عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

لماذا هؤلاء شيعة و نحن سنة ؟

لماذا هؤلاء شيعة و نحن سنة ؟

هذا المقال هو فصل من فصول كتاب المستبصر المغربي الصحافي الاستاذ ادريس الحسيني ، الذي أسماه : " لقد شيعني الحسين ( عليه السلام ) ، الإنتقال الصعب في المذهب و المعتقد " .
لماذا هؤلاء شيعة و نحن سنة ؟
تحول هذا السؤال في ذهني إلى شبح ، يطاردني في كل مكان . يسلبني في كل اللحظات مصداقيته . نعم ! فلا حق لي أن أزود فكري بالجديد ، حتى أحسم مسلماتي الموروثة . و أسسي الاعتقادية الجاهزة . و ما قيمة أفكار تتراكم على ذهني من دون أن يكون لها أساس اعتقادي متين ؟ .
تجاهلت الأمر ـ في البداية ـ و تناسيته حتى أخفف عن نفسي مضاضة البحث .
بيد أن ثقل البحث كان أخف علي من ثقل ( السؤال ) و أقل ضغطا من ضمة الحيرة ، و الشك المريب .
وقع بين يدي كتابين يتحدثان عن فاجعة كربلاء و سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) الأمر هنا أشد مرارة من ذي قبل . إنني و لأول مرة أجد كتابا يحمل لهجة من نوع خاص . مناقضة تماما لتلك الكتب التي عكفت على قراءتها . لم أكن أعرف أن صاحب الكتاب رجل شيعي . لأنني ما كنت أتصور أن الشيعة مسلمون ! فكانت تختلط عندي المسألة الشيعية بالمسألة البوذية أو السيخية .
و الوضع ( السني ) لا يجد حرجا في أن يملي علينا ذلك . و لا يستحي من الله و لا من التاريخ ليغذي نزعة التجهيل و التمويه . إنه كان يكرس هذه النظرة لدى الأفراد . و لا يصحح مغالطاتهم . و فجأة وجدت نفسي مخدوعا . لماذا هؤلاء لا يكشفون الحقائق للناس ، كما هي في الواقع ؟ لماذا يتعمدون إبقاءنا على وعينا السخيف ، تجاه أكبر و أخطر مسألة وجدت في تاريخ المسلمين ؟ ثم لماذا لا يتأثرون بفاجعة الطف العظمى ، تلك التي ماجت في دمي الحار بالأنصاف . و التوق إلى العدالة . فتدفقت بالحسرة و الرفض و المطالبة بالحق الضائع في منعطفات التاريخ الإسلامي .
و طبعي الذي لا أنكره ، و لن أنكره ، إنني لا أحب الخادعين و الجاهلين ، ثم و إني لناقم على هؤلاء ، و أرافعهم إلى الله و التاريخ ! .
كنت في تلك الفترة صاحب بساطة عقائدية كباقي الناس . و ببساطتي هذه كنت أبدو أوعاهم عقيدة . و كنت ذا ثقافة أحادية ، هي ثقافة أهل السنة و الجماعة . فالجو الذي أحاط بي ، هو جو الصحوة البتراء النائمة ، التي انحرفت بوعيي إلى مواقع تافهة . و فجأة وجدتني ملتزما بخط لا أعرف له أساسا تاريخيا .
و صرت واحدا من ( الإخوان ) المناضلين الذين ضاقوا بظلم الواقع ، و أرادوا أن يعيدوا سيناريو العذاب الذي جرت وقائعها في السجن الحربي ( وليمان طرة ) في مصر . كانت خيالاتي قليلة الخصوبة لا تتجاوز ( المذابح ) و ( لماذا أعدموني ) كنت أهوى التمثيل و المسرح ، لذلك انطلقت كالسهم إلى مغامرات سخيفة ! .
في تلك اللحظة ، غمرتني أدبيات الحركة الإسلامية . و أخذت مني مأخذها و تملكني فكر ( المحنة ) لدى سيد قطب ، بكلماته المشعة أدبا ، و التي حملت في أحشائها تلك الظلال الوارفة بيانا و بديعا . فأبيت إلا أن أغزو الظلم قبل أن يغزوني . و لعلي تعثرت كثيرا بسبب الأدبيات التي عبثت بوعيي الصغير يومئذ .
