و هذه القاعدة و إن جرى تداولها في المعاملات كضابطة في الشروط الضمنية المعاملية، إلا أن الصحيح عموم هذه القاعدة لأبواب الفقه السياسي و الحكم، كما أنها ذات أهمية كبيرة في البحث المتداول في هذا العصر و هو الثابت و المتغير في الشريعة و الذي يضفي بظلاله على كيفية تغطية الشريعة لكل الحوادث المستجدة و لكل أصعدة الحياة الحديثة، كما سيتبين فيما يأتي.
و لا يخفى أن هذه القاعدة قد نبه عليها كل من خاض فيها من الأساطين على وعورة و صعوبة البحث فيها، و ان ما يذكر من ضوابط في تفسيرها غير مطرد و لا منعكس، مضافا إلى أنها لا تنقح الصغريات العديدة التي وقع الخلاف فيها.
و هذا التحديد في الشرط ورد أيضا في الصلح و النذر و أخويه و طاعة الوالدين و غيرها، و سيتبين الجهة المشتركة بين هذه العناوين في هذا التحديد.
و لأهمية هذه القاعدة خاض فيها المحقق النراقي (قده) في كتابه عوائد الأيام كما تعرض لكلامه تلميذه الشيخ المحقق الأنصاري (قده) في المكاسب كما تعرض لكلامه كل من كتب في هذه القاعدة و من الموارد الفريدة التي يعبر الشيخ الأنصاري (قده) عن أستاذه النراقي (قده) بالمشيخة فقال: بعض مشايخنا المعاصرين، و نقل كلامه في موضعين، و هو الوحيد الذي نوه باسمه من بين من نقل عنهم في هذا المبحث مما يدل على حداثة بلورة هذا البحث عند النراقي (قده)، و هذه الصفة مطردة في تحقيقات النراقي (قده) .
و قد تابع الشيخ الأنصاري (قده) استاذه المحقق في إثارتها في مواطنها المختلفة، مما يدل على تأثر الشيخ بالمحقق النراقي (قده) أكثر من بقية مشايخه الآخرين.
قال في العوائد (1) ـ في العائدة 15ـ التي عقدها لبيان حكم الشرط في ضمن العقد، بعد بيان معنى الشرط و جملة من ضوابط و شرائط صحة الشرط الضمني ـ المبحث الثالث: في بيان ما يجوز من الشرط و ما لا يجوز، و جملة ما ذكروا عدم جوازه، و وقع التعبير ب (غير الجائز) في عباراتهم أربعة :
الشرط المخالف للكتاب و السنة.
و الشرط الذي أحل حراما أو حرم حلالا.
و الشرط المنافي لمقتضى العقد.
و الشرط المؤدي إلى جهالة أحد العوضين.
اما الأول:
فعدم الاعتداد به مجمع عليه، و في المستفيضة تصريح به ـ ثم أشار إلى الأخبار الواردة في المقام و قال: ثم المراد بشرط خالف الكتاب أو السنة، : أن يشترط ـ أي يلتزم ـ أمرا مخالفا لما ثبت من الكتاب و السنة عموما أو خصوصا، مناقضا له.
و الحاصل: أن يثبت حكم في الكتاب أو السنة، و هو يشترط ضد ذلك الحكم و خلافه، أي يكون المشروط أمرا مخالفا لما ثبت في أحدهما، سواء كان من الأحكام الطلبية أو الوضعية... . و أما اشتراط أن لا يتصرف المشتري في المبيع مدة معلومة، فهو ليس مخالفا للكتاب أو السنة، إذ لم يثبت فيهما تصرفه... بل إنما ثبت جواز تصرفه، و المخالف له عدم جواز تصرفه ... نعم إيجاب الشارع للعمل بالشرط يستلزم عدم جواز التصرف، و ليس المستثنى في الأخبار شرطا خالف إيجابه أو وجوبه كتاب الله و السنة بل شرط خالف الكتاب و السنة، و الشرط هو عدم التصرف... لا نعلم أن التزام عدم التصرف يخالف جواز التصرف ما لم يثبت وجوب ما يلتزم به.
