عربي
Wednesday 25th of December 2024
0
نفر 0

ثالثاً: الله خارج عن حدّ التشبيه والتعطيل

قال سبحانه وتعالى: (فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). [سورة الشورى: الآية 11].

وكما أسلفنا إن الذي أوجدنا ليس مثلنا لا بالذات ولا بالصفات فهو تعالى قوي قادر عالم ليس كما نتصور الإنسان القوي ذا العضلات المفتولة والقدرة الفولاذية وإنما قوته وقدرته وعلمه - كل ذلك - لا يقع في تصوراتنا المحدودة وأيضاً هو الخالق المبدع المهيمن على هذه الوجودات لا مثيل لذاته ولا شبيه لصفاته وبهذا التقرير لا يمكن أن نشبّه الله سبحانه بأحدٍ بلغ قدْراً من إبداع محدود في صناعة أو تأليف شعر فالله سبحانه كما وصف نفسه (ليس كمثله شيء) لأن كل شيءٍ في الوجود نراه بأعيينا فهو مخلوق ومرتبط وجوده بزمن ويتغير مع الظروف وحاشا الله عز وجل من هذا التشبيه والتمثيل.

بالإضافة إلى أننا لا يمكن أن ننكر وجود مدبر عليم يدير الكون وينظم حركته فأنفسنا وما نرى من الظواهر والآثار الكونية تكفي للاعتراف والإذعان التام لعظمة الخالق الكريم فهو ليس نكرةً أو عدماً بل إنه موجود حتماً لوجود آثاره وحكمته وإنه لا شبيه ولا مثيل له ومن هنا قال الإمام الصادق (عليه السلام): (كل موهوم بالحواس مدرَكٌ بها تحده الحواس وتمثله فهو مخلوق) وبهذا فإن دائرة التشبيه بالحواس المحدودة التي نملكها بعيدة عن الله سبحانه وكذلك لا يمكن نفيه، فالأنظمة الدقيقة في الكون تدل عليه دلالة واضحة.

فقد قال (عليه السلام): (لابد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه لأن من نفاه أنكره ورفع ربوبيته وأبطله ومن شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين).

فكل ما نتخيله ونتصوره في أذهاننا محدود مثلنا، محتاج مثلنا، فقير مثلنا، متغير مثلنا، له بداية كما له نهاية مثلنا بالضبط، لأنه انعكاس عن ذواتنا المتصفة بالتغيير والتبديل والانتهاء فإننا لا نستطيع أن نتعرف على وجود أحد أو أن نحيط علماً بوجوده، بأدواتنا الملموسة هذه إلاَّ أن يكون مثلنا أو دوننا فلا نستوعبه بل لا نستطيع معرفة وجود الذي هو فوقنا كمالاً بهذه الأدوات الملموسة والمحسوسة لأنها محدودة الطاقة والإمكانية.

فالوجود الذي نحن نعرفه ونستوعبه يكون ضده العدم والله سبحانه وجوده ليس له ضد فوجود الله عز وجل لا كما نفهم من الوجود الذي يقابله العدم بل هو الوجود المطلق والكمال المطلق وحينما نقول الله أكبر فإن كنا نقصد إن الله أكبر من كل شيءٍ فقد حدّدناه والمفروض أن نقول إن الله أكبر من أن يوصف فقد قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (فمن وصفه فقد حدّه ومن حدّه فقد عده ومن عدّه فقد ثناه ومن ثناه فقد جعل له شريكاً).

وحقاً كل ما نشاهده أو نتصوره في الذهن فهو من سنخنا وجنسنا أي حسب حدودنا وانعكاسنا بينما الذات المقدسة ليست من سنخنا فكيف نستطيع أن نشبهها على ضوء حواسنا المحدودة وعقولنا القاصرة كذلك، يقول الإمام الصادق (عليه السلام) - في هذا الصدد -: (تعالى الله عما يصفه الواصفون) فإذن لابد أن ننفي عن الله التشبيه والعدم يقول الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً: (... فإذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا...)(1).

لأننا لا نستطيع معرفة كنه الله وماهيته بل لا نستطيع التوصل إلى المعرفة المحسوسة لله لأن الله خارج عن إطار إحاطتنا المحدودة والقاصرة يقول الله في محكم كتابه:

(وما قدروا الله حق قدره). [سورة الأنعام: الآية 91].

ويقول الإمام السجاد (عليه السلام): (إلهي لولا أمرك لنزهتك عن ذكري لأن ذكري بقدري لا بقدرك) ولكن تعاليم الله وأوامر بالذكر والدعاء والتسبيح هي التي جعلت الإمام والإنسان المحدود يذكر اللامحدود ويسبح له.

فقد قال سبحانه: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير). [سورة الأنعام: الآية 103].

وعن الجعفري عن الإمام الباقر (عليه السلام) في كلامه حول هذه الآية المباركة قال: (يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصــرك وأن القـــلوب لا تـــدركه فكـــيف أبـــصار العــيون)(2).

فإذن كيف نعبد ربّاً لم نره؟ يجيب على ذلك الإمام علي (عليه السلام) - كما يسند إلى الأصبغ - قال: قام إليه رجل يُقال له ذغلب فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ قال: ويلك يا ذغلب لم أكن بالذي أعبد ربّاً لم أره فقال: كيف رأيته؟ صفه لي قال (عليه السلام):

(ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان)(3).

فإذن هذا هو الله - خارج عن حدّ التشبيه والتعطيل بل تدركه العقول بآثاره الحكيمة -.

 

1 - حق اليقين: ج 1 ص 45.

2 - حق اليقين: ج 1 ص 39.

3 - حق اليقين: ج1 ص 39.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أسئلة حول المعاد -ما هو المحشور من الأبدان ...
الوضوء مسحاً او غسلاً
الموت نافذة إلى حياة جديدة (1)
العصمة وعلم الإمام
اصل في معرفة ذوات المعصومين (ع ) وحياتهم بالاجمال ...
اللسان نعمة ونقمة
معرفة الله تعالى أساس إنساني
هل للتوحيد مراتب ؟ وما هي ؟
الأوقاف العامة عند الشيعة
التقية المحرمة والمکروهة عند الشيعة الإمامية

 
user comment