجه آخر، وهكذا.
وقد ذهب بعض العلماء إلى تخصيص الشهادة بالتوحيد، حيث قال:
« إن قوله تعالى: (قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ) حال من فاعل قوله: (شَهِدَ اللَّهُ) والعامل فيه: شهد.
وبعبارة أخرى: قيامه بالقسط ليس بمشهود له، لا له تعالى ولا للملائكة وأولي العلم، بل الله سبحانه حال كونه قائماً بالقسط يشهد أن لا إله إلا هو، والملائكة وأولوا العلم يشهدون بالوحدانية كما هو ظاهر الآية، حيث فرقت بين قوله: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ)، وقوله: (قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ)، بتوسيط قوله: (وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ)، ولو كان القيام بالقسط من أجزاء الشهادة لكان حق الكلام أن يقال: إنه لا إله إلا هو قائماً بالقسط والملائكة»(24).

أنحاء العدل الإلهي:
إن للعدل الإلهي في مجالات التكوين والتشريع والجزاء، مظاهر مختلفة، هي:

1- العدل التكويني:
لقد أعطى الله تعالى لكل مخلوق خلقه، ما هو لائق به، ولازم له، ولم تغب عنه القابليات عند الإفاضة والإيجاد أبداً، قال تعالى: (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)(25).

2- العدل التشريعي:
لقد هدى الله الإنسان الذي يمتلك قابلية الرشد والتكامل، واكتساب الكمالات المعنوية، بإرسال الأنبياء، وتشريع القوانين الدينية له.
كما أنه لم يكلف الإنسان بما هو فوق طاقته، ووسعه، كما يقول عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(26).
وحيث إن العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى توجب كمال الإنسان، وإن الفحشاء والمنكر والبغي توجب سقوط هذا الكمال، فعليه أمر سبحانه بالأعمال الثلاثة الأولى، ونهى عن الأفعال الأخيرة.
ويقول تعالى عن ملائمة التكاليف الإلهية لاستطاعة الإنسان وقدرته وعدم كونها خارجة عن حدود هذه الاستطاعة أيضا: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)(27).

3- العدل في الجزاء:
إن الله لا ينظر إلى المؤمن والكافر، والمحسن والمسيء، من حيث الجزاء نظرة سواء قط، بل يجازي كلاً طبقاً لاستحقاقه ووفقاً لعمله، فيثيب المحسن، ويعاقب المسيء.
وعلى هذا الأساس لا يعاقب من لم تبلغه تكاليفه عن طريق الأنبياء والرسل، ولم تتم عليه الحجة كما يقول عز وجل: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(28)، ويقول أيضا: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا)(29).

العدل الإلهي وحرية الإرادة الإنسانية
البحث عن حرية الإرادة، وأن الإنسان هل هو فاعل مجبور أو فاعل مختار؟ من المسائل الفلسفية التي تمتد جذورها في تاريخ الفكر الإنساني، ومنذ ذلك الحين اتجهت أنظار كافة الناس صوبها؛ لأنها تمس جانباً من حياتهم العملية، وبذلك أصبحت دراسة تلك المسألة لا تقتصر على الحكماء فحسب، بل شملت أكثر الناس.
إن الرؤية القرآنية تتلخص في أن الإنسان حر فيما شاء وأراد، وهي تشطب بقلم عريض على مزعمة المشركين بتعلق مشيئة الله سبحانه بعبادتهم الأوثان؛ ولذلك صاروا مجبورين على الشرك، يقول سبحانه في رد تلك المزعمة: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ)(30).
فهذه الآية تعكس لنا بوضوح جانباً من عقيدة المشركين في عصر الرسالة وأنهم كانوا يؤمنون بالجبر، وإن كل ما يصدر منهم فهو خاضع لإرادته سبحانه إرادة سالبة للاختيار. ويقول سبحانه في موضع آخر مبينا تلك العقيدة الفاسدة: (وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)(31).
فإن الفقرة الأولى من الآية تعكس عقيدة المشركين وأنه لولا أمره ومشيئته لما كنا مشركين، لكن الفقرة الثانية ترد عليها ببيان أن الشرك ظلم وقبيح، والله لا يأمر بهما، وبالتالي لا تتعلق مشيئته بهما.
والعجب أن تلك العقيدة السخيفة لم تجتث، بل بقيت عالقة في أذهان عدة من الصحابة حتى بعد بزوغ نجم الإسلام، فقد روى السيوطي عن عبد الله بن عمر: «إنه جاء رجل إلى أبي بكر، فقال: أرأيت الزنا بقدر؟ قال: نعم. قال: فإن الله قدره علي ثم يعذبني؟! قال: نعم، يا بن اللخناء، أما والله لو كان عندي إنسان أمرته أن يجأ أنفك»(32).
وليس الخليفة الأول وحده ممن كان يحتج بالقدر السالب للاختيار، بل كان غيره على هذه الفكرة. روى الواقدي عن أم الحارث الأنصارية، وهي تحدث عن فرار المسلمين يوم حنين، قالت: «مرّ بي عمر بن الخطاب منهزما، فقلت: ما هذا؟ فقال عمر: أمر الله»(33).
نرى أن عمر يلجأ إلى أمر الله وقضائه، وأن الهزيمة كانت أمراً قطعياً؛ لأنه سبحانه شاءها وأرادها، دون أن ينظر إلى سائر الأسباب التي حدت بهم إلى تلك الهزيمة.
لقد اتخذ الأمويون مسألة القدر أداة تبريرية لأعمالهم السيئة وكانوا ينسبون وضعهم بما فيه من شتى ضروب العبث والفساد إلى القدر، قال أبو هلال العسكري: «إن معاوية أول من زعم أن الله يريد أفعال العباد كله»(34).
ولأجل ذلك لما سألت أم المؤمنين عائشة، معاوية عن سبب تنصيب ولده يزيد خليفة على رقاب المسلمين فأجابها: «إن أمر يزيد قضاء من القضاء وليس للعباد الخيرة من أمرهم»(35).
وبهذا الجواب أيضا أجاب معاوية عبد الله بن عمر، عندما استفسر من معاوية عن تنصيبه يزيد، بقوله: «إني أحذرك أن تشق عصا المسلمين وتسعى في تفريق ملئهم، وأن تسفك دماءهم وإن أمر يزيد قد كان قضاء من القضاء وليس للعباد خيرة من أمره»(36).
وقد تسربت فكرة الجبر إلى أكثر الأوساط الإسلامية خصوصا بين الشعراء وأصحاب الملاحم، حيث راحوا يفسرون الوضع المزري الذي يعاني منه المسلمون بالقضاء والقدر. وسيوافيك أنه لا صلة للقضاء والقدر بسلب الاختيار عن الإنسان.

