عربي
Thursday 28th of November 2024
0
نفر 0

تشريع ضرب الزوجة

تشريع ضرب الزوجة

من الاشكالات التي وجهت على الإسلام في نظرته للمرأة هو تشريع ضرب الزوجة حيث قالوا ان الإسلام يعطي صلاحيات متعددة للزوج داخل الاسرة وبالتالي يوجد حالة من الاستبداد عند الرجل على زوجته والدليل على ذلك هو ما شرعه من جواز ضرب الزوجة, هذا التشريع الذي يتنافى مع ابسط قواعد المساواة الانسانية بين الرجل والمرأة, فلابد ان يرفع هذا التشريع الذي هو مظهر من مظاهر التخلف الحضاري وإبداله بحالة توازن ومساواة بين الرجل والمرأة،
فلا يحق للرجل ان يعتدي على المرأة بضربها وكذلك بالنسبة الى المرأة تجاه الرجل وبذلك نضمن جو اسري هادئ ومطمئن بعيدا عن كل مظاهر العنف والتخلف.
ولاجل حل هذا الاشكال سوف نتطرق لبعض الأمور:

الإسلام والرفق بالمرأة:

من خلال مراجعة بسيطة لما جاء في الشريعة الاسلامية بخصوص المرأة سنعرف أن الإسلام ينظر الى المرأة نظرة خاصة ملؤها الحنان والعطف ويؤكد
بشدة على ضرورة مراعاتها والحفاظ عليها واحترامها ومعاملتها المعاملة الجيدة والرفق واللين معها, فهناك روايات كثيرة جدا تؤكد على هذا, فعن رسول الله(ص) انه قال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)(1)
وعن اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله(ع): ما حق المرأة على زوجها الذي اذا فعله كان محسناً? قال: (يشبعها ويكسوها واذا جهلت غفر لها).(2)
وعن رسول الله(ص) قال: (من صبر على خلق امرأة سيئة الخلق واحتسب في ذلك الأجر أعطاه الله ثواب الشاكرين).(3)
وعن رسول الله(ص) أيضاً: (قول الرجل للمرأة إني أحبك, لا يذهب من قلبها أبداً).(4)
فالاسلام ينظر الى المرأة داخل الأسرة كانسان له كيانه وشخصيته المستقلة التي لا يجوز لأي كان المساس بها (فالمرأة الزوجة هي تماماً كأية امرأة اجنبية عن الزوج, في العلاقات الانسانية العامة, فلا يجوز أن يشتمها او يضربها او يطردها من بيتها بغير حق, ولا يجوز له أن يسيء معاملتها او يؤذيها, لان الله لم يسلط انساناً على انسان آخر في هذه الدوائر الحياتية سواء في ذلك الانسان الذي تكون له علاقة بانسان آخر او الذي لا تكون له مثل هذه العلاقة).(5)
نعم هناك حالة واحدة فقط جوز الإسلام فيها للزوج ضرب زوجته وهي فيما إذا اصبحت الزوجة ناشز.
قال تعالى:(واللَّاتي تخافون نشوزهنَّ فعظوهنَّ َواهجروهنَّ ِفي المضاجع واضربوهنَّ فإِْن أطعنَكم فلا تبغوا عليهنَّ سبِيلاً إِنَّ اللهََّ كان علياً كبِيراً).(6)

معنى النشوز:
جاء في القاموس المحيط: (النشز المكان المرتفع.. والمرأة تنشز وتنشز نشوزاً استعصت على زوجها وأبغضته).(7)

وفي المصباح المنير:

(نشزت المرأة من زوجها نشوزاً... عصت زوجها وامتنعت عليه.. وأصله الارتفاع, يقال نشز من مكانه نشوزاً اذا ارتفع عنه).(8)

وجاء في لسان العرب:
(النشز وهو ما ارتفع من الأرض ونشزت المرأة بزوجها وعلى زوجها تنشز وتنشز نشوزاً وهي ناشز ارتفعت عليه واستعصت عليه وأبغضته وخرجت عن طاعته).(9)
إذن فالمرأة الناشز هي تلك المرأة التي ساء خلقها مع زوجها وتعدت حقوقه واستكبرت وتمردت وسعت لإغضابه دون حق، وهذه المرأة هي التي اجازت الآية الشريفة ضربها.

متى تضرب الزوجة:
فهمنا من خلال الآية الكريمة أن المرأة الناشز المستغلبة على زوجها الظالمة له في حقوقه هي التي تضرب، ولكن نرى أن الآية الشريفة لم تجوز الضرب مباشرة بل جعلت حلين ووسيلتين لاصلاح أمر الزوجة قبل الوصول الى الضرب.
الوسيلة الأولى: هي وعظ ونصح الزوجة وتذكيرها بالحقوق والواجبات التي عليها, ولابد أن يتذكر الزوج أن الهدف من هذا الوعظ في الحقيقة هو ارجاع الزوجة الى رشدها لاجل تجنب انهيار البيت الاسري لذا فالوعظ والنصح لابد أن يكون بطريقة مهذبة بعيداً عن حالات الاحتقار والتأنيب والتقريع وجرح مشاعر الزوجة الأمر الذي قد يزيد الطين بلة.
فإن أصرت الزوجة على النشوز والخروج عن طاعة الزوج, جاءت الوسيلة الأخرى وهي الهجر في المضاجع, فإن أقوى سلاح تتمسك به المرأة لإرغام زوجها هو الجنس والمضاجعة, فإذا رأت ان زوجها قد هجرها في المضجع وأعرض عنها جنسياً علمت حينها أنه لا سلاح لديها تتوسل به لاضعاف زوجها.
وفي الحقيقة أن كثيرًا من المشاكل الناتجة عن عدم طاعة الزوجة لزوجها ونشوزها وارتفاعها على الزوج تحل اما بالوسيلة الأولى او بالوسيلة الثانية, لكن في حالات نادرة قد يكون للزوجة من التكبر والغرور والاستعلاء بحيث لا تنفع معها هاتين الوسيلتين, فهنا جوزت الآية الشريفة للزوج ولأجل الحفاظ على حياته الاسرية ضرب المرأة والتي هي الوسيلة الثالثة لارجاع الزوجة الى رشدها.

