علي هامش إعطاء المرأة الكويتية حقها فى التصويت و الترشيح
حقوق المرأة بين الحقيقة و الواقع
ايمان شمس الدين
"لو جردوا الامم من النساء الشجاعات و المربيات للانسان فسوف تهزم هذه الامم و تؤول إلي الانحطاط" (الامام الخمينى الراحل قدس سره)
المرأة قديمة قدم الرجل علي الارض و تواجدت معه فى كل بقعة من الامكان لان اقترانهما فى هذا الوجود سنة إلهية لايمكن تبديلها، و بنظرة فاحصة لوضع المرأة فى المجتمعات عبر التاريخ نجد أنها تغيرت طبقا لتغير مجتمعها صعودا و هبوطا، فالله أرادها إنسانا بإنسانية الانسان، و الخلق أرادوها إنسانا بجانبها الانوثى منظرا خلابا و جميلا، كأى منظر خلاب فى الطبيعة ليس فيه حياة أو عمل إلا أنه يمتع نظر الانسان لاأكثر و لاأقل.
فنراها تارة إنسانة كأراد الله ترتقى بأخلاقياتها و تتسامي فى سلوكها و تناضل من أجل المبادئ فتنهض بمجتمعها و تواجه به كل الصعوبات و تارة تتحول إلي تمثالا بلاروح و لامعني فاقدة لانسانيتها فتسقط بمجتمعها إلي وحول الانحطاط.
و فى القرآن كثيرة هى الآيات التى تحدثت عن المرأة و نذكر آية واحدة و التى هى محور الحديث ( و إذ قال ربک للملائكة إنى جاعل فى الارض خليفة) فالخليفة هنا هو الانسان سواء كان رجلا أو إمراة و الاستخلاف لهما من قبل الله هو مكان شرفهما و تكريمهما من قبل الله تعالي و لذلک كانت المرأة جنبا إلي جنب حتي فى عملية الاستخلاف هذه لان الله العليم و الذى يتصف علمه بالاحاطة و الشمولية يعلم أن المسيرة الانسانية علي الارض و تقرير مصير الامم و بناء المجتمعات لايتم إلا عن طريق الاستخلاف لهما سويا لان كل منهما فى دوره مكمل للآخر.
لذلک نجد كثير من الدول أدركت بعض هذه المفاهيم و التى جاءت بها كل الاديان قبل التحريف و أعطت للمرأة دورا عظيما لتكون شريكة الرجل فى تقرير المصير و هو حقها السياسى فى الترشيح و التصويت. و حذت فى الآونة الاخير دولة الكويت بعد صراع طويل حذو هذه الدول و أعطت المرأة الكويتية حقها فى التصويت و الترشيح، و لكن كيف ننظر لهذه الحقوق بعين مجردة بين حقيقة الاقرار و واقع الممارسة؟
إن الواقع فرض نفسه فى الساحة الكويتية و هو أن للمرأة حق فى التصويت و الترشيح و قيدها بالضوابط الشرعية و هى الفخ الحقيقى و الذى لانعارضه شخصيا إلا أنه فخ جديد لندخل فى متاهة الضوابط الشرعية التى يراها البعض بالحجاب و تراها الحكومة بالعادات و التقاليد و هو صراع جديد لاندرى إن كان سينتهى قبل حلول عام 2007 و هو العام الذى ستمارس فيه المرأة الكويتية حقها السياسى، خاصة فى ظل غياب برنامج و أجندة واضحة للنساء الكويتيات إذ أن المطالبة التى كانت تعلو صيحاتها بين الفينة و الاخري من قبلهن كانت من قبل أفراد لايوجد تنسيق شامل بينهن و لابرنامج موحد و لاحتي عمل توعوى ضمن لجنة موحدة منظمة بل هى اجتهادات أفراد من كل جهة و كل تيار. و الآن و بعد إقرار القانون نجد أن تلک الاصوات وقفت أمام الواقع وجها لوجه فوجدت أن جعبتها فارغة من أى برنامج فالواقع هو إقرار الحقوق و الحقيقة هى وقفها إلي حين النظر فى الضوابط الشرعية.
فالحقوق السياسية للمرأة الكويتية كانت و مازالت بين فكى التحرر و التطرف، فجهة لاتري للمرأة أى حقوق سياسية خاصة و تزعم أن الاسلام لم يعطها الولاية و تعتبر أن الحقوق نوع من الولاية العامة التى يرفضها الاسلام مع أن أقرانهم فى مصر و علي نفس توجههم و خطهم يخالفونهم فى هذه الفتاوي بل لايرون فى الحقوق السياسية أية ولاية عامة، و هذا أعتقد ناتج عن رؤيتهم للممارسة الخاطئة للحقوق السياسية للمرأة فى بعض الدول مما أدخلهم فى دوامة المفسدة و خطر المفسدة مع أن ممارسة الحق بشكل خاطئ لايعنى أبدا سلب الحق بل يجب التوعية و الارشاد لممارسة الحق بطريقة صحيحة و هذا ما غاب عن ذهنية هؤلاء. و الطرف المتحرر يري أن له حق الممارسة من دون أى ضوابط تضبط إيقاعه فى الساحة و هذا يترتب عليه فى الواقع المفسدة خاصة فى ظل مجتمع كالمجتمع الكويتى مازالت فئة كبيرة من نسائه إما واقعة تحت تأثير الموروثات و المفاهيم الخاطئة أو أنها ترزح تحت تأثير الانفتاح الغربى باسم التحرر و بحجة أن الدين قيد المرأة و سلبها حريتها و تفهم الحرية فهما خاطئا بل هى فئة غير مثقفة و لاتملک نظرة شمولية و واقعية للفكر و المستقبل، و القلة القليلة جدا هى التى تمثل خط الاعتدال الفكرى و التى تعيش مأساة التناحر بين الافراط المتحرر و التفريط المتطرف.
و ما يجب علي المرأة الكويتية فعله الآن و بجدية هو أن تضع لها برنامجا عمليا توعويا و أن تنسق فيما بينها للعمل علي توعية النساء و إرشادهن إلي الواقع و الحقيقة لان الحركة الفردية لاتثمر و لكن دائما الحركات الجماعية لها القدرة فى التأثير الذى يدفع الآخرين لتحقيق الهدف المنشود من الحركة التأثيرية، و أن تتوغل هذه الجماعات فى عقول النساء برفق و لين لكى تستطيع إزالة الموروثات الخاطئة من جهة و أن توضح الدين الحقيقى بمفاهيمه الواقعية من جهة أخري، فالمطلوب لخط الاعتدال أن يتحرک بإيقاع سريع و بناء و ممنهج، ليستطيع أن يخرج بالمجتمع النسوى من فكى التفريط المتطرف و الافراط المتحرر. و سننتظر ما ستحمله الايام المقبلة لنري إلي ما ستنتهى به، فإما ولادة عسرة للتطبيق و إما ميسرة للممارسة.