عربي
Tuesday 26th of November 2024
0
نفر 0

المدخل إلى عقيدة الشيعه الإمامية في ولادة الإمام المهدي عليه السلام وغيبته-2

وإذا قيل: فما نفع إمام غائب عن الناس للناس؟

نقول: إن الله تعالى لم يطلعنا من أسرار غيبه إلاّ على القليل، وما أخفى الله علمه عنّا كثير، وما عرّفنا منه قليل. وقد أخبرنا الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وسلم  ببقاء حجة من أهل بيته في الناس على وجه الأرض إلى يوم القيامة، فنتعبّد بحديثه، ونُحيل عِلم ما لا نعلم إلى مَن يعلم... وليس كل ما في شريعة الله ودينه مفهوم ومعروف لنا.

2ـ حديث من مات ولم يعرف امام زمانه:

وروى البخاري في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية).

صحيح البخاري كتاب الفتن/ الباب الثاني.

ورواه أحمد في المسند ص 259 (ط حيدر آباد) عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية).

ورواه الحاكم في المستدرك، ولفظ الحديث: (من مات وليس عليه إمام جماعة فإنّ موتته جاهلية).

وصحّحه الحاكم على شرط الشيخين البخاري ومسلم.

ورواه الذهبي في تلخيص المستدرك 1/77 وصحّحه على شرط الشيخين رغم تشدّد الذهبي في تصحيح أحاديث المستدرك .

ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد بأسانيد كثيرة وألفاظ عديدة 5/218 ـ 225.

وطرق الحديث وألفاظه كثيرة يبلغ حدّ الاستفاضة. وقد علمنا أن بعضها صحيح كما شهد به الذهبي.

وروى الحديث ثقاة المحدّثين من أصحابنا الإمامية، وطرقهم إليه كثيرة، وطائفة منها صحيحة، وهي في الجملة قريبة من التواتر. وقد عقد المجلسي رحمه الله له باباً في بحار الأنوار، روى فيه أربعين حديثاً في هذا المعنى بطرق كثيرة وألفاظ متقاربة. بحار الأنوار الجزء 23/ 76 ـ 93 تحت عنوان (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية). نذكر منها طريقين على سبيل المثال.

الطريق الأوّل: رواية البرقي في المحاسن بسند معتبر عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام : (إن الأرض لا تصلح إلاّ بإمام. ومن مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية). المحاسن للبرقي  ص 153 ـ 154، بحار الأنوار 23/76. والسند معتبر.

الطريق الثاني: روى الكشي في (الرجال) 266 ـ 267: عن إبن احمد عن صفوان عن أبي اليسع، قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام : حدّثني عن دعائم الإسلام، فقال: شهادة أن لا إله إلاّ الله... إلى أن قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من مات ولا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).

ورجال السند كلهم ثقاة.

ولسنا نحتاج إلى توثيق السند في أمثال هذه الروايات التي تظافرت روايتها عن الطريقين، والروايات واضحة الدلالات صحيحة السند، وهي تدلّ على الحقائق التالية:

1ـ أن الأرض لا تصلح إلا بإمام.

2ـ ولابدّ في كل زمان أن يعرف الإنسان إمام زمانه، ومعرفته من الدين، والجهل به ورفضه من الجاهلية.

3ـ ولابدّ من طاعة الإمام لكل أحد في كلّ زمان، ولا يجوز لأحد أن يخرج عن طاعة إمام زمانه.

4ـ ومن يمت وليس في عنقه بيعة الإمام يمت ميتة جاهلية.

5ـ ولابد أن يكون في كل زمان إمام تجب طاعته معرفته، ولابد أن تتّصل حلقات الإمامة في كل زمان، وأن لا يخلو منهم زمان.

ولا يصح أن يقال أنّ هذا المورد من قبيل الحكم بشرط الموضوع، أو تعليق الحكم على الموضوع كأيّة قضية حقيقية أخرى.

فإننا نقول: إن الأمر كذلك، ولا تدلّ القضية الحقيقية على إثبات موضوعها، وإنّما يثبت الحكم على فرض تحقّق موضوعه، ولكن الروايات الواردة في هذا الباب تدل على أمر أكثر من ذلك، وهو ضرورة ارتباط الناس بالإمام ومعرفتهم وقبولهم له. وأنّه شرط الإسلام، وخلافه الجاهلية.. وهذه القضية تكشف عن وجود الإمام في كلّ زمان، دون ان يكون معنى ذلك أن القضية الحقيقية تثبت موضوعها، فإن القضية الحقيقية دائماً بشرط تحقق الموضوع، ولكننا نقول: إن الذي نستظهره نحن من الروايات هو أنّها تكشف عن استمرار الموضوع، وهو وجود الإمام الحجّة في كل زمان، وهذا أمر آخر غير الاثبات.

وبتعبير آخر: أن الروايات الواردة في هذا الباب تكشف عن أن سنّة الله تعالى قد اقتضت وجود إمام عدل في كلّ زمان، قد فرض الله طاعته ـ ولم يأذن بالخروج من طاعته. والحكم الشرعي الوارد في هذه الروايات يستبطن الكشف عن سُنّة إلهية. أمّا الحكم فهو وجوب طاعته في كل زمان. وأما السنّة الإلهية التي يستبطنها هذا الحكم فهو وجود إمام في كل زمان، وإلاّ فكيف يُطلب من الإنسان أن لا يموت إلاّ وهو في طاعة إمام زمانه، وأن يلتزم ببيعته وطاعته، غير ناقض ولا ناكث لها، وغير جاهل به، فإذا خرج عن الطاعة أو نكث أو جهل به مات ميتة جاهلية، بهذه الدرجة من التغليظ والتشديد في الجزاء والعقوبة.

