عربي
Tuesday 23rd of July 2024
0
نفر 0

ولم يشاهد الناس في جميع مراحل التاريخ أشجع ، ولا أربط جأشا ، ولا أقوى جنانا من الامام الحسين ( ع ) فقد وقف يوم الطف موقفا حير فيه الالباب ، وأذهل فيه العقول ، وأخذت الاجيال تتحدث باعجاب واكبار عن بسالته ، وصلابة عزمه ، وقدم الناس شجاعته على شجاعة أبيه الت

3 - الشجاعة:

ولم يشاهد الناس في جميع مراحل التاريخ أشجع ، ولا أربط جأشا ، ولا أقوى جنانا من الامام الحسين ( ع ) فقد وقف يوم الطف موقفا حير فيه الالباب ، وأذهل فيه العقول ، وأخذت الاجيال تتحدث باعجاب واكبار عن بسالته ، وصلابة عزمه ، وقدم الناس شجاعته على شجاعة أبيه التي استوعبت جميع لغات الارض.

وقد بهر أعداؤه الجبناء بقوة بأسه ، فانه لم ينهار أمام تلك النكبات المذهلة التي أخذت تتواكب عليه ، وكان يزداد انطلاقا وبشرا كلما ازاداد


( 1 ) ديوان السيد حيدر . ( * )

[118]

الموقف بلاء ومحنة ، فانه بعد ما فقد أصحابه وأهل بيته زحف عليه الجيش بأسره وكان عدده - فيما يقول الرواة - ثلاثين الفا ، فحمل عليهم وحده وقد ملك الخوف والرعب قلوبهم فكانوا ينهزمون أمامه كالمعزى اذا شد عليها الذئب - على حد تعبير الرواة - وبقي صامدا كالجبل يتلقى الطعنات من كل جانب ، ولم يوه له ركن ، وإنما مضى في أمره استبسالا واستخفافا بالمنية يقول السيد حيدر:

فتلقى الجموع فردا ولكن *** كل عضو في الروع منهه جموع

رمحه من بنانه وكأن من *** عزمه حد سيفه مطبوع

زوج السيف بالنفوس ولكن *** مهرها الموت والخضاب النجيع

ويقول في رائعة أخرى:

ركين وللارض تحت الكماة *** رجيف يزلزل ثهلانها

أقر على الارض من ظهرها *** إذا ململ الرعب أقرانها

تزيد الطلاقة في وجهه *** اذا غير الخوف الوانها

ولما سقط أبي الضيم على الارض جريحا وقد أعياه نزف الدماء تحامى الجيش بأسره من الاجهاز عليه رعبا وخوفا منه ، يقول السيد حيدر:

عفيرا متى عاينته الكماة *** يختطف الرعب الوانها

فما أجلت الحرب عن مثله *** صريعا يجبن شجعانها

وتغذى أهل بيته وأصحابه بهذ الروح العظيمة فتسابقوا إلى الموت بشوق واخلاص لم يختلج في قلوبهم رعب ولا خوف ، وقد شهد لهم عدوهم بالبسالة ورباطة الجأش فقد قيل لرجل شهد يوم الطف مع عمر بن سعد ويحك أقتلتم ذرية رسول الله ( ص ) ؟

فاندفع قائلا:

" عضضت بالجندل ، إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ، ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالاسود الضارية ، تحطم

[119]

الفرسان يمينا وشمالا ، وتلقي أنفسها على الموت ، لا تقبل الامان ، ولا ترغب في المال ، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية ، والاستيلاء على الملك ، فلو كففنا عنها رويدا لاتت على نفوس العسكر بحذافيره ، فما كنا فاعلين لا أم لك . . . " ( 1 ).

ووصف بعض الشعراء هذه البسالة النادرة بقوله:

فلو وقفت صم الجبال مكانهم *** لمادت على سهل ودكت على وعر

فمن قائم يستعرض النبل وجه *** ومن مقدم يرمي الاسنة بالصدر

وما أروع قول السيد حيدر:

دكوا رباها ثم قالوا : لها *** وقد جثوا نحن مكان الربا

لقد تحدى أبوالاحرار ببسالته النادرة الطبيعة البشرية فسخر من الموت وهزأ من الحياة ، وقد قال لاصحابه حينما مطرت عليه سهام الاعداء:

" قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابد منه ، فان هذه السهام رسل القوم اليكم . . . ".