و أما شرط فعل شي ء ثبتت حرمته من الكتاب و السنة أو ترك شي ء ثبت وجوبه أو جوازه منهما، فهو ليس شرطا مخالفا للكتاب و السنة، إذ لم يثبت من الكتاب و السنة فعله أو تركه، بل حرمة فعله أو تركه. و لكن يحصل التعارض حينئذ بين ما دل على حرمة الفعل أو الترك و بين أدلة وجوب الوفاء بالشرط فيجب العمل بمقتضى التعارض انتهى.
و قبل التعرض إلى باقي كلمات الأصحاب في هذه القاعدة نستعرض الروايات الواردة ثم نتبعه بتحرير حقيقة موضوع و محمول القاعدة.
أما الروايات:
فهي و إن كانت على طوائف بحسب ألسنتها إلا أنه سنذكرها بحسب الأبواب و مواردها :
الأولى: صحيح الحلبي، عن أبي عبد الله (ع) قال: سألته عن الشرط في الإماء لا تباع و لا تورث و لا توهب؟ فقال: «يجوز غير الميراث، فإنها تورث، و كل شرط خالف كتاب الله فهو رد» (2) ، و مثله صحيح ابن سنان (3) إلا أن في ذيلها «فهو باطل» .
الثانية: صحيح عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: «من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله فلا يجوز له، و لا يجوز على الذي اشترط عليه، و المسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب الله عز و جل» (4) ، و في صحيحه الآخر عنه (ع) قال: «المسلمون عند شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب الله عز و جل فلا يجوز» (5) و مثل الثاني صحيح الحلبي (6) .
الثالثة: موثق إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه ( عليهما السلام) : «إن علي بن أبي طالب ( عليه السلام) كان يقول: من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما» (7) .
الرابعة: معتبرة منصور بن بزرج، عن عبد صالح (ع) قال: قلت له: إن رجلا من مواليك تزوج امرأة ثم طلقها فبانت منه فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها و لا يتزوج عليها، فأعطاها ذلك، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك فكيف يصنع؟ فقال: «بئس ما صنع، و ما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل و النهار قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإن رسول الله ( صلى الله عليه و آله) قال: و المؤمنون عند شروطهم (8) .
و في رواية العياشي عن: ابن مسلم، عن أبي جعفر ( عليه السلام) قال: «قضى أمير المؤمنين ( عليه السلام) في امرأة تزوجها رجل و شرط عليها و على أهلها إن تزوج عليها إمرة أو هجرها أو اتخذ عليها سرية فإنها طالق، فقال: شرط الله قبل شرطكم، إن شاء وفى بشرطه و إن شاء أمسك امرأته و نكح عليها و تسرى عليها و هجرها إن أتت بسبيل ذلك، قال الله تعالى في كتابه: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلث و رباع) (9) و قال: (أحل لكم ما ملكت أيمانكم) (10) و قال: (و اللاتي تخافون نشوزهن) (11) الآية» (12) .
الخامسة: صحيح محمد بن قيس، عن أبي جعفر (ع) أنه قضى في رجل تزوج امرأة و أصدقته هي و اشترطت عليه ان بيدها الجماع و الطلاق قال: «خالفت السنة، و وليت حقا ليست بأهله، نقضي أن عليه الصداق و بيده الجماع و الطلاق و ذلك السنة» (13)
و صحيحه الآخر عن أبي جعفر (ع) في رجل تزوج امرأة و شرط لها إن تزوج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ عليها سرية فهي طالق، فقضى في ذلك: «أن شرط الله قبل شرطكم فإن شاء وفى لها (بما اشترط) و إن شاء أمسكها و اتخذ عليها و نكح عليها» (14) .
