تعتقد الشّيعة الإمامية الإثنا عشرية بأنّ الله واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، لا شريك له في العبوديّة ، متّصف بصفات الجمال والإكرام من العلم والقدرة والإختيار والحياة والارادة والكراهة وإلادراك والقدم والأزليّة والبقاء والسرمديّة والتكلّم والصّدق ، منزّه عن الكذب والإفتراء ، متعال عن الإتّصاف بنقائص الأشياء ، ومتّصف بصفات الجلال وهي نفي التركيب عنه ونفي الجسميّة والعرضية وكونه محلاً للحوادث ، ونفي الرؤية عنه ، ونفي الشّريك ، ونفي المعاني والأحوال ونفي الإحتياج ، وكلّ ذلك مبرهن عليه بالأدلّة العقليّة في كتب الشّيعة الكلاميّة.
وتعتقد الشيعة أنّه تعالى عدل لا يجور في قضائه ، ولا يتجاوز في حكمه ، يثيب المطيعين وينتقم بمقدار الذنب من العاصين ، ويكلّف الخلق بمقدورهم ، ويعاقبهم على تقصيرهم دون قصورهم ، ولا يأمر عباده إلاّ بما فيه صلاحهم ، ولا يكلّفهم إلاّ بما فيه فوزهم ونجاحهم ، الخير منشأه منه ، والشرّ صادر عنهم لا عنه ، وهو تعالى غنيّ عن الظلم منزّه عن فعل القبيح ، وقد أمر بالعدل والإحسان وذمّ الظلم ولعن الظّالمين وقامت على ذلك الآيات والبراهين 1.
وتعتقد الشيعة أنّ الله لطيف بعباده ، وأنّ من لطفه بهم أن فتح لهم باب التوبة ، ونهاهم عن القنوط من رحمته ، وقال : (قلّ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً) 2 وقال تبارك وتعالى : (إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) 3 ومع ذلك فقد حذّر من المعصية وتوعّد بالعقاب كلّ من يخالف أوامره ونواهيه ، وهنا أبحاث كثيرة ومطالب مهمّة لا يسعنا عرضها بالتفصيل ، فليرجع إليها في كتب الشيعة الكلاميّة.
وتعتقد الشيعة أنّ النبوة وإرسال الأنبياء لطف من ألطاف الله بعباده ، ومهمّة هؤلاء الأنبياء إخراج الناس من الظّلمات إلى النور ، وتعريفهم الحلال والحرام ، وإرشادهم إلى طاعة الله وكيفيّتها ، وتحذيرهم من معصية الله وعاقبتها.
وتعتقد الشيعة بجميع الأنبياء والرّسل الذين بعثهم الله إلى الامم ، وانّ آخرهم وخاتمهم هو النبي محمّد بن عبد الله صلىاللهعليهوآله خاتم الأنبياء والمرسلين ولا نبيّ بعده ، وأنّه صلىاللهعليهوآله بلّغ الرسالة كاملة عن الله تعالى ، وأنّه صلىاللهعليهوآله جاء بالقرآن معجزته الخالدة الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأنّ النبي وهو أفضل البشر على الإطلاق في صفاته ومناقبه وجميع الكمالات وكان المثل الأعلى للبشريّة جمعاء ، وأنّه معصوم عن الخطأ والسهو والنسيان في جميع أحواله قبل البعثة وبعدها حال التبليغ أو في سائر أحواله بلا فرق بينها ، وله من الخصائص في نفسه وبدنه وعبادته وجميع شؤنه ما لا يشاركه فيها أحد من الناس.