حرية الإرادة في القرآن الكريم
إن الآيات القرآنية تصرح باختيارية الإنسان وأنه فاعل مختار مسؤول عن عمله، وهذه بعض آيات الذكر الحكيم التي أشارة لهذه المسألة:
1ـ قوله سبحانه: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)(37)، فالشاكر يسلك السبيل الذي أراده الله سبحانه له، فيصل إلى الهدف المنشود، بخلاف الكفور، فيسلك غير هذا السبيل.
2ـ قوله سبحانه: (قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ)(38).
ترى أن الآية تنسب الضلالة إلى نفس الإنسان، والهداية إلى وحيه سبحانه إليه، مع أن الهداية والضلالة كلها من الله سبحانه، وما هذا إلا لأنه سبحانه قد هيأ كافة وسائل الهداية للإنسان منذ أن خلق إلى أن يدرج في أكفانه، وهي عبارة عن تزويده بفطرة التوحيد وتعزيزها ببعث الأنبياء والمرسلين، والعقل السليم، إلى غير ذلك من أدوات الهداية، فمن انتفع بها فقد اهتدى، فصح أن يقال: إن الهداية من الله؛ لأنه زود الإنسان بوسائلها، ومن لم ينتفع بها فقد ضل، فصح أن يقال: إن ضللت فإنما أضل على نفسي. وبهذا المضمون قوله سبحانه: (مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا)(39).
3ـ قوله سبحانه: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ)(40).
ولا تجد في القرآن الكريم آية أكثر نصاعة في حرية الإنسان من هذه الآية، وقد صب شهيدنا الثاني (909 - 966 ه‍) مضمون هذه الآية ضمن بيتين، حيث قال:

لقد جاء فـي القرآن آية حكمة     ***     تدمر آيات الضلال ومن يجبر

وتخبر أن الاختيار بأيدينا فمن     ***     شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر

4ـ قوله سبحانه: (قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ)(41).
5ـ قوله سبحانه: (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)(42).
6ـ قوله سبحانه: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)(43).
7ـ قوله سبحانه: (إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)(44).
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الإنسان فاعل مسؤول عن أعماله، حر في إرادته، مختار فيما يكتسب. وعلى ضوء هذا فمن حاول أن ينسب الجبر إلى القرآن فقد خبط خبط عشواء.
إن بعث الأنبياء ودعوة الناس إلى طريق الرشاد، ونهيهم عن ارتكاب القبائح أوضح دليل على أن الإنسان موجود قابل للإصلاح والتربية، إذ لو كان مجبوراً على فعل المعاصي، لكان بعث الأنبياء ودعوتهم أمراً سدى.
نعم الدعوة إلى حرية الإنسان وكونه فاعلاً مختاراً لا تعني أبداً انقطاع صلة الإنسان بالله سبحانه وإرادته؛ لأن تلك الفكرة كفكرة الجبر باطلة تورد الإنسان في مهاوي الشرك والثنوية التي ليست بأقل ضرر من القول بالجبر.
فالتفويض بمعنى استقلال الإنسان في فعله وإرادته وكل ما يكتسب وخروجه عن سلطة الله سبحانه، تفويض باطل كالقول بأنه فاعل مجبور. لا جبر ولا تفويض: وقد أكد أئمة أهل البيت  على وهن تلك الفكرتين، قال الإمام الصادق  : «إن الله أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقون، والله أعز من أن يكون في سلطانه ما لا يريد»(45).
وفي حديث آخر عن الإمام الصادق  فسر حرية الإنسان بهذا النحو: «وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا، وترك ما نهوا عنه»(46).
نعم التركيز على بطلان الجبر أكثر في الروايات من التصريح ببطلان التفويض، قال الإمام الصادق  : «الله أعدل من أن يجبر عبداً على فعل ثم يعذبه عليه»(47).
وسأل الحسن بن علي الوشاء الإمام الرضا  : «هل الله أجبر العباد على المعاصي؟ فقال  : الله أعدل وأحكم من ذلك»(48).
نعم موضوع الاختيار عبارة عن الأفعال التي يقوم بها الإنسان، وأما الأمور الخارجة عن حيطة الثواب والعقاب التي ربما يبتلى بها الإنسان من حيث لم يشأ كالبلايا والمصائب والزلازل والسيول المخربة والأعاصير، إلى غير ذلك فهي خارجة عن اختيار الإنسان، فليس هو بالنسبة إليها لا فاعلاً جبرياً ولا فاعلاً بالاختيار. هذه هي نظرة القرآن الكريم في أفعال الإنسان، غير أن هناك شبهات تذرعت بها بعض الفرق الإسلامية وحاولوا بذلك سلب الاختيار عنه ظناً منهم أنهم بذلك يحسنون صنعا.

العدل الإلهي وعلمه تعالى السابق بأفعال العباد
قد وقع تعلق علمه سبحانه بكل ما وقع ويقع، ذريعة للقول بالجبر، وبالتالي لنفي عدله سبحانه، وخلاصة بيان هذه الشبهة:
إن ما علم الله سبحانه تحققه من أفعال العباد، فهو واجب الصدور، وما علم عدمه فهو ممتنع الصدور منه، وإلا انقلب علمه جهلاً، وليس فعل العبد خارجاً عن كلا القسمين، فهو إما ضروري الوجود، أو ضروري العدم، ومعه لا مفهوم للاختيار، إذ هو عبارة عما يجوز فعله أو تركه، مع أن الأول لا يجوز تركه، والثاني لا يجوز فعله.
وقد وقع هذا الدليل عند الرازي موقع القبول، وقال: «لو اجتمع جملة العقلاء لم يقدروا على أن يوردوا على هذا الوجه حرفاً إلا بالتزام مذهب هشام: وهو أنه تعالى لا يعلم الأشياء قبل وقوعه»(49).
إن هذه الشبهة لا تختص بعلمه سبحانه، بل تسري أيضا في مجال إرادته، فإن ما في الكون غير خارج عن إرادته، وعند ذلك تتوجه الشبهة التي قررها الشريف الجرجاني بالنحو التالي: «قالوا: ما أراد الله وجوده من أفعال العباد وقع قطعاً، وما أراد عدمه منها، لم يقع قطعا، فلا قدرة للإنسان على شئ منهم»(50).
وهذه مبالغة من الرازي في شأن هذه الشبهة، فلو تأمل فيما حققه الأعلام حول كيفية تعلق علمه وإرادته سبحانه بمعلومه ومراده لتجلت له الحقيقة ناصعة.

وحاصل ما حققه الفطاحل من أعلام الفلسفة والكلام، هو ما يلي:
إن علمه الأزلي لم يتعلق بصدور كل فعل عن فاعله على وجه الإطلاق، بل تعلق علمه بصدور كل فعل عن فاعله حسب الخصوصيات الموجودة فيه. وعلى ضوء ذلك تعلق علمه الأزلي بصدور الحرارة من النار على وجه الجبر، بلا شعور، كما تعلق علمه الأزلي بصدور الرعشة من المرتعش، عالما بلا اختيار، ولكن تعلق علمه سبحانه بصدور فعل الإنسان الاختياري منه بقيد الاختيار والحرية.
وبالتالي: تعلق علمه بوجود الإنسان وكونه فاعلاً مختاراً، وصدور فعله عنه اختياراً - فمثل هذا العلم - يؤكد الاختيار ويدفع الجبر عن ساحة الإنسان. وإن شئت قلت: إن العلة إذا كانت عالمة شاعرة، ومريدة ومختارة كالإنسان، فقد تعلق علمه بصدور أفعالها منها بتلك الخصوصيات وانصباغ فعلها بصبغة الاختيار والحرية، فلو صدر فعل الإنسان منه بهذه الكيفية لكان علمه سبحانه مطابقاً للواقع غير متخلف عنه، وأما لو صدر فعله عنه في هذا المجال عن جبر واضطرار بلا علم وشعور أو بلا اختيار وإرادة، فعند ذلك يتخلف علمه عن الواقع. يقول العلامة الطباطبائي:
«إن العلم الأزلي متعلق بكل شئ على ما هو عليه، فهو متعلق بالأفعال الاختيارية بما هي اختيارية، فيستحيل أن تنقلب غير اختيارية. وبعبارة أخرى: المقضي هو أن يصدر الفعل عن الفاعل الفلاني اختياراً، فلو انقلب الفعل من جهة تعلق القضاء به، غير اختياري ناقض القضاء نفسه» (51).
ومن خلال البيان المتقدم في كيفية تعلق علمه سبحانه بالأشياء والأفعال (وأنه لا يستلزم الجبر وبالتالي لا يستلزم خلاف عدله بذلك) يتضح لك كيفية تعلق إرادته سبحانه بالأشياء والأفعال، وأن القول بسعة إرادته لا تستلزم الجبر شريطة أن يتأمل في متعلق إرادته، وبيانه:
إن إرادته لم تتعلق بصدور فعل الإنسان منه سبحانه مباشرة وبلا واسطة، بل تعلقت بصدور كل فعل من علته بالخصوصيات التي اكتنفتها. مثلاً تعلقت إرادته سبحانه على أن تكون النار مبدأ للحرارة بلا شعور وإرادة، كما تعلقت إرادته على صدور الرعشة من المرتعش مع العلم ولكن لا بإرادة واختيار، وهكذا تعلقت إرادته في مجال الأفعال الاختيارية للإنسان على صدورها منه مع الخصوصيات الموجودة فيه، المكتنفة به من العلم والاختيار وسائر الأمور النفسانية.

