يُقصد بالأهداف التربوية: «الأغراض أو الغايات، التي تسعى العملية التربوية إلى تحقيقها والوصول إليها، قريبة كانت أو بعيدة».
وتحديد الأهداف لأي عمل من الأعمال التربوية أمرٌ أساسي قبل الشروع في هذا العمل وتنفيذه؛ لأن هذا التحديد يؤثر تأثيرًا كبيرًا في تكييف وتحديد مجال الدراسة، وطرقها، ووسائلها، وأساليبها التي تحقق هذه الأهداف، كما أن الأهداف غالبًا ما تكون محركًا للسلوك وموجهًا إليه.
لذا؛ كان لزامًا على دارسي التربية الإسلامية أن يحددوا أهدافها أولاً؛ حتى يستطيعوا أن يحددوا الطرق والوسائل والأساليب التي يمكن أن تحقق لهم أهدافهم، وتحركهم تجاه هذه الأهداف بقوة وفعالية؛ فالإنسان عندما يضع لنفسه هدفًا محددًا ينشط كلما اقترب منه خطوة، وكلما حقق جزءًا منه ازداد فرحًا وسرورًا وبهجة، وتصميمًا على مواصلة العمل في سبيل تحقيق باقي الهدف، ويدفعه ذلك إلى تنظيم حياته، «وتجنب اللهو والأمور التافهة التي ينشغل بها – عادةً - من ليست لهم الأهداف السامية، ولا يعرفون كيف يملَئُون أوقات فراغهم بما يعود على حياتهم بالنفع».
والإنسان الذي لا هدف له، لا يعرف لذة العمل، ولا يتذوق طعم الحماس، بل يحيا حياته ضائعًا، لا يعرف أين الجهة التي يولي وجهه شطرها، ولا يدري أين المنتهى، ولا يستطيع الجزم بأفضلية طريقة على طريقة أخرى، أو الأخذ بوسيلة دون أخرى.
إذن، فتحديد أهداف معينة للتربية الإسلامية يعد أمرًا لازمًا وضروريًّا لممارسة العملية التربوية في الإسلام، وضمان نجاحها واستمرارها وتطورها؛ لتؤتي ثمارها بأقل جهد، وأقصر وقت، وأفضل عطاء.
ما أن تحديد أهداف التربية الإسلامية يساعد على تحديد «مسارات التقدم العلمي والحضاري، ويُوَجِّه هذا التقدم إلى حيث يجب أن يتجه إليه. وكل ذلك يعد بمثابة موجهات واقية من انحراف التربية عن مسيرها المستقيم».
والأهداف التربوية الإسلامية تدور حول أربعة مستويات:
الأول: الأهداف التي تدور على مستوى العبودية لله - سبحانه وتعالى - أو إخلاص العبودية لله.
الثاني: الأهداف التي تدور على مستوى الفرد؛ لإنشاء شخصية إسلامية ذات مثل أعلى يتصل بالله تعالى.
الثالث: الأهداف التي تدور حول بناء المجتمع الإسلامي، أو بناء الأمة المؤمنة.
الرابع: الأهداف التي تدور حول تحقيق المنافع الدينية والدنيوية.
أما مصادر اشتقاق الأهداف التربوية فلا تخرج غالبًا عن مصدرين رئيسين، هما: الفرد والمجتمع؛ وعلى هذا اتفقت معظم الفلسفات والنظريات التربوية في الماضي والحاضر، وتتفق التربية الإسلامية مع هذه النظريات والفلسفات - في تحديد هذين المصدرين كمصادر لاشتقاق الأهداف التربوية، لكنها تنفرد عن غيرها من الفلسفات والنظريات في أن هناك مصدرًا ثالثًا يحتل مركز الصدارة بين مصادر اشتقاق الأهداف في التربية الإسلامية، وهو «الوحي الإلهي»، الذي يعد الضابط الذي تقوم عليه تربية الفرد في الإسلام.
وعلى هذا تكون مصادر اشتقاق الأهداف في التربية الإسلامية ثلاثة، هي:
1 - الوحي الإلهي: المتمثل في كتاب الله – تعالى - وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
2 - المجتمع المسلم: الذي يجب التعرف على احتياجاته، ومتطلباته، وظروفه، وأحواله المتغيرة؛ لتحديد الأهداف التي تناسبه.
3 - الفرد المسلم: الذي يجب التعرف على طبيعته، وميوله، ورغباته، ومواهبه؛ لوضع الأهداف التي تناسب ذلك.
ويمكن تقسيم أهداف التربية الإسلامية في ضوء المصادر التي اشتقت منها، والمستويات التي تعمل على تحقيقها إلى نوعين من الأهداف:
الأول: الهدف العام للتربية الإسلامية:
ويتمثل الهدف العام للتربية الإسلامية في تحقيق معنى العبودية لله تعالى؛ انطلاقًا من قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات:56].
فالهدف الأساسي لوجود الإنسان في الكون هو عبادة الله، والخضوع له، وتعمير الكون؛ بوصفه خليفة الله في أرضه.