و لا أنكر.أنني كنت من أنصار ( الهجرة و التكفير ) و إنني ما أزال أحفظ عن ظهر قلب تراتيل الفريضة الغائبة ! .
و في لحظة من عمري ذهبية . طرحت على نفسي سؤالا :
ترى ، ما هو هذا الظلم الذي ما زلت كل حياتي أشكتي منه و أفرض خلاله كل الأوهام على نفسي ؟ .
لم أجد جوابا شافيا في ذهني . سوى ما ركز في نفسي من أدبيات حركية استلهمتها من كتابات معينة . و كلمات جميلة لم أجد لها في ثقافتي الجمهورية 1 بديلا ! .
سارت هذه الكلمات الفضفاضة الفارغة من مضامينها العلمية و الواقعية ، تدق الطبول في ذهني . حتى صرت كالمهووس ، لا قرار لي .
( فاجعة الطف ) ! .
هذه وحدها الحدث الذي أعاد رسم الخريطة الفكرية و النقية في ذهني . إن هذا الظلم الذي أشكو منه اليوم ليس جديدا على الأمة . فلقد سبقه ظلم أكبر .
و على أساس هذا الظلم القديم قالت لي أفكاري إن هؤلاء الظالمين اليوم يسلكون طريقا أسسه رجالات كانوا يشكلون حجر عثرة أمام مسيرة الأئمة من آل البيت ( عليهم السلام ) حتى إذا ورد جيل المحنة حاليا ، فأراد أن ينظم مشروعا لمعارضة الظلم السياسي في الأمة على قاعدة الظلم نفسه الذي كان سببا في التمكين لهؤلاء الظلمة سؤال غريب ، لكنه واقعي ! 2 . ترى تناقضا رهيبا بين تنزيه ظلمة الماضي و تثوير المجتمع على ظلمة الحاضر . فما الفرق بين الماضي و الحاضر ؟ .
ثم قالوا : ( إن هذا ليس دورنا الآني . فيكفي أن نحارب الاستعمار و الاستكبار الخارجي و ما فات مات ) .
قلت: هذا جميل . و لكن اعترفوا بي إذا و صححوا رؤيتكم تجاهي ، ثم نتوحد في الثورة و الكفاح ؟ .
إنني أكتب هذا الكلام بعد أن حاولت جهدي أن أهمش التاريخ للتوحد في المسؤولية . لقد أفسدوا علي غير مرة أمري . حتى ذلك الأمر الذي لم نكن نريد به سوى مقاومة ظلم الواقع .
كنت كلما طرحت سؤالا على نفسي ، رأيت شيطانا يعتريني و يقول لي : ( دع عنك هذا السؤال . فهل أنت أعظم من ملايين المسلمين الذين وجدوا قبلك . و هل أنت أعلم من هؤلاء الموجودين حتى تحسم في هذه المسألة ) .
كنت أعلم أن هؤلاء الملايين لم يطرحوا هذا السؤال على أنفسهم بهذه القوة و الإلحاح . و كنت أعتقد رغم ذلك أن المسألة لا تحتاج إلى شهادة أزهرية حتى نحسم فيها . إنها مسألة ظلم بواح . عرفه القاصي و الداني من العالم . و هل معرفة الظلم تحتاج إلى عقلية أفلاطونية رفيعة .
ثم لماذا تقولون ( ملايين المسلمين ) أنا أريد أن تقولوا ملايين ( من ) المسلمين ، هم أصحاب مذهب السنة و الجماعة . لأن الخطاب الأول إذا قيل بهذا اللفظ فهو ينطوي إذا على مزاجية خاصة . هي مزاجية الإلغاء لملايين المسلمين غير أهل السنة و الجماعة ، و هم من الشيعة الإمامية و الزيدية . . في هذا العالم .
قالوا : ( لا ) مع ذلك فأنت صغير ، و لا يجوز على أي حال شق الصف ، و مخالفة الجماعة ، لأن الرسول صلى الله عليه و آله يقول :
( يد الله مع الجماعة ) ! و ( إن أمتي لا تجتمع على ضلالة ) .