العدل الإلهي وإرادته تعالى لأفعال العباد
وصفحة الوجود الإمكاني زاخرة بالأسباب والمسببات المنتهية إليه سبحانه، فمثل هذه الإرادة المتعلقة على صدور فعل الإنسان بقدرته المحدثة واختياره الفطري، تؤكد الاختيار ولا تسلبه منه. ومع ذلك كله ليس فعل الإنسان فعلاً خارجاً عن نطاق قدرته سبحانه غير مربوط به، كيف وهو بحوله وقوته يقوم ويقعد ويتحرك ويسكن، ففعل الإنسان مع كونه فعله بالحقيقة دون المجاز، فعل الله أيضا بالحقيقة فكل حول يفعل به الإنسان فهو حوله، وكل قوة يعمل بها فهي قوته.

الإرادة الإلهية في القرآن والسنة
قد اتضح من خلال ما تقدم أن تعلق إرادته سبحانه بالأفعال والأشياء لا تستلزم الجبر وكون الإنسان مجبوراً في أعماله، ولعل التأمل في آيات الذكر الحكيم يبين هذه الحقيقة بشكل واضح، فأما سعة إرادته سبحانه للأشياء والأفعال وعدم خروج فعل الإنسان عن حيطة علمه وإرادته فهذا مما يثبته القرآن الكريم بوضوح، فمن حاول أن يخرج فعل الإنسان من حيطة إرادته فقد خالف البرهان أولاً، وخالف نص القرآن ثانياً.
إذ كيف يمكن أن يقع في سلطانه ما لا يريد؟ ولذلك يقول سبحانه: إن الإنسان لا يشأ شيئا إلا ما شاء الله، وأن إيمان كل نفس بإذنه ومشيئته، وإن كل فعل خطير وحقير لا يتحقق إلا بإذنه، يقول سبحانه: (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(52)، (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ)(53)، (مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ)(54).
وهذه الآيات الناصعة صريحة في عدم خروج فعل الإنسان عن مجاري إرادته سبحانه، وقد أكدت ما نزل به الوحي، الروايات المروية عن النبي  وأئمة أهل البيت . وبما أن خروج فعل الإنسان عن حيطة إرادته ومشيئته يستلزم تحديد إرادته، يقول النبي  في رد تلك المزعمة: «من زعم أن الخير والشر بغير مشيئة الله فقد أخرج الله من سلطانه»(55).
وبما أن خروج أفعال الإنسان عن حيطة إرادته يستلزم تحديداً في سلطانه، يقول الإمام الصادق  : «والله أعز من أن يكون في سلطانه ما لا يريد»(56).
وقد ورد في الحديث القدسي قوله: «يا بن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد»(57).
يقول الإمام الباقر  : «لا يكون شئ في الأرض ولا في السماء إلا بهذه الخصال السبع: بمشية، وإرادة، وقدر، وقضاء، وإذن، وكتاب، وأجل، فمن زعم أنه يقدر على نقض واحدة منهن فقد كفر»(58).
لا يليق لموحد أن يشك في سعة إرادته وتعلقه بكل ما كان وما هو كائن وما يكون إلا أن اللازم هو إمعان النظر في متعلقها، فهل تعلق بأصل صدور الفعل عن الإنسان، أو تعلق بصدوره عنه بقيد الاختيار، والأول لا يفارق الجبر، والثاني نفس الاختيار والعدل، وقد علمت أن إرادته كما تتعلق بأصل صدوره، فهكذا تتعلق بكيفية صدوره من الاختيار، وعند ذلك لا تكون سعة إرادته ذريعة لتوهم الجبر وخلاف العدل.
وقد اتضح من خلال ما تقدم سعة إرادته وتعلقها بكل شئ، لكن هناك آيات ربما توحي إلى خروج أفعال العباد عن دائرة إرادته، وهي:
1 – قوله تعالى: (وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ)(59)، فالظلم الصادر من العباد فعل من أفعالهم، خارج عن حيطة إرادته.
2 - قوله تعالى: (وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ...)(60)، فالكفر من أفعال العباد، فهو ليس مرضيا لله سبحانه.
3 - قوله تعالى: (وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)(61).
لكن إيضاح مفاد الآية الأولى يتوقف على التدبر في الفقرات التي تسبقها، وهي:
(وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ)(62).
إن الإمعان في الآية يكشف على أن المراد من الظلم هو الهلاك والإبادة، ومعنى الآية أنه سبحانه لا يريد إهلاك عباده وإبادتهم، فإن هلكوا وأبيدوا فإنما هو لأجل ما اقترفوه من الذنوب، وعلى هذا فالظلم المنفي هو الإبادة والإهلاك بلا سبب الاستحقاق.
وأين هذا من خروج أفعال العباد على وجه الإطلاق من حيطة إرادته؟ ! وأما الآية الثانية والثالثة فلا صلة لها بالإرادة التكوينية، وإنما تهدف إلى عدم أمره تشريعا بالكفر والفساد، فوزان هاتين الآيتين وزان قوله سبحانه: (قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)(63).
وقوله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(64).
وعلى ذلك فما يصدر من العباد من الكفر والفساد فإنما يصدر بحوله سبحانه وقوته وإرادته ومشيئته، لا بمعنى تعلق مشيئته بكفر العباد وفسادهم في الأرض، مباشرة، بل بكفرهم وفسادهم إذا قاموا بها عن اختيار، ومع ذلك فهو في تشريعه ينهى عباده عن الكفر والفساد.
روى فضيل بن يسار، قال: «سمعت أبا عبد الله  يقول: شاء وأراد ولم يحب ولم يرض، شاء أن لا يكون شئ إلا بعلمه وأراد مثل ذلك، ولم يحب أن يقال له: ثالث ثلاثة ولم يرض لعباده الكفر»(65).
ويظهر ذلك مما نقله أبو بصير عن الإمام الصادق  ، قال: «قلت لأبي عبد الله  : شاء لهم الكفر وأراده؟ فقال  : نعم. قلت: فأحب ذلك ورضيه؟ فقال  : لا. قلت: شاء وأراد، ما لم يحب وما لم يرض، قال (عليه السلام): هكذا خرج إلين»(66).