و مثله صحيح عبد الله بن سنان إلا أن فيه «أن رسول الله ( صلى الله عليه و آله) قال : «من اشترط شرطا سوى كتاب الله فلا يجوز ذلك له و لا عليه» (15) .
و في رواية ابراهيم بن محرز قال: سأل رجل أبا عبد الله [أبا جعفر] ( عليه السلام) و أنا عنده، فقال: رجل قال لامرأته: أمرك بيدك، قال: «أنى يكون هذا، و الله يقول: (الرجال قوامون على النساء) ليس هذا بشي ء» (16) .
السادسة: صحيح أبي العباس، عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يتزوج المرأة و يشترط ان لا يخرجها من بلدها قال: «يفي لها بذلك، أو قال: يلزمه ذلك» (17) .
السابعة: صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) أنه ذكر: أن بريرة كانت عند زوج لها و هي مملوكة، فاشترتها عائشة فأعتقتها، فخيرها رسول الله ( صلى الله عليه و آله) إن شاءت تقر عند زوجها، و إن شاءت فارقته و كان مواليها الذين باعوها اشترطوا ولاءها على عائشة فقال رسول الله ( صلى الله عليه و آله) : «الولاء لمن أعتق» الحديث (18) .
الثامنة: و الصحيح إلى ابن أبي عمير، عن عمرو صاحب الكرابيس، عن أبي عبد الله (ع) عن رجل كاتب مملوكه، و اشترط عليه أن ميراثه له فرفع ذلك إلى علي ( عليه السلام) فأبطل شرطه، و قال: «شرط الله قبل شرطك» (19) .
التاسعة: صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (ع) عن رجل كانت له أم مملوكة فلما حضرته الوفاة انطلق رجل من أصحابنا فاشترى أمه و اشترط عليها أني اشتريك و اعتقك فإذا مات ابنك فلان ابن فلان فورثتيه أعطيتني نصف ما ترثينه على أن تعطيني بذلك عهد الله و عهد رسوله، فرضيت بذلك، و أعطته عهد الله و عهد رسوله لتفين له بذلك، فاشتراها الرجل و أعتقها على ذلك الشرط، و مات ابنها بعد ذلك فورثته، و لم يكن له وارث غيرها قال: فقال أبو جعفر (ع) «لقد أحسن إليها، و أجر فيها، إن هذا لفقيه، و المسلمون عند شروطهم، و عليها أن تفي بما عاهدت الله و رسوله عليه» (20) .
العاشرة: رواية سلمة بن كهيل قال: سمعت عليا ( عليه السلام) يقول لشريح: «...و اعلم أن الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا، أو أحل حراما» الحديث (21) .
و مثله مرسل الصدوق (22) ، و من هذا الباب ما ورد (23) ، من أن لا نذر و لا يمين في معصية، و أنه لا تجوز يمين في تحليل حرام و لا تحريم حلال (24) و منه أيضا ما ورد، «لا طاعة للوالدين في معصية الخالق و لا لغيرهما فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (25) .
حقيقة البحث:
سواء في طرف موضوع القاعدة او محمولها أو متعلقها و لنذكر المحتملات تباعا:
الاول: ان يكون في كل من شرط الفعل و النتيجة، وعلى كلا التقديرين المخالفة تارة بلحاظ الشرط أي التعهد و الالتزام، أو بلحاظ المشروط و هو المتعلق أو المنشأ المتعهد به و هو ملكية الفعل في شرط الفعل أو وجود النتيجة كمعنى وضعي في شرط النتيجة، و سيأتي تعيين أحد هذه المحتملات.
الثاني: أن البحث في حكم الشرط و المشروط و نسبته مع الأحكام الأولية باعتبار كونه عنوانا ثانويا و هكذا قد يقال الحال في الصلح و النذر و اخويه و طاعة الوالدين و طاعة كل ولي و والي من غير المعصومين ( عليهم السلام) أنها عناوين ثانوية تلحظ نسبتهامع الاحكام الاولية.
