عربي
Saturday 4th of May 2024
0
نفر 0

الموت ليس إبطالاً للشخصية

الموت ليس إبطالاً للشخصية

إنّ القائل بأنّ الموت إبطال للشخصية ، حسب أنّ الإنسان موجود مادي محض ، وليس هو إلاّ مجموعة خلايا وعروق وأعصاب وعظام وجلود ، تعمل بانتظام ، فإذا مات الإنسان صار تراباً ، ولا يبقى من شخصيته شيء ، فكيف يمكن أن يكون المعاد نفس الأوّل؟ ولعلّه إلى ذلك يشير قولهم : { أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } ؟. بأن يكون المراد من الضلال في الأرض بطلان الهوية بطلاناً كاملاً لا يمكن أن تتسم معه بالإعادة ، ويجيب القرآن عن هذه الشبهة بجوابين:
أوّلهما : قوله : { هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ } (3).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(3) - سورة السجدة : الآية 10.
________________________________________
وثانيهما:  قوله : { قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}(1).
والجواب الأوّل : راجع إلى بيان باعث الإنكار ، وهو أنّ السبب الواقعي لإنكار المعاد ، ليس ما يتقوّلونه بألسنتهم من الضلالة في الأرض ، وإنّما هو ناشئ من تبنيّهم موقفاً سلبياً في مجال لقاء الله ، فصار ذلك مبدأً لطرح هذه الشبهات.
والجواب الثاني : جواب عقلي عن هذا السؤال ، وتعلم حقيقته بالإمعان في معنى لفظ التوفي ، فهو وإن كان يفسّر بالموت ، ولكنّه تفسير باللازم ، والمعنى الحقيقي له هو الأخذ تماماً ، وقد نصّ على ذلك أئمة أهل اللغة ، قال ابن منظور في اللسان : « توفّي فلان وتوفاه الله ، إذا قبض نفسه ، وتَوفَّيْت المال منه ، واستوفيته ، إذا أَخَذته كلّه. وتوفيت عدد القوم ، إذا عددتهم كلهم . وأنشد أبو عبيدة:
إنّ بني الأدرد ليسوا من أحد * و لا توفّاهم قريش في العدد أي لا تجعلهم قريش تمام عددهم ولا تستوفي بهم عددهم » (2).
و آيات القرآن الكريم بنفسها كافية في ذلك ، يقول سبحانه:  { اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} (3) ؛ فإنّ لفظة { الَّتِي } ، معطوفة على الأنفس ، وتقدير الآية : يتوفى التي لم تمت في منامها . ولو كان التوفي بمعنى الإماتة ، لما استقام معنى الآية ؛ إذ يكون معناها حينئذٍ : الله يميت التي لم تَمُتْ في منامِها . وهل هذا إلاّ تناقض؟ فلا مناص من تفسير التوفّي بالأخذ ، وله مصاديق
تنطبق على الموت تارة ، كما في الفقرة الأُولى ، على الإنامة أُخرى ، كما في الفقرة
الثانية.
إذا عرفتَ ذلك فلنرجع إلى قوله سبحانه : { قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ } ،
فمعناه : يأخذكم ملك الموت الذي وكّل بكم ، ثمّ إنّكم إلى الله ترجعون . وهذا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة السجدة : الآية 11.
(2) - لسان العرب : ج 15، ص 400، مادة « وفى ».
(3) - سورة الزمر : الآية 42.
________________________________________
مآله إلى أنّ شخصيتكم الحقيقية لا تضل أبداً في الأرض ، وما يرجع إليها يأخذه
ويقبضه ملك الموت ، وهو عندنا محفوظ لا يتغير ولا يتبدّل ولا يضلّ ، وأمّا
الضال ، فهو البدن الذي هو بمنزلة اللباس لهذه الشخصية.
فينتج أنّ الضال لا يشكل شخصية الإنسان ، وما يشكّلها ويقوّمها فهو
محفوظ عند الله ، الذي لا يضلّ عنده شيء.
والآية تعرب عن بقاء الروح بعد الموت ، وتجرّدها عن المادة وآثارها ، وهذا
الجواب هو الأساس لدفع أكثر الشبهات التي تطرأ على المعاد الجسماني العنصري.
وبما أنّ تجرد النفس ، ممّا شغل بال المنكرين ، واهتمّ به القرآن الكريم ،
عناية كاملة ، فسنبحث عنه بعد الإجابة عن الشبهة الرابعة.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

حقدت على الشيعة في البداية وكتب الشيخ المفيد سبب ...
دور العقل في فهم وتفسير القرآن
الفرق بين الخير والسعادة
لماذا إثنا عشر إماماً فقط
المجتمع الإسلامي في كلمة القائد
لماذا اعرض الصحابة عن مدلول حديث الغدير
هل كل كافر يدخل النار؟
ضيافة الله
تحكم بغرائزك.. تقوى إرادتك
مصير الحجّة بعد الرسول ( ص ) في القرآن

 
user comment