النظريات السياسية الغربية الحديثة:
لن نذهب بعيدا في تجميع المذاهب السياسية الغربية، التي تنطلق من الإيديولوجية الغربية؛ فهي منحصرة اليوم فيما تدعوا إليه دوائر رسم السياسات المستقبلية للعالم الغربي المتفوق والتي اشرنا إليها تحديدا في مقدمة البحث، ولنأخذ على سبيل المثال ما قدمه فرنسيس فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ والإنسان الأخير، وكذا ما قدمه صومؤيل هنتنغتون في كتابه صدام الحضارات.
و اليوم وانسجاما مع الخط (الابيقوري النيتشوي الهيجلي) في تفضيل الإنسان الأوربي الغربي الأبيض: استخدم فوكوياما ما قدمه أفلاطون لتصوير صراع الميول والقيم في ذات الفرد الإنساني، وكان يسميه (التيموس): أي الجزء الراغب في النفس والطامح إلى تأكيد ألذات وانتزاع اعتراف الآخرين بها. ثم دمج بين هذه النتائج وبين محصلات الفكر الأوربي عند (نيتشه)، (وروسو)، وبين فهم (كوجيف) لـ (هيجل): فخرج بالنتيجة التالية:
«الرأسمالية الراهنة بما هي نهاية مسار الكينونة الفردية والاجتماعية، هي نظام سياسي، اقتصادي يمثل التجسيد الأعلى للرغبة التيموسية، لذلك سينتهي التاريخ معها وسينقسم العالم إلى عالمين احدهما سيظل أسيرا للتاريخ، ويصعب تحرره منه، والآخر سينجز رحلة التاريخ كلها ويفك أسره من حتميته الصارمة، فينعم بطبيعة هادئة لأنه يكاد يحقق جوهر الاكتفاء الذاتي ويروي أساس الرغبات وعلى الجميع الاعتراف به وبتفوقه وكماله».[18]
إذن بعد أن أقامت نهاية التاريخ الأساس الفلسفي لصدام الحضارات، وبعد أن بينت جذوره في عمق الوعي الفلسفي الغربي أعطتنا النتيجة الحتمية له: وهي فوز الإنسان الأخير الذي لا يلبث أن يرقى قمة الكون ويعتلي سنام التاريخ إلى نهايته!.
اكتسبت هذه الرؤية أهميتها الفائقة عند الغربيين، من منطلق كونها الفلسفة الفكرية التي أعقبت الصراع الأيدلوجي بين الليبرالية والماركسية.
ومن هذا يبدو للمتتبع الوظيفة السياسية لهذه النظرية، وأهميتها لأساتذة الانتروبولوجية الثقافية التي وظفت هي الأخرى للترويج لتفوق الرس الأبيض في خدمة الليبرالية.
واليوم من منطلق كون القطب الواحد هو الذي يحكم العالم، فقد تبناها بشكل رسمي.
فما شهده العالم في العقد الأخير من القرن العشرين شاهد على أن: نظريتي نهاية التاريخ، وصدام الحضارات هما البيان الأخير الذي أصدرته الليبرالية في ثورتها الجديدة وهي تزمع استئناف مشروعها وحيدة هذه المرة: المشروع الذي عاد فانبثق من الفكر النفعي الأمريكي والذي سوف يؤدي إلى استمرار زعامة الليبرالية المطلقة على العالم.
ان تأكيد ألذات هذا، والسيطرة الاجتماعية، تتأكد تماما في أيدلوجية واحدة لسياسة الخبث في العالم هي؛ التي ينسلخ فيها الإنسان من فطرته، ليكون سيدا باحتكار السيادة له بحجة اللون الأبيض! أو الاختيار الرباني! أو إمارة المؤمنين غصبا عنهم!
6. حقيقة السياسة الغربية الحديثة:
فالمتتبع يجد أن هناك تناغماً، بين طروحات (صموئيل هنتنغتون) في صدام الحضارات، وطروحات (فرنسيس فوكوياما)، في نهاية التاريخ، وبين الفكر الاستعلائي الابيقوري الافلاطوني النيتشوي الهيغلي؛ بتفوق العرق الأبيض، طبقا لشعار (أنا خير منه)، من جهة وبين تطلعات النخبة من أسياد المال في العالم والذي يتبنون الليبرالية كأيدلوجية (دعه يمر، دعه ينهب، دعه يستغل)، من جهة أخرى.. تواصيا على دمج الشعارين: شعار انا خير منه، وشعار: دعه يمر.
