عربي
Tuesday 26th of November 2024
0
نفر 0

النصوص تشيد بالعباس عليه السلام

النصوص تشيد بالعباس عليه السلام

قال الامام السجاد علي بن الحسين - عليه السلام - في حق عمه العباس : رحم الله عمي العباس بن علي ، فلقد آثر وأبلى ، وفدى أخاه بنفسه ، حتى قطعت يداه فأبدله الله بجناحين ليطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن ابي طالب ، وان للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة . (1)

وهكذا بينت الرواية الشريفة ، صفة المواساة والإيثار عند أبي الفضل - عليه السلام - ، وصفة التضحية والفداء ، كما بينت جزاء الله سبحانه له مما يجعل سائر الشهداء ومنهم حمزة وجعفر و .. و .. يغبطونه على عظيم منزلته عند الله .

وهذا النص عظيم الدلالة على فضائل العباس - عليه السلام - ، إلا ان أهم النصوص التي وردت فيه هي الزيارات التي توارثها الموالون لأهل البيت - عليهم السلام - عبر التاريخ حتى وصلت الينا ، والتي عبرت عن مدى تقدير الأئمة المعصومين - عليهم السلام - للعباس .

وقد روى أبو حمزة الثمالي عن الصادق - عليه السلام - .

ونحن نتأمل معا في فقرات هذه الزيارات ، لعلنا نعرف شيئا عن شخصية العباس - عليه السلام - فنقتدي به .

تقرأ فــي زيارة أبي الفضل العباس - عليه السلام - اول ما ندخل في رحاب ضريحه : سلام الله ، وسلام ملائكته المقربين ، وانبيائه المرسلين ، وعباده الصالحين ، وجميع الشهداء والصديقين ، والزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح عليك يا ابن أمير المؤمنين .

ان نهج العباس - عليه السلام - كان نهج الانبياء والصديقين والصالحين عبر التاريخ ، بل جاء العباس - عليه السلام - كما جاءت ملحمة الشهادة في كربلاء لترسيخ اصول هذا النهج الالهي ، فاستحق سلام الانبياء والربانيين جميعا ..

فبالشهادة ، وبتلك الدماء الزاكيات .. حفظ الله سبحانه مواريث الانبياء من الضياع في زحمة أساطير الطغاة ، وهكذا كان الامام الحسين - عليه السلام - وريث الانبياء جميعا .

وعلينا ان نعي أبدا هذه الحقيقة ؛ ان الايمان لا يتجزأ . فلا يمكن ان يؤمن أحد بنبي دون آخر ، او بوصي دون الثاني ، او يفرق بين أحد منهم .

كلا .. إنه نهج واحد لا يختلف ، ولا يشذ بعضه عن بعض في شيء . وهكذا سلام الارواح الزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح على العباس ، كما سلام الانبياء والملائكة والصالحين .

بعد هذا السلام الطاهر الطيب تقول الزيارة : أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء . انها كلمات تعبر عن الصفات المثلى لأبي الفضل ؛ التسليم وهي قمة الصفات . فالتسليم مثلا اعظم درجة ينالها البشر في مدارج الايمان ، حيث نتلو في القرآن الكريم ان النبــي ابراهيم - عليه السلام - سأل ربه في أواخر ايام حياته ان يجعله الله وابنه اسماعيل من المسلمين ، حيث قال : ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم . (2)

ولقد بلغ العباس - عليه السلام - درجة التسليم ، ونحن نشهد له بذلك . اما التصديق والوفاء فهما تجليات التسليم في حياته ، فمن سلم لله تعالى لابد ان يصدق بولي الله ، وان يدافع عنه ويصبر ويفي بعهده معه .

بلى .. كان تصديق سيدنا العباس - عليه السلام - باخيه اماما وحجة ، والشهادة على ذلك باتباعه وطاعته والاخلاص له . كان ذلك دليلا على تسليمه القلبي ، وايمانه الصادق ، ويقينه .

وهذه هي الصفة التي تقل عند الكثير ممن يدعي الايمان ، ولكنه لا يصدق بالولاية ، ولا يستقيم عليها عند الشدائد .

ثم تقول الزيارة : والنصيحة لخلف النبي - صلى الله عليه وآله - المرسل ، والسبط المنتجب ، والدليل العالم ، والوصي المبلغ ، والمظلوم المهتضم .

