الاءمام الحسين (ع) يعلم بشهادته:
البيانات الاُولي للاءمام الحسين (ع) كانت واضحة وممتلئة بعلم الاءمامبالنتيجة النهاية التي ستنتهي اليها حركته(ع)، والشخصيات المعاصرةكانت تحذّر من النتائج المرشحة للظهور، واستمرت التحذيرات للاءماممن جميع الاطراف التي لها خبرة بتركيبة المجتمع الكوفي وطريقةتعامل الحكومة الاُموية مع معارضيها.
ولم تكن هذه المسائل خفية علي الاءمام (ع) واءنما كان عالماً بالذيسيحدث؛ وأخبر بذلك كما في قوله: «خطّ الموت علي ولد آدم مخط القلادةعلي جيد الفتاة، وما اولهني الي اسلافي اشتياق يعقوب الي يوسف! وخير لي مصرعأنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلاة بين النواويس وكربلاء فيملانّ منياكراشاً جوفا وأجربة سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم رضا الله رضانا أهل البيت».
وهذا المستوي من العلم اشترك غير الاءمام مع الاءمام به لقراءةالاحداث واستعداد الشخصيات الرسمية علي ارتكاب ابشع الجرائم منغير حدود وقيود والتزامات، ولكن الامر الذي يفترق به الاءمام عن غيرههو معرفة النتائج التي سيؤدي اءليها موقفه وشهادته وانتهاك حرمته،والتأثير الذي ستخلّفه الفاجعة.
اءقصاء الاءسلام عن الحياة:
اراد الله تعالي لدينه عقيدة وشريعة ان يكونا ظابطة لفكر وسلوكالاءنسان، وجعل من أنبيائه واوليائه أئمة ليكونوا قادة العباد وساسة الاُمة،وجاء في الحديث النبوي: «كان بنوا اءسرائيل تسوسهم الانبياء كلما ملك نبيخلفه نبي».
السياسة الدينيّة تعتقد أن الاُمة أمانة، والاءمام أمين عليها، ويتولّيقيادتها علي خط الهدي باتجاه رضا الله ورضوانه، ويتم هذا بولاية امرهاوتعليمها الكتاب والحكمة وهدايتها الي العمل الصالح، ومنعها عنالاعمال المانعة من الوصول الي الله. وتجنّبها الفتن والشكوك بنشرالمعرفة، والحكم في المجتمع واءرادته وفق الشريعة الاءلهية (فاحكم بينهمبما أنزل الله ولا تتبع اهواءهم عمّا جاءك من الحقّ).
ولكن يمكن ان يتعرض الانبياء أو الائمة (ع) لحالات اضطهادواستضعاف في غفلة من الاُمة أو جهل لما يؤدي اءليه هذا الامر من ضرّرعلي المجتمع فردا وجماعة، وعلي الدين من أهداف وغايات كبري.
فعزل الائمة (ع) امر ممكن، وقد عزل عن تنفيذ مقام الاءمامة بعضالانبياء وكذلك منع الانبياء: اوالائمة: عن ممارسة دورهم في قيادةالمجتمع علي المستويات المذكورة، واءلقاؤهم في السجون او قتلهمومحاولة اءلغاء دورهم وقدرة تأثيرهم.
والتاريخ يشهد علي الذين شغلوا مقام الائمة (ع) بالغوا في اءزوائهمواءبعادهم عن مسرح الحياة، وأحيانا يحاولون ان يضيّعوا اسماءهم فضلاًعن مبدئهم ورسالتهم، وهذا الامر لوقدّر له الانفراد في الساحة الفكريةكما هو الحال في السلطة فسينتهي الامر الي سيادة ثقافة الحكّام واختفاءالرسالة الاءلهية الاصيلة،وهذه أحد وسائل تحريف الاديان وتفريغها منمحتواها وتغيير اتجاهها.
وأراد الاُمويون للرسالة الاءسلامية هذا المصير وهذه النهاية.
ففي عصر الاءمام الحسين (ع) كان الاءسلام مستهدفاً، والمواقفالاُموية من القرآن والنبي(ص) وعترته واصحابه ومدينته وبيت اللهالحرام. كلها تشير علي الاتجاه والاهداف العدائية التي يقصدونها فيحركتهم، وخلقوا اجواءً اءرهابية لدعم مخططهم العدائي تدعمه مجموعةوعاظ السلطة واصحاب الاطماع والمتخاذلون الذين لا يبالون ولايهتمون بأمر الدين، وما يتعرض له من تهديد اءذا ضمنت مصالحهم.
ففي هذه الاجواء المملوءة بالاءرهاب وهذه الانحرافات الكبيرة عنالاءسلام، والمخاطر المحيطة بالاُمة ورجالاتها المخلصين، والهجمةالشرسة علي الاءسلام عقيدة وشريعة كان اءمام المسلمين الحسين (ع) وهوالمسؤول عن صيانة الدين من التحريف والاُمة من الانحراف، وقد دُعيلبيعة يزيد بن معاوية الذي عرفته الاُمة بالفجور وشرب الخمر، وقد ذكرهالحاجز في كتاب التاج بقوله:
«وكان ملوك الاءسلام من يدمن علي شربه الخمر، يزيد بن معاوية، وكان لايمسي اءلاّ سكران ولايصبح اءلاّ مخموراً».
خيارات ومواقف:
في اليوم الاول من طلب البيعة ليزيد من الاءمام الحسين(ع) نظرالاءمام الي الامر فرأي امامه خيارين وقد ذكرهما عندما اشتكي لجدّهرسول الله (ص) وهو يريد الخروج من المدينة ومن جوار جدّه اءذ قال:«بأبي أنت وأُمي يا رسول الله، لقد خرجت من جوارك كرهاً، وفرّق بيني وبينكوأخذت قهراً، أن أبايع يزيد شارب الخمر وراكب الفجور، واءن فعلت كفرت واءنأبيت قتلت، فها أنا خارج من جوارك كرها فعليك مني السلام يارسول الله».
