تدوين الحديث
لعلّ من أبرز معالم التصحيح في ميدان الحديث الشريف، هو أنّ تدوين الحديث لم يُمنع في مدرسة أهل البيت عليهم السلام منذ فجر الإسلام حتى آخر عهد صدور الحديث عنهم عليهم السلام، أي في آخر الغيبة الصغرى للإمام المهدي عليه السلام وذلك سنة329ه.، وقد دأبواعليهم السلام على حثّ أصحابهم كي يباشروا الكتابة وتدوين العلم وقراءته، ودعوهم الى المحافظة على مدوّناتهم الحديثية، في مقابل الدعوة إلى حظر تدوين الحديث الشريف التي روّجت لها سلطة الخلافة منذ رحيل المصطفى صلى الله عليه وآله الى زمان عمر بن عبد العزيز. عن الحارث،عن عليّ عليه السلام قال: قيّدوا العلم، قيّدوا العلم 4 .
1) إكمال الدين: 241/64
2) معاني الأخبار:106/3
3) الكافي 6:309/6
4) تقييد العلم:89
وعن حبيب بن جري، قال: قال علي عليه السلام: قيّدوا العلم بالكتاب 1 . وعن المفضل بن عمر، قال: قال لي أبو عبد اللَّه عليه السلام: اكتب وبثّ علمك في إخوانك، فإن مت فأورث كتبك بنيك، فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم 2 . وعن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: اكتبوا، فإنّكم لا تحفظون حتى تكتبوا 3 . وعن عبيد بن زرارة، قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: احتفظوا بكتبكم، فإنّكم سوف تحتاجون إليها 4 . وكان بعض الكتب المتداولة عند أهل البيت عليهم السلام وبعض الأصحاب بخطّه عليه السلام أو إملائه، فقد كتب علي عليه السلام صحيفة من حديث النبي صلى الله عليه وآله كان يحملها في قائم سيفه 5 ، وله عليه السلام كتاب كبير يعرف بكتاب عليّ، وهو من إملاء رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وخطّه عليه السلام 6 ، وقد احتفظ به أهل البيت عليهم السلام وتوارثوه، فقد كان عند الإمام أبي جعفر الباقرعليه السلام 7 . وكان لعلي بن أبي رافع كتاب من إملاء أمير المؤمنين عليه السلام في فنون من فقه الوضوء والصلاة وسائر الأبواب 8 ، وكتب أمير المؤمنين عليه السلام صحفاً للحارث
1) تقييد العلم:90
2) الكافي 1:52/11
3) الكافي 1: 52 / 9
4) الكافي 1: 52 / 10
5) فتح الباري 1:166، تدوين السنة/الجلالي:52
6) تدوين السنة/الجلالي: 62
7) رجال النجاشي: 360
8) رجال النجاشي: 6 / 2
الأعور المتوفّى 65ه. فيها علم كثير 1 . وللإمام علي بن الحسين السجادعليهما السلام (الصحيفة السجّادية) و(رسالة الحقوق) وأُثر عنهم عليهما السلام (مسند الإمام الكاظم عليه السلام) و(مسائل علي بن جعفر) عن أخيه الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام و(صحيفة الإمام الرضاعليه السلام) و(رسالته الذهبية) في الطبّ وغيرها كثير 2 . وقد انعكس هذاالمنهج على عمل أصحابهم، فراحوا يدوّنون العلم فور إلقائه. روي بالإسناد عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور، قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام خطبة بعد صلاة العصر، فعجب الناس من حسن صفته، وما ذكره من تعظيم اللَّه جلّ جلاله، قال أبو إسحاق: فقلت للحارث: أوما حفظتها؟ قال: قد كتبتها، فأملاها علينا من كتابه:الحمد للَّه الذي لا يموت، ولا تنقضي عجائبه... 3 . وعلى هذا السياق دوَّن بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام كتباً وصحفاً ونسخاً من حديثه وخطبه ومواعظه، فقد كان لحجر بن عدي الكندي الشهيد سنة51ه. صحيفة فيها حديث أمير المؤمنين عليه السلام 4 . وكان زيد بن وهب الجهني المتوفّى 96ه. قد جمع خطب أمير المؤمنين عليه السلام على المنابر في الجمع والأعياد وغيرها في كتاب 5 ، ولعبيداللَّه بن الحرّ الجعفي المتوفّى 68ه. نسخة يرويها عنه عليه السلام 6 ، وغير هؤلاء كثير.