كان أبو الفضل ناصحا لامام زمانه حين اتبع امام زمانه ، واخلص له ، ومحض له الولاء والحب والتضيحة ولم يأل جهدا في تنفيذ أوامر امامه المعصوم .

 
والزيارة تنعت الامام الذي اتبعه سيدنا العباس بالنعوت التالية :

ألف : انه ذرية رسول الله ، وانه سبط الذي اختاره الله للامامة . وهذا صادق فقط في الامام المعصوم ، وعلينا الاقتداء بالعباس في التسليم للامام الحسين - عليه السلام - .

باء : انه دليل عالم بالحق ، وهي صفة تشمل كل امام معصوم ، بل كل امام عادل منصوب من قبل الامام المعصوم كما الفقهاء العدول .

جيم : انه وصي ناطق بالحق ، مبلغ له ، وهذه صفة تشمل سائر الأئمة المعصومين - عليهم السلام - .

دال : انه مظلوم مغتصب حقه .

فلم يكن اتباع العباس للامام الحسين - عليه السلام - نابعا عن قيام الامام بالسيف ، أو أنه كان مبسوط اليد . إذ السلطة ليست معيارا للامامة ، بل القيم الالهية هي المعيار ، وهي التي سبقت آنفا من الوصية والعلم والدعوة .

ثم تقول الزيارة : فجزاك الله عن رسوله ، وعن أمير المؤمنين ، وعن الحسن والحسين أفضل الجزاء بما صبرت واحتسبت واعنت .

لقد صبر وصبره كان احتسابا لله ؛ وتقربا اليه ، وهو الصبر المطلوب . كما اتعب نفسه في طاعة الله .

انه درس عظيم لنا جميعا ، كيف نجاهد في سبيل الله ، ونصبر على كل أذى ، من كلمة نابية ، تقذفها ألسنة الاعداء البذيئة ، ومن ملاحقة دائمة من قبل السلطات الجائرة ، ومن جروح دامية وبالتالي الشهادة .. كلها تهون عندما تكون في سبيل الله وابتغاء مرضاته واحتسابا لديه .

ثم تضيف الزيارة : لعن الله من قتلك ، ولعن الله من جهل حقك ، واستخف بحرمتك .

بلى .. كان حق العباس - عليه السلام - عظيما ، حتى استحق جاهلوه ومنكروه اللعنة ؛ وكانت حرمته عظيمة ، استحق اللعنة اولئك الذين انتهكوها ، وقد تمثل جهلهم وانتهاكهم لحقه وحرمته في منعه من الفرات ، حيث تقول الزيارة : ولعن الله من حال بينك وبين ماء الفرات . أشهد انك قتلت مظلوما ، وان الله منجز لكم ما وعدكم .

والشهادة بأن أبا الفضل قتل مظلوما ، شهادة على ان مسيرة أبي الفضل كانت مسيرة حق ؛ وان كل من قتل مظلوما وفي سبيل الدفاع عن الحق ، فان الله منجز له ما وعده من نصره في الدنيا ببلاغ التاريخ انه كان مظلوما ، وفي الآخرة بالجنة خالدا فيها .

وبعد بينت الزيارة المأثورة مقام سيدنا العباس - عليه السلام - ومنهجه الالهي ، أخذت تبين موقف المؤمن ما ينبغي ان يكون عليه موقف الموالي الواقف امام ضريحه ، تلقاء سيده ومولاه العباس - عليه السلام - ، فتقول الزيارة : جئتك يا ابن أمير المؤمنين وافدا اليكم ، وقلبي مسلم لكم وتابع ، وانا لكم تابع ، ونصرتي لكم معدة ، حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين . فمعكم معكم ، لا مع عدوكم . اني بكم وبايابكم من المؤمنين ، وبمن خالفكم وقتلكم من الكافرين . قتل الله أمة قتلتكم بالأيدي والألسن .

هكذا يجب ان نجدد - نحن الموالين - عهد الولاء والبيعة لخط أهل البيت - عليهم السلام - ، ولنهجهم في الحياة . ونعلن بصراحة بأننا مستعدون لان نضحي بانفسنا في أية لحظة من أجل تطبيق احكام الدين ، أما الواجبات المفروضة علينا ، والتي تشكل ميثاق الولاء ، وعهد البيعة فهي التالية :

الف : الولاء والتسليم ؛ اي الطاعة التامة دون تردد لأهل البيت - عليهم السلام - ولخطهم الرسالي .