و على كل حال ، فلم تكن هذه الاعتراضات الوسواسية بالتي تردني عن اندفاعي إلى كشف الحجاب عن الحقيقة المخبوءة . لكن شيئا حز في نفسي و هو هذه الكثرة الغالبة . لقد كبرت في عيني . و صعب علي مخالفتها . لو لا أن هداني الله . بيد أن شيئا واحدا جعلني أنتصر عليها و لا أبالي . و هي عندما وجدتها جاهلة . و استحضرت ( جديتي ) التي ورثتها من فكر ( الهجرة و التكفير ) فهذا الأخير على علاته ، علمني كيف أخالف المجتمع الجاهلي . فهذا احتياط جليل مكنني من الصمود أمام الأمواج البشرية المتدفقة . و التي ليس لها منطق في عالم الحقائق سوى كثرتها .
كنت أطرح دائما على أصدقائي . قضية الحسين المظلوم ، و آل البيت ( عليهم السلام ) لم أكن أطرح شيئا آخر . فأنا ضمآن إلى تفسير شاف لهذه المآسي . لأنني و بالفطرة التي أكسبنيها كلام الله جل و علا لم أكن أتصور ، و أنا مسلم القرن العشرين ، كيف يستطيع هؤلاء السلف ( الصالح ) أن يقتلوا آل البيت ( عليهم السلام ) تقتيلا ! لكن أصحابي ، ضاقوا مني و عز عليهم أن يروا فكري يسير حيث لا تشتهي سفينة الجماعة . و عز عليهم أن يتهموني في نواياي .
و هم قد أدركوني منذ سنين البراءة و في تدرجي في سبيل الدعوة إلى الله . قالوا بعد ذلك كلاما جاهليا . لشد ما هي قاسية قلوبهم تجاه آل البيت ( عليهم السلام ) 3 .
و من هنا بدأت القصة ! .
وجدت نفسي أمام موجة عارمة من التساؤلات التي جعلتني حتما أقف على قاعدة اعتقادية صلبة . إنني لست من أولئك الذين يحبون أن يخدعوا أو ينوموا .
لا ، أبدا ، لا أرتاح حتى أجدد منطلقاتي و أعالج مسلماتي ! فلتقف حركتي في المواقف ، ما دامت حركتي في الفكر صائبة . هنا لا أتكلم عن الأوضاع ، الأخرى التي ضيقت علي السبيل . و إعلان البعض غفر الله لهم عن مواقفهم الشاذة تجاه قضية كهذه لا تحتاج إلى أكثر من الحوار ! .
إن هذه الفكرة التي انقدحت في ذهني باللطف الإلهي جعلتني أدفع أكبر ثمن في حياتي . و كلفتني الفقر و الهجرة و الأذى . و ما زادني في ذلك إلا إيمانا و إصرارا .
و تذكرت قولة شهيرة للإمام علي ( عليه السلام ) لما قال له أحد شيعته : إني أحبك يا أمير المؤمنين فأجابه : إذا ، فأعد للفقر جلبابا ! .
إن هذه الطريق ، طريق وعرة . فيه تتجلى أقوى معاني التضحية . و فيه يكون الاستقرار و الهناء بدعا . فأئمة هذه الطريق ما ارتاح لهم بال و لا قر لهم جنان .
لقد يتموا ، و ذبحوا ، و حوربوا عبر الأجيال ! .
إن قصتي مع الواقع الأمني و الاجتماعي لا موقع لها في هذا الكتاب . و لكن التركيز هنا ، سيكون على المسألة الشيعية ، و ما دار حولها من مطارحات و سجالات . لم تكن عندي يومها المراجع الكافية لاستقصاء المذهب الشيعي .
لكنني أسندت ذلك القليل الذي أملكه من كتب الشيعة بدراساتي النقدية و المعقمة ، لكتب ( أهل السنة و الجماعة ) قال لي أحد المقربين يوما :
من الذي شيعك ، و أي الكتب اعتمدتها ؟! .