1) الطبقات الكبرى 6: 168
2) راجع: تدوين السنّة /الجلالي: 135 - 186
3) الكافي 1: 141/7، التوحيد: 31/1
4) الطبقات الكبرى 6: 220
5) الفهرست/الطوسي: 72 / 291
6) رجال النجاشي: 9 / 6
وصنّف أصحاب الأئمّةعليهم السلام في الأحاديث المروية من طرقهم عليهم السلام والمستمدّة من مدينة العلم النبوي ما يزيد على ستة آلاف وستمائة أصل أو كتاب 1 ، وامتاز من بين تلك الكتب أربعمائة كتاب، عرفت عند الشيعة بالاُصول الأربعمائة 2 ، وقد استقرّ الأمر على اعتبارها والتعويل عليها والاحتفاظ بها حتى بقي بعضها إلى يومنا هذا. ومن هنا كان لهم عليهم السلام الدور الأكبر في الحفاظ على السنة النبوية المشرّفة من أن تمسّها يد النسيان والضياع، أو تطالها يد التحريف والتغيير.
تصحيح أُصول الحديث
وهذا - أيضاً - من المعالم الأساسية في تصحيح الحديث، حيث وقف الأئمّةعليهم السلام على أُصول أصحابهم التي قدّمنا ذكرها مباشرة فقرأوها أو قرئت عليهم، وقالوا فيها كلمتهم، ككتاب عبيداللَّه الحلبي الذي عُرض على الصادق عليه السلام، وكتاب يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على الامام العسكري عليه السلام وغيرها.
1- عرض حديث الرسول صلى الله عليه وآله وعليّ عليه السلام وابن مسعود على الامام الصادق عليه السلام.
عن أبي الصباح قال: سمعت كلاماً يروى عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وعن علي عليه السلام، وعن ابن مسعود، فعرضته على أبي عبد اللَّه عليه السلام فقال: هذا قول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أعرفه،قال:قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: الشقيّ من شقي في بطن أُمّه، وذكر الحديث بطوله 3 .
1) راجع:وسائل الشيعة 30: 165، أعيان الشيعة 1: 140
2) راجع: دائرة المعارف الإسلامية 5: 32، أعيان الشيعة 1: 140، الذريعة 2: 125 - 167
3) الكافي 8: 81/39، وسائل الشيعة 27: 84/28
2- كتاب ظريف بن ناصح في فروض الديات المروي عن عليّ عليه السلام.
عن أبي عمرو المتطبب قال: عرضت هذه الرواية على أبي عبد اللَّه عليه السلام فقال: نعم هي حقّ، وقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يأمر عمّاله بذلك 1 . وعن الحسن بن الجهم قال: عرضته على أبي الحسن الرضاعليه السلام فقال لي: ارووه، فانّه صحيح 2 . وروى علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن فضال، ومحمد بن عيسى عن يونس، جميعاً عن الرضاعليه السلام قالا: عرضنا عليه الكتاب فقال: هو حقّ، وقد كان أميرالمؤمنين عليه السلام يأمر عماله بذلك، قال: أفتى عليه السلام في كلّ عظمٍ له مخّ فريضة مسمّاة، إذا كسر فجبر على غير عثم ولا عيب، فجعل فريضة الدية ستة أجزاء، الى آخر الحديث 3 .
3- أمر الامام الكاظم عليه السلام بالرواية والعرض.