علاقة العدل الإلهي بالقضاء والقدر
القضاء والقدر التكوينيان
القدر في اللغة يعني المقدار، والقضاء يعني الحتم والجزم، وفي بعض الكلمات المروية عن الإمام الرضا  إشارة لهذا المعنى، حيث يقول  في تفسيره للقدر والقضاء: «القدر هي الهندسة، ووضع الحدود من البقاء، والفناء، والقضاء هو الإبرام، وإقامة العين»(67).
وأما في المصطلح الديني فإن القدر هو كون وجود كل مخلوق من المخلوقات بحكم كونه من الموجودات الممكنة - أي موصوفا بصفة الإمكان - له حداً معيناً، ومقداراً خاصاً، فمثلاً لوجود الجماد حد خاص، ومقدار معين، ولوجود النبات والحيوان مقدار وحد آخر.
وحيث إن الوجود المقدر لكل شئ هو بدوره مخلوق لله تعالى، لذا فإن من الطبيعي أن يكون التقدير والتحديد نفسه تقديراً إلهياً.
وكما أن هذا التقدير من جهة كونه فعل الله يسمى التقدير الفعلي، فإنه من جهة كون الله يعلم به قبل خلقه يسمى التقدير العلمي.
وفي الحقيقة إن الاعتقاد بالقدر، اعتقاد بخالقية الله بلحاظ خصوصيات الأشياء، وحيث إن هذا التقدير الفعلي مستند إلى علم الله الأزلي، لهذا فإن الاعتقاد بالقدر العلمي يكون في حقيقته اعتقاداً بعلم الله الأزلي، هذا كله بالنسبة للقدر في المصطلح الديني.
وأما القضاء فإنه استعمل في المصطلح الديني بنفس معناه اللغوي تقريباً، أي الحتم والجزم بوجود الشيء، ومن المسلم أن حتمية وجود أي شيء وتحققه على أساس العلية والمعلولية رهن تحقق علته التامة، وحيث إن سلسلة العلل والمعلولات (وبالأحرى النظام العلي) تنتهي إلى الله تعالى، لهذا فإن حتمية تحقق أي شيء يستند - في الحقيقة - إلى قدرة الله ومشيئته سبحانه.
وهذا هو قضاء الله في مقام الفعل والخلق، وعلم الله الأزلي في مجال هذه الحتمية يكون قضاء الله الذاتي.

القضاء والقدر التشريعيان
يرتبط ما تقدم من كلامٍ بقضاء الله وقدره التكوينيين، فعلياً كان أم ذاتياً، وقد يكون القضاء والقدر مرتبطين بعالم التشريع ومجاله، بمعنى أن أصل التشريع، والتكليف الإلهي يكون قضاء الله، وكذا تكون كيفيته وخصوصيته كالوجوب، والحرمة، وغير ذلك تقديراً تشريعياً لله تعالى، وقد أشار الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  في جواب من سأل عن حقيقة القضاء إلى هذه المرحلة من القضاء والقدر، حيث قال:
«الأمر بالطاعة، والنهي عن المعصية، والتمكين من فعل الحسنة، وترك المعصية، والمعونة على القربة إليه، والخذلان لمن عصاه، والوعد والوعيد، والترغيب والترهيب كل ذلك قضاء الله في أفعالنا وقدره لأعمالن»(68).
ولعل اقتصاره  - في الإجابة على سؤال السائل - على شرح القضاء والقدر التشريعيين، كان رعاية لحال السائل، أو الحاضرين في ذلك المجلس؛ لأنه كان يستنبط من القضاء والقدر التكوينيين وشمولهما لأفعال الإنسان في ذلك اليوم الجبر وسلب الاختيار، ولهذا ختم الإمام  كلامه المذكور بقوله: «أما غير ذلك فلا تظنه فإن الظن له محبط للأعمال»(69).
والمقصود هو أن قيمة الأعمال تنبع من كون الإنسان مختارا يأتي بأفعاله باختيار وإرادة منه، ومع فرض الجبر لا تبقى للأفعال أية قيمة.
والحاصل: إن القضاء والقدر قد يكونان في مجال التكوين، وقد يكونان في مجال التشريع، ولكل من القسمين مرحلتان: الذاتي (العلمي) والفعلي.

العدل الإلهي والعقوبة الأخروية
لقد وقعت العقوبات الأخروية ذريعة لإنكار عدله، حيث يقولون ما هو الغرض من العقوبة، فهل هو التشفي الذي جاء في قوله سبحانه: (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا)(70) والله سبحانه منزه من هذا الغرض لاستلزامه طروء الانفعال على ذاته.
أو الغرض من العقوبة الأخروية هو اعتبار الآخرين، الذي يشير إليه سبحانه في قوله: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)(71).
ومن المعلوم أن تلك الغاية تختص بالدنيا التي هي دار التكليف ولا توجد في دار الجزاء، أعني: الآخرة.
والجواب: إن السؤال عن الغاية وإنها هل هي التشفي أو اعتبار غيره، إنما يتوجه إلى العقوبات المفروضة عن طريق التقنين والتشريع، فالتعذيب في ذلك المجال رهن إحدى الغايتين: التشفي أو الاعتبار.
وأما إذا كانت العقوبة أثراً وضعياً للعمل فيسقط السؤال؛ لأن هناك ضرورة وجودية بين وجود المجرم والعقوبة التي تلابس وجوده في الحياة الأخروية، فعند ذلك لا يصح السؤال عن حكمة التعذيب، وإنما هي تتوجه إلى التعذيب الذي يمكن التفكيك بينه وبين المجرم كالعقوبات الوضعية.
وأما إذا كانت العقوبة من لوازم وجود الإنسان الأخروي، فالسؤال عن التعذيب، ساقط جداً.
توضيح ذلك: إن الإنسان إنما يحشر بذاته وعمله، وعمله لازم وجوده وكل ما اقترف من الأفعال فله وجود دنيوي، يتجلى باسم الكذب والنميمة، وله وجود أخروي يتجلى بالوجود المناسب له، فهكذا أعماله الصالحة فلها صورة دنيوية، باسم الأذكار، وصورة أخروية تناسب وجود الإنسان في هذا الظرف. فالصوم هنا إمساك، وفي الحياة الأخروية جنة من النار، وهكذا سائر الأعمال من صالحها وطالحها، فلها وجودان: دنيوي وأخروي، وإليك ما يدل على ذلك في القرآن الكريم. يقول سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً)(72)، ويقول سبحانه: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(73)، ويقول سبحانه: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ)(74).
على أن تعذيب المجرم وإثابة المحسن مظهر من مظاهر عدله، فلو لم يعاقب المجرم تلزم تسوية المؤمن والكافر، يقول سبحانه: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(75)، ويقول أيضا: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)(76).

شبهة عدم التعادل بين الجريمة والعقوبة
وربما يقال كيف يصح الخلود الدائم مع كون الذنب منقطعا، وهل هذا إلا نقض للمساواة المفروضة بين الجريمة والعقوبة؟! والجواب عن الشبهة بوجهين:
الأول: إنه لم يدل دليل على وجوب المساواة بين الجرم والعقوبة من حيث الكمية، بل المراد المساواة في الكيفية أي عظمة الجرم، فربما يكون الجرم آنا واحدا وتتبعه عقوبة دائمة، كما إذا قتل إنسانا وحكم عليه بالحبس المؤبد.
فالإنسان المقترف للذنوب وإن خالف ربه في زمن محدد، لكن آثار تلك الذنوب ربما تنتشر في العالم.
الثاني: قد عرفت أن العذاب الأخروي تجسيد للعمل الدنيوي وهو المسئول عما اقترفه.
وقد عرفه سبحانه نتيجة عمله في الآخرة وأن أعماله المقطعية سوف تورث حسرة طويلة أو دائمة، وأن عمله هنا سيتجسد له في الآخرة، أشواكا تؤذيه أو ورودا تطيبه، وقد أقدم على العمل عن علم واختيار، فلو كان هناك لوم فاللوم متوجه إليه، قال سبحانه حاكياً عن الشيطان: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(77)، وفيما مر من الآيات التي تعد الجزاء الأخروي حرثا للإنسان تأييد لهذا النظر.
على أن من المحتمل أن الخلود في العذاب مختص بما إذا بطل استعداد الرحمة وإمكان الإفاضة، قال تعالى: (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(78)، ولعل المراد من قوله: (وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ) إحاطتها به إحاطة توجب زوال أية قابلية واستعداد لنزول الرحمة، والخروج عن النقمة.