مقدار ضرب الزوجة:
ان المرأة التي لا ترجع الى رشدها بالموعظة والنصح, ولا بالهجران والتأديب النفسي, هي امرأة عديمة الاحساس لا يمكن ان تتعقل الا بالضرب, فالمرأة العاقلة تتفهم الأمر من خلال النصح, او تتأثر نفسياً من خلال الهجر أما هذه المرأة التي لا ينفع معها النصح والهجر فهي امرأة غير طبيعية يكون ضربها هو الحل الأخير لانقاذ البيت الاسري من الانهيار وكأنه العملية الجراحية التي تنقذ الحياة الزوجية.
أما مقدار هذا الضرب فقد اتفق الفقهاء على أنه ضرب تأديبي يشترط فيه أن لا يكون مؤدياً الى الجرح والادماء قليلاً او كثيراً وأن لا يكون فيه نوع من الانتقام والتشفي والتعذيب الجسدي والقسوة, والا ففيه الدية.
قال صاحب الجواهر: (.. أما لو وقع النشوز وهو الامتناع عن طاعته فيما يجب له جاز ضربها..لكن يقتصر على ما يؤمل معه رجوعها ما لم يكن مدمياً ولا مبرحاً).(10)
وقال السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض: (فإن لم ينجح (هجرها في المضجع) ضربها مقتصراً على ما يؤمل معه طاعتها ما لم يكن مبرحاً).(11)
وقال المحقق البحراني في حدائقه الناضرة: (والمراد من غير المبرح ما لا يدمي لحمًا, ولا يهشم عظمًا, ويكون كضرب الصبيان للتأديب بحيث يتألم منه المضروب ولا يوجب ضرراً في بدنه).(12)
اذن فالخلاصة ان المرأة التي تضرب هي تلك المرأة المترفعة على زوجها والمتنكرة له في الحقوق بعدما لم ينفع معها النصح والوعظ, ولم ينفع معها التأديب النفسي وهو الهجر في المضجع عندئذ يجوز للزوج ضربها للتأديب فقط دون أن يستتبع ذلك جرح أو إدماء, فإن لم ينفع ذلك كله في الحفاظ على الحياة الزوجية عندئذ جاء دور التحكيم من أهله وأهلها وإلا انتهى الأمر الى الطلاق.
ولابد من الاشارة الى أن هذه الوسائل الثلاث وهي الوعظ والهجر والضرب انما هي مشروعة في حالة احتمال التأثير والا لو علم عدم التأثير فلا يجوز له هجرها او ضربها بل تصل المرتبة الى التحكيم والا الطلاق، لانه لابد والحال هذه ان يوضع حل أساسي وجذري للمشكلة.

نشوز الرجل:

في الختام نذكر ان النشوز لا يقع من جهة الزوجة فقط, بل يقع أيضاً من قبل الزوج اذا امتنع من اعطاء الحقوق المترتبة عليه لزوجته، قال تعالى:
(وإِن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إِعراضاً فلاُ جنَْاح عليهَما أن يصلحا بينَُهَما صلحاً والصُّلح خير..).(13)
فهنا ليس للمرأة هجره ولا ضربه بل وعظه, فان لم ينفع رفعت أمرها الى الحاكم الشرعي الذي يجبره على أداء الحقوق التي عليه لزوجته من النفقة وغيرها فان لم ينفع عزره بما يراه وله ان ينفق عليها من مال الزوج مع امتناعه من ذلك ولو ببيع عقاره اذا توقف عليه.(14)
1 ـ  وسائل الشيعة, ج 20 ص 171.
2 ـ  فروع الكافي, ج 5 ص 511.
3 ـ  وسائل الشيعة, ج 20 ص 174.
4 ـ  فروع الكافي, ج 5 ص 569.
5 ـ  محمد حسين فضل الله, تأملات إسلامية حول المرأة, ص 107.
6 ـ  سورة النساء: آية 34.
7 ـ  القاموس المحيط: ج 1 ص 678.
8 ـ  المصباح المنير: ج 2 ص 605.
9 ـ  لسان العرب: ج 5 ص 418.
10ـ   الشيخ الجواهري, جواهر الكلام: ج 31 ص 202.
11 ـ  السيد علي الطباطبائي, رياض المسائل: ج 10 ص 27.
12ـ  المحقق البحراني, الحدائق الناضرة: ج 24 ص 617.
13ـ  سورة النساء آية: 128.
14ـ  راجع جواهر الكلام: ج 31 ص 107 , وأيضاً الشهيد الثاني, شرح اللمعة: ج 5 ص 429 , والحدائق الناضرة: ج 24 ص 619.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مفاتيح لعلم البلاغة لنفتح ما إنغلق من نهج ...
الشاي الأخضر قد يقي من أمراض العيون الشائعة
البوسنة تمنع زواج البوسنيات من السعوديين!
القرآن وتنظيم الأسرة
المسرح المدرسي
العقيدة و المرجعية
ماذا تفعل الزوجة فى مواجهة الزوج اللعوب؟
انعقاد مؤتمر تحت شعار"من سيرة الإمام علي (ع) ...
لاتلاحقي زوجك وتعاملي معه بنفسية الرجل
الأحكام الثابتة والمتغيّرة

 
user comment