باء : والاستعداد للدفاع عن حرمات الاسلام بالمال والنفس ، وبكل وسيلة ممكنة .

جيم : الاستقامة على نهجهم ، والبراءة من نهج اعدائهم .

دال : الثقة بانتصار الحق المتمثل في الأئمة عاجلا أم آجلا .

وهذا هو ما نجده في هذه الزيارة ، كما نقرءه في سائر الزيارات المأثورة عند أضرحة أهل البيت - عليهم السلام - .

ثم تستمر الزيارة بالقول : السلام عليك ايها العبد الصالح المطيع لله ولرسوله ولأمير المؤمنين والحسن والحسين صلى الله عليهم وسلم . السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، ومغفرته ورضوانه ، وعلى روحك وبدنك . أشهد وأشهد الله أنك مضيت على ما مضى به البدريون ، والمجاهدون في سبيل الله ، المناصحون في جهاد اعدائه ، المبالغون في نصرة أوليائه ، الذابون عن أحبائه .

وهذه شهـادة حق تنبعث من فم الامام المعصوم ؛ الامام الصادق - عليه السلام - ، على ان طريق العباس - عليه السلام - كان طريق أهل بدر ، ومن هم البدريون ؟

انهم الذين ساهموا في ترسيخ دعائم الرسالة الالهية ، واستبسلوا في الدفاع عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - ، وهم قلة قليلة و واجهوا عدوا يفوقهم عددا وعدة . وكذلك العباس - عليه السلام - وانصار الحسين - عليه السلام - ساهموا في ترسيخ اصول الحق في مواجهة الردة التحريفية لبني أمية ، وواجهوا الأعداء الشرسين ، وقاتلوا حتى قتلوا ، وكان التقدير الالهي ان يجعل من شهادتهم نصرا لرسالتهم ، ومن دمائهم شهادة على صدقهم .

وكانت المواجهة بحاجة الى اسمى درجات النصيحة والصبر ، والمبالغة في الدفاع عن الحق ، والذب عن أحباء الله . وهكذا كانت أعظم معركة ، وأسمى ملحمة ، وأعلى درجات الشهادة .

وبعد هذه الشهادة الرائعة نقرأ قول الامام الصادق - عليه السلام - في زيارة عمه العباس - عليه السلام - : فجزاك الله أفضل الجزاء ، وأكثر الجزاء ، وأوفر الجزاء ، وأوفى جزاء أحد ممن وفى ببيعته ، واستجاب له دعوته ، واطاع ولاة أمره

وهنا نجد مرة اخرة التأكيد على صفة التسليم ، والطاعة لولي الأمر .

وتقول الزيارة : أشهد أنك قد بالغت في النصحية ، وأعطيت غاية المجهود

وهذه دلالة أخرى على المقام الأسمى لأبي الفضل العباس ، حيث قدم غاية المجهود ، وبالغ في النصيحة حتى المنتهى .

ثم تقول الزيارة : فبعثك الله في الشهداء ، وجعل روحك مع أرواح السعداء ، وأعطاك من جناته أفسحها منزلا ، وأفضلها غرفا ، ورفع ذكرك في عليين ، وحشرك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا .

وهكذا ترسم الزيارة منهج المجاهدين ، وان هدفهم ليس بلوغ السلطة ، ولا الحصول على مقام رفيع ؛ وانما هدفهم الأسمى ان ينعموا بالجنة ، وانما يتنافسون بينهم للحصول على أعلى درجات الجنة وأسماها .

ثم نقرء في بقية الزيارة : أشهد أنك لم تهن ولم تنكل ، وأنك مضيت على بصيرة من أمرك .

وهنا تأكيد على صفة البصيرة التي كانت لأبي الفضل العباس ، وهي صفة تتصل باليقين . والشهادة بالاستقامة التامة للعباس - عليـه السلام - درس لنا بأن نقتدي به في ذلك ، كما انه اقتدى بمن سبقه ، حيث تضيف الزيارة : مقتديا بالصالحين ، ومتبعا للنبيين . فجمع الله بيننا وبينك وبين رسوله واوليائه في منازل المخبتين ، فإنه ارحم الراحمين .