مظاهر العدل الإلهي في عالم الخلق
إن لعدله سبحانه مظاهر في عالم الخلق والتشريع كما يظهر ذلك واضحاً من خلال قوله تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ)(79)، وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ)(80)، وقوله تعالى: (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَان)(81)، وهذه إشارة لمظاهر عدله في عالم الخلقة.

1- رفع السماوات بغير عمد
يقول سبحانه في هذا الصدد: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا)، فإن رفع صرح هذا البناء الشامخ دون الاستعانة بدعائم مرئية، يكشف عن تناغم دقيق في عالم الخلقة، ولولاه لتداعت أركان العالم وانهارت، وهذا النظام الرائع تقاسمته قوتا الجاذبية والطاردة (النابذة)، وفي ظل التعادل القائم بينهما انتظمت حركة النجوم والكواكب والمجرات في مساراتها.
فالجاذبية قانون عام جار على جميع الأجسام في هذا العالم، وهي تتناسب عكسيا مع الحد الفاصل بين الجسمين إذ تتعاظم كلما تضاءلت المسافة، وتتضاءل كلما ازدادت الفاصلة، فلو دارت رحى النظام الكوني الدقيق على قوة الجاذبية فقط لارتطمت الكواكب والنجوم بعضها مع بعض ولتداعى النظام السائد، ولكن في ظل قانون الطرد يحصل التعادل المطلوب، وقوة الطرد تلك تنشأ من الحركة الدورانية للأجسام.
ومهما يكن من أمر ففي ظل هاتين القوتين تبقى الملايين من المنظومات الشمسية والمجرات معلقة في الفضاء دون عمد، وتحول دون سقوطها وفنائها، وإلى هذه الحقيقة يشير القرآن الكريم بقوله: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا)(82)، فقد روى الحسين بن خالد، عن الإمام علي بن موسى الرضا  ، قال: «أليس الله يقول: بغير عمد ترونها؟ فقلت: بلى، قال: ثم عمد لكن لا ترونه»(83).
ويؤيده ما روي عن الإمام علي  ، أنه قال: «هذه النجوم التي في السماء مدائن مثل المدائن التي في الأرض، مربوطة كل مدينة إلى عمود من نور»(84).
ورواه الطريحي أيضا لكن قال: «عمودين من نور»(85) مكان قوله: عمود من نور، ولعل المراد من العمودين هما قوتا الجاذبية والطاردة.
إن الكتاب الكريم صاغ الحقيقة المكتشفة من قبل نيوتن، بعبارة يسهل فهمها على عامة الناس، وقال: (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا).
وقد أشار سبحانه في غير واحد من الآيات، أنه سبحانه هو الممسك للسماوات من الزوال، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا)(86).
وكونه سبحانه هو الممسك لا يمنع من وجود علل طبيعية حافظة لسقوط السماوات وزوالها، فقد جرت سنته سبحانه على تدبير العالم من خلال العلل الطبيعية التي هي من سننه سبحانه وجنوده الغيبية.
وأشار الإمام علي بن أبي طالب  في غير واحد من خطبه إلى خلقة الأرض، وقال: «أرساها على غير قرار، وأقامها بغير قوام، ورفعها بغير دعائم»(87).
وعلى كل تقدير فالتوازن الموجود في خلق السماوات والأرض هو مظهر من مظاهر عدله في عالم الخلقة.

2- حركة الجبال
ليس رفع السماوات وإبداعها وتنظيم حركاتها هو الوحيد في كونه مظهراً لعدله سبحانه في التكوين، بل إبداع الجبال وإيجادها مظهر آخر من مظاهر التوازن والتعادل في الخلقة، قال سبحانه: (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ)(88)، وقد جاءت أيضاً بنفس العبارة في سورة لقمان(89)، وقال سبحانه: (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا)(90).
إن الرواسي التي استخدمها القرآن جمع راسية، والمراد منها الأنجر التي هي مرساة السفينة، فللجبال دور المرساة، فكما أنها تحول دون اضطراب السفينة وتقاذفها من قبل أمواج البحر العاتية، فهكذا الجبال لها دور في تنظيم حركة الأرض.
وإلى هذه الحقيقة يشير الإمام أمير المؤمنين  في بعض خطبه، حيث قال: «وتد بالصخور ميدان أرضه»(91).
وقال  أيضا: «وعدل حركاتها بالراسيات من جلاميده»(92).

3- الحياة وتوازنها الدقيق
إن من مظاهر عدله سبحانه وجود الحياة في الأرض، وهي رهن توفر الظروف المناسبة لها، مثلا إن الفاصلة الدقيقة بين الشمس والأرض هيأت أجواء مناسبة لنمو ورشد الخلايا، وهذه ما كان لها أن تنمو لو طرأ على تلك الفاصلة أدنى تغيير، وهذا يرشدك إلى توازن دقيق للغاية بين السماء والأرض.
واعطف نظرك إلى النباتات والحيوانات، فإن حياة الحيوان رهن استنشاق غاز الأوكسجين الذي تولده النباتات، وحياة النبات رهن استنشاق غاز ثاني أوكسيد الكاربون الذي تولده الحيوانات من خلال تنفسها.
فالتوازن الموجود بين الإنتاج والاستهلاك مهد المناخ المناسب لحياة كل من النبات والحيوان، فلو كانت الأرض محتضنة للحيوان فقط أو للنبات فقط لما قامت للحياة قائمة. فالتوازن القائم بين الغازين على وجه البسيطة مظهر من مظاهر عدله سبحانه، يقول سبحانه: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ)(93).
ويزخر عالم النباتات والحيوانات بعدد لا حصر له من هذا النوع من التوازن والتعادل، وها نحن نذكر نموذجا آخر: كان الملاحون يعانون من مرض تشقق الجلد وسيلان الدم منه، وسببه يعود إلى قلة الفيتامينات في أبدانهم، إلى أن اكتشف أحد الأخصائيين في مدغشقر أن علاجه الوحيد هو تناول وجبات كافية من الليمون والنارنج، ففيها كميات هائلة من تلك الفيتامينات، وبذلك نجا الملاحون من هذا المرض الذي كانوا يعانون منه.

مظاهر العدل الإلهي في عالم التشريع والجزاء
تقدم الكلام في مظاهر العدل الإلهي في عالم الخلق وبقي الكلام في مظاهر عدله في عالم التشريع، وسيتضح من خلال ملاحظة النماذج التالية:

1– الصيام
فرض سبحانه الصيام على كل مكلف، وقال: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ)(94)
وفي الوقت نفسه استثنى المريض والمسافر ومن يصوم ببذل الجهد الكبير، قال سبحانه: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)(95)
فأوجب على المريض والمسافر القيام بأعباء هذا التكليف بعد استعادة صحته أو رجوعه إلى الوطن، كما أنه اكتفى فيمن يصوم ببذل جهد كبير كالهرم، بالتكفير وإطعام مسكين.