ومن نافلة القول أن نقول أن الحكام الظلمة وأئمة الكفر والذين يحاربون الله ورسوله لا يكونون مصاديق للإمام الذي يفرض الله على الناس معرفته وطاعته في كل زمان، وقد قال تعالى: (وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) هود/ 113.

(وَ لا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَْرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) الشعراء/ 151 ـ 152.

(يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) الكهف/ 28.

وبعد هذا الإيضاح نقول: إن التفسير الوحيد لهذه الروايات هو ما تعرفه الإمامية وتعتقد به من استمرار الإمامة في أهل البيت عليهم السلام  منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  إلى اليوم، وعدم انقطاع الإمامة بوفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام . وأي فرض آخر لا يستطيع أن يقدّم تفسيراً معقولاً لهذه الروايات، الاّ أن نقول بوجوب الطاعة لكل برّ وفاجر، كما يقول به بعض الناس، وإثباته على عهدة من يدّعيه.

ولسنا نعتقد أن الطاعة التي تساوي الإسلام،ويساوي خلافها الجاهلية هي طاعة هؤلاء الذين أمرنا الله تعالى بعدم الركون إليهم والكفر بهم من الحكّام الظلمة الذين حكموا المسلمين خلال التاريخ.

ومن يضع هذه الطائفة من الروايات الى جنب الطائفة الاولى من الروايات يجد تطابقاً واضحاً فيما بينهما.

فقد ورد في حديث الثقلين من الطائفة الاولى أنهم حجج الله على عباده ويجب التمسّك بهم، وهم العدل الآخر للكتاب،وما إن تمسك الناس بهم لن يضلّوا ابداً.

وورد في الطائفة الثانية أن معرفتهم من دين الله، والجهل بهم من الجاهلية والضلالة، والحديث ممّا تسالم عليه الفريقان، وقد ذكرنا بعض ألفاظه وطُرقه من قبل، وممّن أخرجه الشيخان في الصحيحين.

3ـ حديث أنّ الأرض لا تخلو من حجّة:

روى هذا الحديث من أصحابنا الإمامية محدّثون ثقاة مثل المحمدين الثلاثة الكليني والصدوق وأبي جعفر الطوسي رحمهم الله بطرق كثيرة تبلغ حدّ التواتر في مختلف طبقات إسناده، وقد عقد له الكليني محمد بن يعقوب في كتاب الحجة من الكافي باباً بهذا العنوان (ج1 ص 178).

كما عقد العلامة المجلسي في بحار الأنوار باباً بعنوان (الاضطرار إلى الحجّة، وأن الأرض لا تخلو من حجّة) وهو الباب الأول من المجلد السابع من الكتاب، ذكر فيه 118 حديثاً بهذا المضمون، وفيما يلي نذكر نماذج من هذه الروايات:

ذكر الكليني في الكافي/ كتاب الحجة/ باب أن الأرض لا تخلو من حجة: عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن عمير عن الحسن بن أبي العلاء، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: لا. قلت: يكون إمامان؟ قال: إلاّ وأحدهما صامت) أصول الكافي1/ 178.

والسند تام لا يتطرّق إليه الشك.

وروى الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن منصور بن يونس وسعدان بن مسلم عن إسحق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: سمعته يقول: (إنّ الأرض لا تخلو إلاّ وفيها إمام). الكافي1/ 178. والسند تام والرواية معتبرة.(2)

وروى الكليني عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن ربيع بن محمد المسلّمي عن عبد الله بن سليمان العامري عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: (مازالت الأرض إلا ولله فيها الحجّة) الكافي 1/ 178. والسند تام والرواية معتبرة أيضاً. ورواة الحديث ثقاة(3).

وروى الكليني عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس بن مسكان عن أبي بصير عن أحدهما عليها السلام  قال: (إن الله لم يدع الأرض بغير عالم) الكافي1/ 178.

والسند تام والرواية معتبرة كذلك.

وروى الكليني عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الوشّاء، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام : (هل تبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لا. قلت إنّا نروي أنّها لا تبقى إلاّ أن يسخط الله عزّوجل على العباد؟ قال: لا تبقى إذاً لساخت)(4) الكافي 1/ 179. والسند تام والرواية معتبرة.

وروى الشريف الرضي عن أمير المؤمنين عليه السلام  في نهج البلاغة ما له علاقة بذلك. قال عليه السلام : (لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة، إمّا ظاهراً مشهوراً، وإمّا خائفاً مغموراً، لئلا تبطل حُجج الله وبيّناته).

هذه طائفة واسعة من الروايات تبلغ حد التواتر، وجملة منها تامّة من حيث السند، كما أشرنا إلى بعضها من كتاب الكافي، وهي صريحة بأنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله ظاهراً أو مغموراً، والحجة في كلمات أهل البيت عليهم السلام  مصطلح معروف لمن يألف كلماتهم عليهم السلام ، وهذه الأحاديث لا تحتاج إلى تعليق كثير وتأمّل وتوقف، فهي صريحة في ضرورة وجود الإمام وحياته وغيبته، وإذا أسقطنا هذا الأمر من الاعتبار فلا نجد تفسيراً لهذه الروايات البتّة، وهي كثيرة بالغة حدّ التواتر.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الإمام المهدي عليه السلام طموح الأحرار في العالم
الحكمة التفصيلية مكتومة:
النص على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام يوضح ...
فرية السرداب
التمهيد للظهور (الآليات والنتائج)
کتابة رقعة الحاجة إلی مولانا صاحب العصر والزمان ...
الحرب العالمیة فی عصر الظهور
في رحاب بقية الله: المهدوية عقيدة النجاة
المعالم الاقتصادية والعمرانية في حكومة الامام ...
تكاليف عصر الغيبة الكبری

 
user comment