(ع) ـ التعميم في النتائج والسنن الاءلهية في نفس الاءنسان:
تتحقق السنن الاءلهية في حياة الناس في مساحتين:
مساحة المجتمع والتاريخ.
وفي مساحة النفس.
وقد تحدثنا عن سنّة التعميم في السنن الاءلهية في مساحة المجتمعوالتاريخ ونقول الا´ن انّ سنّة التعميم، تشمل السنن الاءلهية في مساحةالنفس البشرية كذلك.
ففي سورة البقرة يحدثنا القرا´ن عن مسلسل طويل من تعنّت بنياءسرائيلوكفرهم بانعم الله وعنادهم ولجاجتهم وتشكيكهم في ا´يات اللهوقتلهم للنبيّين وعصيانهم وتمرّدهم.
ثم يقول القرا´ن الكريم بعد ذلك في بيان سنّة الله تعالي في عقوبةبني اءسرائيل بعد كلّ هذا الجحود والكفران والعصيان:
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذ'لِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً).
ولاشك انّ هذه القسوة في قلوبهم والتي يصفها الله تعالي بتحجّرالقلوب او اشد من ذلك كانت نتيجة لتلك الجرائم والجحود والمعاصيوتعبير القرا´ن دقيق (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذ'لِكَ) اي: من جرّاء هذهالمعاصي.
ولاشكّ انّ المخاطبين بهذه الا´ية اليهود المعاصرون لرسول الله(ص)بدليل سياق ا´يات سورة البقرة وبدليل ضمير الخطاب في الا´ية الكريمة(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ).
8 ـ تعميم اللعن والبراءة:
من مصاديق التعميم.. تعميم اللعن والبراءة للقتلة والمجرمينوالراضين بجرائمهم.
وفي النصوص الماثورة عن اهل البيت في زيارة الحسين(ع) نتلقيهذا التعميم بوضوح وصراحة.
ففي النص المعروف بزيارة وارث نقرا:
«لعن الله اُمّةً قتلتك..
ولعن الله اُمّةً ظلمتك..
ولعن الله اُمّة سمعت بذلك فرضيت به».
وهو نص عجيب، يستوقف الاءنسان للتامّل والتفكّر.
فهذه طوائف ثلاثة تعمّهم اللعن والبراءة من القتلة، والذين ايّدواالقتلة بالدعم والاءسنادة، والذين رضوا عنهم.
اللعن والبراءة:
واللعن والبراءة هو اءعلان الفصل والبينونة الكاملة ولا يصح ولايجوز اللعن اءلاّ عند ما ينقطع ا´خر الخيوط من وشائج الولاء في هذه الاُمّة.
فاءذا انقطعت هذه الخيوط خيطاً بعد خيط ووشيجة بعد وشيجة، عندذلك يكون كلّ من الفريقين اُمّة منفصلة عن الفريق الا´خر، فاءذا كانتاءحدي الاُمتين موضع رحمة الله «مرحومة» فلا محالة تكون الاُمّةالاُخري موضع غضب الله «ملعونة». وهذا هو الحد الفاصل والحاسمبينهما.
فاءنّ الله تعالي قد وصل بين المسلمين بوشيجة الولاء، فقال تعالي:(والمؤمنون بعضهم اولياء بعض).
وهي اقوي الوشائج الحضارية في تاريخ البشرية، ومَن يدخل فيمساحة الولاء من المؤمنين يستحق من اعضاء هذه الاُسرة الكبيرة،النصر والسلام والعصمة، واقصد بالعصمة ان يحفظوا دمه وعرضه«كرامته» وماله، وقد اعلن رسول الله(ص) حقّ المسلم علي المسلمين في«العصمة» في خطاب عام القاه علي المسلمين في مسجد الخيف بمني،في ا´خر حَجّة حجّها رسول الله(ص) بالمسلمين فقال: «يا ايّها الناس اسمعوا مااقول لكم واعقلوه فانّي لا ادري لعلي لا القالكم بعد عامنا هذا». ثم قال: ايّ يوماعظم حرمة؟ قالوا: هذا اليوم. قال: فايّ شهر اعظم حرمة؟ قالوا: هذا الشهر.قال: فايّ بلد اعظم حرمة؟ قالوا: هذا البلد. قال: فان دماءكم واموالكم عليكمحرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا اءلي يوم تلقونه. فنسالكماعمالكم، الا هل بَلَغت قالوا: نعم. قال: اللهمّ اشهد الا مَن كانت عنده امانة فليؤدهافاءنّه لا يحلّ دم امريٍ مسلم ولا ماله اءلاّ بطيبة نفسه ولا ترجعوا بعدي كفّار».
