يحتاج الإنسان باستمرار إلى امتلاك إحساس مرهف تجاه ارتكاب الأخطاء والذنوب. فقد يقع الإنسان في الذنب والخطأ نتيجة جهله والتباس الأمور عليه وعدم معرفته بأن ما قام به أمر خطأ، وهنا قد يعذر خاصة إذا كان قاصرًا في جهله. ذلك لأن الجهال على نوعين: جاهل قاصر وجاهل مقصر، فالجاهل القاصر هو الذي لم تتح له ظروف المعرفة لسبب أو لآخر، أما الجاهل المقصر فهو من يستطيع أن يتعلم ولكنه لم يفعل، من هنا فالجاهل القاصر أقرب للعذر. لكن في المقابل، الجاهل المقصر معرض للمحاسبة على تقصيره، وقد ورد أنه يقال للإنسان يوم القيامة لم لم تعمل؟ فيقول لم أكن أعلم. فيقال له؟ لم لم تتعلم؟
وغالباً ما يقع الإنسان في المعصية والخطأ نتيجة ضعف الإرادة والاستجابة لضغط الأهواء والمصالح الآنية. ولذلك احتاج الإنسان باستمرار إلى تنمية إحساس مرهف يقيه شر الوقوع في الأخطاء والذنوب.
إن من نعم الله تعالى على الإنسان أن زود جسمه بأجهزة مناعة عضوية تقيه شر الآفات، كما زود روحه أيضا بجهاز مناعة يتمثل في الضمير المتحفز إزاء ارتكاب الأخطاء. فكما إن جسم الإنسان يتمتع بجهاز مناعة يتشكل في الخلايا الليمفاوية منوط به مكافحة الميكروبات والأجسام الغريبة الضارة بالجسم، كذلك تتمتع الروح بجهاز مناعة يتمثل في الضمير، ويستيقظ هذا الضمير عندما يقوم الإنسان بخطأ، فيشعره بالذنب وتبدأ نفسه بلومه ﴿ولا أقسم بالنفس اللوامة﴾.
هناك الكثير من النصوص الدينية التي تحض الإنسان المؤمن على تنمية الحساسية داخل نفسه تجاه ارتكاب الذنب والخطأ. فكما تكون لدى جسم الإنسان حساسية مفرطة في بعض الأحيان تجاه بعض الأطعمة فيظهر أثر ذلك على جلده مثلًا، عليه كذلك أن يتحسس من الذنوب، وذلك ما يعبر عنه في الأدعية المأثورة والنصوص الدينية بحالة الندم على الذنب.
إن أسوأ ما يمكن أن يمر به الإنسان هو أن يميت في نفسه الحساسية التي يتمتع بها ضميره بشكل طبيعي، فيعمل الذنب دون أدنى اكتراث وهذا ما يعني الاستهانة بالذنب. ورد عن أمير المؤمنين «أشد الذنوب عند الله سبحانه ذنب استهان به راكبه»، فلا ينبغي أن يعود الواحد منا نفسه على الاستهانة بالذنوب، فمهما صغرت المعاصي عليك أن تعظمها في نفسك لأنها مخالفة للعظيم والكبير المتعال سبحانه وتعالى، ولعلنا نلحظ ذلك في حياتنا العادية فقد يمازح أحدهم شخصًا ما قريبًا فيتقبل منه ذلك، لكن ذات التصرف يعد غير لائق عندما يجري أمام شخص عظيم القدر والمنزلة.
إن من علامات الإيمان عند الإنسان مستوى حساسيته تجاه الذنوب، فإذا رأيت نفسك غير مرتاحة عند ارتكاب أي خطأ مهما كان صغيرًا فهذا دليل إيمانك وصفاء نفسك. يقول الإمام الصادق « من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن». وورد عنه أنه قال: «ما من عبد أذنب ذنبًا فندم عليه إلا غفر الله له قبل أن يستغفر». وعلى النقيض من ذلك، فإن المصير السيئ ينتظر المذنب الذي لا يكترث بذنبه، وأسوأ منه المذنب الذي يفرح بذنبه، فقد ورد عن الإمام زين العابدين «إياك والابتهاج بالذنب فإن الابتهاج به أعظم من ركوبه»، وتحدث حالة الابتهاج بالخطأ عادة عندما يتنازع الإنسان مع الآخرين، فيتمكن من خصمه فيفرح بذلك وكأنه حقق نصرًا عظيمًا. إن ظلمك لغيرك ذنب، أما فرحك بهذا الذنب فهو ذنب أكبر.
إن يقظة الضمير حالة إيمانية عظيمة، ينبغي أن نربي أنفسنا عليها، فلا نتهاون بذنوبنا، ولا نستحقر غيرنا، وأيا كان خصمنا حتى لو كان خادمًا عندنا، فغدًا سيطالبنا بحقه أمام رب العالمين، ويا له من موقف صعب هناك، وما أهون تقديم الاعتذار عنه في هذه الدنيا لو تأمل الإنسان وفكر.