عربي
Saturday 21st of December 2024
0
نفر 0

الحكومة البويهية والتشيع .

كـانت الحكومة في ارجا مختلفة من ايران بيد اسر فارسية منذ سنة 200 هـ فما تلاها,لكنها كانت خـاضـعة لاشراف السلطة العباسية و من هذه الاسر : الاسرة الطاهرية , والصفارية , ثم السامانية بـعدهما و هذه الاسر التي تمتعت بسلطة مستقلة عن الحكم العباسي كانت ترغم ذلك الحكم ليخولها شـؤون الـمـنـطـقة التي تسيطر عليهاقسرا ((1179)) فكان الحاكم العباسي ـ الذي لم يفكر الا بـراحـتـه و رخائه ـ يستجيب لها بعد ان يقبل منها الهدايا الكثيرة و الاخراج السنوية , علما بانه لم يـؤمـل مـنـه القيام بعمل ما و كانت للحكم العباسي منزلته الرفيعة عند اولئك الحكام و الامرا و هو نـفـسـه يـزيـد سلطتهم السياسية والدينية التي كانت لها اهميتها الكبيرة ((1180)) بيد ان الحاكم الـعـبـاسـي ايضا كان يستغل الفرصة المناسبة لاضعافهم من خلال الايقاع بهم , وبث الفتن بينهم , و تحريض احدهم على الاخر و ضـعفت الحكومة العباسية كثيرا في مستهل القرن الرابع , حتى لم تظل منطقة خاضعة لنفوذها في سنة 325 ه الا بغداد ((1181)) , التي احتلها البويهيون بعد تلك الفترة و يرى ابن خلدون ان سلطة الـحكام العباسيين قد ضعفت منذ عهد المتوكل فنازلا بينمايرى غيره انه لم تعد لهم سلطة و سطوة مـنـذ سنة 308 فما بعدها ((1182)) و كان البويهيون على عكس الاسر التي سبقتهم اذ لم يقنعوا بـحـكـومة الري , و اصفهان , وشيراز, فاقتحموا بغداد, و جعلوا الحاكم العباسي العوبة بايديهم و بـلـغـت سـلـطـتهم ذروتها اعتبارا من النصف الاول للقرن الرابع حتى اواخر النصف الاول للقرن الخامس اي : ما ينيف قليلا على قرن .
و يـعـد السلاطين البويهيون من اقدر الحكام الذين حكموا البلاد الاسلامية , حتى قال ابن خلدون : ((و كـانـت لبني بويه الدولة العظيمة التي باهى الاسلام بها سائرالامم
((1183)) )) و بنو بويه ثلاثة اخوة هم : ابوالحسن علي او عمادالدولة , و ابوعلي حسن او ركن الدولة , و ابوالحسن احمد او معزالدولة , و ابوهم ابوشجاع صيادالسمك ((1184)) و نسبوا انفسهم الى ملوك فارس القدامى كـمـا فعل الصفاريون والسامانيون من قبلهم ((1185)) و ذكر البعض ا نهم كانوا في البداية عند نـاصـر الـحـق الـعلوي ((1186)) ثم انضووا تحت لوا مرداويج و لما راى هذا الشخص كفاتهم وجـدارتـهـم , عـينهم حكاما على الري بيد ان عماد الدولة استمال الناس الى نفسه بعدمدة , ثم يمم اصفهان و تعد خطوته هذه بداية لنشاطهم المستقل .
دخـل البويهيون شيراز سنة 322 ه و اتخذوها قاعدة وطيدة لحكومتهم القادمة و كانت سيرتهم مع الـنـاس طـيـبـة و في ضؤ ما قاله ابن الاثير, فان معز الدولة عندما دخل شيراز((نادى في الناس بالامان و بث العدل
((1187)) )) و كان لهذا العمل تاثيره البالغ على المجتمع طبيعيا.