2– القصاص
لا شك أن في القصاص حياة لأولي الألباب، وفي المثل المعروف: إن الدم لا يغسله إلا الدم، ومع ذلك كله فقد أجاز لولي الدم أن يسلك طريقا آخر وهو إبدال القصاص بالدية، فقد شرع ذلك، وقال: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ)(96).
فالإصرار على أحد الحكمين ربما يولد الحرج، فخير ولي الدم بين القصاص وأخذ الدية حتى يتبع ما هو الأفضل والأصلح لتشفي القلوب واستقرار الصلح في المجتمع.

3– الربا
لا شك أن الربا من أعظم الجرائم وأكبرها، كيف وقد وصف المرابي بالمحارب، وقال: (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)(97) ومع ذلك فإذا تاب المرابي من عمله فقد احترم ماله الذي اقترضه، فعلى المقترض رد رأس ماله فقط، قال: (وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)(98).
وفي الحقيقة هذه الفقرة أي: (لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) شعار كل مسلم في عامة المجالات وهو لا يظلم ولا يتحمل الظلم.

4– الحث على الإقراض
حث الناس على الإقراض وجعل أجره عشرة، قال سبحانه: (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)(99) وهو عام يعم كل حسنة ومنها الإقراض، ومع ذلك كله فإذا عجز المقترض عن أداء قرضه وصار ذا عسرة أمر المقرض بالصبر حتى يستطيع المقترض من دفع دينه، قال سبحانه: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)(100)

5– الأمر بكتابة سند الدين
يأمر سبحانه المقرض والمقترض أن يكتبا سنداً للدين، وفي الوقت نفسه يأمر الكاتب أن يكتب بالعدل من دون تحيز إلى واحد من الطرفين، يقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ)(101).

6– إملاء ذي الحق
يأمر سبحانه من عليه الحق أن يملي كما هو عليه، من دون نقيصة ولا زيادة، يقول سبحانه: (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا)(102)

7– إملاء ولي ذي الحق
كما يأمر إذا كان من عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع الإملاء فليقم مكانه وليه وليملل بالعدل، يقول سبحانه: (فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ)(103).
وباختصار: تتجلى في هذه الآية التي هي أطول آية وردت في القرآن الكريم مظاهر عدله في التشريع مرة تلو مرة، وللقارئ الكريم أن يستشف منها ما ذكرناه من المعاني.

8– الطهارة
الطهارة من الحدث أحد شرائط صحة الصلاة والصوم والحج، وتحصل عن طريق استعمال الماء بكيفية خاصة متقربا فيها إلى الله، ولكن ربما يكون استعمال الماء مضراً بصحة المتوضئ أو موجباً لبطء برء مرضه، إلى غير ذلك من الأعذار فأوجب سبحانه التيمم بالصعيد بدل استعمال الماء، وهذا يدل على مرونة الإسلام في تشريعه وتعاطفه مع فطرة الإنسان التي ترغب في العافية وتنضجر عن كل ما يحول دونها، قال سبحانه: (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(104)، فقوله: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ) يكشف اللثام عن وجه العدول من الطهارة المائية إلى الطهارة الترابية.
كما دلت الآيات القرآنية على استثنائه سبحانه طوائف ثلاث من الحضور في ساحات الجهاد لأجل الحرج، قال سبحانه: (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)(105)
وفي آية أخرى يبين بوضوح أن تشريعه خال من الحرج، ويقول: (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(106)
فكل حكم يتضمن الحرج فهو مرفوض بحكم أنه حرجي، وقد أخبر سبحانه عن عدم تشريع الحكم الذي في امتثاله حرج.

9– رفع النسيان والخطأ
لقد شملت العناية الإلهية الأمة الإسلامية من بين سائر الأمم برفع النسيان والخطأ عنهم وعدم المؤاخذة عليهما، في حين كانت الأمم السالفة مسؤولة عن خطأها ونسيانها إذا كانت مقصرة في مبادئ الخطأ والنسيان، يقول سبحانه: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)(107)
روى الكليني عن النبي  أنه قال:
«إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق ولا تكرهوا عبادة الله إلى عباد الله، فتكونوا كالراكب المنبت الذي لا سفرا قطع ولا ظهرا أبقى»(108).
فما أروع هذا التشبيه حيث إن الراكب المنبت وإن كان يعدو بفرسه أميالا عديدة بغية الوصول إلى غايته، ولكنه بفعله هذا ينتج عكس المطلوب، حيث إن المركوب يعييه التعب ولا يكون بمقدوره الاستمرار في العدو، ويبقى هو في وسط الطريق لا يهتدي إلى بغيته، فهو لا سفرا قطع ولا ظهرا أبقى.
فهكذا الدعوة إلى الشريعة إذا كانت مقرونة بالشدة والضعف تنتج عكس المطلوب، حيث لا تجد لها أذناً صاغية، بل يخرج الناس منها أفواجاً.
ولأجل ذلك صدع النبي  بسهولة شريعته، وقال: «بعثت بالشريعة السهلة السمحة»(109).

10– التكليف على قدر المستطاع
دلت الآيات القرآنية على أن التكليف على القدر المستطاع وقد أطبق عليه العقل والنقل، إذ كيف يمكن تكليف الناس بأعمال، كإدخال الشئ الكبير في الظرف الصغير، من دون تغير في الظرف والمظروف؟ أو التحليق في الهواء دون وسيلة، إلى غير ذلك من الأمور الممتنعة التي تدخل في نطاق التكليف بما لا يطاق، حتى أن محققي العدلية ذهبوا إلى أن هذا النوع من التكليف المحال، بمعنى أنه لا ينقدح في ذهن الآمر، الطلب والإرادة الجدية المتعلقة ببعث العاجز إلى المطلوب، ولو تظاهر به فإنما تظاهر بظاهر التكليف لا بواقعه.
والنتيجة: إن امتناع المكلف به يلازم امتناع نفس التكليف أيضا، يقول سبحانه: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَ)(110)، وقال في آية أخرى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا)(111)، ومضمون كلتا الآيتين واحد، وهو أن الله يكلف الإنسان بقدر طاقته وقابليته.
فهذه كانت نماذج استعرضناها بشكل مختصر لإثبات أن التشريع الإسلامي يتمتع بمرونة، وأنه مبني على أساس العدل، وفي الحقيقة أن التشريع الإسلامي من مظاهر عدله في هذا المجال.