قلت له: أما بالنسبة ، لمن شيعني ، فإنه ، جدي الحسين ( عليه السلام ) و مأساته الأليمة . أما عن الكتب ، فقد شيعني ، صحيح البخاري و الصحاح الأخرى .
قال كيف ذلك ؟ .
قلت له : اقرأها ، و لا تدع تناقضا إلا أحصيته ، و لا ( رطانة ) إلا وقفت عندها مليا . . إذ ذاك ستجد ، بغيتك ! كان لدي أخ أصغر مني ، يسألني باستمرار عن التشيع . و كنت أقول له : أنت تعرف تقرأ ، فعليك بالبحث الشخصي ، و إذا أوقفك شئ ، ساعدتك . فأنا أضجر من أن أورث للآخرين أفكارا جاهزة . و لعله اليوم وصل !
و يعلم الله ، أنني رسخت قناعاتي الشيعية . من خلال مستندات أهل السنة و الجماعة أنفسهم . و من خلال ما رزحت به من متناقضات . و كان الكتاب أحيانا يتعرض بالشتم و السباب للشيعة . و إذا بي ازداد بصيرة ببراءتهم . كما لا أخفي واقع روحي التي تمزقت ، و هي تلهث خلف المخرج من هذه التناقضات . و يشهد الخالق و هو حسبي ، أنني كنت أسهر الليالي و أنا أقرأ و أدعو الله أن يجد لي مخرجا ، و كان دعائي الذي يلازمني ( اللهم أرني الحق حقا و ارزقني اتباعه ، و أرني الباطل باطلا و ارزقني اجتنابه ) .
في يوم من الأيام لم يبق لي سوى أن أخلع جبة أهل السنة و الجماعة . فلم يبق أمامي دليل واحد يسند مصداقية مذهبهم غير أن العادة قبحها الله حالت دوني و بين التغير ، و ما أصعب المرء و هو يتحول من مذهب لآخر ، و ما أشد برزخ الانتقال الاعتقادي ، لا بد لي إذا ، من محفز روحي يشجعني على هذا الانتقال .
لا بد من شمة رحمانية ، تكشف لي الغطاء عن الاختيار الرشيد .
كانت ليلة غنية بطلب الرحمان ، و الإلحاح عليه ، لكشف هذه الغمة عني .
فلقد أوصلني عقلي إلى هذه النقطة ، ولم يبق لي إلا التوسل بالخالق الجليل . في تلك الليلة ، رأيت رؤية ، أودعت في قلبي طمأنينة رائعة . رأيت أني قصدت بيت رسول الله صلى الله عليه و آله و كانت عائشة هي من فتح علي الباب ، و سألتها عن الرسول صلى الله عليه و آله فأشارت إلى أنه هناك في الغرفة . دخلت عليه صلى الله عليه و آله و هو ملقى على فراشه يتأمل السماء . اقتربت منه و إذا به ينتبه إلي ، فأخذ مكانه جالسا .
و سلمت عليه ، و عيني من الرهب دامعة . و كان الطعام الذي وضعه إلى صلى الله عليه و آله من جنس طعام العرب ، لكنه خالٍ من اللحم . كنت منشغلا بطرح السؤال ، فأخشى أن تفوتني هذه الفرصة . فسألته عن الشيعة 4 و مآسيهم و أن هذا حتما يؤلمه . فطأطأ رأسه و قال لي : نعم يا بني ، نعم .
ثم دعاني إلى الطعام . . فأكلت و الدموع لما تجف من عيني .
إن الأمة التي قتلت الحسين ( عليه السلام ) و سبت أهله الطاهرين . لا يمكنني الثقة بها مطلقا . و لا يمكنني أن أؤول هذه الأحداث لصالح الفكر الفاسد . مثلما لا أستطيع تأويل الدم الطاهر بالماء الطبيعي . إن هذه الدماء التي سالت ، ليست مياه نهرية . إنما هي دماء أشرف من أوصى بهم النبي صلى الله عليه و آله في هذه الأمة ، أفقدتني الأمة الثقة في نفسها . و مهما قالوا فإنهم لن يقنعوني بأن دم الحسين ( عليه السلام ) لم يرق بيد مسلمين حكموا الأمة الإسلامية . و كان تعامل أئمة السنة و الجماعة معهم تعاملا حسنا ! .