و كانت بينهم و بين مرداويج و اخيه وشمگير مصادمات عديدة على امتداد الفترة التي كانوا يتاهبون فيها لاحتلال بغداد و تحركوا شطر بغداد بعد تثبيت موقعهم في فارس و خوزستان و اخيرا دخل معز الدولة بغداد سنة 334 هـ و استحوذ على الحاكم العباسي و بلغت سلطته فيها درجة انه عزل المستكفي و نصب المطيع مكانه و لا نـعتزم هنا استعراض الحروب التي خاضها البويهيون مع الحمدانيين في سورية من جهة , و مع الـسـامانيين في شرق ايران من جهة اخرى كما لا ننوي دراسة محاولاتهم المتكررة لاحتلال مهد نشاتهم , اي : الديلم , و مازندران و كذلك لا يدور في خلدناعرض الصراعات الداخلية بين البويهيين انـفسهم بعد عضد الدولة المتوفى سنة 372 ه اذ نشبت بين ابنائه , و بين اخيه بل يهمنا هنا دراسة الـدور الـذي مارسه البويهيون في توسيع نطاق التشيع بوصفهم حكاما على مناطق رئيسة من ارض فارس , و العراق .
و الـمـعـنـا آنـفـا الى ان القرن الرابع هو قرن امتداد التشيع و كانت هناك بواعث عديدة على هذا الامتداد, منها : قيام اربع حكومات شيعية هي : الفاطمية في مصر, والبويهية في العراق و فارس , و الحمدانية في سورية
((1188)) , و الزيدية في اليمن .
و مـن الـواضـح ان هذه الحكومات تحتاج الى ارضية مناسبة لم تكن متهيئة في القرون الخالية , على الـرغم من قيام بعض الانتفاضات الزيدية اما في هذا القرن , فقد كان ضعف الحكام العباسيين من جهة , و نفوذ بعض العناصر التي دخلت في الميدان السياسي من جهة اخرى , باعثا على تاثر العقائد الدينية بـتلك الاجوا تدريجا, و بروزبعض التغييرات في تركيبتها و كان التطرف الذي ابداه بعض السنة بخاصة الحنابلة ,سببا في ركون قسم منهم الى التشيع .
و نـقل ان الطبري اصطدم بالحنابلة مع انه كان سنيا, حتى رموه بالرفض
((1189)) فلم يابه لذلك , و واصـل طـريـقـه فـالـف كـتابا في طرق حديث الغدير و هو الكتاب الذي كان يخشاه الذهبي و غـيره ((1190)) و كانت توجهات الحنابلة قد وسعت نطاق الصراعات الداخلية لمصلحة الشيعة و حـدث مـرة ا نـهـم فسروا قوله تعالى : (عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا) بالجلوس على العرش عـنـداللّه , و لـم يـقـبل ذلك منهم سائراهل السنة , مما ادى الى نشوب الصراع والفتنة سنة 317 هـ ((1191)) و اصـاعدت حدة الخلافات الى درجة ان الراضي العباسي خطب سنة 323 ه فاتهم الـحـنـابـلـة ا نـهم يعتقدون بالتشبيه , و يطعنون على خيار الائمة , و ينسبون شيعة آل محمد الى الـكـفـروالـضـلالـة ((1192)) و هـذه الـحـوادث آية على وجود ارضية التشيع و نموها في خضم الصراعات التي كانت ناشبة بين اهل السنة .
و كـان لامـتداد الفكر الشيعي , و الجهود التي بذلها فرسانه في هذا السبيل , كالشيخ ‌المفيد, اثر في توسيع النطاق الاجتماعي للشيعة ابان هذا القرن و لم يقتصر هذا التشيع على ايران , بل على العكس , كـانـت ايـران احـدى الـمـراكـز المهمة للمذهب السني , اذ نقراان اصفهان كانت تبدي حبها الجم لـمـعـاويـة
((1193)) , و تاهبت مرة للاصطدام بتجارقم مع خوفها من البويهيين , ذلك ان اهلها لم يـحـترموا الصحابة الذين كانوا يوالون عليا واهل البيت ـ عليهم السلام ـ و يجيزون امتهانهم و قد افـضى ذلك الى تضررهم طبيعيا ((1194)) و كانت المناطق الشرقية في ايران سوا الجنوبية منها او الـشـمـالـيـة مـتـمـسـكـة بـالمذهب السني و تعد نيسابور من المراكز العلمية لاهل السنة و اتخذالسامانيون اشد الاجراات ضد التشيع و ما حربهم مع العلويين في الشمال الا من هذاالمنطلق .