الأشاعرة والتكليف بما لا يطاق
ذهبت طائفة من متكلمي الإسلام إلى جواز التكليف بما لا يطاق، ولم يصغوا لنداء العقل ولا الشرع، بل أهالوا التراب على فطرتهم القاضية بعدم صحة التكليف بما لا يطاق، وقد اتخذوا ظواهر بعض الآيات ذريعة لعقيدتهم في هذا المجال، وهذا إجمال لما استدلوا به من تلك الآيات مع بيان الحق فيها بإذن الله تعالى:
1- قوله تعالى: (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ)(112).
استدل الإمام أبو الحسن الأشعري (260 - 324 ه‍) على أنهم كانوا مكلفين بالسماع والإبصار ومع ذلك ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون، فدل على جواز التكليف بما لا يطاق.
وهذا الاستدلال يتلاشى من خلال التوضيح التالي: وهو أنهم وإن كانوا مأمورين مكلفين بالسماع والإبصار ومع ذلك كانوا عاجزين عنهما لكن ذلك العجز لم يكن مقرونا بهم منذ بلوغهم وتكليفهم، وإنما أدى بهم التمادي في المعصية إلى أن صاروا فاقدين للسمع والأبصار، فقد سلبت عنهم هذه النعم بسوء اختيارهم نتيجة الذنوب التي اقترفوها، فكان لهم قلوب لا يفقهون بها، وآذان لا يسمعون بها، يقول سبحانه: (لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ)(113).
إن التمادي في المعصية والإصرار عليها يترك انطباعات سيئة في القلوب على وجه يتجلى الحسن سيئا والسيئ حسنا، يقول سبحانه: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون)(114)، فالآية تصرح بأن اقتراف الذنوب وارتكاب المعاصي ينجم عنه التكذيب بآيات الله. فتحصل من ذلك أن عدم استطاعتهم للسماع والإبصار كان نتيجة قطعية لأعمالهم السيئة، كما يقول سبحانه: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ)(115).
2- قوله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)(116).
استدل الإمام الأشعري بهذه الآية على جواز التكليف بما لا يطاق، وقال: فقد أمروا بالإعلام وهم لا يعلمون ذلك ولا يقدرون عليه.
ولكن غاب عنه أن لصيغة الأمر معنى واحداً وهو إنشاء الطلب، لكن الغايات من الإنشاء تختلف حسب اختلاف المقامات، فتارة تكون الغاية من الإنشاء، هي بعث المكلف نحو الفعل جدا، وهذا هو الأمر الحقيقي الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه، وتشترط فيه القدرة والاستطاعة، وأخرى تكون الغاية أموراً غيره، وعند ذلك لا ينتزع منه التكليف الجدي، وذلك كالتعجيز في الآية السابقة، وكالتسخير في قوله سبحانه: (كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ)(117)، والإهانة في مثل قوله تعالى: (ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)(118)، أو التمني مثل قول الشاعر أمرئ القيس في معلقته:

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي     ***     بصبح وما الإصباح منك بأمثل

إلى غير ذلك من الغايات والحوافز التي تدعو المتكلم إلى التعبير عن مقاصده بصيغة الأمر وذلك واضح لمن ألقى السمع وهو شهيد.
3– قوله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ)(119).
استدل بها الشيخ الأشعري على مقصوده، وقال: إذا جاز تكليفه إياهم في الآخرة بما لا يطيقون، جاز ذلك في الدنيا.
والحق أن الإمام الأشعري وأتباعه لا سيما الفطاحل منهم أجل من أن يجهلوا هدف الآية ومغزاها، إذ ليست الدعوة إلى السجود فيها عن جد وإرادة حقيقة، بل الغاية من الدعوة إيجاد الحسرة في قلوب المشركين التاركين للسجود حال استطاعتهم في الدنيا، والآية بصدد بيان أنهم في أوقات السلامة والعافية رفضوا الانصياع والامتثال، وعند العجز- بعد ما كشف الغطاء عن أبصارهم ورأوا العذاب بأم أعينهم- هموا بالسجود ولكن أنى لهم ذلك، وإليك توضيح الآية بمقاطعها الثلاثة:
أ. قوله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ) كناية عن اشتداد الأمر وتفاقمه، لأن الإنسان عند الشدة يكشف عن ساقه ويخوض غمار الحوادث.
ب. قوله تعالى: (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) لا طلبا وتكليفا جديا، بل لازدياد الحسرة، فلا يستطيعون، إما لسلب السلامة عنهم، أو لاستقرار ملكة الاستكبار في سرائرهم.
ج. قوله تعالى: (وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) والمعنى أنهم لما دعوا إلى السجود في الدنيا امتنعوا عنه مع صحة أبدانهم، وهؤلاء يدعون إلى السجود في الآخرة ولكن لا يستطيعون، وما ذلك إلا لتزداد حسرتهم وندامتهم على ما فرطوا.
4- قوله تعالى: (وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمً)(120)
وقد استدل بها الشيخ الأشعري على ما يروم من جواز التكليف بما لا يطاق، وقال: «وقد أمر الله تعالى بالعدل ومع ذلك أخبر عن عدم الاستطاعة على أن يعدل»(121).
ولا شك في أنه سبحانه أمر من يتزوج بأكثر من واحدة بإجراء العدالة بينهن، قال سبحانه: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً)(122)، وفي الوقت نفسه صرح في آية أخرى بأن إجراء العدالة بينهن، أمر غير مقدور، ومع ذلك نهى عن التعلق بواحدة منهن والإعراض عن الأخرى حتى تصبح كالمعلقة لا متزوجة ولا مطلقة.
وبالتأمل في الآية يظهر بأن العدالة التي أمر بها غير العدالة التي أخبر عن عدم استطاعة المتزوج القيام بها، فالمستطاع منها هو الذي يقدر عليه كل متزوج بأكثر من واحدة، وهو العدالة في الملبس والمأكل والمسكن وغيرها من الحقوق الزوجية التي تقع على عاتق الزوج ويقوم بها بجوارحه ولا صلة لها بباطنه.
وأما غير المستطاع فهي المساواة في قسمة الحب بينهن؛ لأن الباعث لها هو الوجدان والميل القلبي، وهو مما لا يملكه المرء ولا يحيط به اختياره، لأنه رهن أمور خارجة عن الاختيار.

مظاهر العدل الإلهي في تنفيذ العقوبات
قد مضى أن لعدله سبحانه مظاهر في التكوين والتشريع، ومن مظاهر عدله في التشريع أنه لا يساوي بين المطيع والعاصي، والمسلم والمجرم، والمؤمن والمفسد، ولذلك صار يوم البعث مظهرا لعدله سبحانه بحيث لو لم يكن ذلك اليوم الموعود لما ظهر عدله في مجال الجزاء، وبذلك أصبح يوم القيامة أمرا لا مفر منه لظهور عدله فيه، وتشير آيات كثيرة إلى هذا المضمون:
1- قال تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)(123).
2- وقال تعالى: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(124).
وهاتان الآيتان تدلان على أن التسوية بين الطائفتين على خلاف العدل، فلا محيص من إحقاق الفرق، وبما أن الطائفتين يتعامل معهما في الدنيا على نحو سواء فلا بد من تحقيقه في يوم ما وليس هو إلا يوم القيامة، ويعرب عما ذكرناه قوله سبحانه: (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ)(125).
ثم إنه سبحانه يحقق عدله يوم القيامة بوضع موازين القسط ليجزي كل نفس بما كسبت، يقول سبحانه: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)(126).
ويقول سبحانه: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ)(127).
هذه إلمامة عابرة لبيان مظاهر عدله في مجالات مختلفة، والسابر في آيات القرآن الكريم يجد آيات كثيرة في مجال عدله سبحانه.