الثالث: ان البحث في معرفة الاحكام الطبعية الاقتضائية وافتراقها عن الاحكام الفعلية المطلقة الباتة في الاحكام الأولية، و أن الثانية تعارض الاحكام الثانوية بخلاف الأولى .
الرابع: هو بحث عن علم و كيفية معرفة الاصول القانونية في الشريعة و هو حقيقة و واقع البحث في الثابت و المتغير الديني، حيث أن الاصل القانوني هو المواد الأولى الفوقية للتقنين و الاحكام، و منها تنشعب بقية القوانين و الاحكام بنحو هرمي تنزلي نظير المواد الدستورية بالنسبة الى المصوبات القانونية للمجالس النيابية و هي بنوبتها بالنسبة إلى المقررات القانونية الوزارية و ان كانت منظومة الاحكام و القوانين الأديانية لا تنحصر في الاحكام الاجتماعية كالدساتير بل ذلك باب من أبوابها.
الخامس: قيل ان هذا البحث هو في ذكر الضابطة في التزاجم الملاكي ـ لا الامتثالي ـ بين الاحكام و قد صرح الشيخ الانصاري (قده) بوحدة مناط البحث مع موارد صيرورة المحلل مقدمة بنحو العلية للمحرم و من ثم الفرق بينه و بين موارد المصالح المرسلة و سد الذرائع و الفرق بينهما و بين جملة من فتاوى الاعلام في جواز التشريع مع توقف الانقاذ المستقبلي عليه لا الحالي و كذلك تجويز إرتكاب بعض المحظورات لأجل تجنب الضرر المستقبلي البعيد او القريب لا الحالي الفعلي و كذلك الحال في بعض موارد الحرج التقديري المستقبلي.
السادس: ان الجهة المشتركة و السمة المتحدة في بحث الشروط و الصلح و النذر و اخويه و طاعة الوالدين مما قد قيد بان «لايخالف الكتاب و السنة» و لان «شرط الله قبل شرطكم» هو في تحديد ولاية الفرد و سلطنته فلا ثبوت لها مع مخالفتها لولاية الله تعالى و ولاية رسوله التشريعية و غيرهما و بالتالي لا يمكن له ان يلتزم او يتعهد بما هو خارج عن ولايته و سلطنته فمورد قدرة الفرد و ولايته هو في التصرف الذي لم يمنع عنه شرعا، أي في إرادة الله تعالى و رسوله، و هذه الضابطة فلا تختص بولاية الفرد و سلطنته و تحديد إلتزاماته، سواء في لون الشرط او الصلح او النذر و أخويه أو حق طاعته كوالد لا تختص هذه الضابطة بولاية الفرد بل تعم كل والي سواء في الولايات العامة، كالنيابة العامة عن المعصوم في القضاء و الحكم و بيان الاحكام أو الولاية و النيابة الخاصة في الامور الثلاثة او في الولايات المتوسطة كالاوقاف و الحسبيات العامة و الوصايا، فإن الوالي في كل أقسام الولايات محدودة ولايته بعدم مخالفة التشريعات الإلهية من الكتاب و السنة، سواء سنة النبي (ص) و سنة اهل بيته ( عليهم السلام) فإن الطاعة و الولاية أولا لله تعالى ثم لرسوله ثم لأولي الامر من اهل بيته و بالتالي فهذه القاعدة ليست ميزان للحكم في باب الفتيا و فقه الفرد، بل ميزانا للحكم في باب الحكومة السياسية و فقه الدولة و يعضد عموم القاعدة أن عموم «المؤمنون عند شروطهم» لا يختص بالشروط على النطاق الفردي في المعاملات المادية والايقاعات في الاحوال الشخصية، بل يشمل الشروط في باب العهود التي تجريها الحكومة الاسلامية و الوالي مع الاطراف الاخرى الاسلامية أو غيرها في المعاملات المالية أو السياسية أو العسكرية و الامنية و غيرها فان العموم شامل لذلك فيما ثبتت ولايته للوالي و كذلك في عقد الصلح فإنه ليس خاصا بالنطاق الفردي بل شامل لعهود الدولة و الحاكم.