كان البويهيون من العوامل المساعدة على امتداد التشيع , على الرغم من انهم لم يؤكدواهذه المسالة تاكيدا مستقلا , و لم يبدوا عدا خاصا للمذهب السني و لو كانوا قد فعلواذلك , لسقطت حكومتهم في وقـت مبكر و كانت مرونتهم في الخلافات الدينية باعثاعلى حفظ التوازن السياسي , مع ا نهم كانوا عـلـى الـمذهب الشيعي , و لم يكن بمقدورهم اخفا ذلك طبعا و ينبغي ان نقول بصراحة : ان المسائل السياسية كانت تهمهم اكثر من اي شي آخر و لم يعتزموا تسليم الحكومة للعلويين حقا و حتى عندما خـطـر فـي بـالـهـم ذلـك , لـم يـرغـبـوا في تنفيذه و السبب هو ان الحكومة لو صارت بيد احد الـعـلـويـيـن ,لانـتـهـى امرهم بسهولة , في حين لم يتصور احد ان وجود العباسيين وجود فوقي بالنسبة اليهم
((1195)) علما ان وجود البويهيين , بوصفهم من البواعث على امتداد التشيع ,لا يعني ا نـهـم مـهدوا الارضية لهذا الامتداد اساسا, اذ سبقهم الى ذلك غيرهم , كما صرح ابن الجوزي بذلك قائلا, و كثر الرفض في سنة 331 ه قبل قدوم البويهيين الى بغداد ونودي ببراة الذمة ممن ذكر احدا من الصحابة بسؤ ((1196)) )) و كذلك نقل ان احدالحنابلة المتعصبين كان قد خرج من بغداد بسبب اهانة الصحابة (و هو معلم على انتشار التشيع ), و ذلك قبل قدوم البويهيين اليها ((1197)) .
ثـمـة خـلافـات تـحـوم ـ كـمـا يـبـدو ـ حـول مـذهـب الـبـويـهـيين فذهب البعض الى ا نهم شـيـعـة فـحسب
((1198)) و اكد آخرون ا نهم كانوا زيديين ((1199)) الا ان المعروف عنهم تـاريـخـيا هو ا نهم اتهموا بالرفض ((1200)) , اي : المذهب الامامي و قال الرازي :كان البويهيون امـامـيـة ((1201)) و هـذا نـفـسـه دلـيـل مـعـبر للغاية و نص فراي ايضا على تشيعهم الاثني عشري ((1202)) .
و نـقـل ان مـعـز الـدولـة الـبـويـهـي جـعل ابن الجنيد مرجعه الفقهي و كان ابن الجنيد احدفقها الامـامية
((1203)) و كتب شبولر قائلا: ((كان البويهيون امامية اثني عشرية منذالبداية و ظلوا اوفـيـا لـلـمذهب الامامي حتى النهاية ((1204)) )) لقد ولد البويهيون في الديلم , و اسماؤهم التي سـمـاهـم بـهـا ابوهم تدل على ا نه كان شيعيا و مما يقوي هذاالراي هو وجود التشيع الزيدي في الشمال اما وجود التشيع الاثني عشري الى جانب التشيع الزيدي هناك , فانه يقوي الاحتمال المقابل .
و لـديـنـا ادلـة اخرى في هذا المجال منها قولهم في احد البويهيين : ((كان غاليا في التشيع )), و يقصدون بذلك انه شيعي اثنا عشري .
