اسمها ونسبها :
هي السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عليهم السلام ) ، سليلة الدوحة النبوية المطهرة ، وغصن يافع من أغصان الشجرة العلوية المباركة ، وحفيدة الصديقة الزهراء ( عليها السلام ) المحدِّثة ، العالمة ، العابدة .
اختصتها يد العناية الإلهية فمنت عليها بأن جعلتها من ذرية أهل البيت المطهرين ( سلام الله عليهم أجمعين ) .
وقد ورد في بعض التواريخ أن الإمام الرضا ( عليه السلام ) لقبها بالمعصومة .
ولادتها ونشأتها :
وُلدت السيدة المعصومة ( عليها السلام ) في المدينة المنورة في الأول من شهر ذي القعدة عام ( 137هـ ) على أصح التواريخ .
وترعرت في بيت الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، فورثت عنه من نور أهل البيت (عليهم السلام) وهديهم وعلومهم في العقيدة والعبادة والعفة والعلم ، وعُرِّفت على ألسنة الخواص بأنها :
( كريمة ) أهل البيت ( عليهم السلام ) .
نشأت السيدة فاطمة ( عليها السلام ) تحت رعاية أخيها الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، لأن الرشيد العباسي أمر أباها عام ولادتها ، فأودعه سجونه الرهيبة الواحد تلو الآخر ، إلى أن اغتاله بالسم عام ( 183هـ ) .
فعاشت السيدة المعصومة مع إخوتها وأخواتها في كنف الإمام الرضا ( عليه السلام ) .
وقد أجمع أصحاب السير والتراجم على أن أولاد الإمام الكاظم ( عليه السلام ) كانوا أعلاماً لائحة في العبادة والتقوى والنُّسك .
من كراماتها :
نقل مؤلف كتاب : ( كرامات معصوميه ) عن أحد المهاجرين العراقيين :
( حَدَث يوماً أن وُصف لي طبيب حاذق ، فاصطحبت والدتي له ، فعاينها ووصف لها علاجاً ، ثمّ إني عُدت بوالدتي إلى البيت ، وبدأت بحثي عن الدواء الذي وصفه لها ، فما وجدته إلا بعد عناء ومشقة عظيمة .
ولما كنت في طريقي إلى المنزل ، وقع بصري على القبة المقدسة للسيدة المعصومة (عليها السلام) ، فألهم قلبي زيارتها والتوسل بها إلى الله تعالى ، فدخلت الحرم المطهر ، وألقيت بالأدوية جانباً ، وخاطبت السيدة بلوعة وحُرقة :
يا سيدتي ، لقد كنا في العراق نلجأ إلى أبيكِ باب الحوائج في كل شدة وعُسر ، ونستشفع به إلى الله تعالى في قضاء حوائجنا ، فلا نعود إلا وقد تيسر لنا عسيرُها ، وها نحن لا ملجأ لنا هنا إلاكِ ، وها أنا سائلك أن تشفعي في شفاء أمي مما ألم بها .
قال : ولقد منّ الله تعالى على والدتي بالشفاء في نفس ذلك اليوم ببركة بنت موسى بن جعفر ( عليهم السلام ) ، فاستغنينا عن الدواء .
ظروفها الاجتماعية والسياسية :
ولدت السيدة المعصومة في عهد الرشيد العباسي ، ففتحت عينيها منذ صغرها على وضع سلطوي إرهابي ، فلقد قامت أركان الدولة العباسية على أنقاض الدولة الأموية ، وتستر العباسيون وراء شعار رفعوه في بداية أمرهم هو : ( الرضا من آل محمد ) ، ليوهموا طائفة من المسلمين الموالين لأهل البيت ( عليهم السلام ) .
لكنهم ما إن تسنموا سدة الحكم واستتبت لهم الأمور حتى انقلبوا على أهل البيت ( عليهم السلام ) وامتدّت أيديهم بالقتل والبطش والقمع لكل من يمت لهذه الدوحة العلوية الشريفة بصلة ، فلاحقوا أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) وقتلوهم وسجنوهم .
رحلتها إلى خراسان :
اكتنفت السيدة المعصومة ( عليها السلام ) - ومعها آل أبي طالب - حالة من القلق الشديد على مصير الإمام الرضا ( عليه السلام ) منذ أن استقدمه المأمون إلى خراسان .
فقد كانوا في خوف بعدما أخبرهم أخوها أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) أنه سيستشهد في سفره هذا إلى طوس ، خاصة وأن القلوب ما تزال تدمى لمصابهم بالكاظم (عليه السلام) الذي استـقدم إلى بغداد ، فلم يخرج من سجونها وطواميرها إلا قتيلاً مسموماً .
كل هذا يدلنا على طرف مما كان يعتمل في قلب السيدة المعصومة ( عليها السلام ) ، مما حدا بها - حسب رواية الحسن بن محمد القمي في تاريخ قم - إلى شد الرحال ، إلى أخيها الرضا ( عليه السلام ) .
وفاتها :
رحلت السيدة المعصومة ( عليها السلام ) تقتفي أثر أخيها الرضا ( عليه السلام ) ، والأمل يحدوها في لقائه حياً ، لكن وعثاء السفر ومتاعبه اللذينِ لم تعهدهما كريمة أهل البيت ( عليها وعليهم السلام ) أقعداها عن السير .
فلزمت فراشها مريضة مُدنَفة ، ثم سألت عن المسافة التي تفصلها عن قم - وكانت آنذاك قد نزلت في مدينة ساوة - فقيل لها إنها تبعد عشرة فراسخ ( 70 كيلو متراً ) ، فأمرت بإيصالها إلى مدينة قم ، فحملت إليها على حالتها تلك ، وحطت رحالها في منزل موسى بن خزرج بن سعد الأشعري ، حتى توفيت ( عليها السلام ) بعد سبعة عشر يوماً .
وفي أصح الروايات أن خبرها لما وصل إلى مدينة قم ، استقبلها أشراف قم ، وتقدمهم موسى بن خزرج ، فلما وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وقادها إلى منزله ، وكانت في داره حتى تُوفيت في سنة ( 201هـ ) ، فأمرهم بتغسيلها وتكفينها ، وصلى عليها ، ودفنها في أرض كانت له ، وهي الآن روضتها ، وبنى عليها سقيفة من البَواري ، إلى أن بَنَت زينب بنت محمد الجواد ( عليه السلام ) عليها قبّة .