و من هنا تتبلور أهمية هذه القاعدة و عمومها للابواب و لمختلف اقسام الشرط و الصلح في مختلف ضروب الحكم و أن ولاية و سلطنة الفرد أو الولاة هي محدودة بولاية الله و رسوله و الائمة من أهل بيته أي الحكم التشريعي و القضائي و التنفيذي، و سيترتب من هذا التحرير لحقيقة البحث رفع الابهام في كثير من جهات دلالة الروايات المتقدمة.
كما ان البحث في القاعدة يظهر منطقة السعة للحاكم في تخير الاوفق من السياسيات و التدبيرات للوصول الى الاغراض الشرعية مادام ذلك في حدود الموافق للأصول الاولية و لم يخالفها .
السابع: قد ذكر بعض الأعلام أن مفاد البحث في القاعدة هو للتنبيه على أن الشرط و بقية العناوين المستثنى منها المخالفة ليست على حذو العناوين الثانوية الاخرى كالضرر و الحرج، و عناوين الرفع الاخرى مما يتقدم على الأحكام (العناوين الاولية) مطلقا، لجهة أهميتها في التزاحم الملاكي كما هو الضابطة في العناوين الثانوية و لكون عناوين الرفع رافعة للتنجيز و العزيمة دون أصل الحكم، بينما الشرط و الصلح و نحوهما موجب لتبدل الحكم، كما ان عناوين الرفع ناشئة من مصلحة التسهيل الملزمة و ترخيصها، أما عناوين العهد و الالتزام فناشئة من مصلحة الوفاء بالعهد المقترح المبتدأ او ولاية بعض الموالي و قد أشار الى وجود الفرق اجمالا الشيخ الانصاري (قده) في المقام.
الثامن: قد اشار صاحب الكفاية في موضع من مباحث الالفاظ الى ان العناوين الثانوية حاكمة صورة، أي بحسب عالم الدلالة، و مزاحمة لبا، و قد يظهر ذلك من الشيخ كما في تنافي الضررين و غيرهما، و هو ممشى مشهور الفقهاء، نعم مشهور هذا العصر البناء على انها حاكمة صورة و مخصصة لبا و لا يخفى خطورة و أهمية الفرق بين المسلكين في موارد عديدة و المسلك الاول هو المتعين كما حرر في محله، و على ذلك فيكون تقدم العنوان الثانوي على الاولي هو لأهميته ملاكا كما تقدمت الاشارة الى ذلك، و عليه فيكون محصل الاستثناء في المقام هو أن الشرط و الصلح و نحوهما من العهود و الالتزامات (أي الولايات الفردية و غيرها) لا تزاحم الاحكام الاولية الاقتضائية ملاكا بخلاف عناوين الرفع الستة و نحوها، لاسيما و ان عناوين الرفع كما تقدم لا تغير الاحكام الاولية عما هي عليه، كما هو مسلك مشهور طبقات الفقهاء عدا هذه الاعصار، بل غاية الامر هي ترفع تنجيزها كما هو شأن المتزاحمين بخلاف المخصص أو الوارد، كما هو الحال في عنوان الشرط و الصلح والنذر و اخويه و طاعة الوالدين و الموالي، و على ضوء ذلك فلابد في الالتزامات و العهود الداخلة تحت ولاية الفرد و الافراد أن تكون غير منافية للاحكام الأولية و التي هي من ولاية الله تعالى و رسوله بل ملائمة معها من باب جمع الملاكين، فيعود هذا النمط من العناوين الثانوية، كنمط عناوين الرفع غير مخصص و لا وارد على الاحكام الاولية، بل مجتمع معها من دون تنافي لا في الملاك فضلا عن الجعل و الانشاء بل و لا في الاثر و هو التحريك و البعث و التنجيز و الترخيص، و من ثم ارتكز في كلماتهم في القاعدة في المقام، أن مورد الشروط و الصلح و نحوهما هو في تمييز الاحكام الطبعية الاقتضائية عن الفعلية الباتة و غير ذلك مما قيل في ضابطة كيفية التعرف على عدم منافاة الاحكام الاولية مع ولاية الفرد و الافراد و التزاماتهم و عهودهم الداخلة تحت سلطنتهم كما سيأتي البحث في ذلك.