و كـان الـزيديون , بعامة , يقرون بخلافة الشيخين , و يتمسكون بفقه ابي حنيفة بيد اننانقرا ما نقله الـمـؤرخـون عن عضد الدولة الذي كان اقوى حاكم بويهي , فقد قيل فيه : ((كان اديبا, مشاركا في فنون العلم , حازما, لبيبا, الا انه كان غاليا في التشيع
((1205)) )).
من جهة اخرى , نلحظ ان عام 351 ه شهد كتابة بعض العبارات على ابواب المساجدوهذه العبارات هـي : لعن اللّه معاوية بن ابي سفيان و لعن اللّه من غصب فاطمة حقهاو لعن اللّه من اخرج العباس من الـشـورى و لـعن اللّه من نفى اباذر و قد ايدها معز الدولة و لكن عندما محاها بعض السنة و كتبوا عـوضـهـا : لـعن اللّه الظالمين لال رسول اللّه , و لم يذكروا احدا في اللعن الا معاوية , فانه اكتفى بذلك
((1206)) .
و كان الزيديون يتحاشون هذه العبارات المفصلة في اللعن و مرجعهم في ذلك سيرة زيد بن علي , اذ عندما كان في الكوفة ايام انتفاضته لم يبرا من عمر, و ابي بكر و يرى الزيدية ان هذا الموقف الذي اتخذه زيد دعم اجمالي لخلافة ذينك الشخصين لذلك فان ذكر العبارات السابقة آية على تشيع اقوى من التشيع الزيدي , و هو التشيع الاثناعشري .
ثـمـة دلـيـل آخـر عـلـى مـا نـقـول , و هـو تـعـبـيـر الـرفـض الـذي اطـلقه ابن كثير على معزالدولة
((1207)) و ذكر ابن عماد الحنبلي ايضا ان معز الدولة كان من الروافض ((1208)) و يرى مونتغمري واط ايضا انه كان اماميا ((1209)) و يؤكدالدكتور كامل الشيبي ـ اعتمادا على ما نقله البيروني ـ ا نه كان في البداية زيديا, ثم ركن الى المذهب الاثني عشري ((1210)) .
و شـهـدت عـاصـمة الحكم العباسي بغداد انتشار التشيع في ارجائها و كانت تقام مراسم العزا يوم العاشر من المحرم فيها علنا عام 352 ه , و امر معز الدولة بتعطيل الاسواق في ذلك اليوم و قيل : ان اهـل الـسـنـة لـم يستطيعوا منع المراسم المذكورة لكثرة التشيع وظهورهم , و كون السلطان مـعهم
((1211)) و عندما كانت تقام هذه المراسم في بغداد,فقد كانت تقام في سائر المدن الخاضعة لـسـلـطتها ايضا و كان هؤلا يختارون ولاتهم من الشيعة او من ذوي الميول الشيعية ((1212)) و ربـمـا كـان لهم وزرا غير مسلمين ايضا ((1213)) كما يلحظ بين وزرائهم من كان متعصبا لاهل السنة ((1214)) .
ان اقـامة المراسم في عيدالغدير من قبل معز الدولة , و استمرارها ايام الحكم البويهي
((1215)) مـعـلم على تشيعهم الاثني عشري ذلك ان الزيديين (في الاقل ) لم يؤمنوا بالنص الصريح على الامام علي ـ عليه السلام والاقرار بعيدالغدير, هو الاقراربالنص الصريح .
و كانت اقامة هذه المراسم في بغداد باعثا على نشوب الصراعات المستمرة بين الشيعة والسنة تلك الـصراعات التي كانت تجري لسنين متواترة و تبرز عادة في يوم عاشورا, ويقتل على اثرها عدد كـثـيـر مـن الناس كما نقل لنا التاريخ ان محلة الكرخ التي يقطنهاالشيعة قد تعرضت للحرائق عدة مـرات
((1216)) و يقع في اطراف هذه المدينة باب البصرة باتجاه القبلة , و اهله كلهم حنابلة , اما جهة الجنوب , فقد كانت محلة نهر قلابين ,و سكانها كسكان باب البصرة ((1217)) .