لقد دعا أصحابه إلى الموت كأنما هو يدعوهم إلى مأدبه لذيذة ، ولقد كانت لذيذة عنده حقا ، لانه هو ينازل الباطل ويرتسم له برهان ربه الذي هو مبدؤه ( 2 ).

4 - الصراحة:

من صفات ابي الاحرار الصراحة في القول ، والصراحة في السلوك ففي جميع فترات حياته لم يوارب ولم يخادع ، ولم يسلك طريقا فيه أي


( 1 ) شرح نهج البلاغة 3 / 263.

( 2 ) الامام الحسين ( ص 101 ) . ( * )

[120]

التواء ، وإنما سلك الطريق الواضح الذي يتجاوب مع ضميره الحي ، وابتعد عن المنعطفات التي لا يقرها دينه وخلقه ، وكان من الوان ذلك السلوك النير أن الوليد حاكم يثرب دعاه في غلس الليل ، وأحاطه علما بهلاك معاوية ، وطلب منه البيعة ليزيد مكتفيا بها في جنح الظلام ، فامتنع ( ع ) وصارحه بالواقع قائلا:

" يا أمير إنا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد فاسق فاجر ، شارب الخمر ، قاتل النفس المحرمة ، معلن بالفسق والفجور ، ومثلي لا يبايع مثله . . . ".

وكشف هذه الكلمات عن مدى صراحته ، وسمو ذاته ، وقوة العارضة عنده في سبيل الحق.

ومن الوان تلك الصراحة التي اعتادها وصارت من ذاتياته أنه لما خرج إلى العراق وافاه النبأ المؤلم وهو في أثناء الطريق بمقتل سفيره مسلم ابن عقيل ، وخذلان أهل الكوفة ، فقال للذين اتبعوه طلبا للعافية لا للحق:

" قد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ، ليس عليه ذمام . . . ".

فتفرق عنه ذوو الاطماع ، وبقى مع الصفوة من أهل بيته ( 1 ) لقد تجنب ( ع ) في تلك الساعات الحرجة التي يتطلب فيها إلى الناصر الاغراء والخداع مؤمنا ان ذلك لا يمكن أن تتصف به النفوس العظيمة المؤمنة بربها والمؤمنة بعدالة قضيتها.

ومن الوان تلك الصراحة أنه جمع أهل بيته وأصحابه في ليلة العاشر من المحرم ، فاحاطهم علما بأنه يقتل في غد ، ويقتل جميع من كان معه صارحهم بذلك ليكونوا على بصيرة وبينة من أمرهم ، وأمرهم بالتفرق


( 1 ) أنساب الاشراف ج 1 ق 1 . ( * )

[121]

في سواد ذلك الليل ، فأبت تلك الاسرة العظيمة مفارقته ، وأصرت على الشهادة بين يديه.

تدول الدول ، وتزول المالك ، وهذه الاخلاق الرفيعة أحق بالبقاء وأجدر بالخلود من كل كائن حي لانها تمثل القيم العليا التي لا كرامة للانسان بدونها.

5 - الصلاة في الحق:

أما الصلاة في الحق فهي من مقومات أبي الشهداء ومن أبرز ذاتياته فقد شق الطريق في صعوبة مذهلة لاقامة الحق ، ودك حصون الباطل ، وتدمير خلايا الجور.

لقد تبنى الامام ( ع ) الحق بجميع رحابه ومفاهيمه ، واندفع إلى ساحات النضال ليقيم الحق في ربوع الوطن الاسلامي ، وينقذ الامة من التيارات العنيفة التي خلقت في أجوائها قواعد للباطل ، وخلايا للظلم ، وأوكارا للطغيان تركتها تتردى في مجاهل سحيقة من هذ الحياة رأى الامام ( ع ) الامة قد غمرتها الاباطيل والاضاليل ، ولم يعد ماثلا في حياتها أي مفهوم من مفاهيم الحق ، فانبرى ( ع ) إلى ميادين التضحية والفداء ليرفع راية الحق : وقد أعلن ( ع ) هذا الهدف المشرق في خطابه الذي ألقاه أمام أصحابه قائلا:

" ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، والى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله . . . ".

لقد كان الحق من العناصر الوضائة في شخصية أبي الاحرار ، وقد استشف النبي ( ص ) فيه هذه الظاهرة الكريمة فكان - فيما يقول المؤرخون -

[122]

يرشف دوما تغره الكريم ذلك الثغر الذي قال كلمة الله وفجر ينابيع العدل والحق في الارض.

