التواصل بين الشيعة والسنة مبررات وتحفظات حديثنا هذا اليوم يتناول الموقف مما يحصل في ساحتنا المحلية والإسلامية من محاولات للتواصل بين الطائفتين أعني السنة والشيعة. يحصل هذا التواصل أو محاولات التواصل عبر عدة عناوين, فتارةً يكون على المستوى المحلي في صورة زيارات أو لقاءات أو اجتماعات بين علماء من الطائفتين, أو وجهاء وشخصيات اجتماعية على أساس أن كل عالم أو كل شخصيةٍ يجلس إلى العالِم الآخر و إلى الشخصية الأخرى بما يمثل من موقع في طائفته, لا باعتبار أنه رجل من الرجال وإلا فإن هذا موجود, في العمل و الجامعة والسوق .
إننا نتحدث عن لقاء بين نخب دينية أو اجتماعية تتحاور وتتواصل وتتناقش منطلقة من موقعها المذهبي وتحاول الوصول إلى المشتركات بينها. هناك مستوى آخر أوسع عندما يكون أكبر دائرة من البلاد والوطن وهو ما يصطلح عليه بعنوان مؤتمرات التقريب, أو الوحدة أو غيرها من العناوين وهذه قد تحصل في بلادنا أو في مصر أو إيران أو سوريا .. فهل مثل هذا الأمر من التواصل فيه منفعةٌ أو مضرةٌ أو بين المنفعة والمضرة؟. في هذه القضية هناك ثلاثة مواقف: الموقف الأول : ينتهي إلى عدم الفائدة من هذه اللقاءات والندوات والمؤتمرات لأسباب سوف نذكرها فيما بعد. فأن يزورنا عالمٌ سنيٌ أو يزور عالم منا نحن الشيعة عالماً سنياً, أو أن يأتينا شخصيةٌ اجتماعيةٌ من الطرف الآخر ,أو أن يذهب منا شخصية اجتماعية إلى ذلك الطرف هذا غير مفيد ولا داعي له .. ولا ينبغي صرف الوقت فيه . الموقف الثاني : مترقب ينتظر ماذا سوف يحدث من نتائج لهذه الزيارات . ويحكم عليها من خلال النتائج التي يراها . والموقف الثالث : يرى وجود المنفعة ، وإن لم تكن فورية أو مباشرة .. فإن هناك فوائد غير مباشرة حتى لو لم تكن لي وعلى مدى الزمان. من مبررات الفريق الأول: المبرر الأول : يستدعي التاريخ ويعتبر أن الطرف الثاني طرف معاند, ويقول ليست القضية جديدة وإنما الأمر من أول أزمنة التاريخ بعد وفاة رسول الله وهذا الطرف الثاني هو الطرف الظالم والمصادر للحقوق وما أشبه الليلة بالبارحة, والموجودون الآن هم على نفس الطريق السابق وبالتالي كما لم ينفع في السابق لن يكون نافعاً في هذا الوقت والسبب أن ذلك الطرف في رأي أصحاب هذا الموقف جماعة معاندون ولا يريدون الوفاق ولا يريدون بقاء المذهب الشيعي ، والشاهد على ذلك هو التاريخ, و يستدعى هذا الفريق في مبرراته ، ما حصل للأئمة من ظلامات ويعتبر أن الطرف الثاني هو الذي قام بها. و المبرر الآخر : أن مثل هذه التواصل والتعارفات وما يحصل خلاله من الاجتماعات والجلسات مضرة ، ولا يقتصر الأمر على عدم المنفعة بل فيها حصول المضرة ! لأن هذا سيجرنا إلى أن نقدم التنازلات في قضايا عقدية ودينية وشرعية مع أن حياتنا كلها تتمثل في الدين فإذا ضاع هذا الدين والمذهب من بين أيدينا فمهما حصلنا على فوائد فإننا غير منتفعين ! فالتواصل من وجهة نظر أصحاب هذا الموقف يعني التنازل عن بعض العقائد والثوابت الدينية, وبالتالي حتى لو حصلنا على وحدة اجتماعية أو إسلامية ولكن فقدنا إيماننا ومذهبنا فنحن في النتيجة خاسرون. المبرر الثالث : أننا لم نشهد نتائج بل بالعكس النتائج معكوسة, فكلما حصل التواصل بيننا وبين أبناء السنة صدرت بيانات شديدة اللهجة وعنيفة من علمائهم , وهكذا كلما بدأنا نتواصل الطرف الثاني بدأ يتشنج ويشتم ويقدح وإلى غير ذلك.. المبرر الرابع : أن القضية هي قضية قرار سياسي, فمتى ما كان هناك قرار سياسي بالتفاعل والانفتاح أذعن له الآخرون, وإذا لم يكن هناك قرار فلا مجال لهذا التواصل ولا منفعة فيه مادام الأمر ليس بيدهم وإنما بيد السياسة , فهذه هي مبررات الموقف الأول. في إطلالة سريعة من الواضح أن بعض هذه المبررات غير صحيح وبعضها الآخر يمكن التأمل فيه .. فمن غير الصحيح أن يعتقد الإنسان أن الطرف الآخر من المذاهب الإسلامية هم التاريخ, وأنهم هم كلهم –مثلاً- بنو العباس