عن محمد بن فلان الرافقي قال: كان لي ابن عمّ يقال له الحسين بن عبد اللَّه، وكان زاهداً، فقال له أبو الحسن عليه السلام: اذهب فتفقّه واطلب الحديث، قال: عمّن ؟ قال : عن فقهاء أهل المدينة، ثمّ اعرض عليّ الحديث... 4 .
4- كتاب يوم وليلة ليونس بن عبد الرحمن.
عن أحمد بن أبي خلف قال: كنت مريضاً، فدخل عليّ أبو جعفرعليه السلام يعودني عند مرضي، فإذا عند رأسي كتاب يوم وليلة، فجعل يتصفّحه ورقة ورقة حتى أتى عليه من أوله إلى آخره وجعل يقول: رحم اللَّه يونس، رحم اللَّه يونس،
1) الفقيه 4: 54/194
2) الكافي 7: 324/ 9
3) التهذيب 10: 295/1148
4) الكافي 1:353/8، وسائل الشيعة 27:86/33
رحم اللَّه يونس 1 . وعن داود بن القاسم الجعفري قال: أدخلت كتاب يوم وليلة الذي ألّفه يونس بن عبد الرحمن على أبي الحسن العسكري عليه السلام، فنظر فيه وتصفّحه كلّه، ثمّ قال: هذا ديني ودين آبائي، وهو الحقّ كلّه 2 . وعنه، قال: عرضت على أبي محمد العسكري عليه السلام كتاب يوم وليلة ليونس فقال لي: تصنيف من هذا ؟ قلت: تصنيف يونس مولى آل يقطين، فقال: أعطاه اللَّه بكلّ حرفٍ نوراً يوم القيامة 3 . عن محمد بن إبراهيم الوراق، عن بورق البوشجاني - وذكر أنّه من أصحابنا، معروف بالصدق والصلاح والورع والخير - قال: خرجت إلى سرّ من رأى ومعي كتاب يوم وليلة، فدخلت على أبي محمدعليه السلام وأريته ذلك الكتاب وقلت له: إن رأيت أن تنظر فيه؟ فلمّا نظر فيه وتصفّحه ورقة ورقة، قال: هذا صحيح، ينبغي أن تعمل به 4 .
5- كتاب عبيد اللَّه بن علي الحلبي.
ذكر النجاشى أنّ كتاب عبيد اللَّه بن علي الحلبي عُرِض على الصادق عليه السلام فصححه واستحسنه 5 . وقال الشيخ:عبيداللَّه بن علي الحلبي. له كتاب مصنف معوّل عليه، وقيل: إنّه عُرِض على الصادق عليه السلام، فلما رآه استحسنه وقال: ليس لهولاء - يعني المخالفين - مثله 6 .
1) رجال الكشي:484/913، وسائل الشيعة 27:100/74
2) رجال الكشي 2: 484/915، وسائل الشيعة 27: 100/75
3) رجال النجاشي: 447 / 1208، رجال ابن داود: 207 / 1743، وسائل الشيعة 27: 102 / 80.
4) رجال الكشي 2: 538/1023، وسائل الشيعة 27: 100/76
5) وسائل الشيعة 27: 102/ 81، رجال النجاشي:231/612
6) الفهرست: 106/455، رجال ابن داود:125
6-كتاب عبيد بن محمد بن قيس البجلي.
قال الشيخ الطوسي: عبيد بن محمد بن قيس البجلي. له كتاب، يرويه عن أبيه، أخبرنا به جماعة، عن التلّعكبري هارون بن موسى، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين بن حفص الخثعمي، قال: حدثنا أبو سعيد عباد ابن يعقوب الرواجني الأسدي، قال: أخبرنا عبيد بن محمد بن قيس البجلي، عن أبيه، قال: عرضنا هذا الكتاب على أبي جعفر محمد بن علي الباقرعليها السلام، فقال: هذا قول أمير المؤمنين عليه السلام، إنّه كان يقول إذا صلّى قال في أول الصلاة...وذكر الكتاب 1 .
7- كتاب الفضل ابن شاذان.
تناول الامام أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام كتاب الفضل بن شاذان، ونظر فيه وترحّم عليه 2 .