ويحقّ عليه تجاه المسلمين العزة والسلام والعصمة ونقصد بالسلامان يسلم المسلمون من يده ولسانه.
فقد روي عن رسول الله(ص) في ذلك: «المسلم من سلم المسلمون من يدهولسانه».
ولا نعرف فيما نعرف من العلاقات الحضارية علاقة اقوي وامتن،وفي نفس الوقت ارق من علاقة الولاء.
ويدخل في دائرة الولاء، هذه كل مَن يشهد ان لا اءله اءلاّ الله وانّ محمّداًرسول الله، فاءذا اشهدها دخل في عصمة الولاء وعصم من المسلمين دمهوماله وعرضه.
واءذا انقطع ما بينهما من العصمة كان كل فريقٍ منهما اُمة ورحم اللهزهير بن القين كان واعياً لهذه الحقيقة لمّا خاطب جيش بني اُمية يومعاشوراء فقال لهم: «يا اهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله نذار. انّ حقاًعلي المسلم لنصيحة اخيه المسلم، وحن حتّي الا´ن اُخوة علي دين واحد مالم يقع بيننا وبينكم السيف فاذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنا اُمةوانتم اُمة».
وهذا وعي دقيق لحقيقة كبري من حقائق هذا الدين، فاءنّ العصمة اءذاارتفعت بين فريقين من المسلمين ووقع بينهما القتل، وبغي احدهماعلي الا´خر، كان كل فريق منهما اُمّة فاءذا كانت اءحداهما مرحومة كانتالاُخري ملعونة لا محالة».
الطوائف الملعونة في زيارة (وارث):
نعود اءلي الطوائف الثلاثة التي ورد اللعن عليهم في زيارة وارث وهم:
القتلة، والمؤيّدين لهم، والراضين من فعلهم والنص كما يلي:
«لعن الله اُمّةً قتلتكم..
ولعن الله اُمّةً ظلمتكم..
ولعن الله اُمّة سمعت بذلك فرضيت به».
والطائفة الاُولي محدودة بمن حضر كربلاء، في محرم سنة61هجرية.
والطائفة الثانية اوسع من الطائفة الاُولي لانّها تشمل كلّ الذين دعمواوايّدوا القتلة وظلموا الحسين(ع)، حضروا كربلاء يوم عاشوراء سنة 61هجرية ام لم يحضروا كربلاء في هذا التاريخ.
والطائفة الثالثة اوسع هذه الطوائف جميعاً وتمتدّ علي اءمتداد التاريخوتتصل حلقاتها اءلي يومنا الذي نعيش فيه.
ومن العجيب انّ هذه الطائفة تستحق من اللعن والعذاب والبراءة ماتستحقه الطائفة الاُولي والثانية.
وكان الحسين(ع) اءذا طلب النصرة من احد فلم يستجب له ينصحه انيبتعد عن الموقع لئلا يسمع استغاثته، فلا يغيثه، وكان يقول لهم مَن سمعواعينا فلم يعتنا، كان حقاً علي الله ان يكبّه علي منخره في النار.
وينعكس هذا الوعي للتاريخ وربط الحاضر بالمّاضي والاجيالبعضها ببعض في «زيارة عاشوراء» بصورة واضحة وبنصوص مؤثّره.وفيما يلي: ننقل بعض هذه النصوص:
«لعن الله اُمّةً اسّست اساس الظلم والجور عليكم اهل البيت، ولعن الله اُمّةًدفعتكم عن مقامكم وازالتكم عن مراتبكم التي رتّبكم الله فيها، ولعن الله الممهّدينلهم بالتمكين من قتالكم، برئت اءلي الله واءليكم منهم ومن اشياعهم واتباعهمواولياءهم: اءنّي سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم اءلي يوم القيامة».