وقد وضفوا تيموس أفلاطون، وتحلل ميكافيلي، وغرور هيغل… كي ينتهي التاريخ لصالح الرجل الأبيض لينطلق متحللا من كل التزام، وليبقى الآخر حبيس قيم تلزمه الصراع!!!!!.
إنها رومانسية سياسية، لا علاقة لها بواقع الحال وطبيعة التكوين الإنساني، لان فكرتهم هذه بحد ذاتها هي؛ قيد للذات وعبودية للهوى، فهم سجناء الغرور الابليسي (انا خير منه) التي تكرسها نظرية نهاية التاريخ، وتؤكدها طروحات صدام الحضارات، فلينتظر العالم حجم وعتو الرعب في غايته من عالم يقوده وكلاء إبليس.
ولذا فان عمل التكفيريين في تقطيع الرؤوس وسمل الأعين ونشر أشلاء الناس أطفالا وكبارا ونساءً مسئولين وغيرهم، في الجزائر أولا، ثم في العراق وأفغانستان… صار مادة دسمة لوسائل الإعلام الغربية العملاقة والمسيطرة، لتؤكد الثوابت الفوكويامية: طعنا بالدين وتمهيدا لإبراز التفوق للفكر اللبرالي الغربي، بداية لسيطرة أسياد المال بلا منازع على ثروات العالم عموما والعالم الإسلامي خصوصا.
إن مما يبثه، ويثبته هؤلاء المنظرون للسياسة الغربية الماكرون هو: إن الإرهاب لفظ قديم اتخذه المسلمون من قرآنهم وسيلة لقهر الشعوب، وهو: قوله تعالى:
(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ)؛[19]
ولابد من الحديث فيما تعنيه الآية على ضوء ما يراه صموئيل هنتنغتون وفوكوياما، وعلى هذا فنؤكد ما يلي:
1. لا يوجد على وجه الأرض إنسان، له لب ـ غير التكفيريين أو من هم من صنائع المخابرات العالمية – يؤمن بقبح هذا المعنى السائد للإرهاب أو يروج له: بما يفعلون بقتل الأبرياء والتمثيل بجثث الموتى،و وما يأتونه من منكرات ما انزل بها من سلطان، ولا تنسجم مع روح القرآن في الدعوة للإحسان، ذات الأسلوب الذي يجعل حتى الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم.
قال الله تعالى:
(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)؛[20]
2. كثير من عباقرة و مفكري الغرب المنصفين: يعتبرون الإسلام أفضل دين سماوي يقدس الإنسان ويحترم البشرية: من أمثال (برناردشو)، و(روجيه غار ودي) الذي اعتنق الإسلام، ومثلهم (روبرت كوين): مستشار الأمن القومي الأمريكي زمن الرئيس الأمريكي (نيكسون)، الذي اعتنق الإسلام… وكثير جدا ممن أشاروا إشارات رائعة لأهمية الإسلام والمسلمين في نهضة الغرب الحديثة.
3. إن لفظ ترهبون به عدو الله وعدوكم: إنما هو من باب الأخذ بالرادع – كما قلنا ـ الذي يحفظ السلام. فعدو الله هو عدو السلام، والله هو السلام، ومنه السلام، واليه يعود السلام: وهذا مما لا يختلف عليه الناس شعوبأ ودولا، فلا توجد دولة في العالم لا تأخذ بأسباب الردع اللازم لحفظ سيادتها.. ولذا فلا يحق لأحد أن يؤاخذ المسلمين والدولة الإسلامية إن أخذت بأسباب الردع لأعدائها الذين هم أعداء الله جل وعلا.
4. بالنظر الى الواقع: إن الذين يرهبون عباد الله هم صنّاع أسلحة الدمار الشامل، وهم رعاة العملاء من حكام الشعوب المستعمرة من دول العالم الثالث.
والإرهابيون: هم صنّاع الأسلحة المرهبة، وصناع وسائل التعذيب التي يمنحونها للحكام الذين سلطوهم على الشعوب، وهم الذين يمكرون بالناس ويتآمرون لتزييف الحقائق..
والإرهابيون: هم الذين يكيلون بمكيالين بين الناس فيزرعون الأحقاد ليحصدوا الإرهاب ممن يئنون تحت وطأة هذا الغبن الذي يمارس بإمعان وسبق إصرار من قبل رعاة الإنسانية التي يعذبها العنف!
وعلى هذا الديدن تستمر عجلة الشيطان بالدوران، و أبناء البشرية دوما هم الضحية.
7. تناقضات السياسة الغربية