وقد أضاف لهذين الخيارين خياراً ثالثاً في الجملة الاخيرة وهوالخروج من المدينة للتهيؤ للقيام والثورة.
وقدم بعض المعترضين علي خروج الاءمام الحسين(ع) الي الكوفةخياراً رابعاً، وهم لا يرون بيعة ليزيد ولا وفاء لاهل الكوفة؛ ولذلك اقترحعليه محمد بن الحنفية بالذهاب الي اليمن أو بعض نواحي البر، وقال ابنعباس: ياابن العم، اءني أتصبّر وما أصبر وأتخوّف عليك هذا الوجه الهلاكوالاستئصال، اءن أهل العراق قوم غدر فلاتقربنّهم، فأن أبيت اءلاّ ان تخرجفسر الي اليمن فاءن بها حصوناً وشعاباً وهي ارض عريضة طويلة، ولابيكبها شيعة، وانت عن الناس في عزلة فتكتب الي الناس وترسل وتبثدعاتك فاءني أرجوا أن يأتيك عند ذلك الذي تحبّ في عافية).
فالاءمام الحسين،(ع) أمامهمجموعة من الخيارات أحلاها مرّ.وسنتعرض الي ذكرها وموقف الاءمام(ع) منها وهي كالتالي:
الخيار الاول: أن يبايع يزيد:
وهذا الموقف لا ينسجم مع هذه المرحلة، ولانه يعتبر نوعاً مناشكال الموافقة، فهو يعطي قوة لحكومة يزيد المعادية للاءسلام، ومن ثميؤدي الي زيادة نشاط الفعاليات الاُموية ضد الاءسلام وعزل اكثر لاهلالبيت: وقد عبر الاءمام عن هذا الموقف بالكفر بقوله :
(وان فعلت كفرت) وعبّر عنه بالذلّة كما في قوله: «ألا ان الدّعي وابنالدّعي ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة، وهيهات منا الذلة».
الخيار الثاني: لا يبايع ولا يترك المدينة اومكة:
اءذا بقي الاءمام الحسين (ع) في المدينة ولم يبايع فاءنه يقتل، وقد ذكرذلك بقوله:
(وان أبيت قتلت). وكان كتاب يزيد الي الوليد بن عتبة يأمر بذلك.وقدكان نص الكتاب يقول: اءذا أتاك كتابي هذا فأحضر الحسين بن عليوعبدالله بن الزبير والسلام.
واءذا قام الاءمام الحسين في مكة ولم يبايع فاءن بني أُمية لايعرفونحرمة لكعبة او نبي او ابن نبي، فاءذا لجأ الاءمام الحسين الي الكعبة فاءنّهماضافة الي اغتياله ينتهكون بيت الله الحرام، وقد قال لابن الزبير: «أن أبيحدّثني أن لها كبشاً به تستحلّ حرمتها فما أحب ان اكون أنا ذلك الكبش».
وقال: «والله لانّ اُقتل خارجاً منها بشبر أحبّ الّي من أن أقتل فيها».
ولم يكن هذا الامر مجرد حذر واءنما (د س عمروبن سعيد بأمر بنيزيد مع الحاج ثلاثين رجلاً من شياطين بني اُمية، وأمرهم باغتيالالحسين(ع) ولو كان متعلّقاً باستار الكعبة.
فالنتيجة هي القتل اغتيالاً أوصبراً وكلاهما لا يخدم رسالة الاءمامالحسين(ع).
الخيار الثالث : يذهب الي اليمن:
وقدّم هذا الاقتراح ابن الحنفيّة وابن عباس، وقد اجاب الاءمامالحسين(ع) ابن عباس: «يابن عم اءني أعلم أنك ناصح مشفق». وقال (ع): «واللهلا يدعوني حتي يستخرجوا هذه العلقة من جوفي؛ فاءذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلّهمحتي يكونوا أذلّ من فرام المرأة».
واليمن حتي اءذا وجد فيها شيعة للاءمام الحسين (ع) اءلاّ أنهم لايقاسونبالكوفة من ناحية العدة والعدد والولاء والمنعة وهم مع كلّ هذا لم يخرجمنهم اءلاّ اليسير لنصرة الحسين (ع) فكيف باليمن؟ ثم اءذا حدثت مواجهةوانتهت الي ما انتهت اءليه واقعة الطف فأنها لا تخلق أثراً، لانها في موقعبعيد عن المراكز المهمة للبلاد الاءسلامية.
وعلي فرض ذهاب الاءمام الحسين الي اليمن وبايعه أهل اليمنوخلعوا يزيد فهم لايمتلكون القدرة علي نشر دعوتهم لعوامل متعددة،منها: موقعهم الجغرافي وقلة الارتباطات وصعوبتها، وعدم وجود الكثافةالسكانية، واءمكان القضاء عليهم بسهولة؛ لانهم لم يمتلكوا القدرة عليمواجهة غارات كان يوجّهها اليهم معاوية، وأهل اليمن لم يدعوا الاءماماليهم ولم يبايعوه؛ فذهابه اليهم من غير دعوة لا يجعل موقعه فيمقامالقوة.
والمحصلة النهاية أن بني اُمية لا يتركون الاءمام الحسين(ع) اءذا لميدخل في بيعة يزيد بقول الاءمام الحسين (ع):
«لو دخلت جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتي يقتلوني».