والعبودية لله – تعالى - لا تقتصر على مجرد أداء شعائر ومناسك معينة: كالصلاة، والصيام، والحج - مثلاً - وإنما هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
فالإنسان الذي يريد أن يتحقق فيه معنى العبودية، هو الذي يُخضع أموره كلها لما يحبه الله – تعالى - ويرضاه، سواء في ذلك ما ينتمي إلى مجال الاعتقادات، أو الأقوال، أو الأفعال؛ فهو يكيف حياته وسلوكه جميعًا لهداية الله وشرعه؛ فلا يفتقده الله حيث أمره، ولا يجده حيث نهاه، وإنما يلتزم بأوامر الله فيأتي منها ما استطاع، وينزجر عن نواهيه سبحانه فلا يقربها؛ تصديقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فَأْتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن أمر فاجتنبوه»؛ فالمسلم دائمًا إذا أمره الله – تعالى - أو نهاه، أو أحل له، أو حرم عليه - كان موقفه في ذلك كله: ﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].
وهذا هو الهدف العام الذي تعمل التربية الإسلامية على تحقيقه.
ثانيًا: الأهداف الفرعية للتربية الإسلامية:
إن تحقيق الهدف العام للتربية الإسلامية - متمثلاً في العبودية الحقة لله تعالى - يتطلب تحقيق أهداف فرعية كثيرة، منها:
أولاً: التنشئة العقدية الصحيحة لأبناء المجتمع المسلم؛ لإعداد الإنسان الصالح الذي يعبد الله - عز وجل - على هدى وبصيرة.
ثانيًا: أن يتخلق الفرد في المجتمع المسلم بالأخلاق الحميدة: من صدق، وأمانة، وإخلاص... إلخ؛ مقتديًا في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي شهد له ربه سبحانه بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، وعملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعِثتُ؛ لأتمم مكارم الأخلاق»؛ وبذلك يمكن تهيئة المجتمع المسلم للقيام بمهمة الدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثالثًا: تنمية الشعور الجماعي لأفراد المجتمع المسلم؛ بحيث يرسخ لدى الفرد الشعور بالانتماء إلى مجتمعه؛ فيهتم بقضاياه وهمومه، ويرتبط بإخوانه؛ عملاً بقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ترى المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»؛ وبذلك تتأكد روابط الأُخوَّة الإيمانية الصادقة بين أبناء الأمة المسلمة.
رابعاً: تكوين الفرد المتزن نفسيًّا وعاطفيًّا، وذلك بحسن التوجيه وحسن الحوار مع الأطفال، ومعالجة مشاكلهم النفسية... إلخ؛ مما يساعد على تكوين شخص فاعل وعضو نافع لمجتمعه.
خامسًا: صقل مواهب النشء ورعايتها؛ لتكوين الفرد المبدع، الذي يتمتع بالمواهب والملكات التي باتت ضرورة ملحة لتقدم المجتمعات في الوقت الحاضر، وذلك بتنمية قدرات النشء على التفكير الابتكاري، ووضع الحلول للمشكلات المختلفة، وتنمية قدراتهم على التركيز والتخيل والتعبير، واستثارة الذهن بالأسئلة والمناقشات، وتوجيه الأطفال إلى الأمور التي قد تكون أكبر من سنهم، ورفعِ همتهم، وتنظيم تفكيرهم.
سادساً: تكوين الفرد الصحيح جسميًّا وبدنيًّا، الذي يستطيع القيام بدوره وواجبه في عمارة الأرض واستثمار خيراتها، والقيام بأعباء الاستخلاف في الأرض ومهامه، التي جعله الله خليفته فيها؛ عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»؛ ولهذا شجع الإسلام على أمور تقوي الجسم: كالرمي، والفروسية، والسباحة، وكان الصحابة يتبارَوْن ويتمرنون على رمي النبل، وصارع الرسولُ صلى الله عليه وسلم ركانة بن عبد يزيد فصرعه صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك سببًا في إسلامه.
هذا وسيأتي تفصيل القول في موقف الإسلام من هذه الأهداف، وكيفية سعيه إلى تحقيقها عند الحديث في مقالات لاحقة عن ميادين ومجالات التربية في ضوء السنة النبوية بمشيئة الله تعالى.
ودمتم
المراجع المتخصصة:
1 - أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، عبد الرحمن النحلاوي، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثالثة، 1425هـ - 2004م.
2 - أهداف التربية الإسلامية وغاياتها، مقداد يالجن، دار الهدى للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الثانية، 1409هـ.
3 - التربية الإسلامية للأولاد: منهجًا وهدفًا وأسلوبًا، عبد المجيد الحلبي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1422هـ - 2001م.
4 - تربية الطفل في الإسلام: النظرية والتطبيق، د/ محمد عبد السلام العجمي، وآخرون، مكتبة الرشد، المملكة العربية السعودية، الرياض، الطبعة الأولى، 1425هـ- 2004م.
5 - التربية قديمها وحديثها، فاخر عاقل، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثالثة 1981م.
6 - الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية، سهام مهدي جبار، سلسلة الكتاب التربوي الإسلامي، إشراف: د/ محمد منير سعد الدين، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، الطبعة الأولى 1417هـ - 1997م.
7 - العبادة في الإسلام، يوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1393هـ-1973م.
8 - العبودية، لابن تيمية، دار المدني للطباعة والنشر والتوزيع، جدة، (1398هـ-1978م).
9 - مقدمة في التربية الإسلامية، د/ صالح بن علي أبو عراد، الدار الصولتية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1424هـ - 2003م.
10 - منهاج الطفل المسلم في ضوء الكتاب والسنة، أحمد سليمان، مطبعة النرجس التجارية، الرياض، الطبعة الثانية، (1422هـ-2001م)، ص (24-26).