و افـتعلت شريحة من السنة المتطرفين مراسم مماثلة في مقابل المراسم الشيعية المذكورة فاقامت مـراسم في يوم الغار (26 ذي الحجة ) لتقابل مراسم يوم الغدير وكذلك اقامت مراسم في يوم موت مـصـعب بن الزبير لتقابل مراسم يوم عاشورا
((1218)) و نقل ايضا ا نهم اركبوا امراة و سموها عائشة , و تسمى بعضهم بطلحة , و بعضهم بالزبير, و قالوا : نقاتل اصحاب علي ـ عليه السلام فقتل بسبب ذلك من الفريقين خلق كثير ((1219)) .
و كـان الـصـراع قـائمـا في المدينة بين عنصرين هما : العنصر التركي , والعنصرالديلمي و هذا الـصراع صورة من صور الصراع بين الشيعة والسنة و اذا ما انتصر العنصرالتركي , فان انتصاره يـسـفر عن اندلاع الحرائق في محلة الكرخ الشيعية
((1220)) وكانت هذه الحروب المصحوبة بالامراض الكثيرة التي اصابت بغداد و سائرالمدن (كالوبا, والطاعون ) سببا في تناقص السكان في العراق و عندما تسلم عضد الدولة زمام الامور, امر بمنع القصاص والوعاظ الذين كانوا يشعلون نار الـفـتـن والـقـلاقـل مـن الكلام ((1221)) و هذا نابع من روح التساهل والمرونة التي كان عليها الـحـكـام الـبـويـهيون عادة و مع هذا كله , كان البويهيون جميعهم قد احتفظوا بنزعتهم الرافضية والشيعية ((1222)) .
و كـان مـن جهودهم ترسيخ العلوم الشيعية و لمسنا ذلك في تعزيزهم مدينة قم و تجهيزها لدراسة الكلام الشيعي و هذا معلم من معالم تلك الجهود كما جا ان احدوزرائهم , و يدعى ابا نصر, اسس اول دار للعلم في محلة الكرخ الشيعية سنة 383ه ق و هيا لها كتبا كثيرة , اوقفها على الفقها وهو الذي سماها دارالعلم و قال ابن كثيرفيها: هذه اول مدرسة اوقفت على الفقها, و قد سبقت تاسيس المدرسة النظامية بمدة طويلة
((1223)) .
النشاطات العلمية للشيعة في العصر البويهي و دورها في بسط التشيع .

استطاع الشيعة ان يوسعوا نطاق افكارهم , و ينظموا عقائدهم و احاديثهم من خلال الحرية النسبية التي كانت موجودة على امتداد الحكم البويهي الذي دام مائة و ثلاث عشرة سنة , و عندما حرموا من الاتصال المباشر بالامام المعصوم بعد سنة 260 ه ـو حتى قبل ذلك ـ طفقوا يجمعون الاحاديث في مـجموعات منظمة و كان المرحوم الكليني اول من قام بهذا العمل اذ جمع اصول المذهب و فروعه ذات الطابع الحديثي في كتاب الكافي .
و جا بعده ابن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق فبذل جهودا كبيرة في هذاالمجال يضاف الى ذلك , انه عـرض عـقائد الشيعة من خلال جمع الروايات و تبويبها واتسعت هذه النشاطات العلمية اكثر في العصر البويهي , و تماسك الفقه والعقائدالشيعية من خلال الاستهدا بالاحاديث التي كانت قد اعدت من قبل .