العدل الإلهي والآلام والمصائب
لا شك في وجود آلام ومصائب اجتماعية يتألم منها ويستضر بها أفراد المجتمع من غير فرق بين المؤمن والكافر والمطيع والعاصي، فإذا كان الكافر والعاصي مستحقا لتلك المصائب بكفره وعصيانه، فما هو المصحح لتألم المؤمن المطيع وتضرره منها، مع أن مقتضى العدل أن لا تزر وازرة وزر أخرى، ولا يعاقب المؤمن بعقوبة الكافر، أفلا يخل ذلك بعدله تعالى؟:
والجواب عنه: إن من خواص يوم القيامة أنه (يوم الفصل)، فيفصل أهل النار من أهل الجنة وتجزى كل نفس بما كسبت، وأما الحياة الدنيوية فالناس يعيشون فيها بالاختلاط والاشتراك، فإذا نزلت بلية وكارثة طبيعية أو غير طبيعية يتألم منها الجميع، ولكن مع ذلك أن الله تعالى بعدله و رحمته يعوض غير المستحقين لتلك النازلة بما هو أنفع لهم إما في الدنيا و إما في الآخرة، وهذا هو المراد من العوض في اصطلاح المتكلمين.
ثم إن هذا الجواب لا يختص بالمقام، بل يأتي في جميع الموارد التي يكون عمل فرد أو أفراد سببا تكوينيا أو تشريعيا لتألم الغير وتضرره، كالاختلالات العضوية والفكرية الطارئة على بعض المواليد الناشئة من سوء تغذية الوالدين أو بعض الاعتيادات المضرة وغير ذلك، فربما يخرج الولد أعمى أو أبكم أو أصم أو غير ذلك من العلل، مع أن السبب لها هو غيره سبحانه، لكنه تعالى يعوضهم برحمته، ويرفع عنهم التكليف الشاق. فيعطي للمتألم عوضا لتألمه وابتلائه من الأجر ما يكون أنفع بحاله، وهذا كما يكون مقتضى عدله سبحانه، يكون أيضا مقتضى لطفه ورحمته، ويدخل تحت قاعدة الأصلح في الدين، وجميع ذلك مروي عن أئمة أهل البيت  ، واستلهم العدلية من المتكلمين من تلك الروايات وعنونوها في مسفوراتهم الكلامية.
روى الصدوق بسند صحيح، عن الصادق  أنه قال: «كان فيما أوحى الله عز وجل إلى موسى  أن يا موسى ما خلقت خلقا أحب إلي من عبدي المؤمن، وإنما أبتليه لما هو خير له وأعافيه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر عبدي، فليصبر على بلائي، وليشكر نعمائي، وليرض بقضائي، أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل برضائي فأطاع أمري»(128).

والحمد لله رب العالمين
________________________________________
(1) آل عمران: 18.
(2) لاحظ الميزان: 3، 113
(3) المؤمنون: 62.
(4) مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ج2 ص229.
(5) الحديد: 25.
(6) المؤمنون: 62.
(7) الأنبياء: 47.
(8) الاسراء: 15.
(9) النساء: 41.
(10) يونس: 44.
(11) آل عمران: 182.
(12) النساء: 40.
(13) نحل: 90.
(14) خلاصة عبقات الأنوار، السيد حامد النقوي: ج2 ص262.
(15) عوالي اللئالي، ابن ابي جمهور الأحسائي: ج4 ص103.
(16) المصدر نفسه.
(17) نهج البلاغة قسم الحكم: رقم 470.
(18) التوحيد للصدوق: الباب 5، الحديث 11.
(19) نهج البلاغة: الخطبة 185.
(20) التوحيد للصدوق: ص 396 – 397.
(21) كشف المراد: ص 305.
(22) آل عمران: 18.
(23) نهج البلاغة: قسم الحكم، رقم 437.
(24) تفسير الميزان، السيد الطباطبائي: ج3 ص115.
(25) طه: 50.
(26) النحل: 90.
(27) البقرة: 286.
(28) الإسراء: 15.
(29) الأنبياء: 47.
(30) الأنعام: 148.
(31) الأعراف: 28.
(32) تاريخ الخلفاء: 95.
(33) مغازي الواقدي:ج3، ص904.
(34) الأوائل:ج2، 125.
(35) الإمامة والسياسة:ج1 167.
(36) الإمامة والسياسة: ج1 171.
(37) الإنسان: 3.
(38) سبأ: 50.
(39) الإسراء: 15.
(40) الكهف: 29.
(41) الأنعام: 104.
(42) الأنفال: 42.
(43) الطور: 21.
(44) النور: 16
(45) البحار: ج5، ص41.
(46) البحار: 5ج، ص12.
(47) التوحيد للصدوق: 360، الحديث 6، باب نفي الجبر والتفويض.
(48) نفس المصدر: 363، الحديث 10.
(49) شرح المواقف: ج8 ص155.
(50) شرح المواقف: ج8 156.
(51) تعليقة الأسفار:ج6 ص318.
(52) التكوير: 29
(53) يونس: 100.
(54) الحشر: 5
(55) بحار الأنوار: ج5 ص51، أبواب العدل، الباب 1، الحديث 85.
(56) بحار الأنوار: ج5 ص41، أبواب العدل، الباب 1، الحديث 64.
(57) توحيد الصدوق: الباب 55، الحديث 6، 10، 13.
(58) بحار الأنوار: ج5 ص121، باب القضاء والقدر، الحديث 65.
(59) غافر: 31.
(60) الزمر: 7
(61) البقرة: 205.
(62) غافر: 30 - 31.
(63) الأعراف: 28.
(64) النحل: 90.
(65) الكافي، الشيخ الكليني: ج1 ص151- 152.
(66) الكافي، الشيخ الكليني: ج1 ص150.
(67) أصول الكافي: ج 1 ص 158.
(68) بحار الأنوار: 5 ص96، الحديث 20.
(69) المصدر نفسه.
(70) الإسراء: 33.
(71) النور: 2
(72) النساء: 10.
(73) آل عمران: 180.
(74) التوبة: 35.
(75) القلم: 35 - 36.
(76) المؤمنون: 115.
(77) إبراهيم: 22.
(78) البقرة: 81.
(79) لقمان: 10.
(80) فاطر: 41.
(81) الرحمن: 7.
(82) الرعد: 3.
(83) تفسير القمي، ج2 ص328.
(84) سفينة البحار: مادة نجم.
(85) مجمع البحرين: مادة كوكب.
(86) فاطر: 41.
(87) نهج البلاغة: ج2 ص123، تحقيق: محمد عبده، الناشر: دار المعرفة.
(88) النحل: 15.
(89) لقمان: 10.
(90) النبأ: 7.
(91) نهج البلاغة: الخطبة 1.
(92) نهج البلاغة: الخطبة 87.
(93) لقمان: 10.
(94) البقرة: 183.
(95) البقرة: 184.
(96) البقرة: 178.
(97) البقرة: 279.
(98) البقرة: 279
(99) الأنعام: 160.
(100) البقرة: 280.
(101) البقرة: 282.
(102) البقرة: 282.
(103) البقرة: 282.
(104) المائدة: 6.
(105) الفتح: 17.
(106) الحج: 78.
(107) البقرة: 286.
(108) الكافي: 2 86.
(109) سفينة البحار: ج1 ص695.
(110) البقرة: 286.
(111) الطلاق: 7.
(112) هود 19 – 20.
(113) الأعراف: 179.
(114) الروم: 10.
(115) الملك: 10 - 11
(116) البقرة: 31 - 32.
(117) البقرة: 65
(118) الدخان: 49.
(119) القلم: 42 – 43.
(120) النساء: 129.
(121) لاحظ الاستدلال بهذه الآيات في كتاب اللمع للإمام الأشعري: 99 – 114.
(122) النساء: 3.
(123) ص: 28.
(124) القلم: 35 – 36.
(125) يونس: 4.
(126) الأنبياء: 47.
(127) الأعراف: 8 -9.
(128) التوحيد: الباب 62، الحديث

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الحديث والاجتهاد والفقه
أنواع العبودية
تمثال السيد المسيح في ألبرازيل
كم يبلغ عدد الشيعة في العالم ؟
دواء القلوب
المُناظرة العشرون /مناظرة الاِمام الكاظم عليه ...
محكمة الآخرة
الجبر والاختيار
سياحة في الغرب أو مسير الأرواح بعد الموت 3
صفات الخالق وخصائصه

 
user comment