الأمة التي لم ترع أبناء الرسول صلى الله عليه و آله بعده ، لا يمكن أن ترع سنة بعده . قل ما شئت . قل إن المسلمين في العهد الأول ، اجتهدوا في قتل آل البيت ( عليهم السلام ) و قل إن هذه الأفكار التي وردت في كتب الشيعة دخيلة ، و لا حقيقة لها في التاريخ الإسلامي . لكن هل يستطيع واحد من المسلمين ، من المحيط إلى المحيط ، أن يدعي أن الحسين ( عليه السلام ) لم يمت شهيدا مظلوما بأمر من أمير المؤمنين ( يزيد بن معاوية ) و بفتوى رسمية من ( شريح القاضي ) و سيوف الجيش الأموي الحاقد .
في بيئة ترعرع فيها فكر العامة . و على إثر حدث فريد من نوعه في تاريخ الإسلام . هو حدث تحويل الخلافة إلى ملك عضوض 5 ، حيث ينصب ( يزيد بن معاوية ) غصبا على المسلمين و إن العام الذي اضطر الحسن ( عليه السلام ) أن يتنازل عن الخلافة لمعاوية ، حقنا للدماء . سمي عام الجماعة .
كلا و ألف كلا . فلا أحد يستطيع ذلك . لأن التاريخ أبى إلا أن يبقى أمينا لقضايا المستضعفين و لو كره المفسدون ! .
كنت وقتذاك أبحث عن شئ واحد ، هو أن أتأكد من حقيقة العلاقة و التلازم بين الفكر الشيعي ، و الأئمة من آل البيت ( عليهم السلام ) و هل هم فعلا مصدر هذه الأفكار ؟ أو أن الفكر جديد كل الجدة ، ولم يكونوا قد تداولوه في عصر الأئمة ؟ .
إنني أدركت بعد ذلك أن الأئمة . كانوا أكبر من أن يتبعوا غيرهم . و ما ثبت في التاريخ الإسلامي أن تعلم إمام من أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) على يد عامية . بل هم في الأغلب كانوا أساتذه لأئمة أهل السنة و الجماعة ، الذين ما لبثوا أن مالوا و استكانوا لرغبة الأمراء و الخلفاء ، و سكتوا عن أشياء ، و ضمموا أخرى .
و أخضعوا فكر الأمة لغريزة ( البلاط ) ! .
و السؤال: هل ما عليه الشيعة اليوم من عقيدة و عبادات كان جاريا في عصر الأئمة ؟ .
بينما أنا أتصفح تفسير ( ابن كثير ) إذا بي أعثر على تفسير الآية الكريمة ﴿ ... وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ... 6 حيث أورد وجهات النظر الفقهية المختلفة ، بين القائلين بالغسل و القائلين بالمسح استحضر خطابا للحجاج بن يوسف الثقفي ، يقول فيه بالغسل . و كان هو الخطاب الحاسم في تفسير ابن كثير للآية الكريمة
و أورد قصة عن أصحاب زيد بن علي ( رضي الله عنه ) قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا إسماعيل ابن موسى أخبرنا شريك عن يحيى بن الحرث التيمي يعني الخابر قال نظرت في قتلى أصحاب زيد فوجدت الكعب فوق ظهر القدم و هذه عقوبة عوقب بها الشيعة بعد قتلهم تنكيلا بهم في مخالفتهم الحق و إصرارهم عليه 7 و هكذا قتلوا في المعركة و مسخت جثتهم ) ، حيث انقلبت أكعابهم إلى ظهر الرجل .
الله أكبر ! و شهد شاهد من أهلها . إن هذه الممارسة الفقهية و العبادية لم تأت من الأهواء اللاحقة . بل كانت متداولة في عصر الأئمة ، و تحت سمع واحد من قيادات بني هاشم و المقربين إلى الأئمة ، و هو زيد بن علي بن الحسين ( رضي الله عنه ) .