و كان اهم شخصية شيعية يومئذ هو الشيخ المفيد المتوفى سنة 413 ه , و هو تلميذ ابن بابويه فقد بـذل هذا الشيخ الكبير جهودا عظيمة لتعريف العقائد الشيعية من الوجهة العقلية , مضافا الى ما عرف عـنـه من دقة في الاحاديث و قام بتصحيح كتاب العقائدللشيخ الصدوق و الف كتاب اوائل المقالات , فـكـشـف فـيه الفرق بين عقائد الشيعة , وعقائد المعتزلة , و عين الحدود الفاصلة بين التفكيرين : الشيعي , والمعتزلي و صرح هونفسه بذلك في مقدمة الكتاب المذكور : الشيعي , والمعتزلي و صرح هـو نـفـسه بذلك في مقدمة الكتاب المذكور و كانت النشاطات الثقافية للشيخ واسعة للغاية و له في حـقـل التاريخ كتابان مشهوران هما: الارشاد, و الجمل اللذان يدلان على ذهن منفتح , وقاد,محلل و يـبـدو ان كـتـاب الـجـمـل اول كتاب تاريخي تحليلي يرتكز على الاحاديث والروايات الصريحة والصحيحة و لم يؤلف اهل السنة ـ قط ـ كتابا بهذا الاسلوب في ذلك العصر, و حتى في البرهة التي تلته .
و لابد ان تكون عطاات هذه الجهود العلمية كثيرة جدا و كانت الاوساط العلمية في بغداد, حتى تلك الـفـترة , خالية من النشاطات الشيعية نسبيا بيد ان حضور رجل قوي في الاستدلال ملا هذا الفراغ فوجد الشيعة المجال مفسوحا امامهم , حتى تيسر للشريف المرتضى فيما بعد ان يحظى بثقة المجتمع الاسلامي كله بوصفه عالما اسلاميا.
و اشـار الخطيب البغدادي بصراحة الى تاثير الشيخ المفيد على الاخرين
((1224)) وفضله ابن النديم المعاصر له على الاخرين في استثمار العقل و علم الكلام , و اثنى على دقته ((1225)) .
و نـقـل عـن ابـن ابي طي في كتابه : تاريخ الامامية ان الشيخ المفيد بمنزلته المرموقة في العصر الـبويهي (لعل عمره ايام عضد الدولة اربع و ثلاثون سنة ) تصدى لمناظرة جميع اصحاب العقائد و اضاف ان ثمانين الفا حضروا تشييع جنازته
((1226)) و يدل هذاالعدد على كثرة الشيعة في بغداد يومذاك و تعبير الخطيب البغدادي يوضح لناالموضوع اكثر, اذ يقول : ((هلك به خلق من الناس )).
و قال فيه ابن كثير ايضا: ((كانت له وجاهة عند ملوك الاطراف لميل كثير من اهل ذلك الزمان الى التشيع و كان مجلسه يحضره خلق كثير من العلما من سائرالطوائف
((1227)) )).
اذن , يـنـبغي لنا ان نعتبر النشاطات الثقافية للشيعة من العوامل المساعدة على امتدادالتشيع في ذلك الـقرن بخاصة , ان مناظرات الشيخ المفيد في هذا المجال لافتة للنظر ولا جرم ان هذه المناظرات كـانت تستقطب عددا كبيرا من الناس الى التشيع و لذلك اثنى مترجمو الشيخ المفيد عليه في الجدل والمناظرة بصورة رئيسة .
قـال الرازي فيه : لقد بهت الشيخ المفيد ابابكر الباقلاني في المناظرة مرات كثيرة و كان الباقلاني احد علما الاشاعرة الكبار ثم ذكر مثالا على ذلك
((1228)) .
و كـما مر بنا سابقا, فقد كان للمرحوم الكليني في ايران نشاط ثقافي قبل الشيخ ‌المفيدتوفي الكليني سـنة 329 ه و هو مؤلف كتاب الكافي الذي صنفه في غضون عشرين سنة , و خلال اسفار متوالية يقول النجاشي في المقر الرئيس لنشاطه : ((شيخ ‌اصحابنا في وقته بالري و وجههم
((1229)) )) و يـدل هـذا الـكـلام عـلى ان له حلقة درس في الري و كان له اثر كبير في توسيع النطاق الثقافي لـلـشـيعة بوصفه اوثق راو للاحاديث الشيعية و عده ابن الاثير الجزري مجدد المذهب الشيعي في القرن الثالث ((1230)) .