التاسع: قد ذكر المحقق النراقي و جماعة أن المخالفة في المقام تختلف عن المخالفة في باب التعارض فإن العموم و الخصوص المطلق يعد مخالفة في المقام بخلاف باب التعارض، و كذا الحال في الاطلاق و التقييد و كذلك حمل العام و المطلق على الخاص و المقيد، بل و كذلك كل وجوه الجمع العرفي الاخرى من حمل الظهور الاضعف على الاقوى على اختلاف انواع و ضروب القرينية، و بعبارة جامعة لا يرفع التنافي في المقام بما يرفع في باب التعارض بالتصرف في دلالة احد الطرفين ففي المقام لا تغير دلالة أدلة الاحكام عما هي عليه، و لا يلاحظ التوفيق بين دلالتها و دلالة نفوذ الشروط و الصلح و النذر و نحوها من الالتزامات و في الحقيقة أن أدلة الاحكام الثانوية مطلقا سواء كانت رافعة او مثبتة من النمطين اللذين تقدمت الاشارة اليهما ـ لا يتصرف بها في دلالة الاحكام الاولية، بخلاف أدلة الاحكام الاولية فيما بينها بعضها البعض، و على ذلك فالعناوين الثانوية بكلا النمطين حالات و أطوار للحكم الاولي من دون أن تتصرف في جعله فمن ثم يظهر تفسير آخر للموافقة للكتاب و السنة المأخوذ في ألسنة بعض روايات القاعدة المقابل لأخذ عدم المخالفة لها أنه نفي لمطلق المخالفةآ و بالتالي تكون موافقة مع طبيعة الحكم الأولي و لا تنافي شؤونه.
العاشر: أن بطلان الالتزام المخالف للكتاب و السنة سواء بنحو الشرط أو الصلح او النذر و أخويه و غيرها، مطرد حتى للألتزام والعهد لله تعالى، فلا يصح النذر وأخويه مع كونه عهدا و التزما له تعالى، فالأتباع و الطاعة لاحكامه تعالى مقيدة لسلطان عبيده في ما يلتزمونه و يتعهدونه على أنفسهم له تعالى فالشروط مبتدأة منه تعالى عليهم لا منهم له على أنفسهم.
الحادي عشر: أن شأن الحكم الثانوي كالعناوين العذرية الستة، فضلا عن المثبتة و هي الشرط و بقية الالتزامات ليس هو الدوام و الثبات، بل ذلك شأن الاحكام الاولية، بل شأنها هو الطرو الاتفاقي المؤقت، و الزوال من دون استمرار.
و بعبارة اخرى: حيث قد عرفن ان العناوين الثانوية العذرية مزاحمة لبا للاولية و التزاحم لا يكون حالة دائمة بين الاحكام بل الحالة الطبيعية هي الوفاق بينها في التدبير الفردي أو الاجتماعي و من ذلك يكون الحال اجلى في الثانوية المثبتة، نعم لماكان مورد المثبتة هو كما مر الاحكام اللااقتضائية كما في اكثر المباحات كان البقاء فيها الحيثي اطول مدة .
فقه الروايات:
و أما تقريب دلالة الروايات و التي مواردها بمثابة تطبيقات لهذه القاعدة و يظهر من خلالها فوائد:
فالاولى: و هي صحيح الحلبي المتقدم و هي مطابقة في المورد مع صحيحه الآخر و هي الروايةالسابعة المتقدمة و كذا مع الرواية الثامنة.