فإذا كان زيد بن علي ( رضي الله عنه ) و أصحابه مسخوا في تفسير ابن كثير ، فيا تاريخ سجل ، أنني أول الممسوخين ! إن هذا ليس هو أول لغم في تراث أهل الجماعة يفجر غضبي ، ففي مقدمة ابن خلدون ، حقيقة أخرى ، يجب الوقوف على وقاحتها . إذ قال : ( وشذَّ أهل البيت في مذاهب ابتدعوها ، و فقه انفردوا به ) ! .
إن هذا يعني أن المتهم الأول هم آل البيت ( عليهم السلام ) الذين قال فيهم الرب سبحانه ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا8 .
هذان المثالان طمأناني ، على مدى تمازج ( الشيعة ) بآل البيت ( عليهم السلام ) . و كانا أهل البيت ( عليهم السلام ) أيضا موضع اتهام مع أشياعهم .
خرجت إلى الساحة بقوة ، بعد أن تشبعت بكل المقومات السجالية الكلامية . و بعد أن وقفت على آخر تذرعات ( العامة ) و حصلت لي سجالات كثيرة ، و حوارات طوال . مع مختلف طباقاتهم . و يعلم الله إنهم كانوا في كل الأحوال ضعيفي الحجة ، سقيميها . هزيلي ، المنطق عليليه . لا يصمدون أمام أبسط مقولة عقلية في الحوار . كيف يراد لي أن أسلك مذهبا يقوم على الصنمية التاريخية . إنني أدركت منذ البداية إنني لست على ( الإسلام ) كما كانوا يدعون .
و إنما على مذهب من الإسلام اسمه ( مذهب أهل السنة و الجماعة ) كيف يعقل أن تلغى المذاهب الأخرى ، و يبقى مذهب واحد ، مستبد بعقول الناس . ولم تكن له قدرة على الاستمرارية ، إلا لأنه بقي مذهبا رسميا ، لكل الدول التي تعاقبت الخلافة في ما بعد ! 9 .

________________________
1. نسبة إلى ( الجمهور ) .
2. كنت أتسأل لماذا أحارب هذا الظلم ، و في فقه الجماعة ما يدعمه و قد قال سعيد حوى في إجاباته ( لا نمضي بعيدا عن احتجاجات العصرة من لم يدخل في بيعة الإمام الظالم فالأمر في حقه واسع ) ، ( أي يجوز الخروج و عكسه أيضا ) لكن الأفضل له الدخول و الطاعة ؟!! .
3. و إن الواحد منهم يكفر كل حكومات مصر ، لما يذكر مقتل حسن البنا ، و سيد قطب . و هم يعلمون أن الذين قتلوا الحسين ( عليه السلام ) و آل البيت ( عليهم السلام ) هم أشد كفرا و نفاقا ، لكنهم يتأدبون معهم ! .
4. كانت يومها الحرب العراقية ـ الإيرانية على أشدها ، و قد بدأ العالم جميعه يلتفت إلى إيران على أساس إنها العدو الأول . و سألته يومئذ عن الإمام الخميني ( قدس سره ) و عندها أقرني ، مطأطأ رأسه .
5. أي من خلافة مغتصبة إلى ملك عضوض أنكى و أمر .
6. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 6 ، الصفحة : 108 .
7. سورة المائدة : آية 28 . ذكر الأحاديث الواردة في غسل الرجلين و إنه لا بد منه ، ( تفسير القرآن العظيم الجزء الثاني لابن كثير ) دار بيروت لبنان .
8. القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 33 ، الصفحة : 422 .
9. كتاب لقد شيعني الحسين للكاتب ادريس الحسيني : 59 ـ 67

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

القرآن وتنظيم الأسرة
المسرح المدرسي
العقيدة و المرجعية
ماذا تفعل الزوجة فى مواجهة الزوج اللعوب؟
انعقاد مؤتمر تحت شعار"من سيرة الإمام علي (ع) ...
لاتلاحقي زوجك وتعاملي معه بنفسية الرجل
الأحكام الثابتة والمتغيّرة
حقوق الأبوين في القرآن الكريم والسنة النبوية
و الصحه الصوم
الفاكهـــة و فـــوائدهــــا

 
user comment