أسئلة وردود
للعلامة الشيخ محمّد جواد مغنية
سؤال: ما رأيكم بالقول: (إن النصوص التي استدل بها علماء المسلمين الشيعة كلها خفية لا تدل صراحة على خلافة علي (عليه السلام) وإمامته، بل تحتمل التأويل والتفسير بخلاف قصدهم, من ذلك قوله تعالى:
(إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ), حيث نزلت بعلي (عليه السلام) حين تصدق بخاتمه، وهو راكع.
ومن السنة الشريفة قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) يوم الغدير: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))،
فمن الجائز أن يكون المراد بالولي في الآية والحديث الحب والمودة دون الحكم والسلطان.
جواب: إن عدم ثبوت النص الجلي عند البعض لا يستدعي عدم صدوره عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ولا عدم ثبوته عند العلماء المنصفين، إذ المعول في ثبوت النص على نقل الثقات الذين تثبت السنة النبوية بنقلهم، وقد نقل لنا وللأجيال من لا يشك بصدقه النصوص الجلية الواضحة، كحديث: ((أيكم يبايعني يكن أخي ووصيي وخليفتي عليكم))، وقول علي (عليه السلام): ((أنا يا رسول الله))، وجواب النبي له: ((أنت أخي ووصيي وخليفتي)). وذلك حين نزل قوله سبحانه وتعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ).
أما الولاية في الآية المتقدمة فيتعين حملها على الطاعة وتدبير الشؤون بدليل إنك إذا قلت: فلان ولي هذه المرأة يفهم من قولك هذا إنه يملك العقد عليها.
وإذا قلت: هؤلاء أولياء المقتول فمعناه أنهم الذين يحق لهم المطالبة بدمه.
وكذلك إذا قلت: هذا ولي الرعية، وولي عهد المسلمين يفهم أنه يدير أمورهم، ويدبر شؤونهم، وحمل اللفظ على غير هذا المعنى الظاهر يحتاج إلى دليل، وهو منفي في الآية الكريمة، فيتعين تفسير الولاية بالمعنى الظاهر، وهو الحكم والسلطان.
أما حديث الغدير فإن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قبل أن يقول: ((من كنت مولاه...)) استخرج من أمته الإقرار بفرض الطاعة له، وذلك حيث قال أولاً: ((ألست أولى بكم من أنفسكم))، وهذا القول وإن كان مخرجه الاستفهام فإن المراد به التقرير، تماماً كقوله تعالى: (أَلَسْتُ بِرَبّكُمْ)، فلما أجابوه بالاعتراف رفع بيد أمير المؤمنين، وقال عطفاً على ما تقدم: ((فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
فوجب، والحال هذه، أن يريد المعنى المتقدم الذي قررهم به، كما يقتضيه سوق الكلام، واستعمال أهل اللغة وعرفهم في خطاباتهم وأساليبهم، وإذا ثبت أنه أراد ما ذكرناه من كون أمير المؤمنين أولى بالإمامة من أنفسهم، فقد وجبت له الإمامة من فرض طاعته عليهم، ونفوذ أمره ونهيه فيهم.
هذا الجواب مستفاد من كتاب (الشيعة والتشيّع) للعلامة الشيخ محمّد جواد مغنية (رحمه الله).