و كذلك يعد محمد بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق من اهم علما الشيعة في العصر البويهي و هو شـيـخ الـمفيد و كان له مجلس درس و مناظرة بالري عند ركن الدولة البويهي و يرى النجاشي ان مـوطنه بالري , و يضيف انه وجه الطائفة بخراسان
((1231)) وهذا يعني ان النطاق الثقافي للشيعة كان يشمل خراسان ايضا,مضافا الى الري , و ان كان ذهاب الشيخ الصدوق و غيره الى مناطق اخرى لا يـدل على اتساع التشيع في هذه المناطق , لان علما الشيعة كانوا يسمعون الاحاديث من علماالسنة ايضا.
و اشـار الـشيخ الصدوق في مقدمة كتابه : كمال الدين الى وجود التشيع في نيسابورو ذكران سبب تاليف هذا الكتاب هو تبيان مسالة الغيبة لاهل تلك المدينة و توفي الشيخ ‌الصدوق سنة 381 ه.
و نـلحظ ان علما الشيعة , اعتبارا من الكليني حتى الشيخ المفيد, كان لهم تاثير بالغ في تعريف عقائد الشيعة و لم يكن الشيعة حتى تلك الفترة مظلومين من الوجهة السياسية فحسب , بل كانوا مجهولين من الـوجـهـة الـعقيدية ايضا و نرى ان كثيرا من العقائد التي نسبت الى الشيعة في القرن الثالث ـ و من المؤسف انها اصبحت مصدرا لعلما السنة ـهي ليست من العقائد الشيعية في شي و لعل العقائد الشيعية كانت غامضة حتى على كثير من الشيعة انفسهم بخاصة ان فرقا مختلفة ـ و لو صغيرة ـ قد ظهرت الـى الـوجودو اقحم الغلاة انفسهم ايضا في حلبة الصراع , و الصقوا بالشيعة عقائد مضادة لعقائدهم عـلـى سبيل المثال , كانت عقيدة التشبيه موجودة بين الغلاة , بيد ان ابن الخياطذكر في الانتصار ان الـتـشـبـيـه من عقائد الرافضة , مع انه استثنى فريقا منهم
((1232)) وهذه التهم هي التي دفعت المرحوم الصدوق الى تاليف كتاب التوحيد و قال في مقدمة الكتاب : ((ان الذي دعاني الى تاليف كتابي هـذا انـي وجدت قوما من المخالفين لناينسبون عصابتنا الى القول بالتشبيه والجبر, لما وجدوا في كـتـبـهـم مـن الاخـبـار الـتـي جـهـلـواتـفـسـيـرها و لم يعرفوا معانيها و وضعوها في غير موضعها ((1233)) )).
و رفـعـت هذه الشبهة بعد ظهور الكليني , والصدوق بوصفهما من محدثي الشيعة الموثقين , و جامعي احـاديـثـهـا, و بعد الدور الذي مارسه الشيخ المفيد في تدوين العقائدالشيعية و كان حضورهم في الـمـراكـز الـعلمية و منها الري , و خراسان , و نيسابور باعثاعلى انتشار الشيعة علما بان الدعم السياسي للبويهيين قد ادى دوره جيدا في مؤازرة هؤلا العلما.
طـبيعيا, هذا لا يعني ان الشيعة غيروا عقائدهم , بل كما مر بنا في هوامش بعض الصفحات السابقة , فان الاحاديث التي حفظت نصا فيما بعد وضحت هوية هذه العقائداما جمعها, و تحليلها, و ترتيبها, و تبويبها فقد كان كل ذلك في القرن الثالث ,والرابع
((1234)) .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

صلح الحسن عليه السلام
المسيح.. في كربلاء
غزوة الطائف
المدن الشيعيّة في شبه القارّة الهنديّة
خلاصة تاريخ اليهود
الوهابية نازية العصر
مقامات أهل البيت عليهم السلام في سوريه
الفرق بين سنه وعام؟؟
شفاعة الميرزا القمي
الشيعة في أندونيسيا

 
user comment