وتعتقد الشيعة بالإمامة وأنّها في أهل البيت بنصّ القرآن الكريم وأحاديث النبي صلىاللهعليهوآله وأنّ الإمامة امتداد لمسيرة النبوّة وأنّها من الله لا من الناس ، فكما أنّ النبي لا يمكن تعيينه واختياره من قبل الناس فكذلك القائم مقام النبي صلىاللهعليهوآله وهو الإمام لا يمكن أن يعيّنه البشر ، بل التعيين يكون من النبي بأمر من الله تعالى وأن الإمام القائم مقام النبي يشترط فيه العصمة من الخطأ والسهو والنسيان في جميع الأحوال ، وأنّ الائمة بعد الرسول صلىاللهعليهوآله هم اثنا عشر إماماً نصّ النبي على إمامتهم وسمّاهم بأسمائهم ، وأنّ الأوّل هو أمير المؤمنين علي بن ابي طاب عليهالسلام ثم الحسن ، ثمّ الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي الباقر ، ثمّ جعفر ابن محمد الصادق ، ثمّ موسى بن جعفر الكاظم ، ثمّ علي بن موسى الرضا ، ثمّ محمد بن علي الجواد ، ثمّ علي بن محمد الهادي ، ثمّ الحسن بن علي العسكري ، ثمّ القائم المهدي المنتظر ، وهو حيّ موجود إلاّ أنّه غائب عن الأنظار وسيظهر عندما يأذن الله له في الخروج ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.
بذلك وردت النصوص عن النبي صلىاللهعليهوآله ورواها الثقات والحفّاظ.
ومسألة الإمامة هي نقطة الخلاف والإختلاف بين الشّيعة والسنّة ، فالشيعة تذهب إلى أنّ الإمامة بالتّعيين من الله على يد النبي وليس للبشر حقّ الإختيار.
وأمّا السنّة ، فقالوا : إنّ الإمامة بالرأي والاختيار.
وقد أقام الشيعة الادلّة العقليّة والنقليّة على أنّ الإمامة لا يمكن ان تكون بالرأي والاختيار ، وساقهم البرهان إلى الاعتقاد بما هم عليه واستدلّوا بروايات وردت في صحاح كتب السنّة كصحيح البخاري 4 وصحيح مسلم 5 ومسند أحمد 6 وغيرها من كتب الحديث ، مضافاً إلى البراهين العقليّة التي أقاموها على ذلك.
ويمكن القول إنّ أساس الاختلاف بين السنّة والشيعة يرجع إلى مسألة الخلافة والإمامة بعد النبي صلىاللهعليهوآله وعلى هذه المسألة يدور النزاع والصراع الفكري بين الطرفين. وامّا بقيّة المسائل كالفقهيّة والأصوليّة والكلاميّة ، فهي وأن كانت موارد للخلاف ، والخلاف فيها قد يصل الى حدّ التباين ، الاّ أنّ الأساس في ذلك مسألة الإمامة وما يتفرّع عليها.
وتعتقد الشيعة بالمعاد يوم القيامة ، وانّ المعاد جسماني ويوقف الناس في المحشر ويجمعهم الله ليحاسبهم على أعمالهم ، فيثاب أناس ويعاقب آخرون ، وأنّ هناك جنّة ونار وميزان وصراط وأنّ النبي صلىاللهعليهوآله يوم القيامة يشفع لبعض العصاة من أمته ويشفّعه الله في ذلك. كما أن الأئمة عليهمالسلام كذلك أيضاً فإنهم يشفعون ويشفّعون.
هذه هي أصول الاعتقاد عند الشيعة على الإجمال وما عداها من سائر المعتقدات يرجع إليها.
ونكتفي بعرض هذا القدر للتعريف الإجمالي بعقيدة الشيعة. وأمّا تفاصيلها والأدلّة عليها ، فقد ذكرت في كتبهم الكلاميّة فليرجع الباحث الى كتبهم ويقف بنفسه على أقوالهم وأدلّتهم ولا يعتمد على كتب خصومهم أو السماع من أعدائهم ، ثم يحكم عليهم بالزيغ والضلال من دون بيّنة وبرهان.
(قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتّبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) 7.
والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين.
_______________________
1) العقائد الجعفرية : ص ١٧ بتصرف.
2) سورة الزمر ، الآية ٥٣.
3) سورة النساء ، الآية ٤٨.
4) صحيح البخاري بحاشية السندي لأبي عبد الله محمد بن اسماعيل : ج ٣ ص ٨٦ ، دار المعرفة ، بيروت ـ لبنان.
5) صحيح مسلم بشرح النوري : ج ٨ ص ١٧٤ و ١٧٥ و ١٧٦ و ١٧٧.
6) مسند أحمد بن حنبل : ج ١ ص ١٧٤ و ١٧٥ و ١٧٧.
7) سورة يوسف ، الآية