وهم بنو أمية وهم كذا وكذا . . . , هذا شيءٌ خاطىءٌ بلا ريب, فمثل ما أننا لسنا علي بن أبي طالب , ولسنا الحسن أو الحسين لأنه يوجد في مجتمعنا منحرفين ويوجد فيه لا أخلاقيين ولا حتى الملتزمين في مرتبة الأئمة وليسو في مستوياتهم, فكذلك في الطرف الآخر حيث أن عامة الناس ليسوا معاوية بن أبي سفيان ولا عبد الملك بن مروان ولا المنصور العباسي. عامة الناس من أبناء السنة يعيشون حالة ضبابية تجاه الشيعة, وجزء من هذه الحالة الضبابية أن بعض العلماء أو غيرهم ممن يريدون ألا يعرف الناس هؤلاء الحقيقة, فالواحد يأتي ويستدعي التاريخ ويقول أنهم هؤلاء كما فعلوا في التاريخ بأهل البيت فهؤلاء أيضا يفعلون بأتباعهم, فهذا كلام غير صحيح, حيث أنه لا بد من تقسيم الأفراد, فنحن نعتقد أن عامة الناس ممن يطلق عليهم السنة ليسو في حالة حقد أو نصب على أهل البيت , نعم نعتقد أن هناك قصورا منهم في فهم موقع أهل البيت وفي فهم عقائد شيعة أهل البيت , وفي المقابل أيضاً هناك تقصير من قبل شيعة أهل البيت في إيصال هذه الحقائق إلى الأطراف الأخرى. وأما عن موضوع تقديم التنازلات, فما يسمى بالتنازلات ينبغي أن يلحظ فيه شيئان: تارة نتنازل عن التظاهر ببعض القضايا, وأخرى نتنازل عن الاعتقاد بهذه القضايا, فمثلا أنا من الممكن أن أقدم تنازل بأن أترك الإيمان بالله تعالى, أو الإيمان بالأئمة هذه حالة, أما الحالة الأخرى أن أترك التظاهر بذلك. الباب مفتوح لدينا الشيعة في الحالة الثانية, فترك التظاهر ببعض العقائد أو التشريعات الفقهية إذا كان فيه دفع مضرة أو جلب منفعةٍ مهمة للمذهب وللمجتمع فباب التقية فيه واسع جدا , وسيرة أهل البيت عليهم السلام كانت على هذا النمط, كما أن سيرة الشيعة في العصور السالفة من جهة أخرى كانت على هذا المنوال أيضاً. في التقية لا يتنازل الإنسان عن عقيدته وإنما يتنازل عن إظهار عقيدته, إذ أن العقيدة شيء قلبي, فلو أنك جلدت إنساناً من الصباح الباكر وحتى المساء وأمرته بأن يعتقد بشيء , فمن الممكن أن يأتي ويعترف أمامك صاغرا بما تريد لكن قلبه سيبقى متمسكا بما كان عليه ، وقصة عمار بن ياسر التي أشارت إليها الآية المباركة شاهد على ذلك تقول: ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ). أما موضوع النتائج العاجلة أو الملموسة قيبدو أن حالة القطيعة وما نتج عنها من العداء الذي تكرس على مدى عقود من الزمان, لا يمكن أن تحل عقدتها في لقاء أو لقاءين . ومن السذاجة أن يتوقع الإنسان من أي طرف كان أن يزيل بسهولة هذا التراكم الذي كان موجوداً على مدى عقود أو قرون . مثلما كان هناك عمل سنين على القطيعة والتدابر, فلابد وأن يكون هناك عملُ جبار على التواصل و الحوار أيضاً لكي يتم تجاوز هذه الحالة . مبررات التواصل : القائلون بفائدة هذه الأمور يبررون موقفهم بعدة أمور: الأمر الأول: أنه من السهل على الإنسان أن يغضب فهذا ليس فناً ولكن الفن هو أن تجلس وأن تستمع وأن تُسمِع أيضاً, فتستطيع حينئذٍ أن توصل حقك وما لديك بإسلوب مناسب, إن هذا هو الذي ينتهي إلى تكوين صورة لك عند هذا الطرف غير الصورة التي كانت عندهم. والشاهد على ذلك أن كثيرا من القضايا غير المعقولة التي كانت موجودة لدى بعض الناس والتصورات عن الشيعة ، من أن شيعة أهل البيت لهم خلقة أخرى غير خلقة باقي الناس, وفيهم زيادة في أجسامهم ! قد تغيرت عند هؤلاء ، وما ذلك إلا على أثر التواصل والتعارف ، ورقي الوعي ! ربما لو بقي الشيعة في أماكنهم وبقي غير الشيعة في أماكنهم أيضاً ولم يختلطوا لبقت هذه الفكرة شائعة إلى الآن . ما كان يُتحدث فيه عن الشيعة من أن طبعهم الغدر والتآمر حيث يدسون لك السم ويحاول إلحاق أكبر ضرر ممكن بالمخالف وغيرها كله تبدد بسبب انفتاح الشيعة على غيرهم ، واشتراكهم معهم في أمورهم .. بل تحسنت صورة المذهب عندما رأوا فيهم الأخلاق الحسنة وإتقان العمل وجودة الأداء والإخلاص. وللحديث تتمة ..