هذا الجانب المهم من التاريخ يحتاج الى بحث وتوضيح واكثر من استشهاد لمحصلة نهائية تظهر للقارئ الى أي مدى تمادى القوم في اجتنابهم القران للوصول الى الحق وحتى احاول ان اوصل الفكرة باقصر طريق ساستدل بامثلة ذات دلالة كبيرة .
تعلمون ان القائل حسبنا كتاب الله هو الخليفة الثاني كما في صحيح البخاري - كتاب الأشربة - باب قول المريض قوموا عني " 5345 - حدثنا : إبراهيم بن موسى ، حدثنا : هشام ، عن معمر وحدثني : عبد الله بن محمد ، حدثنا : عبد الرزاق ، أخبرنا : معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن إبن عباس (ر) قال : لما حضر رسول الله (ص) وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي (ص) : هلم أكتب لكم كتاباًً لا تضلوا بعده ، فقال عمر : أن النبي (ص) قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله "،
وعند مراجعة سيرة الخلفاء الثلاثة الاول لاسيما الثاني لم اعثر على حكم شرعي واحد استنبطوه من القران الكريم بل العكس كانوا كثيرا ما يقحمهم الطرف الاخر عندما يستشهد بالقران ولكم هذه الامثلة
المثال الاول : رواه عبد الرزاق في " المصنف " ( 6 / 180 ) قال عمر بن الخطاب : لا تغالوا في مهور النساء ، فقالت امرأة : ليس ذلك لك يا عمر ؛ إن الله يقول " وآتيتم إحداهن قنطاراً من ذهب " ، فقال عمر : إن امرأة خاصمتْ عمر فخصمتْه .
المثال الثاني : خرج عمر بن الخطاب في ليلة مظلمة فرأى في بعض البيوت ضوء سراج وسمع حديثا ، فوقف على الباب يتجسس فرأى عبدا أسود قدامه إناء فيه مزر وهو يشرب ، ومعه جماعة فهم بالدخول من الباب فلم يقدر من تحصين البيت فتسور على السطح و نزل إليهم من الدرجة ومعه الدرة ، فلما رأوه قاموا وفتحوا الباب وانهزموا فمسك الأسود فقال له : يا أمير المؤمنين ! قد أخطأت وإني تائب فاقبل توبتي فقال : أريد أن أضربك على خطيئتك فقال : يا أمير المؤمنين ! إن كنت قد أخطأت في واحدة فأنت قد أخطأت في ثلاث : فإن الله تعالى قال : ولا تجسسوا ، وأنت تجسست وقال تعالى : وأتوا البيوت من أبوابها. وأنت أتيت من السطح. وقال تعالى : لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ، وأنت دخلت وما سلمت ... إلخ.
المثال الثالث : قال عمر لابن عباس : كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة فتجفخوا الناس جفخاً.فنظرت قريش لا نفسها فاختارت ووفّقت وأصابت، قال: أمّا قولك: أن قريشاً كرهت أن تجتمع لكم النبوة والخلافة، فإن الله عَزّ وجَلّ وصف قوماً بالكراهة بقوله تعالى:(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [محمد/10]، وأمّا قولك فتجفخوا الناس جفخاً (أو تجخفوا الناس) فلو جفخنا بالخلافة لجفخنا بالقرابة ولكنا قوم أخلاقنا مشتقة من خُلُق رسول الله(صلى الله عليه و آله) الذي قال الله تعالى مخاطباً له:(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم/5]، وأمّا قولك فنظرت قريش لا نفسها فاختارت ووفقت وأصابت، فإن الله تعالى يقول:(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ) وقد علمت أن الله قد اختار من خلقه مَنْ اختار، فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها لوفقت وأصابت....الى اخر الحديث
المثال الرابع : دار بين الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وبين حذيفة بن اليمان بقول حذيفة له حين سأله: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت والله أكره الحق، وأُحبّ الفتنة، وأشهد بما لم أره، وأصلي على غير وضوء، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء، فغضب عمر لقوله، وانصرف من فوره غضباناً، وقد عزم على أذى حذيفة، وبينما هو في الطريق، إذ مرّ بعلي بن أبي طالب، فرأى الغضب بادياً في وجهه، فقال ما أغضبك يا عمر؟ فقال: لقيت حذيفة بن اليمان فسألته: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت أكره الحق، فقال: صدق، يكره الموت وهو حق قال الله تعالى: "وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ" [ق/20]، فقال: يقول: وأحُبّ الفتنة، فقال: صدق، يحبّ المال والـولد، وقد قال الله تعالى: "إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ" [التغابن/16]، أخرجه الكنجي الشافعي في (كفاية المطالب) ص96،
وهذا يكفي ولكن عندما يسال الامام علي عليه السلام عن حكم معين كيف يجيب ؟ مثلا حكم المراة التي انجبت بستة شهور وكانت على وشك ان يرجمها الخليفة الثاني فجاء حكم علي وقيل له كيف ذلك فاستدل بالقران وذلك عندما قال "وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا"، وفي اية اخرى "وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ"، لو طرحنا الاربع والعشرين من الثلاثين سيكون الناتج ستة اشهر وهو مدة الحمل ، الامثلة كثيرة جدا .
واختم المقال باستشهاد الخليفة الاول على فاطمة عليها السلام عندما اخذ فدك بحديث انفرد هو بنقله نحن معاشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة فردته الزهراء عليها السلام بالايات القرانية " لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ "،وكذلك "وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ "
فمن هو حسبه كتاب الله؟