ونعلم ان المخبتين لهم المنزلة السامية ، والدرجة الرفيعة . وحينما يدعو الامام الصادق - عليه السلام - في زيارته لعمه ان يرزقه الله منــازل المخبتين ، فإن ذلك يعني دعوة تتناسب مع مقام أبي الفضل العباس - عليه السلام - . ذلك المقام الأسمى ، وهو مقام الاخبات .

ويبدو ان الاخبات من درجات الايمان والتسليم العالية ، حيث قال سبحانه :

وليعلم الذين أوتوا العلم انه الحق من ربهم فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم (3)

وقال سبحانه :

فالهكم إله واحد فله اسلموا وبشر المخبتين (4)

وهكذا جاءت صفة الاخبات بعد صفة الايمان وصفة التسليم .

وفي الجانب الآخر من هذه الزيارة نقرأ : السلام عليك يا أبا الفضل العباس ابن أمير المؤمنين ، السلام عليك يابن سيد الوصيين ، السلام عليك يابن أول القوم اسلاما واقدمهم ايمانا واقومهم بدين الله .

وهنا ذكر لمقام أبي الفضل من ناحية وراثته لصفات والده . فإذا سمى أبو الفضل الى ذروة التسليم والنصيحة والجهاد والدفاع عن أخيه الحسين - عليه السلام - وعن الاسلام ، فلا غرو فإنه ابن أول القوم اسلاما واقدمهم ايمانا واقومهم بدين الله واحوطهم على الاسلام . فمن ذلك الأسد هذا الشبل وان ذلك الاب يكون والد حق لمثل هذا النجل العظيم .

ثم يمضي الامام في زيارته لأبي الفضل العباس قائلا : أشهد لقد نصحت لله ولرسوله ولأخيك ، فنعم الاخ المواسى . فلعن الله أمة قتلتك ، ولعن الله أمة ظلمتك ، ولعن الله أمة استحلت منك المحارم وانتهكت في قتلك حرمة الاسلام .

اترى كيف ، والى أي مدى بلغ مقام أبي الفضل ، حيث ان انتهاك حرمته كان انتهاكا لحرمة الاسلام ؟

فنعم الصابر المجاهد المحامي الناصر ، والاخ الدافع عن اخيه المجيب الى طاعة ربه الراغب فيما زهد فيه غيره من الثواب الجزيل والثناء الجميل .

لقد كان أبو الفضل هو الصابر المجاهد والمحامي الناصر ، والمدافع عن أخيه ، ولكن ليس دفاعا عن عصبيته ، وانما استجابة لدعوة ربه ، ورغبة في ثواب ربه . وكل هذه الصفات التي تذكر في الزيارة هي القيم المثلى التي ينبغي للمؤمن بنهج أهل البيت - عليهم السلام - أن يقتدي بالعباس فيها .

ثم تستمر الزيارة : وألحقك الله في درجة آبائك في جنات النعيم .

ثم يدعو المؤمن ربه بالكلمات التالية : اللهم اني تعرضت لزيارة أوليائك رغبة في ثوابك ، ورجاء لمغفرتك ، وجزيل احسانك ؛ فأسألك ان تصلي على محمد وآله الطاهرين ، وان يجعل رزقي بهم دارا ، وعيشي بهم قارا ، وزيارتي بهم مقبولة ، وحياتي بهم طيبة ، وأدرجني ادراج المكرمين ، واجعلني ممن ينقلب من زيارة مشاهد احبائك مفلحا منجحا قد استوجب غفران الذنوب ، وستر العيوب ، وكشف الكروب ، انك أهل التقوى وأهل المغفرة .
__________________
(1) المصدر ص 223 نقلا عن الخصال / ج 1 / ص 68
(2) البقرة / 128
(3) الحج / 54
(4) الحج /

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا
ملامح شخصية الإمام جعفر الصادق عليه السلام
أحاديث في الخشية من الله (عزّ وجلّ)
أقوال علماء أهل السنة في اختصاص آية التطهير ...
فاطمة هي فاطمة.. وما أدراك ما فاطمة
معرفة فاطمة عليها السلام
علي مع الحق - علي مع القرآن - شبهة وجوابها - خلاصة ...
صدق الحدیث
السيد الشاه عبدالعظيم الحسني رضوان الله عليه
كلمات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) القصار

 
user comment