6 - الصبر:

من النزعات الفذة التي تفرد بها سيد الشهداء الصبر على نوائب الدنيا ومحن الايام ، فقد تجرع مرارة الصبر منذ أن كان طفلا ، فرزئ بجده وامه ، وشاهد الاحداث الرهيبة التي جرت على أبيه ، وما عاناه من المحن والخطوب ، وتجرع مرارة الصبر في عهد أخيه ، وهو ينظر إلى خذلان جيشه له ، وغدرهم به ، حتى ارغم على الصلح ، وبقي معه يشاركه في محنه وآلامه ، حتى اغتاله معاوية بالسم ، ورام أن يوارى جثمانه بجوار جده فمنعته بنو امية فكان ذلك من أشق المحن عليه.

ومن أعظم الرزايا التي صبر عليها أنه كان يرى انتقاض مبادئ الاسلام ، وما يوضع على لسان جده من الاحاديث المنكرة التي تغير وتبدل شريعة اللهه ، ومن الدواهي التي عاناها أنه كان يسمع سب أبيه وانتقاضه على كل هذه الرزايا والمصائب.

وتواكبت عليه المحن الشاقة التي تميد بالصبر في يوم العاشر من المحرم فلم يكد ينتهي من محنة حتى تطوف به مجموعة من الرزايا والام ، فكان يقف على الكواكب المشرقة من أبنائه وأهل بيته ، وقد تناهبت السيوف والرماح أشلاءهم فيخاطبهم بكل طمأنينة وثبات:

" صبرا يا أهل بيتي ، صبرا يا بني عمومتي ، لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم ".

[123]

وقد بصر شقيقته عقيلة بني هاشم ، وقد أذهلها الخطب ، ومزق الاسى قلبها ، فسارع اليها ، وأمرها بالخلود إلى الصبر والرضا بما قسم الله.

ومن أهوال تلك الكوارث التي صبر الامام عليها أنه كان يرى أطفاله وعياله ، وهم يضجون من ألم الظمأ القاتل ، ويستغيثون به من أليم العطش فكان يأمرهم بالصبر والاستقامة ، ويخبرهم بالعاقبة المشرقة التي يؤل اليها أمرهم بعد هذه المحن الحازبة.

وقد صبر على ملاقاة الاعداء الذين ملئت الارض جموعهم المتدفقة ، وهو وحده يتلقى الضرب والطعن من جميع الجهات ، قد تفتت كبده من العطش وهو غير حافل بذلك كله.

لقد كان صبره وموقفه الصلب يوم الطف من أندر ما عرفته الانسانية يقول الاربلي : " شجاعة الحسين يضرب بها المثل ، وصبره في الحرب أعجز الاوائل والاواخر " ( 1 ).

إن أي واحدة من رزاياه لو ابتلى بها أي انسان مهما تدرع بالصبر والعزم وقوة النفس لاوهنت قواه واستسلم للضعف النفسي ، ولكنه ( ع ) لم يعن بما ابتلي به في سبيل الغاية الشريفة التي سمت بروحه أن تستسلم للجزع أو تضرع للخطوب ، يقول المؤرخون : إنه تفرد بهذه الظاهرة ، فلم توه عزمه الاحداث مهما كانت ، وقد توفى له ولد في حياته فلم ير عليه أثر للكآبه فقيل له في ذلك فقال ( ع ):

" إنا أهل بيت نسأل الله فيعطينا ، فاذا أراد ما نكره فيما نحب رضينا " ( 2 )


( 1 ) كشف الغمة.

( 2 ) الاصابة 2 / 222 . ( * )

[124]

لقد رضى بقضاء الله واستسلم لامره ، وهذا هو جوهر الاسلام ومنتهى الايمان.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

هل صحّ حديث (لعن الله من تخلّف عن جيش أسامة) من طرق ...
انتشار التشيّع في الريّ(2)
إخبار النبي ( صلي الله عليه وآله وسلّم) بقتل ...
نقش الخواتيم لدى الأئمة (عليهم السلام)
حياة الإمام علي بن موسى الرضا غريب طوس (عليه ...
وصول سبايا الإمام الحسين(عليه السلام) إلى الكوفة
أنَّ الذي تصدى لدفن الحسين (ع) ومن كان معه من ...
أحوال مؤمن آل فرعون و امرأة فرعون
وسيلة الفوز والأمان في مدح صاحب الزمان عليه ...
أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) ورواة حديثه

 
user comment