- إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس الحسني ج 2 ص 374 : -
الباب السابع فيما نذكره مما يتعلق بليلة خمس وعشرين
من ذى الحجة ويومها وفيه فصول :
فصل ( 1 ) فيما نذكره من الرواية بصدقة مولانا علي ومولاتنا فاطمة
صلوات الله عليهما في هذه الليلة على المسكين واليتيم والاسير
روينا ذلك بعدة طرق ، منها ما ذكره جدى أبو جعفر الطوسى في كتاب المصباح ، فقال : ( وفى ليلة خمس وعشرين سنة - يعنى من ذى الحجة - تصدق أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام ، وفى اليوم الخامس والعشرين منه نزلت فيهما وفى الحسن والحسين عليهما السلام سورة هل أتى ) (1) .
لما مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه ابو بكر وعمروعاد هما عامة العرب ، فقال : يا ابا الحسن لو نذرت على ولديك وكل نذر لا يكون له وفاء فليس بشئ ، فقال على عليه السلام : ان براءا ولداى : مما بهما صمت ثلاثة ايام شكرا لله عزوجل ، وقالت فاطمة وجاريتهم فضة مثل ذلك ، فالبس الغلامان العافية وليس عند آل محمد قليل ولا كثير ، فانطلق على عليه السلام الى شمعون بن حاريا الخيبرى فاقترض منه ثلاثة اصوع من شعير .
(1) مصباح المتهجد : 767 . ( * )
أقول : ورويت ببعض اسانيدى ، ان صدقة مولانا على ومولاتنا فاطمة صلوات الله عليهما على المكين واليتيم والاسير كانت في ثلاث ليال ، فيمكن ان يكون اول الثلاثة ليلة خمس وعشرين من ذى الحجة .
فمن الرواية في ذلك قال : فانطلق على عليه السلام الى جار له من اليهود يعالج الصوف ، يقال له : شمعون بن حاريا ، فقال له : هل لك ان تعطيني جزة من الصوف تغزلها بنت محمد صلى الله عليه وآله بثلاثة اصوع من شعير ؟ فقال : نعم ، فاعطاه فجاء بالصوف وبالشعير ، فأخبر عليه السلام فاطمة عليها السلام بذلك ، فقبلت واطاعت . قالوا : فقامت فاطمة عليها السلام فطحنته واختبزت منه خمسة اقراض ، لكل واحد منهم قرص وصلى على مع النبي صلوات الله عليهما المغرب وأتى المنزل ، فوضع الطعام بين يديه ، إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب فقال : السلام عليكم اهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين اطعموني اطعمكم الله من موائد الجنة ، فسمعه على عليه السلام فأمر باعطائه فاعطوه .
فمكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا الا الماء القراح ، فلما كان اليوم الثاني قامت فاطمة عليها السلام الى صاع فطحنته واختبزته وصلى على مع النبي عليهما السلام ، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه ، فأتاهم يتيم فوقف بالباب وقال : السلام عليكم اهل بيت محمد يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدى يوم العقبة ، اطعموني اطعمكم الله من موائد الجنة .
فسمعه على عليه السلام فأمر باعطائه فاعطوه . ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا الا الماء القراح ، فلما كان اليوم الثالث قامت فاطمة عليها السلام الى الصاع الثالث فطحنته وصلى على مع النبي صلى الله عليه وآله ثم أتى المنزل ثم وضع الطعام بين يديه وأتاهم أسير فوقف بالباب فقال : السلام عليكم اهل بيت محمد ، تأسرونا ولا تطعمونا ، فسمعه على عليه السلام فأمر باعطائه فاعطوه الطعام ومكثوا ثلاثة ايام ولياليها لم يذوقوا شيئا الا الماء القراح . فلما كان اليوم الرابع وقد وفوا نذرهم ، أخذ على بيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى
الحسين ، واقبل على رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع ، فلما بصر به النبي صلى الله عليه وآله قال : يا ابا الحسن ما اشد ما اراه بكم ، فانطلق بنا الى منزل فاطمة . فانطلقوا إليها وهى في محرابها قد لصق بطنها من شدة الجوع وغارت عيناها ، فلما رآها النبي صلى الله عليه وآله قال : واغوثاه يا الله اهل بيت محمد يموتون جوعا ، فهبط جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله فقال : يا محمد خذ ما هناك الله في اهل بيتك ، فقال : ما أخذ يا جبرئيل ، فاقرأه عليه : ( هل اتى على الانسان حين من الدهر - الى قوله : انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا - الى آخر السورة ) (1)
أقول : وزاد محمد بن الغزالي على ما ذكره الثعلبي في كتابه المعروف بالبلغة : انهم عليهم السلام نزلت عليهم مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة ايام .
أقول : وروى حديث نزول المائدة عليهم ايضا موفق ، أي احمد المكى الخوارزمي (2) .
أقول : وذكر حديث نزول المائدة الزمخشري في كتاب الكشاف ولكنه لم يذكر نزولها في الوقت الذى ذكرناه ، فقال ماهذا لفظه : وعن النبي صلى الله عليه وآله انه جاع في زمن قحط ، فاهدت له فاطمة عليها السلام رغيفين وبضعة لحم ، اثرته بها ، فرجع بها إليها فقال : هلمى يا بنية وكشفت عن الطبق ، فإذا هو مملو خبزا ولحما ، فبهتت وعلمت انها نزلت من عند الله ، فقال لها صلوات الله عليه : أنى لك هذا ؟ قال : هو من عند الله يرزق من يشاء بغير حساب ، فقال عليه السلام : الحمد لله الذى جعلك شبيه سيدة نساء بنى اسرائيل ، ثم جمع رسول الله صلى الله عليه وآله على بن أبى طالب والحسن والحسين وجميع اهل بيته حتى شبعواوبقى الطعام كما هو وأوسعت فاطمة على جيرآنها (3) .
* هامش *
(1) نقله بتفصيله في الطرائف : 107 الى 109 عن الثعلبي عن ابن عباس .
(2) المناقب للخوارزمي : 188 .
(3) الكشاف 1 : 358 . ( * )
- ص 377 -
أقول : وروى حديث نزول هذه الايات من هل أتى في مدح مولانا على وفاطمة والحسن والحسين ، على بن احمد الواحدى النيشابوري المخالف لأهل البيت في كتاب اسباب النزول (1) .
* هامش *
(1) راجع اسباب النزول للواحدي : 331 ، المناقب لابن المغازلى : 272 ، شواهد التنزيل 2 : 303 ،
كفاية الطالب : 201 ، ينابيع المودة : 93 ، البحار 35 : 248 . ( * )